ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75853 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: ما هو الغرب ومن هم الغربيون؟ الجمعة 29 سبتمبر 2017, 3:27 am | |
| ما هو الغرب ومن هم الغربيون؟
طه لمخير عندما نسمع كلمة الغرب والثقافة الغربية والعالم الغربي تحضر إلى أذهاننا مفاهيم الديمقراطية والمساواة وحقوق الإنسان، وتصوب أنظارنا إلى لفيف محدد من الدول، و اتجاه معين في أسلوب الحياة، وأنظمة معروفة في الحكم؛ لكننا إذا حققنا من جديد في هذه الصورالنمطية التي التصقت بتصورنا للغرب وماهيته؛ سوف ندرك أن المصطلح بحد ذاته يصبح فارغا من كل معنى غير معناه الجغرافي. حينما يتحدث الأمريكيون والأوروبيون عن الغرب نجد في حديثهم نبرة من الاستعلاء، نبرة من يمتلك شيئا لا يملكه سواهم، وهم يقصدون بالغرب؛ المسيحيين الكاثوليك والبروتستانتيين، والبيض منهم فقط، وغيرهم من غير المسيحيين وغير البيض لا يمكن إدراجهم في هذا المفهوم؛ حتى وإن كانوا ديمقراطيين، ومتقدمين، و في الجهة الغربية من العالم. فإن كان المراد بالغرب والمحدد له هي قيم الديمقراطية والعدالة والليبرالية والمساواة والحداثة والتطور؛ فالهند أكبرالديمقراطيات في العالم، واليابان ثالث قوة اقتصادية، وبوتسوانا تتمتع بتقاليد ديمقراطية وتعددية أعرق من كثير من دول الإتحاد الأوروبي، فهل هم غربيون؟ وهل نقول في المقابل إن إسبانيا كانت خارج الغرب حتى عام 1975 عندما مات فرانكو واعتنقت بعده الديمقراطية؟. وتكون بهذا الاعتبار كرواتيا العضو الشاب في الإتحاد الأوروبي «أقل غربية» وهي تنحرف اليوم عن الليبرالية والديمقراطية نحو الاستبداد والفاشية عندما حضر مسؤولون كبار في الدولة العام الماضي (منهم وزير الثقافة الكرواتي زلاتكو حسنبيغوفيتش وزعيم التحالف اليميني الوطني الحاكم وقتها توميسلاف كرماركو) عرضا شرفيا لذكرى الجنود الفاشيين الذين قضوا في الحرب العالمية الثانية، مرددين شعار «جاهزون من أجل الوطن» وهو الشعار الذي اتخذه نظام أوستاش؛ الدويلة التابعة للنازيين في الحرب العالمية الثانية، والتي أرسلت عشرات الآلاف من الغجر والصرب إلى معتقلات الإبادة النازية. أو هنغاريا عندما صرح وزيرها الأول فيكتور أوربان الذي أدانته الأمم المتحدة بسبب سياسته العدائية تجاه المهاجرين؛ بأنه يريد «أن يبقي أوروبا مسيحية». وإن كان المحدد جغرافيا؛ فالمغرب أقرب إلى الغرب من بولندا، ومصر من أستراليا و وتشيلي من السويد، فهل هم غربيون؟ فإذا لم تكن أي من هذه الدول غربية بكل تلك المحددات المختلفة، فمن حقنا أن نسأل ما الذي جعلها إذا خارج مفهوم الغرب؟ أما إذا اعتبرناها غربية ببعض تلك المحددات أو كلها فالمصطلح يضحي حينها بلا معنى. وماذا عن الروس الأرثوذكس أليسوا بيضا ومسيحيين؟ لكنهم بالمعيار الأمريكي ليسوا من الغرب حتى بعد سقوط الشيوعية لأنهم أورثوذكس، فما يكون هذا الغرب إذا؟ والسؤال الأهم؛ هل الغرب والعالم الغربي هو مرادف للديمقراطية؟ هل هذه القيم الكونية التي نجدها في مواثيق الامم المتحدة هي حكر على هذا الغرب؟، وهل الشعوب التي لا توصف بالغربية هي بالضرورة ليست شعوبا ديمقراطية؟. لقد تقلب هذا المصطلح (الغرب)على معانٍ مختلفة؛ فهو تاريخيا يجد جذوره في العالم الإغريقي-الروماني في أوروبا، والتراث اليهودي والمسيحي القديم ومملكة إسرائيل القديمة قبل الميلاد؛ كمفهوم للجزء الغربي من العالم، وفِي العصر الحديث -الذي انطلق مع عصر النهضة الأوروبي و الإصلاح البروتستنتي الذي دشنه مارتن لوتر بالثورة على سلطة الكنيسة الكاثوليكية في القرن 15 ثم عصر الأنوار- كان يشير إلى الأمم المسيحية في غرب أوروبا التي تأثرت كثيرا بتقاليد وأفكار ومثل تلك الحقب، و أصبح أكثر وضوحا وتحديدا مع تحول تلك الأمم إلى قوى كولونيالية وإمبريالية في الفترة ما بين القرن 15 و القرن 20. وفي الحقبة التي سبقت الحرب الباردة ظل المصطلح يطلق على الأمم المسيحية الكاثوليكية والبروتستانتية الغربية وثقافتها فحسب، وكانت ألمانيا النازية تعتبر دولة في القلب من هذا الغرب، فلم يكن أحد يربط الغرب بمفهوم الديمقراطية والليبرالية آنذاك. بعد عام 1947 إلى 1991 تغير مفهومه ظرفيا ليشمل جميع الدول في المعسكر الغربي التي كانت حليفة للولايات المتحدة وأوروبا الغربية في مقابل المعسكر الشرقي الذي يقوده الاتحاد السوفييتي. لم يلبث هذا المصطلح بعد انهيار الاتحاد السوفييتي أن أصبح مرادفا للديمقراطية، ويطلق على تلك الأمم المسيحية البيضاء ومعها الولايات المتحدة وكندا وأستراليا دون غيرها من الشعوب الأخرى حتى وإن كانت ديمقراطية وحداثية وتقع في الغرب. في الحقيقة ما يقوم به الأمريكيون المحافظون منهم والقوميون المتطرفون في أوروبا، هو ربط هذا المصطلح بعرق ولون محدد، وديانة بعينها بل وطوائف معينة داخل الديانة أو بمعنى أدق مصادرة المصطلح، فلا يدخل في المسمى غربي الروسي الأورثوذكسي، ولا الياباني الشنتي، ولا الهندوسي الذي ولد في بريطانيا، ولا الأمريكيون السود ولا اليهود السفرديم، ولا أجيال أبناء المهاجرين من شمال إفريقيا الذين ولدوا في فرنسا(…)، ولا حتى الأوروبي الأبيض الذي يعتنق الإسلام، فالغربي هو المسيحي الأبيض الكاثوليكي أوالبروتستانتي دون غيره. صحيح أن حركات التحرر في العصر الكولونيالي في شمال إفريقيا والشرق الأوسط أو حتى هايتي مثلا أخذت جملة من القيم الحديثة من الدول الاستعمارية واستخدمتها ضدها لنيل استقلالها، لكنها أيضا كانت تنهل من قيمها الحضارية الخاصة التي تدعوها إلى الحرية و النضال من أجل الحقوق المدنية ورفض الاستعمار، وكون تلك القيم والأفكار ظلت في قوالب تقليدية وتراثية قديمة وجامدة (على خلاف القيم الغربية التي يجلوها بريق الحداثة ونضارة العصر و وضوح التصور في العبارة والمضمون ووسائل الممارسة)- فإن ذلك لا يعني أنها أمم متوحشة ظلت عارية من المثل والمبادئ حتى اختلطت بالغرب الذي ألبسها ثياب المدنية. في القرن السابع الميلادي كان الخليفة عبد الرحمن الثاني في قرطبة يمنع قتل القساوسة الاستشهاديين الذين كانوا يسبون دين الإسلام ونبيه عمدا أمام القضاة كي يحكموا عليهم بالموت وينالوا الشهادة ورضى الرب. وساد التسامح الديني بين اليهود والمسلمين والمسيحيين، لم يكن ينقصهم مواثيق الأمم المتحدة أو القيم الغربية لالتزام هذا السلوك الإنساني المتسامح والمتحضر. وظل الانسجام سيد العلاقة بين أتباع الديانة البوذية و أتباع ديانة الشينتو في اليابان منذ مئات السنين إلى اليوم. وفي القرن الرابع عشر وفِي أوج الملاحقات لأصحاب الملل غير المسيحية و محاكم التفتيش في أوروبا، كان الإمبراطور الهندي المسلم أبو الفتح جلال الدين الشهير بأكبر، يعفي غير المسلمين من رعايا الامبراطورية من الضرائب التي كانت تفرض على أتباع الديانات المخالفة و رقاهم إلى أعلى المناصب في الدولة، وأسس في ظل دولته لمجتمعات متعددة الثقافات الهندية والفارسية والبوذية، متشبعة بمبادئ التسامح الديني. وفِي الوقت الذي كان العبيد يلقون ألوانا من الاحتقار والاستغلال في أمريكا القرن السادس عشر، كان السود في روسيا القيصرية يزينون البلاط الملكي كجواهر يحتفى بها ويحظون برعاية القيصر، ويتزوجون من الروسيات دون أي حرج، وكان ابراهيم أنيبال الذي أتوا به الأتراك عبدا من شمال إفريقيا وتبناه بعد ذلك القيصر الروسي بطرس الأعظم وأرسله ليتعلم في أرقى جامعات فرنسا ليعود ضابطا في سلاح المهندسين ويصبح جنرالا يضرب به المثل في أقطار روسيا. فالأمريكيون عندما يخلطون بين الغرب والديمقراطية يغفلون أنهم يخلطون بين ما هو كوني عام و ما هو محلي خاص، بين الحرية مثلا كقيمة إنسانية، وحرية اختيارا أسلوب للحياة مغاير للأسلوب الغربي، بين الديموقراطية كمفهوم مشترك وبين العادات والتقاليد والهويات كمنتوج إقليمي، ولا يدركون أن مخالفة النموذج الغربي وعدم التوافق معه، لا يعني بالضرورة مخاصمة الديمقراطية أو معاداة حقوق الإنسان والحريات؛ فأن لا تكون غربيا لا يعني ألا تكون ديمقراطيا، أو أنك بالضرورة سوف تخل بشروط المواطنة الحسنة. وفِي قلب مسألة الهجرة في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة؛ خصوصا بعد مجيء دونالد ترامب وتزايد شعبية الأحزاب اليمينية الشعبوية في أوروبا، فإن الجدل ما برح يثار حول مدى قدرة المهاجرين غير البيض وغير المسيحيين على الانسجام مع القيم الغربية، وغالبا ما تتوارد الآراء لدى المحافظين والقوميين على الخلط بين القيم الغربية والقيم الديمقراطية؛ فتكون النتيجة أن المسلم لا يتوافق مع الديمقراطية، رغم أن الفرق كبير بين اعتناق المرء لقيم الديمقراطية واعتناقه للقيم الغربية. فالحجاب مثلا لا يتوافق مع التقاليد والثقافة الغربية، لكنه في صميم القيم الديمقراطية التي تمنح للإنسان الحق في اختيار الشكل والمظهر الذي يوافق قناعاته الفكرية، والصوم كذلك ليس من العادات الغربية، لكنه مكفول ضمن الحقوق الليبرالية و الديمقراطية التي تدعو إلى حرية المواطن في ممارسة شعائره الدينية. فهذه الفروق لا يكاد يراها المواطنون الأمريكيون، وحسب استطلاع للرأي قام به معهد البحوث الدينية سنة 2015 في أمريكا؛ فإن ثلاثة أرباع الجمهوريين يعتقدون أن الإسلام لا يتوافق مع القيم الأمريكية، وغني عن الذكر أن القيم الأمريكية بالنسبة لهم هي بالضرورة قيم الحرية والديمقراطية. فدونالد ترامب عندما يهاجم القضاة بسبب لون بشرتهم أو يتعاطف مع العنصريين البيض في أحداث شارلوتسفيل أو يدعم الديكتاتوريين في الشرق الأوسط أو يحتقر المرأة؛ فإنه يعبر عن جانب من القيم الأمريكية التي تربى عليها، وتشكل قيمه الأمريكية(الغربية) تهديدا للقيم الديمقراطية. وعندما يتحدث في يوليو/تموز الماضي من وارسو عاصمة بولندا -التي رفضت إدخال اللاجئين إليها من ويلات الحرب ونهجت سياسة معادية للمهاجرين- عن الدفاع على الحضارة و والقيم الغربية من التهديدات القادمة من الجنوب ومن الشرق، فهو لم يكن يقصد تماما الدفاع عن الليبرالية والديمقراطية، بل يمكن القول إنه وكثير من الذين يسمون الغربيين أصبحوا يشكلون هم أنفسهم تهديدا للديموقراطية والليبرالية، تماما مثل هتلر الذي استغل أدوات الديمقراطية ومؤسساتها لفرض نظام من أعتى الأنظمة الاستبدادية.كاتب مغربي |
|