تحالف الحوثي ـ صالح: من التأسيس إلى بداية الانهيار مع تدشين مرحلة «كسر العظم»
تعز ـ «القدس العربي»ـ خالد الحمادي: كشفت العديد من المعطيات والمؤشرات أن التحالف الانقلابي في اليمن بين جماعة الحوثي المسلحة وحزب الرئيس السابق علي عبدالله صالح، المؤتمر الشعبي العام، بدأ بالعد التنازلي نحو الانهيار واحتمالات الانتقال نحو مرحلة المواجهة بينهما التي توصف بمرحلة «كسر العظم» مع تصاعد الخلافات وتقاطع المصالح المشتركة.
عند الحديث عن الخلاف بين الحوثي وعلي صالح يبرز إلى السطح المهرجان الضخم الذي نظمه حزب صالح في ساحة ميدان السبعين في العاصمة صنعاء، الخميس الماضي، الذي لم يكن مجرد مهرجان احتفالي تقليدي، لاحياء الذكرى 35 لتأسيس حزب المؤتمر بقدر ما كان استفتاء شعبيا على مكانة صالح وقوته التي ما زال يحتفظ بها رغم مغادرته لكرسي الرئاسة في شباط (فبراير) 2012 وهو ما شعر الحوثي بخطورته وعمل بكل ما أوتي من قوة لإعاقة ذلك حتى كاد الوضع ان ينفجر بينهما عسكريا قبيل تنظيم المهرجان، لو لا التنازلات الكبيرة التي اضطر صالح لتقديمها لهم والتي أفرغت المهرجان من جوهره.
حضور مهرجان صنعاء لم يكونوا جميعهم من أتباع صالح، بل كان الكثير منهم من ضحايا الحوثيين، وشاركوا في حضور هذا المهرجان طواعية ليس حبا في صالح بقدر ما هو كرها في الحوثيين، حيث كانوا يطمحون إلى أن يكون الهدف من هذا المهرجان إيقاد شرارة التغيير والانتفاض ضد جماعة الحوثي التي أغرقت البلاد في أتون الحرب ودفعت بالسكان إلى حافة الفقر المدقع وأصابت الحياة العامة بالشلل التام في كل مكان وفي مقدمة ذلك المناطق التي تسيطر عليها.
وتساءل وزير الثقافة الأسبق خالد الرويشان عن طبيعة هذا التجمهر الذي لم يحقق هدفه فقال «لماذا احتشدتم إذن؟ كان يجب أن تعتصموا حتى تُغيّروا. تحتشدون منذ شهر من أجل 5 دقائق! لا سابقة في العالم لهكذا تظاهرة. شباب التغيير في 2011 اعتصموا حتى غيّروا اعتصموا وكانوا تحت النار وأنتم اليوم ما سلّم حتى ودّع! وكنتم تحت المطر! شتّان بين السماء والأرض. متى ستتعلمون…متى ستتغيرون؟!».
وذكرت مصادر سياسية أن الخلاف الذي برز خلال مهرجان حزب المؤتمر في صنعاء لم يكن سوى (رأس جبل الجليد) الذي يخبئ تحته كتلة ضخمة من الخلافات والصراعات الثنائية بينهما، رغم التحالف بينهما الذي يمتد إلى ما قبل العام 2014 إذ سيطرت قوات الطرفين على العاصمة صنعاء وما قبلها وما بعدها من مدن ومحافظات في شمال ووسط اليمن.
ووفقا لهذه المصادر كان تحالف الحوثي صالح، تحالف مصالح بحت، بعيدا عن القواسم المشتركة بينهما، حيث اضطر كل منهما الدخول فيه لتحقيق مصلحته عبر الاستقواء بالطرف الآخر وتقوية نقاط ضعفه عبر هذا التكامل العسكري والسياسي.
رغم أن صالح كان يمتلك مقومات دولة، بسيطرته على ولاءات قوات الكثير من قوات الجيش والأمن وفي مقدمتها قوات الحرس الجمهوري الموالية له بالكامل، بالإضافة إلى سيطرته على ولاءات الكثير من السياسيين الذين عملوا معه خلال فترة حكمه التي امتدت لنحو 33 عاما، غير أنه بموجب المبادرة الخليجية التي تضمنت الانتقال السلمي للسلطة وانتخاب عبدربه منصور هادي مباشرة من قبل الشعب في شباط (فبراير) 2012 خلفا له، لم يتجرأ صالح من إعلان التمرد على السلطة الشرعية، لمعرفته عواقب ذلك محليا ودوليا، فلجأ إلى التحالف مع جماعة الحوثي، كحركة تمردية خارجة عن إطار النظام والقانون، للانقلاب على السلطة الشرعية.
صراعات خفية
قدّم صالح كل إمكانيات الدولة العسكرية والسياسية التي ما زال يحتفظ بها لخدمة الحوثيين وتحت تصرفهم، مقابل استخدامه لهم كأدوات لتحقيق كل الأهداف التي كان يسعى إلى تحقيقها وان بشكل غير مباشر ليبقى بعيدا عن المساءلة القانونية والأخلاقية مستقبلا، في الوقت الذي يشعر فيه الحوثيون أنهم يحققون أهدافهم في السيطرة على الحكم عبر استخدامهم لقوات صالح ولنفوذه السياسي في الداخل وحضوره الدبلوماسي في الخارج.
هذا الواقع الذي قدم لنشوء هذا التحالف بين صالح والحوثيين، رافقته خلافات عميقة وصراعات خفية غير معلنة، كان الطرفان يتجاوزانها ويغضان الطرف عنها تحت مبرر الحفاظ على المصلحة العامة، ولكن مع مرور الوقت وإطالة أمد الحرب بلغ السيل الزبى كما يقال وخرج الأمر عن طوره فانفجرت الخلافات وخرجت إلى السطح بقوة، وبالذات عندما بدأ صالح يتخلص من تبعات تحالفه مع الحوثيين بعدما بالغوا في تعزيز قواتهم وتهميشهم لأتباعه على الصعيد السياسي، اذ حوّلهم الحوثيون إلى مجرد أتباع لهم.
وقال رئيس مركز «أبعاد» للدراسات والأبحاث عبدالسلام محمد لـ«القدس العربي» ان «فلسفة الخلاف بين صالح والحوثيين تحتاج لتحديد الفاعلين في الطرفين. هناك عامل مشترك قرّب طرفي الانقلاب الحوثيين وصالح وهو تنظيم الهاشمية السياسية التي وجدت في المؤتمر واجهة سياسية وفي الحوثي واجهة مسلحة».
وأوضح أن «هذه الجهة استغلت اندفاع صالح نحو توريث الحكم وقدمت له خدمات كبيرة أهمها الاستفادة من حركة الحوثي في إضعاف مؤسسات الجيش ودعمت تشكل الأدوات الموازية للدولة وسيطرت عليها مثل الحرس الجمهوري الموازي للجيش والأمن المركزي الموازي للأمن العام والأمن القومي الموازي لمخابرات الأمن السياسي وبنك التسليف الزراعي الموازي للبنك المركزي».
وأضاف «ما أن اندلعت ثورة شباط/فبراير 2011 حتى بدأ تنظيم الهاشمية السياسية استغلال الفرصة في تمكين الحوثي من الدولة حتى حين وجد صالح نفسه خارج الدولة استخدم هذه الأدوات كلها في إفشال الانتقال وتمكين الحوثيين من اجتياح العاصمة وإسقاط الدولة».
وأشار محمد إلى أنه بعد اندلاع «عاصفة الحزم» تمكن الحوثي من الاستفادة من تسليم المؤسسات العسكرية له للقتال وشكل قوة مسلحة موازية لقوة صالح، بل إن مهرجان حزب صالح الأخير يوم الخميس الماضي في صنعاء كشف أن «الحوثي مسيطر عسكريا على العاصمة أكثر من صالح».
وأكد أن «الخلاف بدأ هنا، حين وجد صالح نفسه وحزبه تحت رحمة الميليشيا الحوثية وحين شعر أن أدواته أضحت تسحب من تحت قدميه بهدوء، لكن هذا الخلاف لم يتطور إلى المواجهة لأسباب منها انعدام حالة التوازن، إذ أن الكفة رجحت لصالح الحوثي خاصة أن قوات صالح تعاني من التضييق، ثانيا لم يجد صالح عرضا من التحالف بدعمه لو تحرك ضد الحوثي، ثالثا القوة الفاعلة المشتركة بين الطرفين الهاشمية السياسية غير مستفيدة من دخول الطرفين في صراع ويبدو أنها استعانت بحزب الله وإيران لمنع الحوثيين من الانزلاق في مواجهة صالح الذي ظهر ضعيفا ومحاصرا وقد تمكنت جماعة الحوثي من اخضاعه وحزبه ليحتفل تحت حمايتهم».
المعادلة لم تتغير
وتوقع رئيس مركز «أبعاد» أن «المواجهة لن تحصل إذا بقي صالح في دفة قيادة المؤتمر ولكن يبدو أن قاعدة المؤتمر أصبحت تعاني من الاذلال وربما قد تصطدم بالحوثيين ولكن بشكل غير منظم ولذلك فإن الوضع في صنعاء تحول إلى يد قوة سيطرة واحدة هي الحوثيين».
مشيرا إلى أنه بعد 24 آب (أغسطس) الجاري «أصبح الخلاف بين المؤتمر والحوثيين خلافا عميقا وقد يؤدي إلى تفكك تحالف الانقلاب لكن لن يغير من المعادلة بشيء كون صالح أصبح دمية بيد الحوثيين ومن يحكم صنعاء اليوم ومحافظات الشمال هو تنظيم الهاشمية السياسية (الحوثية)».
نهاية الصراع
بينما أكد الكاتب السياسي نبيل البكيري لـ«القدس العربي» ان «الخلاف الجوهري بين طرفي الانقلاب (صالح/الحوثي) هو جو تقاسم تركة الدولة التي أسقطوها خاصة وان ميليشيا الحوثي أقصت بعد الانقلاب كل أنصار وأعضاء المؤتمر الشعبي لصالح مشرفي ميليشياتها وهذا ما ولّد موجة احتقان لدى المؤتمرين الذين أملوا كثيرا بالاحتفاء الجماهيري الأخير لصالح الذي زاد في إحباطهم».
وأضاف «باعتقادي الفعالية الأخيرة للمخلوع صالح رسمت نهاية الصراع بتلك الطريقة التي رأيناها، لن يتطور الصراع إلى مواجهة مسلحة وسيظل محكوما تحت هذا المستوى». موضحا أنه «بمعنى لم يعد بمقدور صالح عمل شيء وأن الواقع يقول انه أصبح أشبه بمعتقل تحت سيطرة الجماعة وليس حليفا لها وأنها مستفيدة من بقائه بهذه الصورة حتى تتمكن من البقاء خارج مناطق نفوذها المذهبي».
وأرجع العديد من المراقبين تصاعد الخلاف بين صالح وحليفه الحوثي أيضا إلى المتغيرات المتسارعة في منطقة الخليج والخلافات المفاجأة بين دول التحالف العربي وما تلا ذلك من استقطابات، والتي يعتقد أن أبو ظبي تعمل بشكل مكثف لاستقطاب علي صالح وحزبه إلى صفها لإعادة صناعة نظام صالح في اليمن عبر التهيئة لعودة نجله العميد أحمد علي إلى موقع قيادي بارز في سلطة ما بعد الحرب الراهنة، مقابل مساعدتهم في القضاء على تمرد الحوثيين.
وقال أحد السياسيين المخضرمين الذي فضّل عدم ذكر اسمه لـ«القدس العربي» ان هذا التقارب الإماراتي مع صالح اعتبره الحوثيون تجاهلا لهم وأن صالح «أصبح يعزف منفردا ويسعى إلى تحقيق مصالحه دونهم ويعمل لترتيب وضعه بعيدا عنهم، ولذا أجبروه على الرضوخ لكل مطالبهم عند السماح له بتنظيم مهرجان صنعاء بعد أن كان الوضع قاب قوسين من الانفجار بينهما».
وأضاف «استطاع الحوثيون إفراغ هذا الحشد الكبير من مضمونه الذي كان صالح يريد ايصال رسائل سياسية قوية عبره للداخل والخارج، بينما أخرجه الحوثيون بصورة أن صالح أصبح مجرد أداة بيد الحوثيين لتنفيذ الأجندة الحوثية وتحت وصايتهم».
وساهمت التطورات الخليجية في التقارب بين أبو ظبي وصالح، في محاولة من دول التحالف إلى إغلاق ملف الحرب في اليمن الذي خرج عن سيطرتها وأصبحت تسعى إلى اغلاقه بخروج «آمن» وتعتقد أن الرجل المناسب والمفتاح لذلك هو علي عبدالله صالح، وهو ما أثار حفيظة زعيم جماعة الحوثي عبدالملك بدر الدين الحوثي، ودفعه إلى الوقوف بشدة وحجرة عثرة أمام أي ظهور على السطح لعلي صالح كرجل قوي في البلاد.
وقامت قوات التحالف العربي في اليمن بإجراء تحركات جوهرية في قواتها تتناسب مع مستجدات الوضع الجديد، حيث قامت المملكة العربية السعودية الأسبوع الماضي بإقالة قائد قوات التحالف في اليمن العميد الركن إبراهيم الحربي، والاسراع في تعيين خلف له العميد الركن علي ساير العنزي، وأحيط هذا الخبر بالتكتم ولم يتم نشره عبر الوسائل الإعلامية السعودية، بينما تسلم القائد الجديد مهام عمله على أرض الواقع منذ أيام في محافظة مأرب، شرقي اليمن، حسب مصدر وثيق الاطلاع أكد لـ«القدس العربي» ذلك.
وأوضح ان العنزي كان قائد تمرين رماح الشمال الذي أقامته القوات السعودية بمشاركة العمليات الخاصة الأمريكية والماليزية، في العام 2016، بينما تم تعيينه حاليا قائدا لقواتها في اليمن والذي يعد قائدا عاما لقوات التحالف العربي الذي تقوده الرياض وتلعب فيها أبو ظبي الدور الأقوى والمؤثر على الأرض.
ويظل الصراع الحوثي ـ صالح عميقا وقابلا للانفجار في أي لحظة، خاصة بعد انكشاف سوأة الطرفين وتكشف غاياتهم من التحالف المصلحي بينهما وتباين بل وتضاد الأجندات الخاصة بهما وتهيئة الظروف الراهنة لفض هذا التحالف التكتيكي بينهما من أجل تحقيق كل طرف لمصلحته وأهدافه بعيدا عن الطرف الآخر، بعدما حقق عبره كل ما يريد من مكاسب عسكرية وسياسية.