الهيئة المستقلة لمراقبة الأمم المتحدة تتهم الإمارات برشوة منظمات غير حكومية وتقويض عمل مجلس حقوق الإنسان
لندن ـ «القدس العربي»: كشف تقرير خاص للهيئة المستقلة لمراقبة الأمم المتحدة عن تقديم الإمارات رشى لمنظمات غير حكومية، وتقويض عمل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف.
وأوضحت الهيئة أنها أجرت تحقيقا داخل مجلس حقوق الإنسان خلال دورته الماضية لاحظت خلاله وجود تعبئة وضغط سياسي يرقى لوصفه بغير الأخلاقي تمارسه دول مثل السعودية والإمارات وإسرائيل وإيران.
وأضافت أن تلك الدول ضللت الرأي العام بشكل غير مسبوق عبر تزويد المجلس بمعلومات مضللة والضغط على المقررين الخاصين التابعين له.
كما كشف التقرير أن أبرز تلك الجهود تتزعمها الإمارات بتوظيفها أساليب مخالفة لأعراف الأمم المتحدة.
وأظهر التقرير أن الفدرالية العربية لحقوق الإنسان، وهي إحدى المنظمات المحلية الرئيسية في الإمارات، متورطة في تقديم رشى لأفراد ومنظمات غير حكومية لشن حملة ممنهجة ضد دولة قطر.
وذكرت الهيئة أن الفدرالية دفعت مبالغ لمؤسسات مجتمع مدني لها صفة استشارية مع الأمم المتحدة، ليكون بإمكانها إلقاء بيانات شفوية أمام المجلس وعقد ندوات على هامش جلساته.
وقدّر باحثو الهيئة أن إجمالي ما دفعته «الفدرالية العربية لحقوق الإنسان» من رشى وصل لأكثر من 250 ألف دولار، كانت من نصيب أفرادٍ ونشطاء في مجال حقوق الإنسان ينشطون داخل مجلس حقوق الإنسان مقابل التحدث ضد قطر.
كما دفعت المنظمة أيضًا نحو 180 ألف دولار لطالبي اللجوء الأفارقة في جنيف للمشاركة في احتجاجات ضد قطر. وحسب التقرير فمن مهام الفدرالية تقويض مصداقية أي منظمة تنتقد أوضاع حقوق الإنسان في الإمارات كهيومن رايتس ووتش أو منظمة العفو الدولية.
ووصفت الهيئة هذه الممارسات بالمشينة، وأكدت أنها بصدد اتخاذ إجراءات فورية لوقف العمل غير القانوني لهذه المنظمة.
وحسب بيان الهيئة فإن التحقيق الذي أجرته تتبع عدداً من المؤسسات العربية والأجنبية من حيث طريقة عملها وتمويلها والتزامها بالمعايير القانونية المعمول بها فى أوروبا.
وحسب ملخص التقرير الذي نشرته الهيئة على موقعها صباح أمس الأحد فإن فريق عمل يتبع لها قدم إلى سويسرا لحضور ومراقبة أعمال الدورة السادسة والثلاثين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، المنعقدة في جنيف في الفترة من 11 إلى 29 أيلول/سبتمبر 2017. حضر الفريق بعض اللقاءات التي نظمتها منظمات غير حكومية مختلفة حول شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ولا سيما تلك المتعلقة بأزمة دول الخليج. وقام فريق الهيئة بمقابلة عدد من الناشطين فى المجال الحقوقي والمؤسسات ذات الصفة الاستشارية مع الأمم المتحدة. ولاحظ فريق العمل خلال فترة تحقيقه، أن هنالك تعبئة وضغط سياسي يرقى وصفه «باللا ـ أخلاقى» والذي تمارسه عدد من الدول مثل السعودية والإمارات وإسرائيل وإيران.
وذكر تقرير الهيئة أن فريق عملها قام برصد جهود غير أخلاقية يقوم بها مندوبو الإمارات الذين يتظاهرون بالعمل تحت غطاء مؤسسات المجتمع المدني، في حين يشكل هؤلاء المندوبون جزءًا من منظومة الأجهزة الأمنية الإماراتية.
وأسلف تقرير الهيئة الذي تضمن عدداً من المستندات والصور, أن المهمة الرئيسية لما يطلق عليها «الفدرالية العربية لحقوق الإنسان» هي تقويض مصداقية أي منظمة تنتقد أوضاع حقوق الإنسان في الإمارات. فعلى سبيل المثال، تعرضت كل من «هيومن رايتس ووتش» و»أمنستي» إلى حملة تشويه واسعة خلال الأسابيع القليلة الماضية. على الرغم من تلك الفدرالية لايوجد لديها أي وزن حقوقي أوسياسي.
وتضمن التقرير مقابلات مع بعض مدراء المؤسسات الدولية العاملة فى جنيف حيث ذكر أحد الأشخاص والذي لم تكشف الهيئة عن هويته، «لقد تحدث إلى شخصين أحدهما عرف نفسه على أنه منسق الفيدرالية العربية لحقوق الإنسان وطلبوا من مؤسستنا وبكل وقاحة لم أعدها قط على مدار عملى فى مجلس حقوق الإنسان لأكثر من عقد من الزمن، أن نقوم بعقد لقاء داخل مجلس حقوق الإنسان يعالج قضية دعم قطر للإرهاب وذلك لقاء مبلغ من المال. يجب على مجلس حقوق الإنسان التحقيق مع هذه المؤسة وسلوكها داخل المجلس»
وذكر التقرير أيضا أن أحد أفراد البعثة الإماراتية فى جنيف طلب من مندوب دولة آسيوية تقديم مداخلة شفوية ضمن أحد بنود المجلس تتحدث عن مزاعم دعم قطر للإرهاب.
ويسرد تقرير الهيئة أنها قامت بالتواصل مع الجهة الحكومية المنوطة بها تسجيل المؤسسات في سويسرا، حيث تبين خلو السجلات السويسرية وحتى الأوروبية من أي تسجيل رسمي لمنظمة «الفدرالية العربية لحقوق الإنسان»، وعليه فإن تلك المؤسسة تعمل بصورة غير شرعية، وتقوم بصرف أموال غير معلن عنها فيما يعنى ذلك مخالفة واضحة للنظم المالية السويسرية والأوروبية. ووصفت الهيئة سلوك الفدرالية بأنها ممارسات فساد مالي فادحة.
وبناءً على مقابلاتٍ أجرتها الهيئة فأن «الفدرالية العربية لحقوق الإنسان» قامت بدفع مبالغ طائلة من الأموال لعدد من مؤسسات المجتمع المدنى والتى لها صفة استشارية مع الأمم المتحدة وذلك ضمن عضوية المجلس الاقتصادي الاجتماعي التابع للأمم المتحدة، ليكون لها موطأ قدم يمكّنها من إلقاء بيانات شفوية أمام المجلس، وعقد ندوات على هامش جلسات المجلس. وجل هذه المؤسسات هي مؤسسات عربية خاصة مصرية وبعضها إفريقية.
وقال التقرير أن ممارسات هذه المنظمة غير الحكومية المحلية المقبلة من «الإمارات» مشينة، وأن لها أجندة مسيسة وعملها لا يمت لمجلس حقوق الإنسان بصلة. وقالت الهيئة «من المؤسف جدًا أن نرى منظمات غير حكومية مثل «الفدرالية العربية لحقوق الإنسان» وهي تشوّه الأهد اف النبيلة لمشاركة المنظمات غير الحكومية في الأمم المتحدة من خلال التحريض على برامج تخالف وتنتهك حقوق الإنسان في الوقت الذي سعت فيه الأمم المتحدة لعقود من أجل تعزيز مشاركة المنظمات غير الحكومية في اجتماعاتها. وفي ضوء ذلك، ستقدم منظمتنا تقريرًا عن هذه المنظمة غير الحكومية إلى السلطات المحلية في سويسرا، وكذلك ستقدم المنظمة تقريرًا عن المنظمات غير الحكومية التي تتمتع بصفة استشارية لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي- والتي دعمت وأيدت خطط وسلوكيات الفدرالية وذلك لنزع صفة العضوية فى الإجتماع المقبل لجنة المؤسسات الغير حكومية فى نيويورك.
وما يثير الصدمة أن الأمارات قامت بدفع مبالغ من الأموال لعدد من اللاجئين الإفارقة فى سويسرا ليحتجو ضد قطر (التى لا يعلمون عنها شيئا) وقدّر باحثو الهيئة أن إجمالي ما دفعته «الفدرالية العربية لحقوق الإنسان» من رشاوى وصل لأكثر من 250 ألف دولار، كانت من نصيب أفرادٍ ونشطاء في مجال حقوق الإنسان ينشطون داخل مجلس حقوق الإنسان مقابل التحدث ضد «قطر». كما دفعت المنظمة أيضًا نحو 180 ألف دولار لطالبي اللجوء الأفارقة في جنيف للمشاركة في احتجاجات ضد «قطر». ومن المشين أن نرى الرشاوى تصل هذا المستوى الدنيء من خلال استغلال حاجة أفقر طالبي اللجوء. حيث وضحت الصور التى نشرها التقرير قيام بعض الافارقة بعقد وقفة احتجاجية أمام مقر الأمم المتحدة فى جنيف.
ومن الجدير بالذكر أن أحمد الهاملي ـ وهو عضو في أجهزة الأمن الإماراتية حسب تقرير نشرت سابقاً ـ هو من يدير «الفدرالية العربية لحقوق الإنسان»، كما يدير أيضًا منظمة «ترندز» للبحوث والاستشارات. تعمل منظمة «ترندز» مع شخصيات ومنظمات محورية داعمة لإسرائيل مثل السفير السابق «ألبرتو فرنانديز»، وهو أحد صناع القرار فى معهد بحوث الشرق الأوسط. وبالحديث عن هذا المعهد، يمكننا القول إن الموساد الإسرائيلي هو من يديره، وإن وظيفته الرئيسة تتمثل في الترويج للـ»إسلاموفوبيا»، وله تاريخ طويل في استهداف الدول العربية والإسلامية مثل «السعودية» صديقة الإمارات.
وتعهدت الهيئة بأنها ستكشف مزيدًا من التفاصيل عن منظمة «ترندز» الأمنية التى يديرها الهاملى أيضا، وعن جهود «الإمارات» لوسم قطر بالإرهاب.
وقالت الهيئة فى بيان صحافى عقب اصدار التقرير أنها بصدد اتخاذ إجراءات فورية لوقف العمل غير القانوني لـ«الفدرالية العربية لحقوق الإنسان» في المجلس و باقى الدول الأوروبية.
حين يقود ضباط أمن منظمات حقوق الإنسان
رأي القدس
كشف تحقيق أجرته «الهيئة المستقلة لمراقبة الأمم المتحدة» داخل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة معلومات مذهلة عن محاولات سلطات الإمارات الأمنية التلاعب بقضايا حقوق الإنسان وتوظيفها في صراعها السياسي المحموم ضد قطر.
إضافة إلى ما وصفه تقرير الهيئة عن وجود تعبئة وضغط سياسيين «لا أخلاقيين» تمارسهما الإمارات عن طريق إغراق المجلس بمعلومات مضللة والضغط على المقررين الخاصين التابعين لمجلس حقوق الإنسان تقوم الإمارات بانتهاك القوانين المالية والتجارية السويسرية والأوروبية، وهو ما يعني أن سلطات الإمارات تقوم بعمليات جنائية وإجرامية تستوجب ملاحقة قانونية وأمنية.
ولعلّ أكثر ما يثير الاستغراب في ممارسات الإمارات هو تنطّع أجهزتها الأمنية للعمل على أنها منظمات دفاع عن حقوق الإنسان، فحسب تقرير الهيئة فإن إحدى المنظمات المحلية الرئيسية في الإمارات، وهي «الفدرالية العربية لحقوق الإنسان» ليست أكثر من قناع للأجهزة الأمنية وأنها، تحت هذا القناع الإنسانيّ، تستخدم المال السياسي ـ الأمني لتقديم رشاوى لأفراد ومنظمات غير حكومية للمساهمة في حملاتها المنهجية ضد قطر عبر ربطها بمزاعم تمويل ورعاية الإرهاب وانتهاك حقوق العمالة.
والمثير للعجب أن المنظمة المذكورة تقوم أيضاً بحملات تشويه ضد المنظمات العالمية المعروفة بمصداقيتها ووزنها الخطير في قضايا الدفاع عن حقوق الإنسان كـ«هيومن رايتس ووتش» و»أمنستي».
محاولات المنظمة المذكورة توظيف المؤسسات الدولية في صراع أبو ظبي ضد قطر كانت على درجة من الوقاحة التي تميّز أساليب ضباط الأمن في تعاملهم مع «رعاياهم»، وهو ما أثار ردود فعل عكسيّة ضدها، كما حصل مع أحد المسؤولين الدوليين الذي طلب منه شخص قال إنه منسق «الفدرالية العربية لحقوق الإنسان» ربط قطر بالإرهاب لقاء مبلغ من المال!
وعند التحقيق أكثر في مصداقية المنظمة المذكورة اكتشفت الهيئة أنها غير مسجلة رسميا وبالتالي فإنها جهة غير شرعية تقوم بصرف أموال غير معلن عنها وهو ما يعتبر فساداً مالياً فاضحاً.
لم تكتف سلطات الإمارات المعنيّة بالملفّ بهذا السجل الشائن الذي يسيء عالميّاً لنضالات منظمات حقيقية بل قامت أيضاً بدفع مبالغ لمنظمات مدنية عربية وإفريقية ومصرية لتكون عيونها أو مخالبها أو ألسنتها في مؤسسات الأمم المتحدة وهو أمر يكشف عن تكالب محموم على تنفيذ أجندات سياسية وأمنية من دون أي اكتراث بأي أعراف أو أخلاق أو قوانين وهو انحطاط مخجل لا يسيء للإمارات وحدها بل للعرب أيضاً.
التقرير أشار إلى أن ممارسات الإمارات في الضغط والتلاعب والتضليل تتشابه مع ممارسات حفنة من الدول بينها السعودية وإسرائيل وإيران، ولكن الواضح أن أبو ظبي قد أضافت «بصمتها» الخاصة و»إنجازاتها» التي تفوقت فيها على أقرانها، ومنها، مثلاً، قيامها بتجنيد عدد من اللاجئين الأفارقة في سويسرا ليقوموا بالتظاهر ضد قطر وهو تصرّف غرائبيّ لأبعد الحدود حقّاً، فما هي علاقة أولئك المساكين اللاجئين الأفارقة في سويسرا بقطر ليتظاهروا ضدها؟
قراءة لدورتي الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان
د. سعيد الشهابي
Sep 25, 2017
يتهم الكثيرون الأمم المتحدة بعدم جدواها وافتقارها للمواقف والسياسات والادوار الفاعلة، والجميع يتصارع اما للسيطرة عليها او التأثير فيها. ينطبق هذا على الجمعية العمومية للمنظمة الدولية التي بدأت دورتها السنوية الاسبوع الماضي كما ينطبق على مجلس حقوق الانسان الذي بدأ دورته السادسة والثلاثين في الوقت نفسه. الانتقادات التي توجه للامم المتحدة تنطلق من السنة السياسيين الكبار واولهم الرئيس الأمريكي كما يتفوه بها ضحايا الظلم والاستبداد. وهكذا تبدو المنظمة التي مضى على تشكيلها قرابة السبعين عاما مرفوضة ومرغوبة في الوقت نفسه. الابتزازات للمنظمة تتخذ اشكالا شتى اهمها التهديد بالتوقف عن دفع الالتزامات المالية من قبل الدول الاعضاء.
وقد اعتاد المنبر الدولي في نيويورك جمع الاضداد في دوراته السنوية في مثل هذا الشهر من كل عام. فيعتلي ذلك المنبر الرئيس ترامب ويعقبه الرئيس الايراني، الشيخ حسن روحاني. وكلاهما يوجه سهامه للآخر ويعتبر ذلك انجازا. ولم يخف البريطانيون انزعاجهم من خلو القاعة من الحاضرين عندما القت رئيسة وزرائهم كلمتها التي استغرقت 15 دقيقة التي انتقدت فيها الانسحاب الأمريكي من اتفاقية المناخ. كما لم يخف الأمريكيون امتعاضهم عندما جنح بعض الزعماء للنوم خلال كلمة ترامب ومنهم روبرت موغابي، رئيس زيمبابوي. وبغض النظر عما يقوله المنتقدون فان اجتماع هؤلاء القادة المتناقضين في سياساتهم وايديولوجياتهم انما يؤكد ضرورة وجود هذا المنبر. لكن هذه الضرورة لا تلغي ضرورة اخرى لا تقل اهمية باصلاحها وتوسيع صلاحياتها، وكذلك اعادة النظر في عضوية مجلس الامن التي يقتصر اعضاؤه الدائمون على خمس دول فحسب.
`الأمر الذي يتفق عليه الجميع ان الأمم المتحدة والمنظمات المتفرعة عنها تحتاج لاصلاح شامل لكي يكون اداؤها فاعلا. المشكلة ان هذا الاصلاح منوط بارادة الدول الاعضاء، وبالتالي ستستمر المماحكات في ما بينها بالاضافة للحسابات السياسية لكل منها، وبذلك فان اي اصلاح مرتقب لن يكون الا محدودا وشكليا. فالجمعية العمومية تحولت إلى برلمان يخطب فيه الزعماء ولا يتسع لغيرهم، وقراراتها غير ملزمة. اما مجلس الامن فعضويته محددة بالدول الخمس الدائمة العضوية والدول العشر المؤقتة، وبرغم النداءات الكثيرة لتوسيع عضويته لتكون اكثر تمثيلا لموازين القوى الا ان هناك رفضا مستمرا لذلك. وواضح عجز المنظمة عن اداء دور فاعل على الصعيد الدولي، خصوصا مع وجود حالة الاستقطاب السياسي في العالم التي تمنع صدور اي قرار لا يقبل به جميع الاعضاء، فحق النقض «الفيتو» يحول دون ذلك.
وتشعر الشعوب بخيبة امل كبرى عندما ترى فراغا قياديا خصوصا امام النزاعات والصراعات الاقليمية او الدولية. فحتى الآن لم يستطع هذا العالم التوافق على موقف موحد لحماية مسلمي ميانمار بالضغط على حكومة ذلك البلد او فرض عقوبات اقتصادية عليها او ارسال قوات دولية لمنع الجرائم التي ترتكب يوميا بحق مسلمي الروهينجا. وكانت المنظمة قد فشلت في منع مجازر التطهير العرقي في رواندا ويوغسلافيا السابقة. بل حتى مع تواجد القوات الدولية التابعة للامم المتحدة فقد عجزت عن حماية مسلمي البوسنة فحدثت مجزرة سريبرينسا التي راح ضحيتها ثمانية آلاف من المسلمين. وتمثل الحالة الفلسطينية الفشل الاكبر للامم المتحدة. فقد بدأت المشكلة مع تأسيس المنظمة واستمرت معها حتى اليوم. ولم تستطع حماية الشعب الفلسطيني او وقف الاحتلال الاسرائيلي لاراضيه. وما تزال مدينة القدس محتلة برغم اعتراض الأمم المتحدة. وقبل اسبوعين مرت الذكرى والثلاثون لمجزرة صبرا وشاتيلا التي راح ضحيتها 3000 من الفلسطينيين.
لقد جاء انشاء المنظمة بعد الحرب العالمية الثانية على امل ان تستطيع منع الصراعات المستقبلية، ولكن حروبا كثيرة حدثت بدون قرار دولي، ومنها الحرب على العراق التي خاضها التحالف الانكلو – أمريكي في 2003، وادت لاسقاط نظام صدام حسين. ويزداد الخطر هذه الايام بوجود حاكم كالرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الذي يتصرف خارج اطر الدبلوماسية والعمل المشترك.
وبرغم شعور الكثيرين بعدم فاعلية المنظمة الا ان الاهتمام بدوراتها السنوية لم يتراجع، بل اصبحت الدول تتنافس لتوسيع مشاركتها ووفودها. ويحرص الرؤساء على مخاطبة العالم من على منبر الأمم المتحدة. وتحاول أمريكا احيانا عرقلة زيارات الوفود بالامتناع عن اصدار تأشيرات لاعضائها، ولكن بشكل عام لا يمثل ذلك في الوقت الحاضر مشكلة كبيرة. فقد شهدت جلساتها حوادث تاريخية كثيرة. ففي الدورة الـ 15 العام 1960 حدثت بعض الاشكالات مع المترجمين خصوصا خطاب الرئيس السوفياتي آنذاك، خروتشوف، قبيل ازمة خليج الخنازير. كما سجل التاريخ اطول خطاب للرئيس الكوبي فيدل كاسترو الذي استغرق اربع ساعات ونصفا. وفي 1987 اطلق الرئيس الأمريكي رونالد ريغان في خطابه بالامم المتحدة مصطلح «امبراطورية الشر» على الاتحاد السوفياتي. وفي الاسبوع الماضي شن الرئيس الأمريكي هجوما على كل من كوريا الشمالية وايران. وجذب الامير القطري انتباه الحاضرين عندما القى كلمته في 19 أيلول/سبتمبر ووصف الشيخ تميم مقاطعة الدول الاربع بالحصار والغدر والارهاب وقال انه يعتز بصمود الشعب القطري والمقيمين في الدولة، وأضاف أمير قطر انه يقف بالامم المتحدة وشعبه يتعرض لحصار جائر مستمر فرضته دول مجاورة، وقال تميم ان الشعب القطري يعتبر الحصار نوعا من الغدر لأنه فرض فجأة وبدون سابق إنذار. هذه امثلة للاهتمام الذي تحظى به الدورات السنوية للجمعية العمومية للامم المتحدة.
اما مجلس حقوق الانسان فهو الآخر مثير للجدل والنقد من قبل نشطاء حقوق الانسان. فعضويته تشمل دولا لها سجلات سوداء في حقوق الانسان، وقد تراجعت المنظومة الحقوقية منذ تشكيله قبل 12 عاما. لقد توسعت دائرة الانتهاكات من قبل الانظمة القمعية بعد ان اتضح ان المجلس اصبح تحت سيطرة الدول الاعضاء الـ 47 التي تتضامن في ما بينها لمنع صدور قرارات قوية ضد اي منها. وفي العامين الاخيرين وجهت انتقادات كثيرة للمجلس بعد ان اصبح واضحا ان السعودية المتهمة بانتهاكات واسعة لحقوق مواطنيها اصبحت تمارس نفوذا واسعا على دول المجلس وتحول دون ممارسة دور فاعل للدول التي تنتهك حقوق مواطنيها. وهنا يتكرر المشهد السابق حول الدورة السنوية للجمعية العمومية للامم المتحدة. فبرغم انتقاد بعض الدول للمجلس الا انها اصبحت تهتم كثيرا به وتسعى لمنعه من استهداف ملفها الحقوقي. واستسخف النظام البحريني مجلس حقوق الانسان على لسان وزير خارجيته الذي هاجم في 13 يونيو 2016 المفوض السامي لحقوق الإنسان زيد بن رعد الحسين، على خلفية تصريحاته عن البحرين في كلمته خلال افتتاح الدورة الـ 32 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قائلا: «لن نضيع وقتنا بالاستماع لكلمات مفوض سامٍ لا حول له و لا قوة». لكنه يمارس ما يناقض ذلك الكلام. ففي الدورة الحالية ارسلت حكومة البحرين وفودا عديدة لحضور دورة المجلس بالعاصمة السويسرية، جنيف. وفي الوقت نفسه منع نشطاء حقوق الانسان الحقيقيين من السفر إلى جنيف.
هذه الحقائق تكشف امورا عديدة: اولا ضرورة وجود عمل دولي مشترك يهدف لحماية الشعوب وليس الانظمة فحسب.
ثانيا: ان هناك حاجة ملحة لاصلاح ما هو موجود من عمل مشترك يتمثل بالامم المتحدة ومؤسساتها خصوصا مجلس حقوق الانسان، ثالثا: حماية هذه المؤسسات من التأثيرات السياسية وعمد السماح بابتزازها ماليا كما تفعل أمريكا وبعض دول الخليج. رابعا: ان من الضرورة بمكان تدشين عملية اصلاحية تعيد للعالم توازنه الاخلاقي والسياسي وتمنع القفز على الثوابت سواء بالتهديد او الابتزاز او استخدام اساليب القوة العسكرية او المالية. واخيرا مطلوب اعادة قدر من المبادئ والقيم والاخلاق للعمل الدولي المشترك لكي يمكن حماية المضطهدين على خلفيات عرقية او دينية او سياسية.
٭ كاتب بحريني