أخبارالمنسيات خلف القضبان… قصص عن الأسر وآلام الإصابة والتعذيب
كثيراً ما تتكرر على ألسنة أهالي الأسرى كلماتٌ يجتمع عليها جلهم، وهي أن اعتقال الرجل لا يقتصر على شخصه فحسب بل يشمل كل عائلته، فكيف إذا أقدم الاحتلال على اعتقال امرأة تمارس دورها كأمٍ وكزوجة وكابنة وكأخت وكطالبة.
التحقيق، تكبيل اليدين، العزل، الاعتقال الإداري، الحرمان من الزيارة، منع التعليم، حرمان إدخال الكتب، الاعتقال على مرأى من عيون أطفالهن، فرض غرامات مالية باهظة والأحكام الجائرة، هي مصطلحات لم يعد غريباً أن تتواجد في مجتمع الأسيرات.
ولا تغيب مناظر من جرى اعتقالهن خلال السنوات الماضية عن الأذهان، وما تعرضن له من انتهاكاتٍ جسدية، وإطلاق رصاص، وتقديم علاجٍ متأخر، يتعمد الاحتلال لاحقاً، عقب مرور أيام من الاعتقال على إيقافه وحرمان الأسيرة منه، ويكتفي بإعطائها المسكنات، كما حدث مع الأسيرة عبلة العدم، والأسيرة الطفلة استبرق نور.
مكتب إعلام الأسرى في هذا التقرير، يسلط الضوء على معاناة مجتمع المرأة الأسيرة الفلسطينية في يوم المرأة العالمي، والذي يشهد انتهاكاتٍ صريحة، ويسرد تجارب لا تزال سجون الاحتلال تغلق عليها، ويسلط الضوء على ملف الأسيرات القاصرات وملف الأسيرات الجريحات وحق التعليم الذي تحرم كثيرٌ منهن من ممارسته، إضافةً إلى التنقلات وعذابات البوسطة التي تعاني منها الأسيرات .
الأسيرة في سطور
يبلغ عدد الأسيرات الفلسطينيات في سجون الاحتلال الصهيوني 59 أسيرة، أكثر من 14 أسيرة منهن دون سن الثامنة عشرة، ومنهن 18 أسيرة مقدسية، جلهن مررن بتجارب الأسر دون أخذ الاعتبار بحقوقهن، فقد خضعن للاعتقال، وإلى تكبيل الأيادي والتوقيف والتحقيق ومنع الزيارة، وبعضهن أطلق الرصاص عليهن قبل أن يتم اعتقالهن.
الاحتلال أصدر إلى جانب ذلك أحكاماً عالية بالسجن الفعلي بحقهن، فقد صدر بحق الأسيرة شروق دويات (19عاماً) من مدينة القدس، حكماً بالسجن لمدة 16 عاماً، في حين صدر بحق الأسيرة ميسون موسى الجبالي (23عاماً) من بيت لحم، بالسجن لمدة 15 عاماً.
وتعتبر الأسيرة لينا أحمد صالح الجبروني (42عاماً) من قرية عرابة في الداخل المحتل، من أقدم الأسيرات في سجون الاحتلال الصهيوني، فقد اعتقلها الاحتلال بتاريخ 18/4/2002، وخلال شهرين تدخل الأسيرة الجبروني عامها السادس عشر في سجون الاحتلال، وهي تواجه حكماً بالسجن 17 عاماً بتهمة إيواء مقاومين.
لا تزال الأسيرات في سجون الاحتلال والمحررات أيضاً، يشهدن على الدور الكبير للأسيرة لينا الجربوني، والتي تعتبر بمثابة الأم التي حُرمن منها، خاصةً الأسيرات القاصرات، ولا تزال لينا تستقبل أسيراتٍ جدد وتودع أخرياتٍ منذ 15 سنة.
والدة الأسير صادق ناصر من بلدة بيتا، جنوب مدينة نابلس، خير مثال يدلل على أن اعتقال المرأة الفلسطينية لا يطال شخصها فحسب، الأسيرة أم صادق اعتقلت بعد تنفيذ نجلها صادق، عملية طعن وإطلاق نار في تل أبيب بتاريخ 9/2/2017، وقد اعتقل الاحتلال والدته بعد أيام من تنفيذه العملية.
والدة الأسير صادق لا تزال موقوفة في انتظار انتهاء التحقيق في قضيتها، ويؤكد أهالي والبلدة على أن عائلتها قد انتقلت للسكن في مدينة رام الله، وترك أطفالها مدارسهم، حتى تنتهي قضية اعتقال والدتهم، الاحتلال أجل موعد النظر في قضية الأسيرة أم صادق مدة أسبوعين وقد اعتقلت خلال مداهمة منزلها بتاريخ 22/2/2017.
الاحتلال لا يكتفي بالتنكيل بالأسيرة لحظة اعتقالها ، ولا بإصدار حكم جائر بحقها، بل يتجاوز ذلك كله إلى إصدار غرامات باهظة، فقد فرض حديثاً بحق الأسيرة شاتيلا أبو عيادة (24عاماً) من كفر قاسم، بتاريخ 27/2/2017، إلى جانب حكمٍ بالسجن لمدة 16 عاماً، وغرامة مالية قدرها 100 ألف شيكل، في حين أصدر بحق الأسيرة نورهان عواد قبل أشهر غرامة مالية بقيمة 30 ألف شيكل.
والدة الأسيرة شاتيلا أكدت في حديثٍ لمكتب إعلام الأسرى، على أن الغرامة التي فرضت بحق ابنتها لم تكن متوقعة، ويتذرع الاحتلال بأن حجم الغرامة جاء وفقاً للأضرار النفسية والجسدية التي سببتها شاتيلا للمستوطنة التي نفذت العملية بحقها.
كما وتجدر الإشارة إلى أن الاحتلال الإسرائيلي لا يستثني الأسيرات من ملفات الاعتقال الإداري أيضاً، فقد أقدم الاحتلال على تحويل الأسيرة إحسان دبابسة إلى الاعتقال الإداري قبل أيام لمدة ستة أشهر، دون إصدار تهمة واضحة بحقها، وهي المرة الثالثة التي تخوض فيها الأسيرة دبابسة تجربة الاعتقال.
الأسيرات القاصرات
يعتبر ملف الأسيرات القاصرات داخل سجون الاحتلال من أكثر الملفات التي تستدعي وقفة جدية، حيث يبلغ عدد الأسيرات القاصرات في سجون الاحتلال الصهيوني أكثر من 14 أسيرة، وتتراوح أحكامهن ما بين 20 شهر إلى 16 عاماً.
كما ولا تزال أكثر من سبعة أسيرات قاصرات بانتظار صدور أحكام بحقهن، وتحتل مدينة القدس المرتبة الأولى من حيث عدد الأسيرات القاصرات إذ يبلغ عددهن خمسة أسيرات صدر بحقهن أحكام عالية.
الأسيرة المقدسية شروق دويات صدر بحقها حكمٌ بالسجن مدة 18 عاماً، في حين صدر بحق الأسيرة مرح باكير حكم بالسجن مدة ثماني أعوام، وصدر بحق الأسيرة نورهان عواد حكم بالسجن مدة 15 عاماً، وبحق الأسيرة منار شويكي حكم بالسجن مدة ستة أعوام، في حين تنتظر الأسيرة ملك سليمان إصدار حكم بحقها، وتتوقع عائلتها أن الحكم سيكون جائراً أيضاً.
والدة الأسيرة ملك سليمان لطالما وصفت ابنتها الأسيرة الطفلة ملك سليمان بالطيبة التي تملأ بيتها بالسعادة، وهي تنتظر بتاريخ 26/3/2017 أن يتم عقد جلسة محاكمة هي الجلسة الثالثة والعشرين التي يتم عقدها لها، فهي موقوفة منذ تاريخ 9/2/2016، وقد أنهت عامها الأول في الاعتقال دون أن يتم إصدار حكم بحقها، وتتخوف عائلتها أن يتم إصدار حكم جائر بحقها.
تنقلات السجون
ويتعمد الاحتلال التنغيص على حياة الأسيرات داخل سجونه فيحرمن من حق الاستقرار في سجنٍ واحد، عدا عن عدد المحاكم الكبيرة التي يتم تأجيلها بحقهن، وعذاب البوسطة الذي يقاسينه، فالاحتلال أقدم قبل أيام قليلة على نقل ما يزيد عن 15 أسيرة من سجن هشارون إلى سجن الدامون، بحجة إجراء تصليحات في أحد أقسام السجن.
والد الأسيرة أنسام شواهنة أحد الأسيرات اللواتي تم نقلهن والتي كانت شعلة من النشاط في سجن هشارون، أكد على أن نقلها حرم عدد من الأسيرات من متابعة تعليمهن ونشاطهن الثقافي، حيث كانت الأسيرة شواهنة تكفلت بإعطائهن دروس تعليمية وتثقيفية، كما وساعدت عدد من الأسيرات على اجتياز امتحان الثانوية العامة.
وتجدر الإشارة إلى أن الأسيرات اللواتي يتواجدن في سجني هشارون والدامون يقاسين صنوفاً من العذاب لا بسبب سنوات الاعتقال فحسب بل أيضاً بسبب افتقارهما لأدنى مقومات الحياة، والظروف الصحية والمعيشية السيئة التي تعاني منها الأسيرات في هذين السجنين بشكلٍ خاص.
حق التعليم
رغم النص الصريح لاتفاقية جنيف الرابعة في المادة 94 والذي يقضي بعدم منع المحتجِز، وفي هذا السياق بعدم منع الاحتلال، للأسير من الأنشطة الذهنية والتعليمية، بل وتشجيعه على ممارستها، إلا أن الاحتلال لا يزال يعرقل على أبسط تقدير، إدخال الكتب إلى الأسيرات.
أعداد كبيرة من الأسيرات الفلسطينيات حرمن من حق التعليم بسبب قوانين مجحفة، علاوةً على عراقيل الاحتلال لهن في هذا المجال، فلا يزال حلم الأسيرة شروق دويات بأن تصبح محامية معلقاً، ولا يزال حلم منار شوبكي بأن تصبح صحفية يخضع لدراسة ذوي الاختصاص، كما ولا يزال حلم الطالبة المتفوقة صاحبة معدل الامتياز أنسام شواهنة من إكمال تعليمها بعيداً أيضاً.
ويحرم الاحتلال الأسيرات في أحيان كثيرة من التقدم لامتحانات الثانوية العامة كإجراء عقابي، وإن سمح لهن بذلك فلا يتم توفير الكتب المدرسية المطلوبة حسب تأكيد ذويهن، كما ويمنع الاحتلال الصهيوني عدداً كبيراً من الأسيرات الجامعيات من نيل درجة البكالوريوس، فقد أكدت والدة الأسيرة شروق دويات بأنها حين طالبت بهذا الحق لابنتها والتي تقضي حكماً طويل الأمد، تم إخبارها بأنه يجب أن يكون هناك لجنة من الأسيرات يجب أن تتكون من أكثر من ثلاث أسيرات حاصلات على درجة ماجستير؛ حتى تستطيع باقي الأسيرات استكمال تعليمهن العالي، وهي شروط من الصعب تحقيقها.
الجريحات
ولا يزال ملف الأسيرات الجريحات أحد أهم الملفات الشائكة التي تقتضي دراستها والتي لا يتم التعامل معها بجدية، فقد وصل عدد الأسيرات الجريحات واللواتي تعرضن إلى إطلاق نار وجرى اعتقالهن، 12 أسيرة.
عبلة العدم، جميلة جابر، نورهان عواد، ناتلي شوخة، مرح باكير، استبرق نور، هي قائمة مصغرة من الأسيرات الجريحات واللواتي يعانيّن ملفات صحية داخل سجون الاحتلال، فالأسيرة عبلة العدم (45عاماً) من مدينة الخليل، تعرضت أثناء اعتقال الاحتلال لها عام 2015 لإطلاق النار، وقد تعمد جنود الاحتلال إطلاق الرصاص عليها في منطقة الرأس وفي منطقة الوجه أيضاً، ولم تستكمل علاجها بعد، وتواجه حكماً بالسجن لمدة 15 عاماً.
الأسيرات القاصرات أيضاً لا يتم استثناؤهن من هذا الملف، فالأسيرة الطفلة استبرق نور (15عاماً) من مدينة نابلس، تعرضت لإطلاق الرصاص عليها عقب اعتقالها في عام 2015، ولا تزال تعاني من آثار نفسية وجسدية بسبب هذه الإصابة حتى هذا اليوم.
في يوم المرأة العالمي، يطالب مكتب إعلام الأسرى الجهات المختصة والمجتمع الدولي بتكثيف الجهود من أجل حماية حق المرأة الفلسطينية، ويشمل هذا حماية حقوق المرأة الأسيرة الفلسطينية، ومنع الاحتلال من اعتقالها، ومنع الانتهاكات التي تتعرض لها الأسيرات في سجون الاحتلال الإسرائيلي كل يوم .