دور القبائل الأمازيغية في إكمال الفتوح الإسلامية
أ. حسام الحفناويكان للأَمازيغ بعد إسلامهم دور كبير في إكمال فُتوح بلاد المغرب[1]، كما كان لهم دور كبير في فتح بلاد الأندلس تحت قيادة قائدهم طارق بن زياد رحمه الله تعالى
[2]، وذلك في خلافة بني أُمَيَّة، أواخر القرن الأول الهجري
[3]، ثم في فَتْح جزيرة صِقِلِّيَّة في أيام دولة الأَغالبة التابعة للخلافة العباسية
[4]، وكان الفقيه الجَليل أَسَدُ بن الفُرات رحمه الله تعالى قائد الجيش الأَغْلَبي الإسلامي الفاتح لها، وهو فارسي الأصل
[5].
وقد تَقَوَّى بهم العديد من الطَّامِعين في المُلْك، والطَّامِحِيْن للتَّوَسُّع؛ نَظَرًا لما عُرفوا به من شجاعة وإقْدام؛ فالعُبَيْدِيُّون قد أقاموا دَوْلَتهم على أكتاف قبيلة كُتامة[6]، فمنهم: قبيلة أَوْرَبَة
[7] التي آزرت إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب في إقامة دولته المُنْفَصلة عن دولة بَنِي العَبَّاس بالمغرب الأَقْصى
[8]، وتلتها في مناصرة الأدارسة قبيلة غُمَارة
[9]، وكان لهذه الدولة أعظم الأثر في استقرار أمر الإسلام في المغرب الأقصى، والقضاء على مظاهر الوثنية، والشرك فيها
[10]، وعاضَدَت قبائل منهم
[11] الوليد بن هشام بن عبد الملك بن عبد الرحمن الأموي، الملقب بأبي رِكْوَة
[12]، والذي خَرَج على الحاكم العُبَيْدِي، وتَلَقَّب بالخلافة، واسْتَوْلَى على بَرْقَة، وهزم عدة جُيوش للحاكم، حتى اسْتَفْحَل أَمْرُه، وكاد يقضي على الدولة العُبَيْدِيَّة، ولم يتمكن منه الحاكم في نهاية الأمر إلا بالمَكْر والحِيْلة
[13]، وعلى أيدي قبائلهم قامت دول عديدة في الشمال الإفريقي، سيأتي الحديث عن بعضها؛ لما قدمته من خدمات جَليلة في نَشْر الإسلام، والذَّبِّ عنه.
وسوف نضرب صَفْحًا عن الحديث في شأن الدول التي لم يَبْرُز لها كبير دور في الفتوح الإسلامية، ونَشْر المِلَّة الحَنِيْفِيَّة، ونُصْرَة السُّنَّة المُحَمَّدِيَّة، ولم يُسَطَّر لها عظيم الشَّرَف بالدِّفاع عن ديار الإسلام، والذَّوْد عن حِياضِه؛ فليس التأريخ المُجَرَّد للكيانات السياسية هو المراد من هذه المقالات، بل إبْراز جُهود العديد من الأمم في حَمْل رسالة الإسلام، ونَشْرها في رُبوع الأرض، وصَيْرورة كثير من الشُّعوب والقبائل خَدَمًا للدِّيْن وسَنَدًا، بعد عَداوَته، وتَرَبُّص الدَّوائر به، والحمد لله رب العالمين.[14] وسوف يأتي الحديث إن شاء الله تعالى عن دور بعض القبائل الأمازيغية في نقل الإسلام إلى بلاد السودان عند بيان دور بعض قبائل السودان الغربي - غرب إفريقية المدارية - في نشر الإسلام فيما يليها من الأمم، وكان من تلك القبائل الأمازيغية قبيلة زواوة التي نقلت الإسلام إلى بعض مناطق شمال غرب السودان، وشمال تشاد، والقبيلة التي عرفت بعد انتقالها عبر الصحراء إلى بلاد السودان الغربي بقبيلة السوننكة، وكان لها دور كبير في نشر الإسلام فيما حولها من بلاد إفريقية المدارية الغربية، والحمد لله رب العالمين.
[1] قال الذهبي رحمه الله تعالى في تاريخ الإسلام (6/256): وكان أكثر جند موسى بن نصير البربر، وهم قوم موصفون بالشهامة والشجاعة، وفيهم صدقٌ ووفاء، ولهم هممٌ عالية في الخير والشر، وبهم ملك البلاد أبو عبد الله الشيعي، وبنو عبيد، وتاشفين، وابنه يوسف، وابن تومرت، وعبد المؤمن.
[2] اختلف المؤرخون في نسب طارق بن زياد، والمشهور عند كثير من المؤرخين أنه أسلم على يد موسى بن نصير، وأنه كان مولاه، وكان طارق رحمه الله تعالى من قبيلة ورفجوم، أحد بطون قبيلة نفزاو الأمازيغية، قال الدكتور سعد بوفلاقة: اختلف في نسبه، ولكن أرجح الأقوال أنَّه بربريُّ قُحٌّ، ولكنه كان على صلةٍ بالعروبة والإسلام منذ زمن ليس بالقصير، فقد ذكر له ابن عذاري أبوين في الإسلام، فاسمه الكامل: طارق بن زياد بن عبد الله، ويبدو أنّه ليس هو الذي أسلم أولًا، بل والدُه وجدُّه الذي يكون قد انتقل إلى المشرق، وهناك نشأ طارق في بيئة عربية إسلامية، مع احتفاظه بلهجة أجداده البربرية، ثمَّ جُنّد بعد ذلك في جيش موسى بن نصير، وجاء معه إلى المغرب، وكان من أشد رجاله،انتهى. وقال ابن عساكر (24/418): طارق بن زياد، ويقال: ابن عمرو الصدفي، ويقال: مولى الوليد بن عبد الملك،انتهى. والصدفي نسبة إلى قبيلة الصدف، وهم بطن من حمير، نزلوا مصر كما في أنساب السمعاني (3/528-530)، وقال الحميري في الروض المعطار (ص35) عن طارق: قيل: هو فارسي، وقيل: هو من الصدف، وقيل: ليس بمولى، وقيل: هو بربري من نفزة،انتهى. ونسبه ابن خلدون ليثيًا في موضعين من تاريخه، والظاهر أنه يقصد أن ليثي بالولاء؛ فقد نص في الأول منهما- وفي موضع آخر غيره - على كونه مولى لموسى، والليثي نسبة إلى ليث بن كنانة، حليف بني زهرة، أو إلى ليث بن بكر بن عبد مناة كما في أنساب السمعاني (5/151)، وقال المقري في نفح الطيب (1/254): فدعا - أي موسى بن نصير - مولى له كان على مقدمته، يسمى طارق بن زياد بن عبد الله، فارسيًا همذانيًا، وقيل: إنه ليس بمولى لموسى، وإنما هو رجل من صدف، وقيل: مولى لهم، وقد كان بعض عقبه بالأندلس ينكرون ولاء موسى إنكارًا شديدًا، وقيل: إنه بربري من نفزة،انتهى. وانظر: المعجب في تلخيص أخبار المغرب للمراكشي (ص9-11)، وتاريخ دمشق لابن عساكر (24/418-420)، ووفيسات الأعيان (5/320)، والكامل لابن الأثير (4/212)، وتاريخ الإسلام (6/393)، وتاريخ ابن خلدون (4/188،117)، وأعلام الزركلي (3/217). وانظر عن فتح الأندلس كذلك: فتوح البلدان للبلاذري (1/273،272)، وفتوح مصر لابن عبد الحكم (ص221-225)، وتاريخ الطبري (4/19،11)، والبداية والنهاية (9/99،98).
[3] ذكر الذهبي رحمه الله تعالى في تاريخ الإسلام (6/393) أن طارق بن زياد عبر لفتح الأندلس في اثني عشر ألف، أغلبهم من البربر، وفيهم قليل من العرب.
[4] انظر: العرب في صقلية للدكتور إحسان عباس (ص34) وقد ذكر ابن عذاري في كتابه البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب (1/102) أن أسد بن الفرات رحمه الله تعالى خرج ومعه أشراف إفريقية من العرب، والجند، والبربر، والأندلسيين، وذكر مثله الحميري في الروض المعطار (ص366).
[5] انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء (10/225-228)، وتاريخ الإسلام (15/66-69)، وأعلام الزركلي (1/298)، والعرب في صقلية لإحسان عباس (ص34).
[6] انظر: سير أعلام النبلاء (14/59،58)، وأخبار بني عبيد لأبي عبد الله ابن حماد (ص38،37)، وتاريخ ابن خلدون (3/362)، (6/149،148)، والاستقصا للناصري (1/238،121)، وأعلام الزركلي (4/197)، وموسوعة المغرب العربي للدكتور عبد الفتاح الغنيمي (2/57،56). وقد ضبط السمعاني في الأنساب (5/31)، والزبيدي في تاج العروس (33/328) كتامة بضم الميم. ونسبهم في جمهرة أنساب العرب لابن حزم (2/495).وقد وصفهم ابن خلدون بأنهم من أشد قبائل البربر بالمغرب بأسًا وقوة، وأطولهم باعًا في الملك. وقد ادعي في كتامة ما سيأتي أنه ادعي في صنهاجة من كونهم من أصل حميري، أو من نسل العماليق، وسيأتي بيانه في الحديث عن صنهاجة إن شاء الله تعالى.
[7] ضبطها ياقوت في معجم البلدان (1/278)، وقال: قبيلة من البربر مساكنهم قرب فاس، وانظر عن قبيلة أوربة: تاريخ ابن خلدون (6/145-147).
[8] كان إدريس مع الحسين بن علي بن الحسن الملقب بالمثلث، والذي ثار في المدينة على الخليفة العباسي الهادي سنة 169هـ، فهزم الحسين في وقعة يقال لها: فخ، وفر جمع ممن كان معه، ومنهم إدريس الذي هرب إلى مصر، ثم إلى المغرب الأقصى، فدخل مدينة وليلى في سنة 172هـ، وكان كبيرها يومئذ إسحاق بن محمد، فعرفه إدريس بنفسه، فأجاره، وأكرمه، ثم جمع البربر على القيام بدعوته، وخلع طاعة بني العباس، فتم له الأمر انظر: جمهرة أنساب العرب لابن حزم (1/49-52)، ومعجم البلدان (4/230)، (5/384)، وتاريخ ابن الوردي (1/194،193)، وتاريخ ابن خلدون (4/12)، وما بعدها، ومآثر الإنافة في معالم الخلافة للقلقشندي (1/86)، والروض المعطار للحميري (ص610،609،546،545)، وشذرات الذهب لابن العماد الحنبلي (1/339)، والاستقصا (1/207)، وما بعدها، وأعلام الزركلي (1/279،278)، (3/11). وقد بنى ولده إدريس بن إدريس بن عبد الله مدينة فاس، ووسع دائرة حكم الأدارسة، حتى ضم المغرب الأوسط، واستمال إليه أهل تونس، وطرابلس الغرب بإفريقية.
[9] ضبطها ابن حجر في تبصير المنتبه (3/1508)، وابن ناصر الدين الدمشقي في توضيح المشتبه (6/193). وهم بطن من المصامدة، وقبيلة مصمودة هي التي خرج منها محمد بن تومرت، ومشايعوه، عدا عبد المؤمن بن علي وذريته الذين حازوا الحكم بعده، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى عند الحديث عن دولة الموحدين. وانظر عن غمارة: تاريخ ابن خلدون (4/17)، (6/190)، (6/211،210)، والاستقصا للناصري (1/121). وقد وصف المراكشي قبيلة غمارة في كتابه المسمى بالمعجب في تلخيص أخبار المغرب (ص325): لا يكاد يحصرها ولا يحدها حزر؛ لكثرتها،انتهى. وكانت هناك قبائل أخرى تدعم دعوة الأدارسة، قال ابن خلدون عن إدريس في تاريخه (1/292): وقام بأمره، وأمر ابنه من بعده البرابرة، من أوربة، ومغيلة، وزناتة، واستولى على ناحية المغربين.
[10] غزا إدريس بن عبد الله بمن معه من قبائل المغرب الأمازيغية المسلمة القبائل التي كانت لا تزال على دين المجوسية، واليهودية، والنصرانية، حتى عم الإسلام جميع المغرب الأقصى. انظر: تاريخ ابن خلدون (4/13،12)، والاستقصا (1/212).
[11] بادر إلى بيعة أبي ركوة، ونصرته بنو قرة، وهم بطن من عرب بني هلال، وكان بينهم وبين قبائل لواتة، ومزاتة، وزناتة الأمازيغية حروب ودماء، فوضعوها، واتفقوا على بيعته؛ لما نزل بالناس من الحاكم العبيدي الخبيث؛ فقد أسرف في القتل في أصناف الناس وطبقاتهم، وصار الناس معه على خطر عظيم. انظر: تاريخ ابن خلدون (4/58).
[12] لقب بأبي ركوة؛ لأنه كان يحمل ركوة - وهي إناء صغير من جلد يوضع فيه الماء - في أسفاره لوضوئه، على عادة الصوفية.
[13] انظر: أخبار بني عبيد لأبي عبد الله ابن حماد (ص104،103)، والمنتظم لابن الجوزي (7/234،233)، والكامل لابن الأثير (9/197-203)، ووفيات الأعيان لابن خلكان (5/297،296)، وتاريخ الإسلام (27/236،235)، والعبر في خبر من عبر للذهبي (2/190)، والبداية والنهاية (11/387)، وتاريخ ابن خلدون (4/59،58)، ونفح الطيب للمقري (2/658-660)، وأعلام الزركلي (8/119)، والمعجم الوسيط (1/371).
[14] قامت في بلاد المغرب الأدنى، والأوسط، والأقصى العديد من الثورات في آخر خلافة بني أمية، وأول خلافة بني العباس، وكان لقيام دولة الأغالبة في المغرب الأدنى، وبعض الأوسط في أواخر القرن الثاني الهجري دور كبير في استقرار الأوضاع في تلك الجهات، واستمرت دولتهم إلى أواخر القرن الثالث الهجري، كما كان لدولة الأدارسة المستقلة عن دولة الخلافة العباسية بالمشرق قبل دولة الأغالبة بقليل نفس الدور في استقرار الأوضاع في المغرب الأقصى، وإنما عبرنا عن الأوضاع في عصر الدولتين المذكورتين مقارنة بما مر على بلاد المغرب ككل من فتن كثيرة وثورات عديدة، وإلا فإن عصر دولتي الأغالبة والأدارسة لم يسلما من الثورات، بل والاحتكاكات العسكرية فيما بينهما، وقد قال الذهبي رحمه الله تعالى عن البربر في ترجمة أبي بكر ابن عمر اللمتوني من سير أعلام النبلاء (18/429): في كل وقت يثور بعضهم على بعض وإلى اليوم، وفيهم حدة وشجاعة، وإقدام على الدماء، وهم أمم لا يحصون،انتهى. وكان لهذه الطبيعة المتأصلة في الأمازيغ دور في تبني بعضهم مذهب الخوراج، بل وتمكنهم من إقامة دول على المعتقد الخارجي، كالدولة الرستمية الإباضية بالمغرب الأوسط، أنشأها عبد الرحمن بن رستم بن بهرام المتوفى سنة 171هـ، وبنى مدينة تيهرت بالمغرب الأوسط - وتقع بالجزائر حاليًا - واتخذها عاصمة له، وتوارث الملك أبناؤه من بعده، إلى أن قتل أبو عبد الله الشيعي مؤسس الدولة العبيدية بالمغرب يقظان بن أبي يقظان آخر الرستميين سنة 296هـ، فزالت دولتهم، لكن مذهب الإباضية بقي في المغرب الأوسط مدة، ولا يزال بليبيا والجزائر وتونس - ولاسيما جزيرة جربة - بعض الإباضية إلى الآن، وقد كان مركز قوتهم أولًا في جبل نفوسة جنوبي طرابلس، وظل شيوخ جبل نفوسة يحكمون إباضية الجبل حتى بعد قيام دولة الرستميين، واستمروا إلى سنة 311هـ حين استولى على بلادهم العبيديون، كما قامت دولة على مذهب الخوراج الصفرية في ولاية سجلماسة، ودخلت مكناسة في مذهبهم فترة أيضًا، وعرفت دولتهم بدولة بني مدرار، وقامت في سنة 140هـ على يد عيسى بن يزيد المكناسي - وهو مؤسس سجلماسة - ثم قتله أهل سجلماسة، وولوا عليهم سمكو بن واسول الملقب بمدرار، وتوارث أبناؤه الملك من بعده، وبالرغم من كونهم على مذهب الصفرية، إلا أن بعضهم كان يخطب للعباسيين، وبعضهم كان يخطب للعبيديين، حتى تبنى آخر حكامهم محمد بن الفتح بن ميمون بن مدرار المذهب السني، وحكم خمسة عشر عامًا، حتى قضى العبيديون على الدولة نهائيًا في سنة 347هـ، وقد قام أبو يزيد مخلد بن كيداد من قبيلة زناتة الأمازيغية على بني عُبَيْد، وكان أبو يزيد على مذهب الخوراج النكارية، وهم طائفة من الخوارج الصفرية، وكاد أن يستولي على إفريقية، والمغرب، وأنزل بجيوش العبيديين الهزائم، والتجأ القائم إلى المهدية هربًا منه، فحاصره بها، ولكن ظفر به ولده إسماعيل الملقب بالمنصور بعد حروب طويلة، فصلبه على باب المهدية. وقد تحالف معه - على بدعته - بعض علماء أهل السنة في المغرب في بعض الفترات؛ لما رأوه من الكفر الصراح من العبيديين الباطنية. انظر: جمهرة أنساب العرب لابن حزم (2/495)، وأخبار بني عبيد لأبي عبد الله ابن حماد (ص53-76)، ومعجم البلدان (3/271،271)، ووفيات الأعيان (1/135،134)، (5/20)، والبيان المغرب (1/216-220)، وسير أعلام النبلاء (15/152-157)، وتاريخ الإسلام (25/31-33)، وتاريخ ابن خلدون (6/130-132)، (7/13-17)، والروض المعطار (65، 76، 133، 136، 140، 307، 504)، والاستقصا (1/179-184)، وأعلام الزركلي (3/306،264،263)، (5/309،111)، (7/194-196)، (ص305-307)، وأطلس تاريخ الإسلام (ص179).