الصهيونية السياسية الجديدة
هآرتس
دمتري شومسكي
29/8/2017
في خطابه الافتتاحي في المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد قبل 120 سنة في بازل في مثل هذه الايام (من 29 – 31 آب 1897)، قرر مؤسس الصهيونية السياسية، ثيودور هرتسل، أن أحد الأهداف المركزية للمؤتمر هو اعطاء الحركة الصهيونية بُعدا علنيا عالميا بارزا. وذلك من اجل أن يوضح بصورة حاسمة وواضحة للرأي العام العالمي ماهية وهدف الصهيونية، وأن يضمن استمرار النقاش في "المسألة اليهودية" على جدول العمل الدولي – الى حين حل هذه المسألة سياسيا، أو كما قال: "لا يمكن أن يكون الحديث لدينا (الصهاينة) عن تجمع سري وبطرق مخفية، بل من خلال نقاش حر وعلني قابل للانتقاد المستمر ويسلم به الرأي العام العالمي" (خطاب الافتتاح في المؤتمر الصهيوني).
في ختام المؤتمر قدر هرتسل أن هذا الهدف تم تحقيقه بنجاح لا بأس به: "أحد نتائج المؤتمر الهامة هو حقيقة أن العالم كله أصبح لديه معرفة صحيحة عن ماهية الصهيونية، التي كانوا حتى الآن يشوهونها أن يمرون مر الكرام عنها" (نتائج المؤتمر الصهيوني – اسم).
في هذه الايام يمكن أن نرى في النشطاء الإسرائيليين ضد مشروع الاحتلال والاستيطان صهاينة سياسيين جدد. بالتأكيد أن عدد منهم سينفون هذا التعريف أو يشعرون بعدم الرضى لأن كثيرين ممن يعارضون الاحتلال أصبحوا يمقتون المصطلحات الوطنية والصهيونية بسبب تماثلها الحصري تقريبا في الخطاب الاسرائيلي الحالي مع الوطنية، الاستيطان والغاء "الآخر". ولكن بالمعنى التاريخي، فان النضال المدني الاسرائيلي ضد الاحتلال يستمر في طريق الصهيونية السياسية. حيث أن هدفه هو منح اسرائيل حدود سياسية مشروعة، ويكمل بذلك عملية التطبيع الوطني السياسي للشعب اليهودي – الهدف السياسي الأول لمن اجتمعوا في بازل في المؤتمر الصهيوني الأول قبل 120 سنة.
علاوة إلى ذلك أنه من الواضح في الآونة الاخيرة فان المجموعات المدنية الاسرائيلية التي تعارض الاحتلال اصبحت تتبنى نفس الاساليب من التوجه العلني للرأي العام العالمي، التي ميزت نضالات الصهيونية السياسية لهرتسل من اجل تحقيق اهدافها. الامثلة البارزة على ذلك هي الخطاب الشجاع للمدير العام لـ "بتسيلم"، حاغي العاد، في مجلس الامن في السنة الماضية. والكشف العلني عن أبعاد القمع العسكري الاسرائيلي للفلسطينيين من قبل "محطم الصمت"، ورغم ذلك يصعب القول إنه يوجد للمعارضة الإسرائيلية المنظمة التي تعارض مشروع الاحتلال والاستيطان حضور عالمي بارز، وهي جسم مركزي ومؤثر في النقاش حول مسألة الاحتلال في الساحة العالمية.
تفسير بسيط لاقوال هرتسل يمكنه التشكيك بأنه "أصبح لدى كل الناس وفي كل مكان معرفة صحيحة عن ماهية الصهيونية السياسية الجديدة"، المتمثلة بمنظمات النضال الاسرائيلية ضد الاحتلال، بالعكس، إن اشخاص كثيرين ما زالوا "يشوهونها أو يمرون عليها مرور الكرام". حتى أنه يمكن الافتراض بأنه ايضا في اوساط الدبلوماسيين الغرباء الذين يتحفظون بصورة واضحة من سياسة الاحتلال والاستيطان الإسرائيلية تسود صورة مشوهة للمعارضين الإسرائيليين كمجموعة من رجال السلام المثاليين. ربما غريبو الاطوار نوعا ما الذين لا يضعون المصالح الوطنية لإسرائيل أمام أعينهم، بل لديهم اعتبارات اخلاقية – عالمية فقط.
إن الطريقة الناجعة لازالة عدم فهم كهذا، التي من شأنها ايضا ايجاد أدوات جديدة للتطوير التنظيمي السياسي للنضال ضد الاحتلال، هي المبادرة الى عقد "المؤتمر الوطني الإسرائيلي للنضال ضد الاحتلال والاستيطان". إن مؤتمر كهذا يلاقي ويقابل مواطني إسرائيل المعارضين للوجود الكولونيالي الإسرائيلي خارج حدود الدولة برعاية نظامها العسكري.
يجب على هذا المؤتمر أن يوضح والى الأبد للمجتمع الإسرائيلي والمجتمع الدولي بأن الهدف السياسي الاسمى لحركة معارضة الاحتلال والاستيطان هو التطبيع الوطني لإسرائيل كدولة قانون، التي تحدها حدود دولية معترف بها والتي تندمج في أسرة الشعوب الحرة. إن تحقيق هذا الهدف يعبر عن التجسيد الكامل للرؤيا الوطنية السياسية، التي تم شق طريق تحقيقها للمرة الأولى في نهاية صيف 1897 في بازل.