عن المصالحة الفلسطينية والجزرة
ماهر حجازي
لم يكن بمقدور محمود عباس إلا أن يلتقف تلك الجزرة التي رمته بها حماس، هذه الجزرة التي جعلت الرؤية واضحة أمامه ليسير في طريق المصالحة الفلسطينية ويرسل حكومة الوفاق إلى القطاع لتسلم مهامها والبدء بتحسين الأوضاع في قطاع غزة وانهاء الأزمات الإنسانية ورفع العقوبات التي فرضها عباس على القطاع والتي لم يتحقق منها شيء على أرض الواقع، سوى بعض المشاهد الدرامية عن الوحدة الوطنية وشطري الوطن التي أبكت الغزيين وباتوا ليلتهم على أحلام وردية.
هذه الجزرة التي لم تكن سوى تفاهمات حماس مع محمد دحلان، والتي كانت بمثابة رمي حجر في بحيرة راكدة، هاجت السلطة وبدأت مساعيها لإفشال هذه التفاهمات التي أؤكد للمرة الثانية أنها تفاهمات مصالح لا مصالحة، بدأت السلطة تحركات كبيرة لإفشالها والتوسط لدى الراعي المصري لهذه التفاهمات.
جزرة حماس هذه راق طعمها لعباس والذي جاء مهرولا إليها، وفعلا يوم الاثنين الثاني من أكتوبر وصلت حكومة الوفاق الفلسطينية برئاسة رامي الحمدلله ووفد من حركة فتح إلى قطاع غزة بعد أن أعلنت حركة حماس عن حل اللجنة الإدارية في القطاع من باب المصلحة العليا للشعب الفلسطيني وتحقيق المصالحة والحرص على انهاء الوضع الإنساني المتدهور في قطاع غزة.
وأنا اتابع وصول وفد الحكومة من رام الله إلى غزة لم أكن أتوقع ان الوفد القادم فلسطيني كنت أظنه اشبه بوفد أوروبي سواء من حيث نوعية السيارات الفخمة وأعدادها وجيش المرافقة وسلاح الزينة، حتى مشاهد التدافع وتسابق وفد رام الله للظهور على المنصة التي لم تكاد تتسع لهم جميعا، حتى أن ممثلو حركة حماس الذين كانوا في استقبال الحكومة أخلوا أماكنهم للفتحاويين أمام الكاميرات، وهذا يعكس فعلا نية حماس لإنجاح المصالحة.
لا شك أن من تابع بالأمس الأخبار القادمة من قطاع غزة كان يوما وطنيا بامتياز على الأقل في الظاهر، استقبال شعبي للحكومة ووفد رام الله، يعكس رغبة سكان القطاع بإنهاء الحصار وفتح المعابر وحل أزمة المرضى والكهرباء والموظفين، انعكست حالة من التفاؤل هذه المرة بإنهاء الانقسام الفلسطيني، مع إجراءات اتخذتها حماس لإتمام وصول الوفد وكافة الترتيبات الأمنية والبروتوكولية.
كذلك قيادات حماس من أعلى الهرم كانت تعمل كخلية نحل في استقبال الوفود الفلسطينية والمصرية، واتخذت كافة الترتيبات لسير الأمور بشكل جيد مما يضمن تحقيق المصالحة والانفراج على سكان القطاع المحاصر، حتى تعرضت قيادة الحركة للعديد من المواقف المحرجة واستقبال شخصيات إعلامية مصرية طالما نهقت ضد حماس والمقاومة وأهالي القطاع، وهذا يعكس فعلا إرادة حماس لتذليل كل العقبات في وجه المصالحة، وعلى الرغم من أن هذه المواقف عرضت الحركة للنقد من مؤيديها.
حتى تلك الصور التي تناقلتها وسائل الاعلام لقيادة المقاومة الفلسطينية إلى جانب وفد رام الله الذي ضم العديد من الشخصيات المسؤولة عن التنسيق الأمني مع الاحتلال الصهيوني والتي هي أقل بكثير ان تكون في مراتب المقاومين، هذا أيضا دليل على أن حماس هنا لأجل قطاع غزة وشعبه المحاصر.
لم يكتمل حلم أهالي القطاع الذين نعموا بالأمس بقليل من التفاؤل بإتمام المصالحة وعيونهم ترقب الكهرباء والوظيفة والعلاج وفتح المعبر، حتى أفاقوا على نكسة جديدة باجتماع حكومة الحمدلله الذي أعلن عن تأجيل رفع العقوبات التي فرضها عباس على القطاع، هذا الموقف الذي ربما يكون القشة التي تقصم ظهر البعير.
لكن لم يكن محمود عباس بأفضل حال هو ذاته الذي تحدث إلى قناة تلفزيونية أنه ليس "مستعجل" لرفع العقوبات عن غزة، كما هدد ووعد بضرب سلاح المقاومة في غزة، هذه التصريحات التي أعلنت الانتكاسة المرتقبة في ملف المصالحة وجاء موقف الحكومة منسجما وكأنه شيء دبر في ليل أو نية مبيتة كما يقول المثل الشعبي " تمسكن حتى يتمكن".
الفصائل الفلسطينية في غزة انتقدت موقف حكومة الحمدلله، من الآن فعلا هذه الحكومة اثبتت أنها ليس حكومة وفاق ولا وحدة وإنما هي حكومة حزب واحد وسلطة أوسلو، والتي كانت من المفترض ان ترفع العقوبات عن غزة منذ أن أعلنت حماس حل اللجنة الإدارية في غزة.
اعتقد أن حركة حماس تتوقع هذا الموقف والمماطلة من قبل عباس في تنفيذ اتفاق المصالحة ورفع العقوبات، ولابد من سيناريوهات تضعها الحركة للتعامل مع كل مستجد، حماس التي فعلا ذللت الصعاب بشكل كبير وقدم تنازلات لصالح الشعب الفلسطيني في سبيل انهاء معاناة سكان القطاع، هذه الاجراءات التي عرضت الحركة للانتقاد من محبيها.
اعتقد أن كل ما جرى خلال يومين في قطاع غزة وما قدمته حماس في سبيل المصالحة، وبالمقابل موقف حكومة الحمدلله اليوم وبالأمس تصريحات محمود عباس تدلل وبشكل واضح أن سلطة أوسلو هي من تعرقل المصالحة وهي تسعى للسيادة والاستفراد بالسلطة ولا تعير أي اهتمام لمعاناة قطاع غزة، بل استخدمت أسلوب العقاب لسكان القطاع وتشديد الحصار كورقة ضغط على حركة حماس.
اليوم الشعب الفلسطيني في قطاع غزة عليه أن يدرك تماما من يعطل المصالحة ومن يستغل جوعهم وبردهم ومستقبلهم، لابد من حراك شعبي لفرض الأمر الواقع على حكومة الحمدلله وإن تطلب ذلك التظاهر والاعتصام ومحاصرتهم في مكان اقامتهم وقطع الماء والكهرباء عنهم ليعيشوا جزءا بسيطا من حياة سكان القطاع.
الفصائل الفلسطينية في القطاع مطالبة أيضا بموقف حاسم من قرار تأجيل رفع العقوبات عن القطاع، يتجاوز الاستنكار والمفاجأة وتحمل المسؤولية مع حركة حماس في تبني رؤية واضحة إما في مواصلة جهود المصالحة وإعطاء فرصة من الوقت للضغط على الحكومة لرفع العقوبات مباشرة، أو طردهم من قطاع غزة ووضع رؤية للمرحلة المقبلة لقطاع غزة يتحمل الجميع فيها المسؤولية.
في ظل المعطيات الحالية وامام الانتكاسة الواضحة في مسار المصالحة والتعطيل من قبل رام الله، وليس من باب التيئيس والإحباط لأهلنا في غزة، لابد من جزرة ثانية تخرجها حماس من جعبتها وأن تلوح بها لعباس، لتعيد قطار المصالحة إلى السكة، واعتقد أن في جعبة حماس الكثير وعباس اعتاد الهرولة ....