ملخص بحث النظام السياسي الإسلامي
(أسسه، وآلياته، وموقفه من الديمقراطية)
مقدمة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبدالله، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين، ثم أما بعد:
فلقد عوَّدَنا أصحابُ شبكة الألوكة الإلكترونية - جزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء - أن يتحفونا كل عام بمسابقات جليلة، مرة في الأبحاث العلمية والتربوية حول سيرة الرسول - صل الله عليه وسلم - وأخرى في الرواية الأدبية لتعزيز القِيَم الإسلامية، إلى جانب مسابقات كاتب الألوكة، ومسابقات الأُسرة المسلمة، وها نحن أولاء نتسابق ونتنافس في الخيرات بفضل جهودهم النبيلة، وحرصهم الشديد، ورغبتهم الزكية في إعلاء القِيَم الإسلامية، إيمانًا منهم بضرورة العودة إلى هذه القِيَم الأصيلة كي نستردَّ مكانتنا وحضارتنا التي أظلت العالم أجمع أكثر من اثني عشر قرنًا من الزمان.
جاء هذا البحث استجابة لهذه الدعوة، ورغبة أكيدة من الباحث في أن يكون له دورٌ، ولو كان ضئيلاً في هذه الصحوة الإيمانية، والحرص على تأكيد عظَمة هذا الدين الإسلامي الحنيف، واشتماله على كافة النظم الصالحة للتطبيق في كل زمان ومكان، والقادرة على الارتقاء بالبشرية إلى أسمى درجات الرقي والكمال في كل مجالات الحياة.
جاء هذه البحث في خمسة فصول وخاتمة، وجاءت الفصول كالتالي:
الفصل الأول: القِيَم الحضارية والإنسانية، ويحوي هذا الفصل مطلبين رئيسين:
المطلب الأول: مفهوم القيم، وأهميتها.
المطلب الثاني: أنواع القيم، وخصائصها.
الفصل الثاني: شمولية الإسلام وأصالته وعالميته.
الفصل الثالث: الإسلام والنظم السياسية، ويحوي هذا الفصل ثلاثة مطالب رئيسة:
المطلب الأول: مفهوم النظام السياسي في الإسلام.
المطلب الثاني: مبادئ النظام السياسي في الإسلام.
المطلب الثالث: مؤسسات النظام السياسي الإسلامي.
الفصل الرابع: الديمقراطية كنظام سياسي: ويحوي المطالب الآتية:
المطلب الأول: مفهوم الديمقراطية وصورها.
المطلب الثاني: التطور التاريخي للديمقراطية.
المطلب الثالث: مزايا الديمقراطية وعيوبها.
الفصل الخامس: الديمقراطية في ميزان الإسلام: ويتناول هذا الفصل مطلبين رئيسين:
المطلب الأول: موقف المفكرين الإسلاميين من الديمقراطية:
1- إسلاميون منادون بالديمقراطية.
2 - إسلاميون رافضون للديمقراطية.
المطلب الثاني: آليات الديمقراطية وموقف الإسلام منها:
1- السيادة.
2- تداول السلطة.
3- التعددية.
4- مبدأ الأغلبية.
5- الدستور.
6- الانتخابات.
الخاتمة: وتناولت فيها أهم النتائج التي توصلت إليها وأهم التوصيات والاقتراحات التي أنبه عليها، ثم أردفتها بقائمة تناولت فيها المصادر والمراجع.
♦ ♦ ♦
الفصل الأول: القيم الحضارية والإنسانية: هذا الفصل جعلته في مطلبين رئيسين:
المطلب الأول: تناولت فيه مفهوم القيم من الناحية اللغوية والناحية الاصطلاحية، وتوصلت إلى أن تعريف القيم الإسلامية يتمثل في أنها: "مجموعة من المعايير والأحكام النابعة من تصورات أساسية عن الكون والحياة والإنسان والإله، كما صورها الإسلام، وتتكون لدى الفرد والمجتمع من خلال التفاعل مع المواقف والخبرات الحياتية المختلفة، بحيث تمكنه من اختيار أهداف وتوجهات لحياته تتفق مع إمكانياته، وتتجسد من خلال الاتجاهات أو الاهتمامات أو السلوك اللفظي أو العملي بطريقة مباشرة وغير مباشرة"[1]. كما تحدثت عن أهمية القيم ودورها في حركة الإنسان والمجتمع، وضرورتها في بناء الحضارات والمحافظة على بقائها واستمراريتها، فبيَّنْتُ أهميتها على المستوى الفردي، والمستوى الاجتماعي، ومستوى العلاقات الدولية في وقتي السلم والحرب.
والمطلب الثاني: بينت فيه أنواع القيم، وذكرت بأنه جرت عادة المفكرين المسلمين أن يردوها إلى ثلاثة أنواع:
1- القيم العليا: وهي القيم الكلية الكبرى التي تسمو بالإنسان إلى معالي الأمور، وترفع مستواه على سائر المخلوقات، ومن تلك القيم: الحق، والعبودية، والعدل، والإحسان، والحكمة، وتعد هذه القيم من أرقى القيم الإسلامية وأسماها وأعلاها على الإطلاق، وتكتسب هذه القيم مكانتها العالية من خلال مضامينها.
2- القيم الحضارية: وهي القيم المتعلقة والمرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالبناء الحضاري للأمة الإسلامية متمثلة في التقدم العقلي والمادي معًا، وهي ذات طابع اجتماعي عمراني، كالاستخلاف، والمسؤولية، والحرية، والمساواة، والعمل، والقوة، والأمن، والسلام، والجمال وغيرها.
3- القيم الخلقية: وهي القيم المتعلقة بتكوين السلوك الخلقي الفاضل عند المسلم، ليصبح سجية وطبعًا يتخلق به ويتعامل به مع الآخرين لتكوين مجتمع إسلامي فاضل تسوده المحبة والوئام، كالبر، والأمانة، والصدق، والأخوة، والتعاون، والوفاء، والصبر، والشكر، والحياء، والنصح، والرحمة، والحوار، واحترام الآخر[2]. وتطرقت إلى خصائص القيم الإسلامية؛ حيث تميزت القيم في الإسلام بخصائص عديدة جعلتها تختلف عن القيم في الغرب، فالإسلام دين عظيم جمع المحاسن كلها والمصالح التي تسعد الإنسان في الدنيا والآخرة، ومن هذه الخصائص: الربانية، والوسطية والتوازن، والواقعية، والملاءمة للفطرة، والشمول والتكامل، والثبات والاستمرارية، والإيجابية، والتكيف والمرونة.
وبعد أن تناولت كل خصيصة من هذه الخصائص بشيء من التوضيح نقلت جزءًا من أقوال الرئيس (ميخائيل جورباتشوف) زعيم الاتحاد السوفييتي البائد من خلال كتابه (البيريسترويكا) حيث تحدث عن انهيار القيم في بلاده، رغم ما أشادوه من صروح حضارية مادية، لكنها جاءت على حساب القيم والمبادئ، وفي هذه الأقوال يحاول أن يتدارك سقوط إمبراطوريته، ولكن بعد فوات الأوان، ومن هذه الأقوال قوله: "إن عصب طريقة التفكير الجديدة، يتمثل في الاعتراف بأولوية القيم ولكي نكون أكثر دقة فإن الاهتمام بالقيم هو من أجل بقاء البشرية"[3]. ثم نقلت طرفًا من أقوال الرئيس "رتشارد نيكسون" الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية، من خلال كتابيه (الفرصة السانحة)، و(نصر بلا حرب)، حيث يتناول فيهما التحذير من انهيار القيم في المجتمعات الغربية لاسيما في الولايات المتحدة الأمريكية التي أصبحت مرتعًا لكل الجرائم، وذلك ما أكده "جيمس بيكر" وزير الخارجية الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية في مقالة له بعنوان: (أزمة القيم تكلفنا باهظًا)[4]، والتي يقول فيها: "إن أزمة القيم في أمريكا أزمة عامة، ولا تستطيع معالجة منفردة أن تنكب على دراستها، ويمكن للسياسة العامة، بل يجب عليها حقًّا أن تفعل ما بوسعها من أجل ذلك، ويتوجب هذا أيضًا على أفعال المجتمع والأفراد". الفصل الثاني: شمولية الإسلام وأصالته وعالميته:
وفي هذا الفصل تناولت تصورات المجتمعات قبل الإسلام للحياة، ونظرتهم للدين على أنه شيء ثانوي، ليس ذا أثر في كل أمورهم الدنيوية وحياتهم الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، وغيرها، وإنما الدين - في نظرهم - مجرد ملحق يحصلون من خلاله على جواز مرور لحياتهم الأخروية، أو شهادة يحصلون بها على النجاة والخلاص يوم الحساب، فعلاقة الإنسان بنفسه، وأبناء نوعه، وكل أمر في دنياه شيء، وعلاقته بمعبوده شيء آخر، ولا رابط بين الاثنين ولا صلة.
حتى جاء الإسلام بقيمه ونظمه ليقضي على ذلك التصور الجاهلي الخاطئ للدين، وليقدم تصورًا عقليًّا وفكريًّا جديدًا يهدف إلى إقامة مجتمع متين محكم، وإدارته بكل دقة وأمانة ونجاح، ليقدمه للناس كلًّا متكاملاً، وليبين للإنسانية جمعاء أن "الدين في الحقيقة ليس جزءًا من الحياة، وإنما هو الحياة بأسرها، وهو روحها الناطقة الحية، ومحركها الرئيس، وقوتها الدافعة، وهو الفهم والشعور، والوعي والفكر والنظر والإدراك، وهو معيار التفريق بين الخطأ والصواب، وهو الذي يرينا الفرق بين الاستقامة والاعوجاج في كل خطوة نخطوها في أي ميدان من ميادين الحياة، كذلك هو الذي يقينا وينجينا من التيه وضلال الطريق، ويهبنا القدرة والطاقة اللازمة للسير على الطريق الحق، وهو الذي يأخذ بيد الإنسان في كل حقبة من حياته ليعبر بنجاح مفازة الحياة اللامتناهية الممتدة من الدنيا إلى الآخرة"[5]. وبينت في هذا الفصل مفهوم النظم، والتي تتمثل في أنها: "مجموعة من القواعد والأحكام الداخلية والخارجية تضعها الجماعات أو الدول والمنظمات لتسيير حياتها وشؤونها الداخلية وعلاقاتها الخارجية، لما فيه المصالح المشتركة، وهي ملزمة وعليها جزاء عند المخالفة"[6]. وشرحت حاجة البشرية إلى النظم، والتي تتمثل في أن الإنسان كائن اجتماعي مدني بالطبع ولما كان الاجتماع ضروريًّا له ليكوّن مجتمعًا متميزًا فإن هذا المجتمع في حاجة إلى نظام معين ينظم العلاقات بين الأفراد؛ لأن ممارسة كل إنسان لحقوقه في هذا المجتمع ممارسة مطلقة يؤدي إلى تعارض الحريات والمصالح، فكان لابد لكي يستقيم أمر المجتمع، ويمارس كل فرد من أفراده حقوقه وحرياته، أن تنظم هذه الحقوق والحريات بحيث لا تتعارض بين الفرد وغيره، وهذا النظام بدوره يقتضي وجود رئيس للجماعة يقوم بتنفيذ هذا النظام والإشراف عليه، على الوجه الذي يحصل به الأمن والاستقرار، ومن ثم يستطيع الأفراد أن يقوموا بتصريف شؤونهم بما يعود عليهم وعلى مجتمعهم بالخير والصلاح.
والأنظمة التي تنشأ في المجتمع تتعدد بتعدد نوعية العلاقات الاجتماعية وطبيعة هذه العلاقات، فهناك النظام الاقتصادي، والنظام الاجتماعي، والنظام القضائي، والنظام الإداري، وهناك أيضًا النظام السياسي، أو نظام الحكم، وهو النظام الذي يحدد العلاقة بين الأفراد وسلطة الحكم، فيبين كيفية ممارسة السلطة، ووظيفتها وأهدافها، ومركز الفرد منها، وضماناته وحقوقه وواجباته، ويبين المبادئ العامة التي تقوم عليها هذه السلطة[7]. الفصل الثالث: الإسلام والنظم السياسية: وجاء هذا الفصل تحت ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: مفهوم النظام السياسي في الإسلام.
المطلب الثاني: مبادئ النظام السياسي في الإسلام.
المطلب الثالث: مؤسسات النظام السياسي الإسلامي.
ويتلخص مفهوم النظام السياسي الإسلامي في أنه: "الهيئة الكلية المكونة من مجموعة الأحكام الشرعية، وما ارتبط بها من تنظيمات وهيئات ومؤسسات، والخاصة بأحكام الدولة الإسلامية من حيث إقامتها وإدارتها وتحقيق غايتها، سواء منها الأحكام الكلية والقواعد العامة، أو الأحكام الفرعية الجزئية التي جاءت بها نصوص الكتاب والسنة أو دلت عليها، أو استنبطت منها بطرق الاستنباط المعروفة في أصول الفقه"[8]. وتتجسد مبادئ النظام السياسي الإسلامي في الآتي:
1- السيادة للشرع: وهذا يقتضي تطبيق الشريعة عقيدة ونظامًا، دولة وتشريعًا، فكرًا وحضارة على جميع شؤون الحياة؛ فلا يترك الناس على هواهم من غير ضابط ولا مرتكز يقيمون عليه تشريعاتهم وينظمون في ضوئه شؤون حياتهم[9]، وحيال هذه السيادة الإلهية العليا لا يملك أحد إلا الإذعان والخضوع والانقياد، أما الأمر والنهي والتحليل والتحريم والتشريع فكل هذا حق خالص للشارع الحكيم صاحب السيادة المطلقة التي لا يشاركه فيها أحد سواه. 2- السلطان للأمة: وسلطان الأمة غير سيادة الشرع، فسيادة الشرع لا تعلوها سلطة وهي تحكم الشعب والحاكم معًا، أما سلطان الأمة فهو أن لها الحق في اختيار الحاكم الذي يحكمها وتوجيهه ومساءلته ومحاسبته ومحاكمته وعزله إذا لم يعد صالحًا للحكم.
3- مسؤولية الحاكم: فالحاكم مسؤول في الدنيا أمام القضاء إذا ارتكب مخالفة جنائية بعيدًا عن سلطته، ومسؤول أمام الأمة إذا فرط في أمر من أمور الأمة، ومسؤول أمام الله تعالى في الآخرة.
4- الشورى منهج الحكم: فالشورى في الإسلام أساس الحكم؛ إذ قرر الإسلام أن الشورى خصيصة من خصائص المجتمع الإسلامي، وذلك في قوله تعالى: ﴿ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ﴾[10]؛ فهو مجتمع يقوم على أساس احترام الرأي وتبادل وجهات النظر، ويستنكر الاستبداد بالرأي الذي يفضي - لا محالة - إلى التعسف والطغيان. 5- إقامة العدل بين الناس: والعدل في الإسلام هو غاية الغايات من الحكم الإسلامي، إنه عدل مطلق عام شامل، ومن ثم يوجب الإسلام التزامه بالنسبة للمسلمين وغير المسلمين، وبالنسبة للأصدقاء والأعداء.
6- الاستعانة بالأكفاء مع الإشراف عليهم: وهذا من ضروريات عمل الحاكم فعليه أن يحسن اختيار معاونيه، وأن يسند كل عمل للأمثل فالأمثل ممن يستطيعون القيام به، ولابد مع هذا من الإشراف على هؤلاء الولاة الذين يعينهم ويكل الأمر إليهم.
7- طاعة الحاكم ونصرته في المعروف: فمن مبادئ الحكم الإسلامي أن الحاكم مادام قائمًا بأمر الله، حاكمًا بالعدل، منفذًا لأحكام الشرع، ملتزمًا بها في أعماله وتصرفاته، راعيًا لأمانته وعهده، وكان مستوفيًا شروط الولاية إبان ولايته، وجب له على الأمة حقان: حق الطاعة وحق النصرة، قال الماوردي: "وإذا قام الإمام بما ذكرناه من حقوق الأمة، فقد أدى حق الله تعالى فيما لهم وعليهم، ووجب له عليهم حقان: الطاعة والنصرة ما لم يتغير حاله"[11]. 8- وحدة الأمة وواحدية الإمام: بمعنى أن من مبادئ الإسلام أن تكون الأمة الإسلامية أمة واحدة متعاونة على البر والتقوى، ولكي تكون أمة واحدة متحدة وجب أن يكون الإمام واحدًا.
9- ضمان الحريات: فقد ضمن النظام السياسي الإسلامي الحريات بكافة أشكالها: الحرية الشخصية، والحرية الدينية، والحرية الفكرية، والحرية السياسية، والحرية الاقتصادية.
10- ضمان المساواة: كما ضمن النظام الإسلامي المساواة بين الناس على اختلاف أجناسهم وألوانهم ولغاتهم.
أما المطلب الثالث: فتناولت فيه مؤسسات النظام السياسي الإسلامي، والتي تتمثل في:
أولاً: مؤسسة أهل الحل والعقد.
ثانيًا: مؤسسات السلطة الحاكمة، وتشتمل على:
• السلطة التشريعية.
• السلطة القضائية.
• السلطة التنفيذية.
الفصل الرابع: الديمقراطية كنظام سياسي: تحدثت فيه عن الديمقراطية كنظام سياسي من خلال المطالب الآتية:
المطلب الأول: مفهوم الديمقراطية، وصورها: وبينت فيه أن الديمقراطية: "نظام سياسي - اجتماعي يقيم العلاقة بين أفراد المجتمع والدولة وفق مبدأي المساواة بين المواطنين ومشاركتهم الحرة في صنع التشريعات التي تنظم الحياة العامة على أساس المبدأ القائل بأن الشعب هو صاحب السيادة ومصدر الشرعية"[12]، وتختلف طرق ممارسة الشعب لسيادته تبعًا لاختلاف العصور والبيئات، فهو إمّا أن يدير شؤونه بنفسه مباشرة، وتسمّى هذه الصورة "الديمقراطية المباشرة"، وإمّا أن يلجأ إلى اختيار نواب عنه يصرّفون أموره باسمه، وهذه هي "الديمقراطية النيابيّة"، وإمّا أن يمزج بين الطريقتين السابقتين، فينتخب نوابًا عنه (البرلمان)، ويشترك معه في بعض الاختصاصات الهامة، وهذه الصورة تسمى " الديمقراطية شبه المباشرة " أو "الديمقراطية نصف المباشرة". المطلب الثاني من هذا الفصل تناولت فيه التطور التاريخي للديمقراطية، وبيّنت من خلاله أن الديمقراطية قد مرت بمراحل تطور عبر تاريخها الطويل، وأول ظهور لها كان عند اليونان والإغريق، ثم كان الظهور الثاني في أواخر العصور الوسطى متمثلاً في ثورات ضد الاضطهاد الكنسي، والظلم الإقطاعي، فظهرت في إنجلترا وفرنسا وأمريكا بعد كفاح مرير، ثم لمعت في العصور الحديثة.
وفي المطلب الثالث: بينت مزايا الديمقراطية وعيوبها.
الفصل الخامس: الديمقراطية في ميزان الإسلام: وجاء هذا الفصل تحت مطلبين رئيسين:
المطلب الأول: موقف المفكرين الإسلاميين من الديمقراطية: وفيه ذكرت أن موقف المفكرين والكتاب والباحثين انقسم حيال الديمقراطية بين مؤيد ومعارض، وقد عرضت لأقوال وحجج كل فريق بحيادية دون أن أناقش وجهة نظر أي منهم.
المطلب الثاني: آليات الديمقراطية وموقف الإسلام منها: وتتمثل هذه الآليات في:
1- حكم الشعب أو سيادة الشعب.
2- تداول السلطة.
3- التعددية السياسية.
4- مبدأ الأغلبية.
5- الدستور أو التشريع.
6- الانتخابات.
ثم كانت الخاتمة والتي ذكرت فيها النتائج والتوصيات التي توصلت إليها من خلال البحث، ومن أهم النتائج ما يلي:
1- شمولية الدين الإسلامي للقيم والنظم الصالحة للتطبيق العملي لكل عصر وكل بيئة.
2- النظام السياسي الإسلامي نظام فريد له أصوله ومبادئه وقواعده التي تختلف عن كل النظم الوضعية، وغيرها.
3- قد تتشابه بعض النظم في بعض أجزائها مع النظام الإسلامي لكن يبقى لكل نظام خصائصه التي تميزه عن الآخر.
4- النظام السياسي الإسلامي نظام رباني يقوم على نظرية الاستخلاف في الأرض كما رسمه الله تعالى لعباده، والديمقراطية نظام بشري يقوم على المصلحة وتحقيق مبدأي اللذة والمنفعة.
5- تتجسد الديمقراطية الغربية في صور ثلاث، إحداها قد هجرت تقريبًا؛ لتعذّر تطبيقها في الوقت الحاضر مع تعقّد الحياة وتزايد السكان، ويتعلّق الأمر بالديمقراطية المباشرة، والصورة الثانية منها وهي الديمقراطية النيابيّة، قد تراجعت قيمتها في العصر الحاضر لجملة من العيوب التي ظهرت فيها، أهمّها أنّها تمسّ بأشهر مبادئ الديمقراطية الغربيّة، والمتمثّل في "حكم الشعب"، ولذلك عولج هذا الأمر بالصورة الثالثة للديمقراطية الغربيّة، والتي تجمع بين الصورتين السابقتين، وهي كثيرة التطبيق في العصر الحاضر، وتسمّى "الديمقراطية شبه المباشرة".
6-إن ازدهار المبادئ الديمقراطية في بعض العصور، ولاسيّما في العصر الحديث، قد استفاد من اتّصال الغربيين بالعالم الإسلامي، وإدراكهم واكتشافهم لبعض مبادئه السّامية، كالعدل والشورى...إلخ.
7- في ظل رفض الإسلام للديمقراطية كمذهب وعقيدة يمكن أن يستفيد المسلم من بعض آليات الديمقراطية، كما استفاد رسول الله - صل الله عليه وسلم - من فكرة حفر الخندق التي أشار بها سلمان الفارسي على الرسول، وهي فكرة فارسية يعمل بها المجوس عبدة النار، وكذلك فكرة الدواويين التي أخذ بها عمر بن الخطاب إبان خلافته، لم يرفضها من مبدأ أنها جاءت من قبل المجوس، ولكن قبلها لأنه رآها صالحة للتطبيق في ذلك الزمن.
8- إنّ نظام الإسلام يستبعد فكرة الصّراع كليّة؛ فهو يقرّ بالتعدّديّة للتكامل والتعاون، وليس للتناقض والتضاد، وأنّ السلطات فيه لا تتصارع، بل تتعاون في سبيل تجسيد أحكام الإسلام المقرّرة بنصوص الوحي، والاجتهاد المبني عليها، ولا تنظر كلّ سلطة فيه إلى الأخرى بعين الريبة، محاولة انتزاع بعض صلاحياتها أو سلطاتها.
9- إنّ الأحزاب في نظام الإسلام لها أدوار إيجابيّة، وليست سلبيّة فقط تنتهج أسلوب المقاومة السياسيّة، والسعي للوصول إلى السلطة؛ فهي مدارس لتربيّة الجيل أخلاقيًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا... وإعداده لتحمّل رسالة الإسلام ومواجهة التحدّيات.
10- الراجح في حكم الانتخابات في صورتها المعاصرة أنها طريقة من الطرائق الجائزة للوصول إلى الحكم شريطة أن تكون أفضل الطرق المحققة للمصلحة، وأن تكون مصالحها غالبة على مفاسدها.
الاقتراحات والتوصيات:
وفي نهاية هذه الخاتمة، نضع بعض الاقتراحات للاستفادة منها، ولفتح آفاق لبحوث جديدة مقاربة لهذا الموضوع، ومعمّقة له:
1- دعوة السّاسة والمنظّرين في المجال السياسي والقانوني للاستفادة من مبادئ الشريعة الإسلامية، فقهًا وتنظيمًا وتطبيقًا؛ وذلك لما ثبت من صلاحها عقلاً وتجربة.
2- دعوة الباحثين والفقهاء والدعاة إلى تكاتف الجهود في إبراز الجوانب السياسية والعملية للدين الإسلامي من خلال الكتب والرسائل والأبحاث والندوات والمؤتمرات، وترجمتها إلى كثير من اللغات الحية حتى يرى العالم المعاصر أن لدينا نظامًا أفضل بكثير من أنظمتهم الوضعية وأنه الأصلح لقيادة البشرية.
3- أن يكون المنهاج التربوي السياسي جزءًا أساسيًّا في برامج الدعاة، وأنديتهم واجتماعاتهم، إرشادًا لشباب الأمة لما تجابهه من تحديات، وما ينتظرهم من جهاد وعمل.
4- أن تتبنى الصحافة الدينية، والبرامج الدينية في الفضائيات وغيرها من محطات التلفزة والإذاعة، وكذلك المواقع الإلكترونية التأصيل لظاهرة الفقه السياسي الإسلامي بما يحصّن شباب الأمة من الغُلُوّ، ويجمعها نحو هدف واحد في مواجهة العولمة.
5- أن تتوحد جهود علماء الأمة الإسلامية، وألا يخوِّن بعضهم بعضًا، أو يحقّر بعضهم جهد بعض كيلا ينفرط عقد الأمة، وتطمع فيها جميع الأمم.
ويبقى لي في آخر الأمر أن أقول إننّي لا أزعم استيفائي الموضوع حقّه، بل هو جهد مقلّ، وعمل بشري يكتنفه القصور والنقصان؛ وفي هذا المقام أتذكّر قول العماد الأصفهاني: "إنّي رأيت أنّه لا يكتب أحد كتابًا في يومه، إلاّ قال في غده: لو غُيّر هذا لكان أحسن، ولو زيد هذا لكان أحسن، ولو قُدّم هذا لكان أفضل، ولو تُرك هذا لكان أجمل، وهذا من أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر"؛ إذ المعرفة لا يمكن أن تبلغ درجة الكمال، وكلّ ما نستطيع الوصول إليه هو أن يكون النقص فيها أقلّ ما يمكن.
[1] د. علي خليل مصطفى أبو العينين: القيم الإسلامية والتربية، ط/1، مكتبة إبراهيم حلبي، المدينة المنورة، 1408هـ - 1988م، ص 34. [2] انظر: د. مانع بن محمد بن علي المانع: القيم بين الإسلام والغرب، ط/1 دار الفضيلة، الرياض، السعودية 2005م، ص24. [3] نقلاً عن: د. حامد بن أحمد الرفاعي: الإسلام والنظام العالمي الجديد، ط/3، رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، السنة 16، العدد (146) عام 1419هـ. ص 152 - 167. باختصار. [4] نشرتها جريدة الشرق الأوسط في عددها (5730)، بتاريخ 10/7/1994م، بترخيص من خدمة "لوس إنجلوس تايمس". [5] أبو الأعلى المودودي: الحكومة الإسلامية، ط/2 المختار الإسلامي، القاهرة 1980م، ص13.[6] د. عبد الرحمن بن إبراهيم الضحيان: النظم الإسلامية وحاجة البشرية إليها، دار المآثر للنشر والتوزيع، المدينة المنورة 1422هـ، ص27.[7] د. عبد الحميد إسماعيل الأنصاري: نظام الحكم في الإسلام، دار قطري بن الفجاءة، قطر 1985م، ص5 - 6.[8] محمد شاكر الشريف: تحطيم الصنم العلماني، مرجع سابق، ص45 - 46.[9] د. محمد البهي: الفكر الإسلامي وصلته بالاستعمار الغربي، ص 230، نقلاً عن: د. عبد العزيز الخياط: النظام السياسي في الإسلام، النظرية السياسية نظام الحكم، ط/1 دار السلام للطباعة والنشر، القاهرة 1999م، ص72 -73. [10] سورة الشورى/ 38.[11] الماوردي: الأحكام السلطانية، ط/ دار الحديث، القاهرة، ص 42.[12] د. عبد الوهاب الكيالي: موسوعة السياسة، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، د. ت. ج2 ص751