انفراط عقد تحالف صالح والحوثي والإمارات تغازل المخلوع لتعزيز نفوذها
سليمان حاج إبراهيم
Aug 26, 2017
الدوحة ـ «القدس العربي»: الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح المتمرس على اللعب على الأوتار كافة، حتى المتناقضة منها، والتحالف مع أي طرف يتودد له، ثم الانقلاب عليه في أول فرصة، يكاد عقد علاقته الجديد مع الحوثيين ومن والاهم ينفطر، ويتلاشى رابطه معهم، على ضوء التفاعلات التي يشهدها البلد، وتحوله لساحة جذب بين أطراف إقليمية.
مهرجان إحياء الذكرى الـ35 لتأسيس حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي يقوده صالح كان المحك، ومثار تحليل ورصد ومتابعة أطراف كثيرة، لبلورة التصورات النهائية حول توجهات الرجل، الذي لازالت كلمته مسموعة في هذا البلد الذي أنهكته الحروب والنزاعات.
مد وجز
شهدت العلاقة بين طرفي محور الحوثي، ومن ناصرهم، توترا وسجالا ذهبت معه الآراء إلى تصدع الحلف الذي تغذى من تشابك مصالح المجموعات المتنافسة في صراعها مع الأطراف الإقليمية الأخرى.
ومرت فعالية صالح بهدوء لم يكن متوقعا بالرغم من نقاط التفتيش الذي وضعها الحوثيون المسيطرين على العاصمة صنعاء منذ سبتمبر/ أيلول 2014 على كافة المداخل. ووجهت قيادات الحركة بعدم عرقلة ومنع حشود علي عبد الله صالح من الوصول لساحة التجمع التي كانت المحك لجس نبض نوايا الطرفين على أثر السجال والتوتر الذي سجلته العلاقة بين الطرفين.
علي عبد الله صالح، وأمام مئات آلاف اليمنيين من أنصاره، ومناضلي حزبه، حاول أن يستعرض قوته، ويبرز النفوذ الذي يتمتع به، ليبعث رسائل لحلفائه، كما خصومه، وأراد أن يثبت لهم وزنه في الساحة.
وتحدث ومن خلف زجاج مضاد للرصاص، أمام جماهير أتت من مناطق مختلفة، ليرد على حلفائه، والتأكيد على وجوده في الساحة، وأنه رقم صعب ليس من السهل تحييده عن الميدان. الرئيس السابق تجنب في كلمته توجيه انتقاد علني للحوثيين، وهو ما لم يكن متوقعا بعدما احتدت النقاشات بين الطرفين، في الفترة الأخيرة، بما أنبأ عن حدوث انشقاق وتصدع في حلفهما.
وكشف عن استعداده «لرفد الجبهات بعشرات آلاف المقاتلين» لمواجهة ما وصفها بقوات «الفار هادي» في إشارة إلى الرئيس المعترف به دوليا عبد ربه منصور هادي.
وتوقف كثيرون أمام تصريحه أن «حزبه أرسل «متطوعين من المقاتلين» إلى الجبهات، وقد يرسل الآن «الجيوش الموجودة في حزب المؤتمر الشعبي العام في كل المحافظات».
ملابسات الأزمة
الحرب الكلامية والسجال الإعلامي بين الطرفين سجل وتيرة عالية قبل حشد علي عبد الله صالح، لأنصاره في العاصمة صنعاء.
وسبق الأمر تأكيد الرئيس المخلوع أن أنصاره لن يكونوا موظفين لدى ميليشيات الحوثي، ووجه لهم رسائل شديدة اللهجة وأعلن رفضه محاولات الميليشيات إعاقة مهرجان الذكرى الـ35 لتأسيس الحزب الذي يترأسه.
كما هاجم صالح الحوثيين، وسطوتهم في صنعاء، ومصادرة حقوق المواطنين والموظفين. وأرجع عدم صرف الخزانة العامة لرواتب الموظفين إلى اللجان الثورية التي شكلها الحوثيون.
انتقادات صالح كانت ردة فعل على تصريحات لزعيم ميليشيات الحوثي، عبد الملك الحوثي، هاجم فيها حليفه، وقال إن جماعته «تتلقى طعنات من الظهر».
الحوثي انتقد ما وصفه لعب الحلفاء على أوتار عدة، وفتح قنوات تواصل مع جهات خارجية، وكانت عبارة عن انتقادات مبطنة لصالح الذي جمعت معلومات عن تواصله مع الإماراتيين. كما أضاف قائد الميليشيات في إشارة واضحة لحلفائه قوله «البعض جاء يطرح معنا في الموقف (رأس إصبعه) وباقي أرجله في الخلف» متهمهم بالتفاوض مع المملكة وأبو ظبي.
انتقادات الحوثي لصالح كانت مبنية على معلومات ومعطيات متعلقة بنجله المقيم في الإمارات التي فتحت في عز الحرب والأزمة قنوات تواصل مع أطراف الأزمة.
واتجهت عديد المؤشرات على وجود تفاهمات سرية بين أبو ظبي وصالح والاتفاق على نقاط مشتركة مستثنى منها حلفاء الطرفين وهما السعودية للأولى، والحوثي للثاني.
وتعددت شواهد قرب انفراط عقد التحالف بين صالح والحوثيين بعد فشل وساطة بين الجانبين سعى إليها زعماء قبليون، وبذلوا جهودا لنزع فتيل الأزمة.
ولم تحقق الوساطة التي قادها الزعيم القبلي ناجي الشايف، أحد كبار مشايخ اليمن، اختراقا في الأزمة، أو تساهم في تخفيف حدة التوتر بين الطرفين، مع ارتفاع منسوب الاحتقان الذي لا يزال في أعلى درجاته.
تجاذبات إقليمية
القراءات المتأنية والجادة تذهب جميعها إلى أن الأزمة الحالية هي تجسيد وتعبير عن تزايد حدة الاستقطابات بين الأطراف الإقليمية التي تحرك أطراف اللعبة في الخفاء، وعلى رأسها الإمارات وإيران.
واستهلت أبو ظبي دخولها في الأزمة مع سلسلة تغريدات لوزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش أثنى فيها على خطاب الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح واعتبره «فرصة لكسر الجمود السياسي في اليمن».
وقال قرقاش في تغريدة عبر حسابه في موقع تويتر إن الخطاب الأخير لعلي عبد الله صالح «ظاهره خلاف مع الشريك الحوثي على السلطة في مناطق الانقلاب». وأضاف أن خطاب صالح «قد يمثل فرصة لكسر الجمود السياسي الذي كرسه تعنت الحوثي».
واعتبر أن «بإمكان إرادة اليمنيين أن تحقق الاتفاق السياسي، وأن بناء دولة المستقبل لا يجب أن يستثني أحدا وعماده الاتفاق والحوار ولا يمكن أن يؤسس على الانقلاب». وأشار إلى أن المسار السياسي «يبقى أساس الحل في الأزمة اليمنية، باتفاق يجمع اليمنيين ويمنع التدخل الإيراني ويعالج مسائل الإرهاب ومستقبل الجنوب وطبيعة الحكم».
وذهبت قراءات عدة إلى اعتبار خطاب الحوثي وهجومه على حليفه السابق بواعثه توجيهات تلقاها من طهران.
وتستند هذه التأكيدات إلى أن الحوثي ليس بوسعه أن يغرد خارج الدوائر التي ترسمها له إيران، المتحكمة في تحديد الخطوط العريضة للعبة ولتحالفاته.
المناكفات الحالية بين الحلفاء اليمنيين وصراعاتهم المفتعلة هي محل قلق المنظمات الأممية التي تخشى من توتر مضاعف من شأنه أن يساهم في تعقيد حياة السكان وتزيد من مأساتهم.
وشدد مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن، إسماعيل ولد الشيخ أحمد على أن «اليمن ما يزال حتى اليوم يمر بفترة حرجة ومأساوية فيما يدفع المدنيون ثمنا رهيبا لصراع لا ينتهي على السلطة».
واستطرد أن «من ينجون من المعارك يواجهون الموت بالمجاعة أو المرض مع استمرار الوضع الاقتصادي في التدهور، والتوترات السياسية مستمرة في تقويض مؤسسات الدولة التي يعتمد عليها كثير من اليمنيين».
ودعا مجلس الأمن الدولي أطراف النزاع في اليمن إلى تسهيل وصول المساعدات الإنسانية بشكل سريع وآمن.
ستيفن أوبراين وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية حذر بدوره من أن اليمن يواجه مأساة إنسانية ذات ثلاثة أبعاد، هي: المجاعة وتفشي وباء الكوليرا والظلم الناتج عن صراع وحشي سمح له العالم بالاستمرار.
وأكد في كلمة ألقاها أمام جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي لمناقشة الوضع الإنساني والمسار السياسي في اليمن، أن من الضروري اتخاذ إجراءات عاجلة إزاء الكارثة في هذا البلد، مؤكدا أنها من صنع الإنسان وكان بالإمكان تفاديها. ويتوقع المراقبون أن تكشف الأيام المقبلة عن بوصلة توجه الأطراف المتناحرة وحتى المتحالفة على ضوء التطورات التي يشهدها الملف الذي يخضع لتجاذبات أطراف عدة ساهمت جميعها في تعقيد حياة السكان.