[size=30]المقاهي القديمة في عمان [/size]لقد بدأت المقاهي القديمة بالظهور في مدينة عمان العاصمة , مع بداية تأسيس إمارة شرقي الاردن , وذلك في أوائل عشرينيات القرن الماضي أي منذ العام 1921.
وكانت قليلة العدد .. لأن عمان كانت صغيرة بعدد سكانها وشوارعها ومناطق السكن فيها .. ومن أشهر مقاهي تلك الفترة كان مقهى « المنشية التحتا « الذي كان يقع في شارع سينما البتراء « خلف المسجد الحسيني تقريباً لا يبعد عنه سوى 100 متر .. واستمر حتى بداية ستينات القرن الماضي . وكان هذا مقهىً فخماً جميلاً في اتساعه .. حيث له حديقة ومعرش يطيب الجلوس فيه لأكثر رجالات عمان من التجار الكبار و الموظفين والمثقفين وبالذات ايام الصيف .. حيث كانوا يتبادلون الاحاديث والاخبار السياسية والمواضيع الاجتماعية مع أنفاس الاراجيل الشعبية .
وفي نفس الفترة وبالقرب منه بحوالى مائة متر كان يوجد مقهى آخر اسمه « المنشية الفوقا « أقل فخامة وهو مقهي شعبي للعمال والكادحين .. حيث أسعار الطلبات فيه أرخص من المنشية التحتا .
وفي أواخر عشرينات القرن الماضي ظهر مقهى منافس وشهير جداً اسمه « مقهى حمدان « لصاحبه سويد حمدان في شارع الملك فيصل الاول في طابق علوي واسع ضخم ..وقد اشتهر هذا المقهى بأنه ملتقى لمعظم فئات المجتمع العماني وحتى القادمين من خارج عمان .. فهو مكان هام للتسلية للعب ورق الشدة وطاولة الزهر .. وكذلك ملتقى لهواة مربي وباعة الطيور وبالذات الحمام .. ولنتظيم سباقات الخيول في عمان .
وفي ثلاثينات القرن الماضي ظهرت مقاهٍ أخرى في وسط عمان البلد مقهى محروم حيث العزف على الربابة والحكواتي ليلاً , ومقاه أخرى مثل وادي النيل لمديرها السوداني , و الأريزونا و البرازيل و الكرنك ... جميعها أختفت في منتصف الاربعينات من القرن الماضي .
ولكن مع أواخر الاربعينات وبداي الخمسينات ظهرت مقاهٍ أخرى ما زال بعضها باقٍ حتى الآن أو تقلص بعضها بسبب هدم ساحاتها الخارجية العلوية الجميلة المطلة عل الشوارع والاسواق ! .
قبل ان تغزو المقاهي الحديثة الاقرب الى ما يسمى بالكوفي شوب ,كان عدد المقاهي في وسط عمان البلد حوالي 20 مقهى ً منها الشهيرة والفخمة ومنها الشعبية البسيطة المنزوية في دخلات شوارع وسط البلد .. ولكن المقاهي الآن وسط البلد من شعبية ومتوسطة و فخمة حوالي 50 مقهىً .. عدا عن المقاهي خارج وسط البلد في جبال وأحياء عمان فهي تقارب 150 مقهىً .
أبرز الاحداث في مقاهي عمان قديماً , ففي مقهى حمدان الذي سبق ذِكره عُقد أول مؤتر وطنى اردني لسياسي الاردن لتحسين أوضاع البلاد وللتنديد بالاستعمار الاجنبي والتحذير من مطامع اليهود في فلسطين ولتوسيع المشاركة الشعبية في مجلس النواب او المستشارين . كذلك إقامة حفلات غنائية للمطربة السوري المشهورة في الاربعينات « زكية حمدان « .
وقديماً زادت المقاهي في أهميتها من نواحٍ اجتماعية ومهنية وثقافية وذلك في الفترة ما بين نهاية الاربعينات وبداية الخمسينات من القرن الماضي التي ظهرت فيها المقاهي التالية وسط البلد مثل : الجامعة العربية , الذي كان يزوره الملك عبدالله الاول مؤسس الاردن , والاوبرج الذي زاره الفنان فريد الاطرش والممثل حسين رياض ,وجرت فيه منذ سنوات عروض أفلام , وتكريمات لفنانين اردنيين مثل زهير النوباني , ورائد المسرح العراقي يوسف العاني .
وفي مقهى السنترال الموجود منذ عام 1948وحتى الآن عُرف منذ حوالي ربع قرن أنه ملاذ وتجمع لمشاهير الفنانين والادباء العراقيين و كذلك الأردنيين حيث يتبادلون الاحاديث الثقافية ومنهم من يكتب أبداعاته داخل المقهى هذا .. ومنه مؤخراً كاتب المسلسلات الاردني مصطفي صالح .
وعن الإهمال الذي تعرضت له بعض المقاهي التراثية المعروفة العريقة قديماً منذ 20 و30 وأكثر من السنين الماضية كالمقاهي التي أُغلقت كلياً مثل مقهى « الجامعة العربية « و « مقهى العاصمة « ومقاهٍ أخرى أُزيلت شُرفاتها وساحاتها الواسعة التي كانت تطل على الشوارع وجبال عمان مثل مقهى السنترال ومقهى كوكب الشرق ؛ فقد كان من الأجدى لمسؤولي المدينة مثل أمانة عمان الكبرى , ان تحافظ على هذا الإرث و الذاكرة الجتماعية والثقافية والمعمارية الهامة في مركز و وسط عمان الذي يقصده السواح والزوار بكثرة لرؤية والاستمتاع بمشاهدة تلك الأماكن ، و الاحتكاك بماضي وتاريخ كل ما هو تراثي وعربي عريق في مدينة وقلب عمان الذي نشأت حركته وتفاعلاته المتنوعة من كل مناحي الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية .