الشاعرة منى ظاهر وجمال الكلمة النابضة بالحب والحياة ..!!
شاكر فريد حسن
الشاعرة والكاتبة النصراوية منى عادل ظاهر من الاصوات الشعرية والأدبية الناضجة في حركة الابداع الثقافي في الداخل الفلسطيني ، عرفها القارىء من خلال قصائدها ونصوصها الأدبية المنشورة في الصحف والمجلات والدوريات الثقافية ، ودواوينها الشعرية التي صدرت لها .
بدأت منى ظاهر رحلتها مع عالم الكلمة الشاعرة منذ شبابها المبكر ، وبرز بشكل جلي تطور ادواتها واساليبها الجمالية الفنية ، حيث انها انتقلت الى مرحلة فنية اكثر نضوجاً وتمدداً في ملامحها الجمالية والموضوعية ، وبدأت في تطويع اللغة الشعرية بما يتلاءم والتطورات الجارية في المفهوم الفلسفي والجمالي للشعر الحديث المعاصر ، وعنيت في نتاجها الشعري والأدبي بالقضايا الانسانية والوجدانية والوطنية والاجتماعية والفكرية التي تشغل واقعها المحلي والعربي ، منطلقة الى أفق ورحاب الرؤية الانسانية الأممية الكونية .
ولدت منى عادل ظاهر في الناصرة يوم الثامن عشر من تشرين أول العام ١٩٧٥، وهي احدى حفيدات الشيخ القائد ظاهر العمر الزيداني ، حاصلة على شهادة البكالوريا اللقب الأول في موضوع اللغة العربية وآدابها ، من جامعة حيفا ، وعلى شهادة اساليب التدريس من جامعة حيفا ايضاً ، وعلى شهادة في البحث النسوي من مؤسسة العمل التربوي في بريطانيا ،ضمن مشروع البحث التربوي للنساء الفلسطينيات عن مركز الطفولة .
شاركت منى ظاهر في العديد من الندوات واللقاءات والمؤتمرات الأدبية والثقافية في البلاد .
صدر لها مجموعة من الأعمال الشعرية والمنجزات الادبية ، وهي : " شهريار العصر ، ليلكيات ، طعم التفاح ، حكايات جدتي ، اصابع ، خميل كسلها الصباحي ، يوميات شقي الزغلول ".
تمتاز رؤية منى ظاهر الشعرية تلك بشفافية نادرة وبصدق عفوي له نكهته المميزة ورونقه الخاص ، وكما يقول الكاتب نبيل عودة : " شعرها ووجدانها كل واحد مرتبط بخيوط من حرير ، بالغة النعومة ، ولكن شديدة القوة والمقاومة للقطع ، فهي من وجدانها تكتب شعراً او تكتب شعرها بوجدانها .
منى ظاهر شاعرة دافئة مرهفة الحس ، عاشقة للحب والجمال والاحساس بكل الصور والتعبيرات والتجليات ، بعيداً عن الابتدال الحسي ، تتدفق نغماً عبر الكلمات ، وترسم بدمها ودموعها معالم الدفق العاطفي الشعوري باسلوب سهل بسيط ورقيق ، معبرة عن عواطفها واحاسيسها الفياضة ، التي تسكبها حروفاً أنيقة وكلمات زاهية بديعة وجميلة على صفحات القلب والروح .
يقول الشاعر والناقد د.ا فاروق مواسي في المقدمة التي كتبها لديوانها الثاني " ليلكيات":
" ستظل منى في محاولاتها الوجدانية معتنقة صورة الحب " زهرة نقية وتستحم على وريقاتها سيمفونية ندية " ستظل اشواقاً أصيلة مفعمة باللوعة ، هذه اللوعة التي تحاول ان تقاوم الفرقة كما الزمن ، فهذه بعض كلماتها او لوحاتها ، ولنا ان تقطف ما يحلو ".
اننا نشهد لمنى ظاهر بالعاطفة الفياضة المتفجرة من الاعماق ، ولكن لا بد من شهادة أهم وهي انها صادقة منتهى الصدق في عاطفتها وفي التعبير عنها ، ويتجلى هذا الصدق بوضوح في نصها الشعري " وشم " حيث تقول :
تجرحني الكلمات
والصمت
يغلف آهاتي
يقلبني الفراش ،
يلوعني الليل
واهداب المساء
تجرحني
ودمي الأبيض
يلامس جفنيك
وأنت
تعتصر قلبي ..
تتجمد اصابعي
زجاجة فارغة
تتركني
شمسي تجنح للغروب
وأنت يا حب
وشم على جدار زمني
أسلوب منى ظاهر التعبيري ، بخيالاته الرقيقة اللطيفة وعباراته البسيطة الغنية بالموسيقى ، بحدث هزة في النفوس وصدى عنيق تتجاوب معه المشاعر والقلوب الصافية . فهي تستخدم ألفاظاً وتعابير جديدة واستعارات وكنايات لم يألفها الشعر الشبابي ، وخيالاً محلقاً ورمزية شفافة حلوة ، اننا ننتشي من الرقة الذاتية وطلاوة التعبير وموسيقيته ، ولغة الهمس الجميل التي عودتنا عليها شاعرتنا في نصوصها.
منى ظاهر شاعرة وجدانية مبهرة ، نجدها في شعرها الوجداني رقيقة الملمس ، بسيطة العبارة ، ناعمة في بوحها ونبضها وهمساتها .
الصورة في قصيدة منى ظاهر واضحة ناطقة وقوية ، والالفاظ رنانة ومعبرة ، والمعنى جميل ، في نصوصها صوراً ومعاني وأفكاراً وأساليب والفاظاً على أجمل ما يكون وأبلغه ، انها فائقة الحد في التصوير والأداء والتعبير .
وهي صور مشرقة بالبيان والتعبير ، ناطقة بالحب والعشق والوله والحياة والدم الخافق ، تمشي فيها القوة والبلاغة .
منى ظاهرة شاعرة الوصف والاحساس والاناقة الشعرية الفاتنة ، تقرأ قصيدها فتحس انك في روضة غناء ويين خمائل شماء وورود وأنداء نمقتها وطرزتها يد عذراء .
انها تغني بالزهور والرياحين ، تشدو مع البلابل ، وتنوح مع اليمام النازح ، وتتأوه مع أمواج البحر المتلاطمة ، ومع صخب المياه المتكسرة فوق الصخور ، وتربط هذه الأناشيد والألحان بأوتار قلبها ، فكانت صادقة في الوصف التعبيري ، موزونة النغم ، معبرة عن اختلاجات الروح وأحاسيس القلب ، لم تتجاوز الحد والخطوط الحمراء في ما وصفت ولا بالغت في الغلو في ما نطقت .
نصوص منى ظاهر روضة مزهرة لم يتمكن الخريف من تغيير معالمها ، أو شجرة تحمل زهراً عطراً وأثماراً شهية ، بل هو الينبوع الصافي المغطى بالحشائش الخضراء تسرب منها ماء زلال بارد .
ما يميز قصيدة منى ظاهر التكثيف والايجاز وجمال التعبير والايحاءات والايماءات والخيال السابح ، وتتسم بالتوهج العاطفي والرقة الوجدانية ، مازجة بين عواطف الحب والاحساس بالألم .
منى ظاهر الشاعرة المتألقة والمتأنقة الحاضرة بوجدانها وألق كلماتها ، ستظل بقصائدها الرفيعة وأدبها الانساني وموسيقاها الشجية الرائعة ، وبوحها الصادق الشفاف ، وتسلسل الصور في شعرها تسلسلاً مدهشاً ، انها شاعرة الوجد والشجن والحب والصور والتجارب الباطنة العميقة والايحاء الذاتي المؤثر .