منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 رابع الخلفاء علي بن أبي طالب

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75866
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

رابع الخلفاء علي بن أبي طالب  Empty
مُساهمةموضوع: رابع الخلفاء علي بن أبي طالب    رابع الخلفاء علي بن أبي طالب  Emptyالأربعاء 10 يوليو 2013, 11:29 pm




 
رابع الخلفاء علي بن أبي طالب 

اسمه، نسبه، كنيته، لقبه، إسلامه، مولده.

 

اسمه ونسبه:

هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة إلى عدنان.

 

كنيته:

أبو الحسن والحسين وابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، وقد آخا رسول الله - صل الله عليه وسلم- بينه وبينه.

 

لقبه:

أبو تراب، وهذا اللقب هو أحب ما يُدعى به؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم- هو القائل له بهذا، حيث جاء رسول الله - صل الله عليه وسلم- إلى بيته يبحث عنه فلم يجده إلا في المسجد نائمًا متمعكًا في التراب، فقال: "قم أبا تراب! قم أبا تراب!". رواه البخاري في صحيحه.

 

مولده:

ولد قبل البعثة بعشر سنين على الصحيح.

 

إسلامه:

هو أول من أسلم من الصبيان، كما أن أبا بكر هو أول من أسلم من الرجال، وهو من العشرة المشهود لهم بالجنة، ومن الستة أصحاب الشورى، وقد لازم رسول الله - صل الله عليه وسلم- منذ صغره ومنذ أسلم، وهو رابع الخلفاء الراشدين باتفاق المسلمين من الصحابة والتابعين إلى يوم الدين.

 

قال الإمام أحمد: "من  لم يربع بعلي - رضي الله عنه- في الخلافة؛ فهو أضل من حمار أهله".

 

وشهد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- المشاهد كلها وجميع الغزوات؛ إلا غزوة تبوك، فقد خلفه رسول الله - صل الله عليه وسلم- على أهله وعياله.

 

وهو زوج الطاهرة البتول فاطمة بنت محمد الرسول - صل الله عليه وسلم-، سيد نساء أهل الجنة، تزوجها في السنة الثانية من الهجرة.

 

أوصافه الخلقية:

كان علي رضي الله عنه رجلاً آدم، شديد الأدمة، أشكل العينين، عظيم اللحية، كثير شعر الصدر، حسن الوجه، ضحوك السن، خفيف المشي على الأرض، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم، أسلمت وصحبت وماتت في حياة النبي - صل الله عليه وسلم.

 

أوصافه الخلقية:

قد وصفه "ضرار الصدائي" حينما طلب منه معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه، فقال له: "صف لي عليًا، قال فيما وصفه: كان والله علي بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلًا، ويحكم عدلًا يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكم من نواحيه، ويستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحشته، كثير البكاء والعبرة، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن، كان فينا كأحدنا؛ يجيبنا إذا سألناه، ونحن والله مع تقريبه إيانا وقربه منا لا نكاد نكلمه هيبة له، يعظم أهل الدين، ويقرب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييئس الضعيف من عدله، وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله وغارت نجومه قابضًا على لحيته يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين، ويقول: يا دنيا! غُري غيري، إلي تعرضت أم إلي تشوقت؟! هيهات هيهات، وقد طلقتك ثلاثًا لا رجعة لي فيك. قال معاوية: رحمة الله عليك يا أبا الحسن، والله؛ إنه لكذلك؛ فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال: حزن من ذبح وحيدها لا ترقأ دمعتها ولا يسكن حزنها".

 

ما روي في ترشيح أمير المؤمنين علي في الخلافة ومبايعته:

لما قتل عثمان - رضي الله عنه؛ ثارت الفتن والزعازع، وأظلمت أرجاء المدينة، وعظمت المصيبة على المسلمين، وضاقت المدينة برجال الثوار، وبقي المسلمون أيامًا بدون إمام يرجع إليه في أمور المسلمين، وأخذ الثوار يلتمسون خليفة وفيمن يصلح وفيمن يلتزم، فطلب المصريون عليًا؛ فاختبأ عنهم. والبصريون وأهل الكوفة طلبوا من الزبير أن يكون خليفة؛ فأبى. وطلبوا من طلحة بن عبيد الله؛ فأبى ورفض. وأرادوا عبد الله بن عمر بن الخطاب وقالوا: أنت ابن أمير المؤمنين عمر، فأنت أحق بهذا الأمر من غيرك، فقال: والله؛ لا أتعرض لهذا الأمر التمسوا غيري.

 

وأتى عليًا - رضي الله عنه - كبار الصحابة من المهاجرين والأنصار وألحوا وقالوا: يا أبا الحسن! لا نجد اليوم أحدًا أحق بهذا الأمر ولا أقدم سابقة ولا أقرب من رسول الله - صلى الله عليه وسلم- منك. فقال رضي الله عنه: لا يكون هذا من قبل الثوار، ولا يكون إلا عن طريق أصحاب محمد - صل الله عليه وسلم- من المهاجرين والأنصار، أهل السابقة والفضل، ولا يكون إلا في المسجد، فإن بيعتي لا تكون خفية.

 

فاجتمع المهاجرون والأنصار في المسجد، فتمت المبايعة منهم وممن حضر في المدينة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه، فصار خليفة من الخلفاء الراشدين باتفاق المسلمين، ولم يتخلف عن مبايعته إلا معاوية وأهل الشام، فأخذت له البيعة في جميع الآفاق من بلدان المسلمين عدا أهل الشام، ولكنه تولى الخلافة - رضي الله عنه  - والأمور مضطربة بعد مقتل الشهيد عثمان - رضي الله عنه.

 

ولهذا يقول الأستاذ "سعيد الأفغاني"، وما أصدق ما قال! قال: "بويع علي بالخلافة، وإن الأمور لملتوية معتاصة، وإن كلمة الناس لمنتشرة وأهوائهم شتى".

 

ولقد استقبل - رضي الله عنه - عهد خلافته بأيام سود وفتن كقطع الليل المظلم؛ فاقتحم الغمرات فلم يجد - رضي الله عنه - بين يوم بيعته ويوم مقتله ساعة خلا فيها من فتن تثار، وخوارج تنتقض عليه، ومشكلات تتوالد، وخصوم متكاثرة، فلا زال منذ تولى الخلافة في قلق واضطراب.


ما ذكره ابن حجر في ((فتح الباري)) في حق أمير المؤمنين علي:

روى الإمام أحمد بن حنبل، وإسماعيل القاضي، والنسائي، وأبو علي النيسابوري، قالوا: ((لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الجياد أكثر مما جاء في حق علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وكان السبب في ذلك ما وقع من الاختلاف في زمانه وخروج من خرج عليه؛ فكان ذلك سبباً لانتشار مناقبه والرد على من خالفه من الطوائف المنحرفة من الخوارج وغيرهم ومن بني أمية، حتى اتخذوا سبه على المنابر سنة، عياذاً بالله، فصار الناس في حق علي ثلاث طبقات:

 

أهل السنة الذين يترضون عنه ويعرفون له فضله وقدره، والمبتدعة من الخوارج، والمحاربين له من بني أمية وأتباعهم، لذا احتاج أهل السنة إلى بث ما ورد في حقه من الفضائل والمناقب العديدة رضي الله عنه.

 

ذكر ما ورد من بعض فضائل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه:

لعلي رضي الله عنه فضائل كثيرة تستوعب أسفار كثيرة، لكن نقتصر على بعض الصحيح منها:

ورد في صحيح البخاري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حق علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ((أنت مني وأنا منك)). وذلك في قصة بنت حمزة بن عبد المطلب حينما لحقت تنادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عم! يا عم! وذلك عند انصرافه من مكة بعد عمرة القضاء، فأخذها علي بن أبي طالب وقال لفاطمة: ((دونك ابنة عمك)). وقال جعفر: ((أنا آخذها، هي ابنه عمي، وخالتها تحتي)). وقال زيد بن حارثة: ((هي ابنه أخي))؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم آخا بين زيد وحمزة، فلما وقع التشاح بينهم قضى بها النبي صل الله عليه وسلم لجعفر، قال: ((الخالة بمنزلة الأم)). ثم طيب نفس كل منهم، فقال لعلي: ((أنت مني وأنا منك)). وقال لجعفر: ((أشبهت خلقي وخلقي)). وقال لزيد: ((أنت أخونا ومولانا)). أخرجه البخاري في صحيحه.

 

وورد في صحيح البخاري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: ((لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه)). فتشوف الصحابة لهذا الفضل الكبير، فلما كان الليلة التي يصبح عليها الفتح، قال: ((أين علي بن أبي طالب؟)). قالوا: يا رسول الله! هو في أخريات الجيش يشتكي عينيه. وكان بها رمد؛ فدعا به، وبصق في عينيه، فبرأ كأن لم يكن بها وجع، فقال له رسول الله صل الله عليه وسلم: ((انفُذ على رسلك، فوالله؛ لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)). فكان فتح خيبر على يدي علي رضي الله عنه.

 

وقد روى البخاري في صحيحه: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف علياً رضي الله عنه على أهله وعياله في غزوة تبوك، فلما سمع علي رضي الله عنه من بعض المنافقين أنه إنما خلفه لثقله، أخذ علي سلاحه، ثم لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم في أثناء الطريق، فقال: يا رسول الله! تخلفني في النساء والصبيان وقد قال بعض المنافقين مقالة؟! فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: ((كذب المنافقون، ارجع واخلفني في أهلي وأهلك؛ ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي)).

 

وقد أخرج مسلم في صحيحه، من حديث علي نفسه، قال: ((والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد من رسول الله صل الله عليه وسلم؛ أنه لا يحبك يا علي إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق)).

 

وورد: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث علياً إلى اليمن قاضياً وهو شاب، قال: فقلت: يا رسول الله! إني ما أدري بالقضاء، قال: فضرب رسول الله صل الله عليه وسلم بيده على صدري، فقال: ((اللهم! اهد قلبه، وسدد لسانه)). قال علي: فو الله، ما شككت بعدها في قضاء بين اثنين)).

 

وروي عن الإمام أحمد بن حنبل، أنه قال: ((لم ينقل لأحدٍ من الصحابة ما نقل لعلي رضي الله عنه، تصدى لجمعه المخلصون من أهل العلم رحمهم الله)).

 

وروي: ((أنه لما نزل قول الله تعالى: ﴿ فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناؤكم ونساؤنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم... ﴾[1]، دعا رسول الله صل الله عليه وسلم علياً وفاطمة والحسن والحسين، فقال: اللهم هؤلاء أهلي؛ فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً)).

 

وروي عن عائشة رضي الله عنها لما بلغها قتل علي، قالت: ((لتصنع العرب ما شاءت، فليس لها أحد ينهاها)).

 

وروي: ((أن معاوية أبي سفيان رضي الله عنه لما بلغه قتل علي رضي الله عنه؛ ترحم عليه، وقال: ذهب الفقه بموت ابن أبي طالب رضي الله عنه)). وفي لفظ: ((الفقه والعلم)).

 

وروي: ((أن الحسن البصري رحمه الله جاءه رجل من الأزارقة، فقال: يا أبا سعيد! ما تقول في علي بن أبي طالب؟ قال: فاحمرت وجنتا الحسن، وقال: رحم الله علياً؛ كان -والله- سهماً صائباً في أعداء الله، وكان في محلة من العلم أشرفها وأقربها إلى رسول الله صل الله عليه وسلم، كان رهباني في هذه الأمة، أعطى القرآن عزائمه وعمله وعلمه، وكان منه في رياض مونقة وأعلام بينه، ذاك علي بن أبي طالب يا لكع)).

 

وقد ضحى علي رضي الله عنه بنفسه ليلة ما تعدت قريش بالفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: ((نم على فراشي، فلن يخلص إليك منهم شيء تكرهه)). فنام على فراش المصطفى، امتثالاً وطاعة لله ولرسول صل الله عليه وسلم، مرخصاً بنفسه رضي الله عنه.

 

ذكر بعض ما اشتهر به أمير المؤمنين علي من الفروسية والشجاعة:

كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه من فرسان الصحابة المشتهرين بالمبارزة والإقدام في جميع ميادين المعارك التي التقى فيها المسلمون بالمشركين؛ فكم صرعت يده من صنديد؟!

 

فقد بارز في وقعة بدر الوليد بن عتبة بن ربيعة، فألقاه صريعاً، ثم شارك هو وعمه حمزة في القضاء على عتبة بن ربيعة المبارز مع عبيدة بن الحارث حتى ألقياه صريعاً.

 

وفي غزوة الأحزاب تبدى أحد المشركين واقتحم الخندق يريد المبارزة، وهو عمرو بن عبد ود صنديد من صناديد المشركين؛ فبرز له علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فألقاه صريعاً وقضى عليه.

 

وفي غزوة خيبر طلب مرحب اليهودي المبارزة من المسلمين؛ فبزر له علي، فتصاولا ساعة، ثم ألقاه علي رضي الله عنه صريعاً وقتله.

 

فقد روي عنه بأنه قال: ((قتلت تسعة وتسعين رئيساً من المشركين مبارزة غير من شاركت فيه)). ولهذا قال له عبد الله بن عباس فيما أدى إليه بالمشورة في بعض الأمور عند استخلافه، قال: ((أنت يا أمير المؤمنين رجل شجاع، ولست صاحب رأي)). رضي الله عنه وأرضاه.

 

ذكر شيء من حكمه ومعلوماته رضي الله عنه:

لأمير المؤمنين علي باع طويل في غزارة العلم واستنباط الحكم، كيف لا وقد ضرب رسول الله صل الله عليه وسلم بيده الكريمة صدره وقال: ((اللهم! أهد قلبه، وسدد لسانه)). وقد سبق ذكره.

 

وروي عن ابن عباس رضي الله عنه، أنه قال: ((لقد أعطي علي تسعة أعشار العلم)).

 

وعن جابر بن سمرة، قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب: ((من أشقى الأولين؟)). قال: عاقر الناقة.

 

قال: ((ومن أشقى الآخرين؟)). قال: الله ورسوله أعلم.

 

فقال رسول الله صل الله عليه وسلم: ((قاتلك)). أخرجه الطبراني، وله شاهد من حديث عمار بن ياسر.

 

وروي أن أمير المؤمنين علياً قال: للمرائي ثلاث علامات: ينشط في العمل بين أعين الناس، ويكسل إذا كان وحده، ويزيد في العمل إذا أثنى عليه وينقص إذا ذم)).

 

وروي عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: ((من أفتاكم بصوم عاشوراء؟ قالوا: علي بن أبي طالب. قالت: أما إنه لأعلم الناس بالسنة)).

 

وروي عن علي رضي الله عنه: ((أنه كان في رحبة الكوفة، فدعا بماءٍ، فشرب وهو قائم، ثم قال: إن أناساً يكرهون الشرب قياماً، وإن رسول الله صل الله عليه وسلم شرب وهو قائم)). رواه البخاري وأحمد.

 

وروي أن أمير المؤمنين علياً قال: ((لا بد للناس من إمارة برة كانت أو فاجرة. فقيل له: يا أمير المؤمنين! هذه البرة قد عرفناها؛ فما بال الفاجرة؟ قال: تقام بها الحدود، وتؤمن بها السبل، ويجاهد بها العدو، ويكف بها ظلم الظالم)).

 

وروي أنه رضي الله عنه قال للأشعث بن قيس: ((إنك إن صبرت؛ جرى عليك القلم وأنت مأجور، وإن جزعت؛ جرى عليك القلم وأنت مأزور)).

 

روي: ((أن علياً رضي الله عنه وقف على رجل يقص (يعني: يذكر الناس)، فقال له: يا هذا! ما ثبات الإيمان وما زواله؟ قال القاص: ثبات الإيمان الورع، وزواله الطمع. قال علي: امض في قصصك)).

 

روي أنه رضي الله عنه قال: ((لو كان الدين بالرأي؛ لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله صل الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه)).

 

وروي عنه أنه قال: ((ليس حسن الجوار كف الأذى؛ بل حسن الجوار هو الصبر على الأذى)).

 

وروي عنه رضي الله عنه أنه قال: ((ما كان قوم في رغدٍ من العيش فزال عنهم ذلك؛ إلا بسبب خطيئة ارتكبوها)). ولهذا يقول رضي الله عنه: ((ما نزال بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة)). ولهذا روي عنه أنه قال: ((تعطروا بالاستغفار؛ لا تفضحكم روائح الذنوب)).

 

وروي عنه رضي الله عنه قال: ((حدثوا الناس بما يعرفون؛ أتريدون أن يُكذب الله ورسوله؟!)).

 

وروي أنه قال رضي الله عنه: ((ألا لا يرجون أحد إلا ربه، ولا يخاف إلا ذنبه، ولا يستحي إذا سئل عما لا يعلم أن يقول لا أعلم، وعليكم بالصبر؛ فإنه من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد)).

 

وروي أنه رضي الله عنه قال لأبي الهياج الأسدي: ((ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صل الله عليه وسلم؟ أن لا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبراً مشرفاً إلا سويته)).

 

وروي: ((أن يهودياً قال لأمير المؤمنين علي رضي الله عنه: أنتم معشر المسلمين ما دفنتم نبيكم حتى قالت الأنصار: منا أمير ومنكم أمير. فقال علي مجيباً لحجته الباطلة ورادّاً عليه: وأنتم معشر اليهود ما جفت أقدامكم من ماء البحر حتى قلتم لنبيكم موسى عليه السلام: ﴿ اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة... ﴾[2].

 

تنبيه:

أهل السنة والجماعة وما عليه علماء الإسلام أن الخلفاء الأربعة أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً رضي الله عنهم ترتيبهم في الأفضلية على حسب ترتيبهم في الخلافة، فمن قدم علياً على عثمان؛ فقد أزرى بالمهاجرين والأنصار، فهؤلاء الأربعة هم الخلفاء الراشدون والأئمة المهديون؛ لحديث العرباض بن سارية رضي الله عنه المرفوع.

 

ذكر شيء من زهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه:

ورد من طرق كثيرة أن أمير المؤمنين علياً كان من أزهد الناس في الدنيا، لما تزينت له الدنيا، قال: ((أنت طالق مني ثلاثاً، لا رجعة لي فيك)). وقد سبق ذكره.

 

وكان يسير في الفيء بسيرة أبي بكر وعمر، وإذا ورد عليه مال؛ قسمه من يومه، ولا يترك منه شيئاً، ولا يترك في بيت المال شيئاً إلا شيئاً يعجز عن تقسيمه في يومه، ولا يخص قريباً، ولا يخص بالولايات إلا أهل الأمانة والديانة.

 

قال ابن عبد البر رحمه الله: ((ثبت عن الحسن بن علي رضي الله عنه من وجوه، أنه قال: لم يترك أبي إلا ثمان مئة درهم فضلت عن عطائه، كان يعدها لخادم يشتريها لأهله)).

 

وكان رضي الله عنه يؤثر التقشف في لباسه وهيئته ومطعمه، روي أن عمر بن عبد العزيز الأموي رحمه الله تعالى قال بمجمع من الناس عنده: ((من أزهد الناس في الدنيا؟ قالوا: أنت يا أمير المؤمنين! قال: أزهد الناس علي بن أبي طالب)).

 

وصية أمير المؤمنين علي رضي الله عنه لبنيه:

روي أنه دعا الحسن والحسين رضي الله عنهما، فقال: ((أوصيكما بتقوى الله وحده، ولا تبغيا الدنيا وإن بغتكما، ولا تأسفا على ما فاتكما منها، قولا الحق، وارحما اليتيم، وأعينا الضعيف، وكونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً، ولا تأخذكما في الله لومة لائم.

 

ثم نظر إلى ابنه محمد بن الحنفية، فقال: هل سمعت ما أوصيت به أخويك؟ قال: نعم. قال: أوصيك بتوقير أخويك، ولا تقطع أمراً دونهما. ثم قال: أوصيكما به، فإنه أخوكما وابن أبيكما، فاعرفا له حقه وأكرماه)).

 

وله رضي الله عنه وصية أخرى قال فيها:

((بسم الله الرحمن الرحيم))

هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب، أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ثم أوصيك يا حسن وجميع ولدي وأهلي بتقوى الله، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وصلوا أرحامكم بالتواصل والتواد، وإياكم والتقاطع والتدابر والتفرق)).


ذكر شيء عن وقعة الجمل وملخص خبرها:

إن وقعة الجمل سببها وإثارة حركتها هو القيام بطلب دم عثمان، وكان أغلب قتلته من أهل البصرة، فقام طائفة من أهل المدينة وممن بالحجاز من بني أمية.

 

ومن ضمن من قام: طلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وعائشة رضي الله عنهم، حيث عظم عليهم قتل عثمان، ورأوا أنهم إن لم يقوموا بطلب دمه أن يحل عليهم سخط من الله، فاجتمع الطالبون بدمه، فالتف معهم من ليس غرضه إلا التحريش بين المسلمين وإثارة الفتن، فتوجهوا إلى البصرة، وأما علي رضي الله عنه، فكان موقفه من الثوار الذين قتلوا عثمان بأنهم مارقون ومطالبون بدم عثمان، وأن لا يفلتوا من العقاب، ولكن هيهات ما داموا في المدينة بحال قوة وكثرة وهيمنة، والمعاقب لا بد أن يكون في حال قوة غالبة، فلما رأى علي أنهم توجهوا إلى البصرة؛ سار إليهم في أربعة آلاف من أهل المدينة فيهم ممن بايع تحت الشجرة، فالتقى بطلحة والزبير ومن معهما عند البصرة، فأرسل علي القعقاع بن عمر واسطة بين الفريقين يسعى بالصلح وترك القتال، وخطب علي في الناس ثم قال: ((ألا وإني مرتحل غداً؛ فارتحلوا عند ذلك.

 

قال ابن السوداء (عبيد الله بن سبأ) لأصحابه: إن تصالح علي مع عائشة، فهو على دمائكم، ولكن اختلطوا في الناس مع كل قوم فرقة منكم، وإذا التقى الناس غداً فابدؤوا القتال ولا تتركوا للناس مجالاً للتفاهم.

 

وفعلاً قبل أن يلتقي المسلمون للصلح بدأ أتباع ابن سبأ بالقتال، كل من وجهته في الفريقين، فظن كل من الفريقين أن صاحبه قد خان ونقض عهده؛ فوقعت معركة الجمل التي قتل فيها آلاف كثيرة من المسلمين من غير قصد من المسلمين؛ بل بسبب من أثار الفتن على عثمان، فما زال يواصل شره وفتنته في المسلمين.

 

أما طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، فقتل في هذه الوقعة، قيل: إن الذي قتله مروان بن الحكم، وأما الزبير رضي الله عنه، فإنه رجع منصرفاً عن القتال وعن الوقعة؛ لما ذكره علي بحديث رواه علي عن رسول الله صل الله عليه وسلم؛ أنه قال: ((إنك يا زبير تقاتل علياً وأنت له ظالم)). فعند ذلك انصرف راجعاً، فعارضه عمرو بن جرموز التميمي الخارجي وجماعة معه؛ فقتل الزبير بوادي السباع، قيل: قتله غيلة.

 

وأما عائشة فأدخلها أخوها محمد البصرة بأمر من علي مكرمة ومحترمة، ثم جهزها أمير المؤمنين علي إلى المدينة بجميع ما يلزمها ومعها أربعون امرأة؛ حشم لها، رضي الله عنها ورضي الله عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.

 

ملخص وقعة صفين وما جرى فيها:

لما بويع لعلي رضي الله عنه بالخلافة وتمت له البيعة ممن كان بالمدينة ومن جميع المدن في الآفاق الشاسعة والأقاليم؛ صار خليفة عامة خلافة نبوة كما ورد في حديث سفينة عن رسول الله صل الله عليه وسلم، وفيه أنه قال: ((خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم يؤت الله ملكه من يشاء)).

 

ولم يبق إلا أهل الشام تحت ولاية معاوية؛ فلم يبايع بحجة مطالبته بدم عثمان، وإلا؛ فهو رضي الله عنه يعترف لعلي بالفضل والسابقة، وأنه هو أحق من غيره بالخلافة، ولكن امتناعه عن المبايعة لعلي حتى يستوفي من الثوار دم الشهيد عثمان رضي الله عنه؛ لأنه ولي دم عثمان، قال تعالى: ﴿ ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً... ﴾[1].

 

وأمير المؤمنين علي يعتقد أن الثوار ملحدون وجوره ظالمون، لكن يعتذر من الاستيفاء منهم أن هذا يتعذر عليه وغير داخل في استطاعته؛ لما للثوار من القوة والكثرة والهيمنة، ويعتذر من بعض من أشار إلى ذلك بأن الاستيفاء في إمكانه فيما بعد.

 

وقد ثبت أن علياً رضي الله عنه قد بذل جهده هو وغيره من الصحابة في الدفاع عن عثمان؛ فقد أرسل علي ابنيه الحسن والحسين عند باب عثمان وأبو هريرة، وعبد الله بن سلام، وعبد الله بن الزبير، والمغيرة بن شعبة ومواليهم؛ كل هؤلاء بذلوا جهدهم واستطاعتهم في الدفاع عنه كما مر ذكره.

 

ثم إن أمير المؤمنين علياً قد أرسل إلى معاوية وتفاوض معه بالدخول تحت الطاعة والمبايعة وحقن دماء المسلمين، فلما رأى أنه مصمم عن المبايعة؛ زحف كل منهما بجيشه، فالتقت جيوش الإسلام بعضها إلى بعض بمكان يدعى صفين، فدامت بينهما، عدة وقعات كثيرة وقتل من الفريقين خلق كثير؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون، وكل منهما في اعتقاده مجتهد، ومن ضمن من قتل من جنود علي عمار بن ياسر رضي الله عنه، وقد ورد أن النبي صل الله عليه وسلم قال لعمار: ((ويح ابن سمية! تقتله الفئة الباغية)).

 

نرجو من الله تعالى أن يسامح الجميع، وأن يغفر لمسيئهم ويثيب مصيبهم؛ إنه على كل شيء قدير، اللهم صلي على محمد.

 

ذكر مقتل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه:

سببه أن طائفة من الخوارج المارقين خرجوا على أمير المؤمنين علي رضي الله عنه في عهده بحجج باطلة، وقد توارد عنهم أحاديث عن رسول الله صل الله عليه وسلم أنهم سيخرجون بعده، ووصفهم بأوصافهم ونعتهم، وكشف عنهم وعن أعمالهم، وأمر بقتلهم.

 

ففي الصحيحين، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه عنه سويد بن غفلة: قال علي رضي الله عنه: ((إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فوالله؛ لئن أخر من السماء أحب إلي من أن أكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم؛ فإن الحرب خدعة، وإني سمعت رسول الله صل الله عليه وسلم يقول: ((سيخرج قوم في آخر الزمان أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم؛ فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة)). وورد فيهم أحاديث كثيرة.

 

فلما خرجوا على أمير المؤمنين علي بعد وقعة صفين راسلهم علي وأرسل عليهم ابن عمه عبد الله بن عباس، ورجع منهم من رجع، وبقي منهم عدد كبير، استمروا على نبذ العهد وعدم الطاعة؛ فقاتلهم علي رضي الله عنه بمن معه من المسلمين، فهزمهم وأباد خضرائهم، وهذه الوقعة هي وقعة النهروان المشهورة.

 

وبعد هذه الواقعة اجتمع ثلاثة من الخوارج من بقاياهم قطع الله دابرهم، وهم عبد الرحمن بن ملجم المرادي، والبرك (واسمه: الحجاج)، وعمرو بن بكر التميمي الخارجي؛ فاتعدوا وتعاهدوا على قتل كل من علي ومعاوية وعمرو بن العاص ليلة سبع عشرة من رمضان سنة أربعين من الهجرة.

 

فقال ابن ملجم: أنا لكم بعلي بن أبي طالب بالكوفة، وقال الآخر: أنا لكم بمعاوية بالشام، والآخر قال: أنا لكم بعمرو بن العاص بمصر. فذهب كل منهم إلى مصره الذي يريد، أما ابن ملجم؛ فقد نفذ غيظه في أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وقضى عليه، وأما صاحب معاوية؛ فضربه ضربة أو ضربتين، فلم تصب مقتله، فسلم بحمد الله، وأما صاحب عمرو بن العاص؛ فوافق عمرو بن العاص تلك الليلة مريضاً، فلم يخرج، وأناب عنه للصلاة خارجة بن حذافة، فظن المجرم أنه عمرو فطعنه، فقضى عليه؛ فكذا قيل في معرض الأمثال: ((أردت عمراً وأراد الله خارجة....)).

 

قُتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه ليلة سبع عشرة من رمضان سنة أربعين هجرية؛ فكانت خلافته أربع سنين وستة أشهر وأيام، واختلف في سنه يوم مات؛ فقيل: سبع وخمسون سنة، وقيل: ثلاث وستون رضي الله عنه وأرضاه.

 

ذكر المؤرخون أن جندب بن عبد الله دخل على علي بعد ما أصيب، فقال له: ((يا أمير المؤمنين! إن فقدناك ولا نفقدك، أفنبايع الحسن؟ فقال: لا آمركم ولا أنهاكم، أنتم أبصر بأنفسكم)). فلما استشهد علي رضي الله عنه؛ بايع أهل الكوفة ابنه الحسن، وأول من بايعه قيس بن سعد بن عبادة، وتتابع الناس بالمبايعة وخصوصاً أهل العراق.

 

قال أبو عمر ابن عبد البر: ((بايع الحسن أكثر من أربعين ألفاً، كلهم قد بايع أباه قبله على الموت، وكانوا أطوع للحسن وأحب فيهم من أبيه)).

 

ترجمة الحسن بن علي رضي الله عنه:

هو الحسن بن علي بن أبي طالب، وأمه فاطمة بنت رسول الله صل الله عليه وسلم.

 

ولد بالمدينة في السنة الثالثة من الهجرة، وكان أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه هو والحسين حباً شديداً، وورد أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال: ((هذان سيدا شباب أهل الجنة)).

 

وروى البخاري في صحيحه، أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال في حق الحسن: ((إن ابني هذا سيد، ولعل الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)). وقد حقق الله قول رسوله؛ فقد ورد أن الحسن بن علي سار بجيشه وكان أكثر من أربعين ألفاً إلى معاوية، وسار معاوية بجيشه ليصد الحسن وجيشه، ولما تقارب الجمعان؛ علم الحسن رضي الله عنه أنه لن تغلب إحدى الفئتين حتى يذهب أكثرها، ورأى أن الصلح في جمع الكلمة وترك القتال، فسعى بالصلح مع معاوية، واشترط الحسن على معاوية شروطاً التزم بها معاوية ووفى بها، وخلع الحسن رضي الله عنه نفسه وسلم الأمر إلى معاوية؛ ففرح المسلمون بهذا الصلح، وهدأت الفتن، وطفئت نار الحروب بين المسلمين، وقد وقع ما أخبر به الصادق الأمين صلوات الله وسلامه عليه، وهذا من أعلام النبوة؛ فبعد ذلك اجتمعت الكلمة لمعاوية، وسمي هذا العام عام الجماعة سنة أربعين من الهجرة النبوية.

 

ذكر بعض أقوال أهل السنة فيما شجر بين الصحابة:

سئل شيخ الإسلام ابن تيمية (قدس الله روحه) عما شجر بين الصحابة علي، ومعاوية، وطلحة، والزبير رضي الله عنهم؛ فأجاب قائلاً: ((قد ثبت بالنصوص الصحيحة أن عثمان وعلياً وطلحة والزبير وعائشة من أهل الجنة، بل قد ثبت في الصحيح: أنه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة، وعمرو بن العاص، وأبو موسى الأشعري، ومعاوية هم من الصحابة ولهم فضائل ومحاسن، وما يحكى عنهم كثير منه كذب، والصدق منه إن كانوا فيه مجتهدين؛ فالمجتهد إذا أصاب فله أجران، وإذا أخطأ؛ فله أجر، وخطؤه يغفر له، وإن قدر أن لهم ذنوباً؛ فالذنوب لا توجب دخول النار مطلقاً)). انتهى كلامه رحمه الله.

 

وثبت في الصحيحين عن النبي صل الله عليه وسلم، أنه قال: ((خير القرون القرن الذي بعثت فيه، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)). فمن جزم في واحد من هؤلاء بأن له ذنباً يدخل بها النار قطعاً؛ فهو كاذب مفتر، تكلم فيما شجر بينهم، وقد نهى الله عنه من ذمهم أو التعصب لبعضهم بالباطل؛ فهو ظالم معتدٍ.

 

وقال بعض مشايخنا الذين لهم الباع الطويل في العلم: ((إن مذهب أهل السنة والجماعة هو الكف عما جرى بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإمساك عما شجر بينهم؛ لما في الخوض من توليد الإحن والحزازة والحقد على أصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم، وذلك من أعظم الذنوب)).

 

وقال ابن حمدان -من أصحابنا في كتاب (نهاية المبتدئين)-: ((يجب حب كل الصحابة والكف عما جرى بينهم كتابة وقراءة وإقراء وسماعاً وتسميعاً، ويجب ذكر محاسنهم، والترضي عنهم، والمحبة لهم، وترك التحامل عليهم، واعتقاد العذر لهم، وأنهم فعلوا ما فعلوا باجتهاد سائغ لا يوجب كفراً ولا فسقاً؛ بل ربما يثابون عليه لأنه اجتهاد، وما أحسن ما روي عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله، أنه قال لما سئل عما وقع بين الصحابة، قال: ((تلك دماء طهر الله منها يدي؛ فلا أحب أن أخضب بها لساني)). فرحمه الله)).

 

وقال أبو زرعة - أحد أئمة الإسلام -: ((إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله؛ فاعلم أنه زنديق رافضي، قد أظهر عداوته للإسلام والمسلمين؛ فليحذر)).

 

وقال الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله في (منهاج السنة): ((وأما الصحابة؛ فجمهورهم وجمهور أفاضلهم لم يدخلوا في فتنة))، ثم ساق عن ابن سيرين قال: ((هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صل الله عليه وسلم عشرة آلاف، فما حضرها منهم مئة؛ بل لم يبلغوا ثلاثين)). وهذا أصح إسناد على وجه الأرض، وساق كلاماً طويلاً يدل على أن أكثر الصحابة اعتزل الفتنة.

 

إذا عرفت ما تقدم؛ علمت أن طريق السلامة الكف عما شجر بينهم والترضي عن الجميع، ونقول كما قال الله تعالى عن التابعين لهم بإحسان: ﴿ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا... ﴾ [الحشر: 10][2].

 

وقال شيخ الإسلام تقي الدين رحمه الله: ((كل ما في القرآن من خطاب للمؤمنين والمحسنين ومدحهم والثناء عليهم؛ فالصحابة أول من يدخل في هذا الثناء من هذه الأمة؛ كما ورد عن رسول الله صل الله عليه وسلم أنه قال: ((خير القرون قرني....)). وقد سبق ذكره.

 

وقد ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه، أنه قال: ((من كان منكم مستناً فليستن بمن قد مات؛ فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد صل الله عليه وسلم كانوا أفضل هذه الأمة، أبرها قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه؛ فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم في آثارهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم؛ فإنهم كانوا على الهدى المستقيم)).

 

وورد بالأسانيد عن زر بن حبيش، قال: قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ((إن الله نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد صل الله عليه وسلم؛ فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه...)). الحديث.

 

قال الشيخ تقي الدين: ((من لعن أحداً من الصحابة، فإنه يستحق العقوبة البالغة باتفاق المسلمين، وقد تنازعوا؛ هل يعاقب بالقتل أو ما دون القتل؟)).

 

والأدلة في فضل الصحابة كثيرة، لا يرتاب فيها إلا زائغ، ولا شك أنهم حازوا قصبات السبق، واستولوا على الأمد، وبلغوا في الفضل والمعروف والعلم وجميع خصال الخير ما لم يبلغه أحد؛ فالسعيد من اتبع صراطهم واقتفى آثارهم، تالله؛ لقد نصروا الدين، ووطدوا قواعد الملة، وفتحوا القلوب والأوطان، وجاهدوا في الله حق جهاده؛ فرضي الله عنهم وأرضاهم، وقبح الله من سبهم وآذاهم، والله قد رضي عنهم ورفع في الكتاب المنزل ذكرهم وحباهم، ولنبيه قد اختارهم واجتباهم؛ فلا فضل إلا وقد سبقوا إليه وحازوه.

 

فيجب على كل مسلم أن يعرف قدرهم والمنزلة التي أنزلهم الله إياها مما دلت عليه نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية؛ فيجب على كل مسلم أن يكون سليم القلب واللسان، سليم الحقد والبغض والاحتقار والعداوة والحسد والكراهية؛ لأصحاب محمد صل الله عليه وسلم، سليم اللسان من الطعن والسب واللعن والشتم والوقيعة فيهم، يعتقد فضلهم، ويعرف لهم سابقتهم ومحاسنهم، ويترحم عليهم، ويترضى عنهم، ويستغفر لهم.




رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/32701/#ixzz2YfzwRRXP
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75866
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

رابع الخلفاء علي بن أبي طالب  Empty
مُساهمةموضوع: رد: رابع الخلفاء علي بن أبي طالب    رابع الخلفاء علي بن أبي طالب  Emptyالأربعاء 10 يوليو 2013, 11:31 pm

علي بن أبي طالب والشيخان أبو بكر وعمر
- رضي الله عنهم أجمعين -




كنت أقرأ في كتابٍ مفيد مُمتِع للإمام ابن الجوزي المتوفَّى سنة 597هـ - رحمه الله - وهو الكتاب المشهور: "تلبيس إبليس"، فوقفت على هذا النصِّ الثمين، فأحببتُ أن أنقله إلى القُرَّاء الكِرام؛ لأنَّ في ذلك دفاعًا عن أمير المؤمنين سيِّدنا عليٍّ - رضِي الله عنْه - وكشفًا عن رأيه في الخليفتَيْن الراشدَيْن اللذين هما أفضل أمَّة محمد - صلَّى الله عليه وسلَّم.
 
قال ابن الجوزي بسنده إلى سويد بن غفلة قال: مررتُ بنفرٍ من الشِّيعة يتناوَلون أبا بكر وعمر - رضِي الله عنْهما - فدخلتُ على عليِّ بن أبي طالب، فقلت: يا أمير المؤمنين، مررتُ بنفرٍ من أصحابك يَذكُرون أبا بكر وعمر - رضِي الله عنْهما - بغير الذي هما له أهل، ولولا أنهم يرَوْن أنَّك تُضمِر لهما مثلَ ما أعلَنُوا، ما اجترَؤُوا على ذلك.
 
قال عليٌّ: أعوذ بالله، أعوذ بالله أن أُضمِر لهما إلا الذي ائتمنَنِي النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عليه، لعَن اللهُ مَن أضمر لهما إلا الحسَن الجميل، هما أخَوَا رسولِ الله، وصاحباه ووزيراه - رحمة الله عليهما.
 
ثم نهض دامعَ العينين يبكي قابِضًا على يديَّ، حتى دخَل المسجد فصعد المنبر وجلَس عليه متمكِّنًا، قابِضًا على لحيته، وهو ينظر فيها وهي بيضاء، حتى اجتَمَع لنا الناس، ثم قام فتشهَّد بخطبةٍ مُوجَزة بليغة، ثم قال:
"ما بال أقوامٍ يَذكُرون سيِّدَي قريش، وأبوَي المسلِمين بما أنا عنه متنزِّهٌ، وممَّا قالوه بريءٌ، وعلى ما قالوا مُعاقِب؟! أمَا والذي فلَق الحبَّة وبرَأ النَّسمة، لا يحبُّهما إلا مؤمنٌ تقيٌّ، ولا يبغضهما إلا فاجرٌ شقيٌّ.
 
صَحِبا رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - على الصدق والوفاء، يأمُران وينهيان، ويغضَبان ويُعاقبان، فما يَتجاوَزان فيما يَصنَعان رأيَ رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ولا كان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يرى غيرَ رأيهما، ولا يحبُّ أحدًا كحبِّهما.
 
مضى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهو راضٍ عنهما، ومضَيَا والمؤمنون عنهما راضون، أمَّره[1] رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - على صلاة المؤمنين، فصلَّى بهم تسعةَ أيامٍ في حياة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.
 
فلمَّا قبَض الله نبيَّه واختار له ما عنده، ولاَّه المؤمنون ذلك، وفوَّضوا إليه الزكاة، ثم أعطوه البيعة طائِعين غير مكرهين، وأنا أوَّل مَن سَنَّ له ذلك من بني عبدالمطَّلِب، وهو لذلك كارهٌ، يَوَدُّ لو أنَّ مِنَّا أحدًا كَفَاه ذلك.
 
وكان واللهِ خيرَ مَن أبقى؛ أرحمَه رحمةً، وأرأفَه رأفَةً، وأسنَّه ورعًا، وأقدَمه سِنًّا وإسلامًا، شبَّهه رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بميكائيل رأفةً ورحمةً، وبإبراهيم عفوًا ووَقارًا، فسار بسيرةِ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - حتى مضَى على ذلك - رحمة الله عليه.
 
ثم ولي الأمرَ بعده عمرُ - رضِي الله عنْه - وكنتُ فيمَن رضي، فأقام الأمرَ على منهاج رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وصاحبه، يتبع أثرهما كما يتبع الفصيل[2] أثرَ أمِّه.
 
وكان والله رفيقًا رحيمًا بالضُّعَفاء، ناصِرًا للمظلومين على الظالمين، لا تَأخُذه في الله لومة لائِم، وضرَب الله الحقَّ على لسانه.
 
أعزَّ الله بإسلامه الإسلامَ، وجعَل هجرته للدين قوامًا، وألقى الله له في قلوب المنافقين الرهبةَ، وفي قلوب المؤمنين المحبَّة، شبَّهه رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بجبريل، فظًّا غليظًا على الأعداء.
فمَن لكم بمثلهما؟ رحمة الله عليهما، ورزَقَنا المُضِيَّ في سبيلهما.
فمَن أحبَّني فليحبَّهما، ومَن لم يحبَّهما فقد أبغضني، وأنا منه بريء.
ولو كنت تقدَّمت إليكم في أمرهما، لعاقبتُ في هذا أشدَّ العقوبة.
ألاَ فمَن أوتيت به يقول بعد هذا اليوم، فإنَّ عليه ما على المفتري.
ألاَ وخير هذه الأمَّة بعد نبيِّها أبو بكر وعمر - رضِي الله عنْهما - ثم الله أعلَم بالخير أين هو.
أقول قولي هذا وأستَغفِر الله لي ولكم"[3].
 
هذه الخطبة تبيِّن لنا بوضوحٍ رأيَ عليٍّ - رضِي الله عنْه - بالشيخَيْن، وهذا الرأي هو الذي ينسَجِم مع ما نعرف عن تلك النُّخبَة المختارة من البشر من أصحاب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.
 
وأمَّا ما وضَعَه الوَضَّاعون وافتروا فيه على لسان عليٍّ من الأكاذيب، فهو مردودٌ على قائِليه.
 
ويُعجِبني ما قرَّره الأستاذ الدكتور شوقي ضيف - رحمه الله - في كتابه "تاريخ الأدب العربي - العصر الإسلامي"، إذ قال: "وقد خلَّف عليٌّ خُطَبًا كثيرةً، نجد منها أطرافًا في "البيان والتبيين"، و"عيون الأخبار"، و"الطبري".
 
على أنَّه ينبَغِي أن نقف موقفَ الحذر ممَّا يُنسَب إليه من خُطَبٍٍ في الكتب المتأخِّرة، وخاصَّة "نهج البلاغة"؛ فإنَّ كثرته وُضِعت عليه وضعًا، وقد تنبَّه لذلك السابقون، واختَلفُوا في واضِعها هل هو الشريف المرتضى أو الشريف الرضي، وقد تُوُفِّي أوَّلها سنة 436 للهجرة، بينما تُوُفِّي الثاني 406هـ.
 
وممَّن يقول بأنَّه الشريف المرتضى: الذهبيُّ في "ميزان الاعتدال"، وابنُ حجر العسقلاني في "لسان الميزان"، وذهب النجاشيُّ المتوفَّى سنة 450 للهجرة في كتابه "الرجال" إلى أنَّ مؤلِّف الكِتاب هو الشريف الرضي، وأقرَّ هو نفسه بذلك؛ إذ ذكَر في الجزء الخامس المطبوع من "تفسيره" أنَّه هو الذي ألَّفه ووَسَمه باسمه: "نهج البلاغة"[4]، وذكَر ذلك أيضًا في كتابه "مجازات الآثار النبويَّة"[5]، والمظنون أنَّ الوَضْع على عليٍّ قديمٌ؛ فقد ذكَر المسعودي في "مروج الذهب" أنَّ له أربعمائة خطبة ونيِّفًا يَتداوَلها الناس[6].
 
ولعلَّ في ذلك ما يدلُّ على وجوب التحرُّز والتثبُّت فيما يُضاف إليه من خطب، وألاَّ نُعَوِّل على شيءٍ منها إلا إذا جاء في المصادر القديمة التي أشرنا إليها، وإنَّ ما جاء فيها لَكافٍ في تصوير قدرته الخطابيَّة، وإحسانه إحسانًا كان يخلب ألباب سامِعِيه، ويؤثِّر في نفوسهم تأثيرًا عميقًا"[7].
 
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.








[1] الضمير عائد إلى أبي بكر كما هو واضح.
[2] الفصيل: ولد الناقة.
[3] "تلبيس إبليس" ص100-101.
[4] "حقائق التنزيل"؛ للشريف الرضي 5/167، طبع النجف.
[5] "مجازات الآثار النبوية" ص22-41، طبع بغداد.
[6] "مروج الذهب" 4/441، طبع باريس.
[7] "تاريخ الأدب العربي - العصر الإسلامي" ص128.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75866
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

رابع الخلفاء علي بن أبي طالب  Empty
مُساهمةموضوع: رد: رابع الخلفاء علي بن أبي طالب    رابع الخلفاء علي بن أبي طالب  Emptyالأربعاء 10 يوليو 2013, 11:35 pm

موقف علي - رضي الله عنه - من معارضيه السياسيين


الخطبة الأولى


إن الحمد لله نحمده ونستعينه و نستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران:102] ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:1] ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب:70-71].
 
أما بعد:
الناس كل الناس لا يخلو واحد منهم ممن يخالفه ومن هؤلاء الحكام فكيف كان الخلفاء الراشدون الذين أمرنا بمتابعتهم يتعاملون مع من يخالفهم ممن ينتسب للإسلام فأذكر ما ظهر لي من سياسة علي بن أبي طالب - رضى الله عنه - مع مخالفيه فأشد الخلاف في عهد الخلفاء الراشدين وقع في خلافة علي بن أبي طالب - رضى الله عنه - تولى الخلافة بعد مقتل عثمان - رضى الله عنه - وكان هذا الوقت وقتا كثر فيه الخلاف فوقع في عهده خلاف بينه وبين بعض الصحابة - رضى الله عنهم - ممن يرون المبادرة بالاقتصاص من قتلة عثمان -رضى الله عنه- واشتد الخلاف حتى وصل للاقتتال في معركة الجمل و صفين وحينما اتفق مع معاوية على التحكيم لم يرتض ذلك بعض أصحاب علي - رضى الله عنه - فخرجوا عليه فحملوا عليه السلاح في نهاية المطاف وكفروه ومن معه. في هذه الفتن العاصفة كيف كان يتعامل علي - رضى الله عنه - مع خصومه ممن ينتسبون للإسلام.؟ أقول مستعينا بالله.
 
علي - رضى الله عنه - يرى أن الحاكم إذا أخطأ ينبه على الخطأ ولا يوافق على اجتهاده الخاطئ فعن سعيد بن المسيب قال اخْتَلَفَ عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهُمَا بِعُسْفَانَ فِي الْمُتْعَةِ فَقَالَ عَلِيٌّ مَا تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَنْهَى عَنْ أَمْرٍ فَعَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ عَلِيٌّ أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا" رواه البخاري (1569) ومسلم (1223) فحينما نهى عثمان - رضى الله عنه - عن القران في النسك وهو الجمع بين الحج والعمرة خالفه علي - رضى الله عنه - وأظهر الخلاف.
 
سياسة علي - رضى الله عنه - إذا كانت المعارضة بالكلام فلا يستحق المعارض العقوبة إنما يرد عليه بالكلام ويبين خطؤه فعَنْ كَثِيرِ بْنِ نِمْرٍ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا فِي الْجُمُعَةِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رضى الله عنه - عَلَى الْمِنْبَرِ إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ، ثُمَّ قَامَ آخَرُ فَقَالَ: لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ، ثُمَّ قَامُوا مِنْ نَوَاحِي الْمَسْجِدِ يُحَكِّمُونَ اللَّهَ فَأَشَارَ عَلَيْهِمْ بِيَدِهِ: اجْلِسُوا، نَعَمْ لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ، كَلِمَةُ حَقٍّ يُبْتَغَى بِهَا بَاطِلٌ، حُكْمُ اللَّهِ يُنْتَظَرُ فِيكُمْ، الْآنَ لَكُمْ عِنْدِي ثَلَاثُ خِلَالٍ مَا كُنْتُمْ مَعَنَا، لَنْ نَمْنَعُكُمْ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يَذْكُرَ فِيهَا اسْمُهُ، وَلَا نَمْنَعُكُمْ فَيْئًا مَا كَانَتْ أَيْدِيكُمْ مَعَ أَيْدِينَا، وَلَا نُقَاتِلُكُمْ حَتَّى تُقَاتِلُوا، ثُمَّ أَخَذَ فِي خُطْبَتِهِ" رواه ابن أبي شيبة (37930) ورواته ثقات عدا كَثِير بن نِمْر ذكره البخاري وابن أبي حاتم وذكره ابن حبان
 
وعن كثير بن نمر، قال: جاء رجل برجل من الخوارج إلى علي - رضى الله عنه - فقال: يا أمير المؤمنين إني وجدت هذا يسبك، قال: فسبه كما سبني، قال: ويتوعدك، فقال: لا أقتل من لم يقتلني، قال علي: لهم علينا ثلاث: أن لا نمنعهم المساجد أن يذكروا الله فيها، وأن لا نمنعهم الفيء ما دامت أيديهم مع أيدينا، وأن لا نقاتلهم حتى يقاتلونا " رواه أبو عبيد في الأموال (ص: 296) ورواته ثقات عدا كَثِيرِ بْنِ نِمْرٍ ذكره البخاري وابن أبي حاتم وذكره ابن حبان
 
فرد علي -رضى الله عنه- على الخوارج شبهتهم بالكلام وأمر بسب من سبه ولم يعاقب هؤلاء ولا هؤلاء وهذا هو العدل الذي أمرنا ربنا به بقوله تبارك وتعالى ﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ ﴾ [النحل: 126] فمن تُعدِي عليه بالكلام يجوز له الرد على المعتدي بالكلام وتركه أفضل وأكمل وهذا هو منهج السلف من الصحابة كعمر -رضى الله عنه- ومن أتى بعدهم ذكر الشافعي في الأم (4/230) أن عديا [بن أرطاة أمير البصرة لعمر بن عبدالعزيز] كتب لعمر بن عبد العزيز أن الخوارج عندنا يسبونك فكتب إليه عمر بن عبد العزيز إن سبوني فسبوهم أو اعفوا عنهم وإن أشهروا السلاح فأشهروا عليهم وإن ضربوا فاضربوهم.
 
سياسة علي -رضى الله عنه- حينما يصل الأمر بالمخالف إلى التهديد بالاعتداء لا يعاقبه على مجرد التهديد وتقدم قول علي -رضى الله عنه- ": لا أقتل من لم يقتلني، "
 
وعن أبي مجلز قال: جاء رجل من مُرادٍ إلى عليّ رضي الله عنه وهو يصلي، فقال: احترس، فإنّ ناسا من مراد يريدون قتلك! فقال: إنّ مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يقدَّر، فإذا جاء القدَرُ خلَّيا بينه وبينه، وإن الأجل جُنَّةٌ حصينة. رواه ابن سعد في الطبقات (3/24) وابن جرير في تفسيره (16/378) ورواته ثقات[1].
 
سياسة علي -رضى الله عنه- إذا نفذ المخالف تهديده فيعاقب العقوبة الشرعية بعيدا عن الانتقام وسواء المعاملة ذكر ابن سعد في الطبقات (3/27) من غير إسناد أُخِذ عبدُ الرحمن بن ملجم فأدخل على علي -رضى الله عنه- [بعد طعنه إياه] فقال: أطيبوا طعامه وألينوا فراشه فإن أعش فأنا أولى بدمه عفوا وقصاصا وإن أمت فألحقوه بي أخاصمه عند رب العالمين. فأمر بالإحسان إلى قاتله عبد الرحمن بن ملجم مع الاقتصاص منه.
 
سياسة علي -رضى الله عنه- عدم التضييق على مخالفيه فلا يمنعون من مخالطة الناس ومشاركتهم لهم في العبادات وغيرها ولا يضيق عليهم في أرزاقهم أو يمنعون حقوقهم المالية التي فرضها الله لهم وتقدم قوله للخوارج الذين كفروه " لَكُمْ عِنْدِي ثَلَاثُ خِلَالٍ مَا كُنْتُمْ مَعَنَا، لَنْ نَمْنَعُكُمْ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يَذْكُرَ فِيهَا اسْمُهُ، وَلَا نَمْنَعُكُمْ فَيْئًا مَا كَانَتْ أَيْدِيكُمْ مَعَ أَيْدِينَا، وَلَا نُقَاتِلُكُمْ حَتَّى تُقَاتِلُوا " هذا هو مذهب سلف الأمة ومن اقتدى بهم في التعامل مع المبتدعة كالخوارج فكيف بالتعامل مع من هو من أهل السنة قال الشافعي في الأم (4/230): - بعد أن ذكر قول عمر بن عبد العزيز السابق - بهذا كله نقول ولا يحل للمسلمين بطعنهم دماؤهم [يعني إذا سب الخوارج فلا يستحقون القتل بذلك] ولا أن يمنعوا الفيء ما جرى عليهم حكم الإسلام وكانوا أسوتهم في جهاد عدوهم ولا يحال بينهم وبين المساجد والأسواق.
 
سياسة علي -رضى الله عنه- حوار المخالفين والنظر في سبب مخالفتهم تارة يحاورهم بنفسه وتارة يرسل لهم من يحاورهم
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ قَالَ إِنَّ عَلِيًّا لَمَّا كَاتَبَ مُعَاوِيَةَ وَحَكَّمَ الْحَكَمَيْنِ خَرَجَ عَلَيْهِ ثَمَانِيَةُ آلَافٍ مِنْ قُرَّاءِ النَّاسِ، فَنَزَلُوا أَرْضًا مِنْ جَانِبِ الْكُوفَةِ يُقَالُ لَهَا: حَرُورَاءُ، وَإِنَّهُمْ أَنْكَرُوا عَلَيْهِ، فَقَالُوا: انْسَلَخْتَ مِنْ قَمِيصٍ أَلْبَسَكَهُ اللَّهُ وَأَسْمَاكَ بِهِ، ثُمَّ انْطَلَقْتَ فَحَكَّمْتَ فِي دَيْنِ اللَّهِ وَلَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ. فَلَمَّا بَلَغَ عَلِيًّا مَا عَتَبُوا عَلَيْهِ وَفَارَقُوهُ، أَمَرَ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ لَا يَدْخُلَنَّ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ إِلَّا رَجُلٌ قَدْ حَمَلَ الْقُرْآنَ، فَلَمَّا أَنِ امْتَلَأَ الدَّارُ مِنَ الْقُرَّاءِ... قَالَ: أَصْحَابُكُمُ الَّذِينَ خَرَجُوا بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ كِتَابُ اللَّهِ، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي امْرَأَةٍ وَرَجُلٍ: ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا ﴾ فَأُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمُ حُرْمَةً مِنِ امْرَأَةٍ وَرَجُلٍ ثم بين بطلان بقية شبههم وأرسل ابن عباس إليهم فقَامَ ابْنُ الْكَوَّاءِ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: يَا حَمَلَةَ الْقُرْآنِ إِنَّ هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهُ، فَأَنَا أَعْرِفُهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، هَذَا مَنْ نَزَلَ فِي قَوْمِهِ: ﴿ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ ﴾ فَرُدُّوهُ إِلَى صَاحِبِهِ، وَلَا تُوَاضِعُوهُ كِتَابَ اللَّهِ. قَالَ: فَقَامَ خُطَبَاؤُهُمْ فَقَالُوا: لَا وَاللَّهِ لَنُوَاضِعَنَّهُ كِتَابَ اللَّهِ، فَإِذَا جَاءَ بِالْحَقِّ نَعْرِفُهُ اسْتَطَعْنَاهُ، وَلَئِنْ جَاءَ بِالْبَاطِلِ لَنُبَكِّتَنَّهُ بِبَاطِلِهِ، وَلَنَرُدَّنَّهُ إِلَى صَاحِبِهِ، فَوَاضَعُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَرَجَعَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ آلَافٍ كُلُّهُمْ تَائِبٌ بَيْنَهُمُ ابْنُ الْكَوَّاءِ، حَتَّى أَدْخَلَهُمْ عَلَى عَلِيٍّ فَبَعَثَ عَلِيٌّ إِلَى بَقِيَّتِهِمْ، فَقَالَ: قَدْ كَانَ مِنْ أَمْرِنَا وَأَمْرِ النَّاسِ مَا قَدْ رَأَيْتُمْ فَقِفُوا حَيْثُ شِئْتُمْ حَتَّى تَجْتَمِعَ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَنْزِلُوا حَيْثُ شِئْتُمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ نَقِيَكُمْ رِمَاحَنَا مَا لَمْ تَقْطَعُوا سَبِيلًا أَوْ تُطِيلُوا دَمًا، فَإِنَّكُمْ إِنْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ فَقَدْ نَبَذْنَا إِلَيْكُمُ الْحَرْبَ عَلَى سَوَاءٍ، إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ." رواه الحاكم (2/165) وقال حديث صحيح على شرط الشيخين.
 
الخطبة الثانية
سياسة علي -رضى الله عنه- عدم قتل وقتال مخالفيه سواء كانوا ممن هم على هدي النبي - صل الله عليه وسلم - أو من المبتدعة إلا إذا حملوا السلاح فيقاتلون لدفع شرهم والأصل فيهم حرمة النفس والعرض و المال.
 
قال شيخ الإسلام في الفتاوى (3/282) الخوارج...لم يكفرهم علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وغيرهما من الصحابة بل جعلوهم مسلمين مع قتالهم ولم يقاتلهم علي حتى سفكوا الدم الحرام وأغاروا على أموال المسلمين فقاتلهم لدفع ظلمهم وبغيهم لا لأنهم كفار. ولهذا لم يسب حريمهم ولم يغنم أموالهم. وإذا كان هؤلاء الذين ثبت ضلالهم بالنص والإجماع لم يكفروا مع أمر الله ورسوله بقتالهم فكيف بالطوائف المختلفين الذين اشتبه عليهم الحق في مسائل غلط فيها من هو أعلم منهم؟... والأصل أن دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم محرمة من بعضهم على بعض لا تحل إلا بإذن الله ورسوله.
 
سياسة علي - رضى الله عنه - العدل في القضاء مع المخالفين فكان عادلا في قضائه معهم وقد أقر له بذلك مخالفوه فعن ابْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: أَرْسَلَنِي عَلِيٌّ إِلَى طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ يَوْمَ الْجَمَلِ، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُمَا: إِنَّ أَخَاكُمَا يُقْرِئُكُمَا السَّلَامَ وَيَقُولُ لَكُمَا: هَلْ وَجَدْتُمَا عَلَيَّ حَيْفًا فِي حُكْمٍ أَوِ اسْتِئْثَارًا بِفَيْءٍ أَوْ بِكَذَا أَوْ بِكَذَا، قَالَ: فَقَالَ الزُّبَيْرُ: لَا فِي وَاحِدَةٍ مِنْهَا" رواه ابن أبي شيبة (37792) إسناده صحيح.
 
سياسة علي - رضى الله عنه - إنصاف المخالفين وعدم تجاوز حدود الله فيهم فحتى من رفع السلاح من المسلمين يبقى مؤمنا سُئِلَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنْ أَهْلِ الْجَمَلِ، فَقَالَ: إِخْوَانُنَا بَغَوْا عَلَيْنَا فَقَاتَلْنَاهُمْ وَقَدْ فَاؤُوا وَقَدْ قَبِلْنَا مِنْهُمْ رواه ابن أبي شيبة (37763) والبيهقي (8/182) بإسناد حسن فهذا موقفه من مخالفية من الصحابة - رضى الله عنهم - وكذلك كان موقفه من الخوارج فعن طارق بن شهاب، قال: كنت عند علي، فسئل عن أهل النهر أمشركون هم؟ قال: من الشرك فروا، قيل: فمنافقون هم؟ قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا، قيل له: فما هم، قال: قوم بغوا علينا. رواه ابن أبي شيبة (37942) بإسناد صحيح فلم تحمل العداوة عليا رضي الله عنه إلى تكفير مخالفيه من الخوارج.
 
إخوتي أجمل ما تقدم فأهم مظاهر سياسة علي -رضى الله عنه- في التعامل مع من يخالف الحاكم.
 
الحاكم كسائر الناس ينتقد ويبين خطؤه ولا يوافق إذا خالف الحق.
 
إذا كانت المخالفة للحاكم بالكلام فيرد على المخالف بكلام مثله ولا عقوبة عليه إلا إذا هدد ونفذ تهديده.
 
ليست مخالفة الحاكم مسوغا للتضييق على المخالف ومنعه من حقوقه.
 
يحرم على الحاكم جعل القضاء وسيلة للنيل من مخالفيه فالواجب العدل مع الموافق والمخالف.
 
من حمل السلاح من المخالفين يقاتل لكف شره وإذا فاء وجب الإمساك عنه ويحرم الاعتداء عليه.
 
يجب على الحاكم إنصاف مخالفيه ويحرم تجاوز حدود الله فيهم حتى لو رفعوا السلاح فتبقى حقوق الأخوة الإيمانية.
 
هذا ما أدى إليه اجتهادي في بيان أهم ملامح تعامل الخليفة الراشد علي -رضى الله عنه- مع مخالفيه ممن ينتسبون للإسلام فالصواب من فضل الله والخطأ من قصوري وتقصيري وأستغفر الله وأتوب إليه.
 
ختاما إخوتي:
في ظل تملل الشعوب المسلمة وبحثها عن مخرج لما هي فيه فالمخرج هو في الشريعة المنزلة على محمد -صل الله عليه وسلم- التي طبقها على نفسه ومن بعده الخلفاء الراشدون وليست الشريعة المبدلة فالفيصل في ذلك فعل الصحابة - رضى الله عنهم.
 


[1] أبو مجلز حميد بن لاحق لم يتبين لي هل سمع من علي - رضى الله عنه - أم لا. لكن له شواهد بمعناه رواها ابن سعد في طبقاته (3/24).

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75866
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

رابع الخلفاء علي بن أبي طالب  Empty
مُساهمةموضوع: رد: رابع الخلفاء علي بن أبي طالب    رابع الخلفاء علي بن أبي طالب  Emptyالأربعاء 10 يوليو 2013, 11:36 pm

وسطية علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في التعامل مع الخوارج






 

لقد كانت فترة خلافة علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بداية لمنعطف خطير في تاريخ الإسلام؛ إذ شهدت ظهور فرقتي الخوارج والشيعة بأفكارهما المنحرفة، التي ظلت آثارها السلبية ممتدة إلى اليوم، وقد عانى المسلمون تلكَ الأفكار ما عانوا؛ لأنَّ ولاة أمورهم على مر القرون السَّالفة لم يحسنوا التصرُّف مع الأسباب التي هيئت لوجود هؤلاء على الساحة، فيتلاشوا خطر انتشارها، كما أنهم في أوقات كثيرة لم يحسنوا التصرف مع مثل هؤلاء كما تصرف معهم علي - رضي الله عنه.

وهذه دراسة موجزة أحاولُ أن أبينَ فيها كيف تعامل علي - رضي الله عنه - مع هاتين الفرقتين عندما ظهرتا في عصره، وكيف توسَّط واعتدل مع أتباعهما، فلم يلن معهم لينًا يتركهم في غَوَايَتِهم ويقرهم عليها، ولم يشتد معهم اشتدادًا يخرج به عن منهج الإسلام، وكان بين ذلك سبيلاً توسطًا واعتدالاً.

ولنبدأ حديثنا بالظروف التي نشأ فيها الخوارج والشيعة:
نعلم جميعًا أن الخليفة الثالث عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قُتل على أيدي المنافقين الذين أطلق عليهم السَّبئيَّة؛ لسيرهم تحت إمارة عبدالله بن سبأ اليهودي الذي تظاهر بالإسلام؛ ليكيدَ له على الملأ، وكانت ظروف مقتل عثمان - رضي الله عنه - بهذه الكيفيَّة قد جعلته لا يتمكَّن من ترشيح أحد للخلافة بعده، كما لم تتح لأهل الشُّورى ورجال الحل والعقد الاجتماع؛ للتباحُث في أمر تعيين الخليفة الجديد، فتمَّت بيعة علي - رضي الله عنه - على عجل.

ولم يكن أحد من أصحاب الرأي ليعترض على مبايعته - رضي الله عنه - وهو الذي جاء بعد عثمان - رضي الله عنه - في الأفضلية من بين المرشحين الذين نصَّ عليهم للخلافة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قبيل موته، وكانوا يرون أنه أهل لها، ولكن هيمنة المنافقين والغوغاء على الأمور بالمدينة بعد قتلهم لعثمان - رضي الله عنه - وعجز علي - رضي الله عنه - عن اتِّخاذ قراراته المستقلة في ظل وجودهم، جعلت الأمور لا تمر بسلام؛ مما ألجأ كبار الصحابة وعلى رأسهم طلحة والزبير - رضي الله عنهما - إلى أن يفروا إلى خارج المدينة؛ لعلهم يستطيعون أن يحشدوا من الجنود ما يقضون به على ابن سبأ وأتباعه، ويخلصون المجتمع من فتنتهم.

وبالفعل خرج الزبير وطلحة - رضي الله عنهما - إلى البصرة ترافقهما أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - وهناك تطوع الآلاف للانضمام إليهم، وتَمكَّنوا من قتل من عاد إلى البصرة من السبئيَّة، لكن عليًّا - رضي الله عنه - لما علم بخروجهم إليها، ترك المدينة مقر الخلافة وسار إليهم؛ ليُعلمهم أن حشد المسلمين والسير بهم إلى المدينة قد يكون خطره أعظم مما يتصوَّرون، وقد يُؤدي إلى سيل دماء الأبرياء في المدينة التي حُرِّم فيها سفك الدماء.

وصل علي بالقرب من البصرة، وهناك التقى بطلحة والزبير - رضي الله عنهما - وبعد مناقشات ومشاورات اقتنع كلٌّ برأي الآخر، واتفقوا على أن ينصرفوا من الصباح، ويعود علي إلى المدينة مقر الخلافة، غير أن السبئية الذين رافقوه في خروجه من المدينة - على غير علم منه - أحسوا أنَّ مخططهم لإزالة الخلافة في خطر، وأنَّ استقرار الأمور لعلي - رضي الله عنه - معناه أنه سيتفرغ لهم، ويُطهِّر سائر الأمصار الإسلامية من رجزهم، فدبروا بليل مُؤامرة للوقيعة بين مَن كان مع علي من جهة، ومن كان مع الزبير وطلحة من جهة أخرى، انتهت بموقعة الجمل على غير رغبة من الطرفين.

ولم يكن خطر تلك الموقعة المشؤومة مقصورًا على مَن قتل فيها من صفوة المسلمين، وعلى رأسهم طلحة والزبير؛ وإنَّما لأنَّها أحدثت أول شرخ بين المسلمين، وكانت الشرارة الأولى لاشتعال نار الخوارج وتطرف الشيعة؛ وذلك لأنَّ عليًّا - رضي الله عنه - ما أن خرج من تلك المعركة حتَّى صار من اندسوا إلى جيشه من السبئية يطعنون فيه أيضًا، حين نهاهم عن أخذ أموال مَن قاتل من المسلمين في صف الزبير وطلحة - رضي الله عنهما - فقالوا: ما له يحل لنا دماءهم، ويحرم علينا أموالهم؟! 

ثم جاءت موقعة "صفين" التي هلك فيها من المسلمين الآلاف المؤلفة، وانتهت بالصلح؛ حقنًا لما تبقى من الدِّماء من الفريقين، وبرضا من فضلاء الصَّحابة، وعلى رأسهم علي ومعاوية - رضي الله عنهما - فاعترض على هذا الصلح أصحابُ الفتنة الذين كانوا يسعَون في الخفاء لأن يُفني المسلمون بعضهم بعضًا. 

وصاروا يرددون: لا حكم إلا لله، وأن عليًّا حكَّم الرجال، وترك كتاب الله، فتلقفها الأعراب الذين لم يكُن عندهم فقه في الدين، وانطلت عليهم الحيلة، ووقعوا في الفخ، فخرجوا على إمامهم دون بينة، وعند عودة علي - رضي الله عنه - من صفين بجيشه انفصلوا عنه، وساروا في طريق غير طريقه، ولم يكفوا خلال سيرهم عن الشتم والسب لعلي، ومن رضي معه بالصُّلح ووقف القتال، وأخذوا يقولون: يا أعداءَ الله، أدْهَنتم في أمر الله، وجاءه رجل منهم يسمى: زرعة بن البرج الطائي، فقال: يا علي، لئن لم تدع تحكيم الرِّجال لأقاتلنك، أطلب وجه الله - تعالى - فقال علي: بؤسًا لك ما أشقاك! كأني بك قتيلاً تسفي عليك الرياح! 

 ثم سار هؤلاء حتى نزلوا في مكان يُسمى حروراء، فسُموا الحرورية لذلك، وكان عددهم اثني عَشَر ألفًا، وهم أول طائفة تبنت فكر الخوارج.

وقد ولوا عليهم رجلاً يُسمى "شبث بن ربعي التميمي"، وقالوا: هو أمير القتال، وآخر يُسمى "عبدالله بن الكوا اليشكري"، وقالوا: هو أمير الصلاة، وادَّعَوْا الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.

فلَمَّا سمع مَن بقوا مع علي - رضي الله عنه - بأمرهم، قالوا له: في أعناقنا بيعة ثانية، نحن أولياء مَن واليت وأعداء من عاديت، وكانت تلك بداية التشيُّع، ولكنه لم يكن تشيعًا منبوذًا، ولا غلوَّ فيه، إلا أن الحرورية قابلوا هذا الفعل منهم بقولهم: استبقتم أنتم وأهل الشام إلى الكفر كفرسي رهان، بايع أهل الشام معاوية على ما أحبوا وكرهوا، وبايعتم أنتم عليًّا على أنكم أولياء من والى وأعداء من عادى.

ويومًا بعد يوم بدأ الشيطان يجنح بهم نحو الهاوية؛ إلاَّ أن عليًّا - رضي الله عنه - كان يترأف بهم، ورَغْم أن خروجهم زاد من أوجاعه؛ حيث كان يرى فيه شرخًا آخر بجسد الأمة، وهو خارج من التو من قتال أهل الشام إلاَّ أنه صبر عليهم، وتَحمَّل مِن سبِّهم وشتمهم واتهامهم له بالباطل ما تحمل، وبعث إليهم عبدالله بن عباس - رضي الله عنه - وقال: لا تعجل إلى جوابهم وخصومتهم حتى آتيك. 

فخرج إليهم عبدالله فأقبلوا يكلمونه، فلم يصبر حتى راجعهم، فقال: ما نقمتم من الحكمين، وقد قال تعالى: {إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء: 35]، فكيف بأمة محمد - صل الله عليه وسلم؟ فقالت الخوارج: أمَّا ما جعل الله حكمه إلى الناس وأمرهم بالنظر فيه فهو إليهم، وما حكم فأمضاه فليس للعباد أن ينظروا فيه، حكم في الزاني مائة جلدة، وفي السارق القطع، فليس للعباد أن ينظروا في هذا، فقال ابن عباس: فإن الله - تعالى - يقول: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 95]، فقالوا: أو تجعل الحكم في الصيد والحرث وبين المرأة وزوجها، كالحكم في دماء المسلمين؟ وقالوا له: أعدلٌ عندك عمرو بن العاص وهو بالأمس يُقاتلنا؟ فإن كان عدلاً فلسنا بعدول، وقد حكمتم في أمر الله الرِّجال، وقد أمضى الله حكمه في مُعاوية وأصحابه أن يُقتلوا أو يرجعوا، وقد كتبتم بينكم وبينهم كتابًا، وجعلتم بينكم الموادعة، وقد قطع الله الموادعة بين المسلمين وأهل الحرب، مذ نزلت براءة إلا مَن أقر بالجزية.

وبينما هم يتخاصمون وعبدالله بن عباس إذ جاء علي - رضي الله عنه - فقال له: ألم أنهك عن كلامهم حتَّى آتي؟ ثم التفت إليهم، فقال: اللهم هذا مقامٌ مَن يَفْلُجُ فيه، كان أَوْلَى بالفَلْجِ يوم القيامة، ثم قال لهم: مَن زعيمكم؟ قالوا: ابن الكوا، فقال: فما أخرجكم علينا؟ قالوا: حكومتك يوم صفين، فقال لهم: قد اشترطت على الحكمين أن يُحييا ما أحيا القرآن ويُميتا ما أمات القرآن، فإن حَكَما بحكم القُرآن، فليس لنا أن نُخالف، وإن أبيا فنحن عن حكمهما بُرَآء.

فقالوا له: فخبرنا، أتراه عدلاً تحكيم الرِّجال في الدِّماء؟ فقال: إنا لسنا حكمنا الرِّجال، إنَّما حكمنا القرآن، وهذا القرآن إنما هو خط مسطور بين دفتين لا ينطق، إنَّما يتكلم به الرجال، فقالوا: فخبرنا عن الأجل، لِمَ جعلته بينكم؟ قال: ليعلم الجاهل ويتثبت العالم، ولعلَّ الله يصلح في هذه الهدنة هذه الأمة، فأناب إليه أكثرهم وبقيت قِلَّه على عنادهم، فتركهم على ما هم عليه بعد أن أعذر إليهم إلى الله، ولم يُجبرهم على الدُّخول في طاعته، وقال لمن حولهم: نُحسن إليهم ونتركهم ما تركونا. 

ورغم ذلك حرصوا على استفزازه، فقد صعد المنبر يومًا؛ ليخطب الجمعة، فقاموا في جوانب المسجد، فقال علي: الله أكبر، كلمةُ حقٍّ أريد بها باطل! إن سكتوا غممناهم، وإن تكلموا حاججناهم، وإنْ خرجوا علينا، قاتلناهم، فوثب إليه رجل يُسمَّى يزيد بن عاصم المحاربي، فقال: الحمد لله غَيْرَ مُوَدَّعٍ رَبُّنا ولا مُستغنًى عنه، اللهم إنا نعوذ بك من إعطاء الدنية في الدين، إدهانٌ في أمر الله، وذل راجع بأهله إلى سخط الله، يا علي، أبالقتل تُخوِّفنا؟ أما والله، إني لأرجو أن نضربَكم بها عما قليل غير مصفحات، ثم لتعلم أينا أَوْلَى بها صليًّا.

وصبر علي - رضي الله عنه - وتصبَّر أمام هذا التجرُّؤ عليه، وعلى منصب الخلافة الذي يشغله، ووصْفِه بما لا يليق، وأعاد عليهم مقولته: أما إنَّ لكم عندنا ثلاثًا ما صحبتمونا: لا نمنعكم مساجدَ الله أن تذكروا فيها اسمه، ولا نمنعكم الفيْءَ ما دامت أيديكم مع أيدينا، ولا نقاتلكم حتى تبدؤونا.

وسن - رضي الله عنه - بذلك سنة مُعاملة الخارجين على الدَّولة من أبناء المسلمين، تلك السنة التي ينبغي أنْ يتحاكم إليها كلُّ حاكم مسلم، ولا يَجنح إلى الهوى، ولا ينتصر لنفسه الأَمَّارة بالسوء إذا كان يَرجو الله واليوم الآخر.

ولو نظر هؤلاء الحرورية أو الخوارج لأنفسهِم، لتركوا عليًّا كما تركهم يعتنقون ما شاؤوا من الأفكار، ولكن أَبَى شيطانُهم إلاَّ أن يَؤُزَّهم على أن يُجبروا عليها الآخرين، فلَقِيَ بعضهم بعضًا، واجتمعوا في منزل عبدالله بن وهب الراسبي، فخطبهم فزهدهم في الدُّنيا - كما زعم - وأمرهم بالأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر، الذي ليس في نظرهم سوى إجبار الناس على اعتناق أفكارهم، ومُقاتلة المخالفين لهم من المؤمنين. 

ثم قال لهم: اخرجوا بنا من هذه القرية الظالم أهلها إلى بعض كور الجبال، أو إلى بعض هذه المدائن، مُنكرين لهذه البدع المضلَّة - يقصد أمر الصلح الذي تم بين أهل الشام والعراق - ثم اجتمعوا في منزل رجل يُسمى شريح بن أوفى العبسي، فقال ابن وهب: اشخصوا بنا إلى بلدة نجتمع فيها لإنفاذ حكم الله، فإنَّكم أهل الحق، فقال شريح: نخرج إلى المدائن، فننزلها ونأخذها بأبوابها، ونخرج منها سكانها، ونبعث إلى إخواننا من أهل البصرة، فيقدمون علينا. 

ولا أدري بأي حق يفعلون ذلك؟! وأي دين هذا الذي يأمرهم بأن يُخرجوا سكان المدائن من بيوتها ليسكنوها هم وأتباعهم؟! لا أدري، ولو كان أهل المدائن مشركين - كما زعموا - ما جاز أن يسلبوا منهم أموالهم، ويخرجوهم من ديارهم. 

ثم قال بعضهم لبعض: لو خرجتم مُجتمعين، عَلِمَ عليٌّ بأمركم، ولكن اخرجوا وحدانًا مستخفين، فأما المدائن، فإنَّ بها من يمنعكم، ولكن سيروا حتَّى ننزل جسر النهروان. 

وسار الأشقياء حتَّى نزلوا جسر النَّهروان، ومن هناك كاتب عبدالله بن وهب باقي أتباعه بالبصرة، يعلمهم بما اجتمعوا عليه، ويَحثُّهم على اللحاق به، فأجابوه بموافقتهم، وقضوا ليلة اليوم الذي غادروا فيه البصرة في العبادة والتهجُّد، وهذا ما زاد من فتنتهم بين الناس، وجعلهم يتحيرون في أمرهم، ولسان حالهم يقول: إنَّ أناسًا يَجتهدون في العبادة هذا الاجتهاد، كيف لا يكونون على الحق؟! وهذا من تلبيس إبليس عليهم وعلى غيرهم؛ لأنَّ الإسلام فطرة وسطية، مَن تجاوزها بالتقصير أو التَّفريط، حاد عنها، ومن تجاوزها بالغلو والإفراط، حاد عنها كذلك. 

وصدق فيهم قول النبي - صل الله عليه وسلم -: ((يحقر أحدُكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يمرقون من الدين كمروق السَّهم من الرميَّة، ينظر إلى نصله، فلا يوجد فيه شيء، ثم ينظر إلى رِصَافِه، فلا يوجد فيه شيء...))؛ رواه البخاري.

وعلم علي - رضي الله عنه - بأمر تسلُّلهم وخروجهم إلى النَّهروان، فأرسل إليهم من يذكرهم الله، ويدعوهم إلى الطاعة، فأبوا، ولم يغير سياسته معهم القائمة على ألاَّ يبدأهم بالقتال إلا إذا بدؤوه، وظلَّ على ذلك، حتَّى بلغه أنَّ بعضَهم رَأَوْا رجلاً يسير بامرأته، فدعوه وقالوا له: مَن أنت؟ قال: أنا عبدالله بن خباب صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا له: أفزعناك؟ قال: نعم، فقالوا: لا رَوْعَ عليك، حدثنا عن أبيك حديثًا سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تنفعنا به، فقال: حدثني أبي عن رسول الله - صل الله عليه وسلم - أنه قال: ((تكون فتنة يموت فيها قلب الرجل، كما يموت فيها بدنه، يُمسي فيها مؤمنًا ويصبح كافرًا، ويصبح كافرًا ويمسي مؤمنًا)).

فقالوا: لهذا الحديث سألناك، فما تقول في أبي بكر وعمر؟ فأثنى عليهما خيرًا، فقالوا: ما تقول في عثمان في أول خلافته وفي آخرها؟ فقال: إنه كان محقًّا في أولها وفي آخرها، فقالوا: فما تقول في علي قبل التحكيم وبعده؟ فقال: إنه أعلم بالله منكم، وأشد توقيًا على دينه، وأنفذ بصيرة.

فقالوا: إنك تتبع الهوى، وتوالي الرِّجال على أسمائها لا على أفعالها، والله لنقتلنك قِتلةً ما قتلناها أحدًا، فأخذوه وكتفوه، ثم أقبلوا به وبامرأته، وهي حُبلى في أيام الحمل الأخيرة، حتى نزلوا تحت نخل مواقير، فسقطت منه رطبة، فأخذها أحدُهم فتركها في فيه، فقال آخر: أخذتها بغير حِلِّها وبغير ثمن، فألقاها، ثم مر بهم خنزير لأهل الذِّمة، فضربه أحدهم بسيفه، فقالوا: هذا فساد في الأرض، فلَقِيَ صاحب الخنزير، فأرضاه.

فلما رأى ذلك منهم عبدالله بن خباب قال: لئن كنتم صادقين فيما أرى، فما عليَّ منكم من بأس، إني مُسلم ما أحدثت في الإسلام حدثًا، ولقد أَمَّنتموني، قلتم: لا رَوْعَ عليك. 

لكن مَن أَبَوا أن يأكلوا تَمرة من التمر المتساقط المباح وَرَعًا، ومَن أدَّوا دية الخنزير، قاموا بقتل الرجل المسلم الأعزل؛ حيث أضجعوه فذبحوه حتَّى سال دمه في الماء، وأقبلوا إلى المرأة فقالت: أنا امرأة ألا تتقون الله؟! فبقروا بطنها. 

إنه تلبيس إبليس؛ لذلك قال رسول الله - صل الله عليه وسلم - فيهم: ((طوبى لمن قتلهم، وطوبى لمن قتلوه))؛ (مسند أحمد بن حنبل جزء 2، صفحة 84 ). 

بلغ عليًّا - رضي الله عنه - ما فعلوه بعبدالله بن خباب، وأنَّهم قتلوا ثلاثَ نسوة من طَيِّئ، وقتلوا امرأة أخرى تُسمى أم سنان الصيداوية، وأنَّهم صاروا يعترضون الناس، فبعث إليهم الحارث بن مرة العبدي؛ ليأتيهم وينظر ما بلغه عنهم، ويكتب به إليه ولا يكتمه، فلَمَّا دنا منهم يُسائلهم عن سبب قطعهم للطريق على المؤمنين، قتلوه.

فلم يكن أمام علي - رضي الله عنه - إذًا بعد أن أعلنوا عليه الحرب، ورَوَّعوا الآمنين إلا أن يسير إليهم؛ ليقتلع شوكتهم. 

وأؤكد أن عليًّا - رضي الله عنه - لم يبدأهم بقتال لآراء تبنَّوها، ولا لفكر خاطئ اعتنقوه، وإن بدا في هذا الفكر خروج عليه، وإنَّما قاتلهم؛ لأنهم عاثوا في الأرض فسادًا، وروعوا الآمنين، وآوَوُا المارقين، وأعلنوا عليه الحرب، وأنَّه قد أعذر إليهم بمكاتبتهم ومراسلتهم، ومحاورتهم ومجادلتهم بالتي هي أحسن.

وبناء على ذلك؛ لا يجوز لأيِّ حاكم مسلم أن يقاتل، أو يحاكم من رعيته من يتبنى أفكارًا غير الأفكار التي تتبناها الدَّولة، وإن كانت أفكارًا شططًا؛ إلاَّ أن يعيثوا في الأرض فسادًا، ويظهر منهم اعتداء على الرعية، وبعد أنْ يعذر إليهم، ويستنفذ معهم كل أساليب التقويم السلمية، وإلا كان زائغًا عن الحق، يعالج خطأ بخطأ.

وأعود إلى علي - رضي الله عنه - فأقول: إنَّه جهز جيشه لما رأى - كما ذكر من قبل - أنَّ كل سبل المعالجة السلميَّة لم تفلح معهم، وعبر جسرَ الفُرات إليهم، وقبل أنْ يبدأهم بقتال أرسل مَن يقول لهم: ادفعوا إلينا قَتَلَةَ إخواننا منكم، أقتلهم بهم - قصاصًا كما نص كتاب الله الذي يدَّعون أنهم يتحاكمون إليه - ثم أنا تارككم وكافٍّ عنكم، فلعل اللهَ يقبل بقلوبكم ويردكم إلى خيرٍ مما أنتم عليه من أمرِكم، فقالوا: كلُّنا قتلهم، وكلُّنا مستحلٌّ لدمائكم ودمائهم، فأعاد إليهم قيس بن سعد بن عبادة، فقال لهم: عباد الله، أخرجوا إلينا طلبتنا منكم، وادخلوا في هذا الأمر الذي خرجتم منه، وعُودوا بنا إلى قتال عدوِّنا وعدوكم، فإنَّكم ركبتم عظيمًا من الأمر، تشهدون علينا بالشِّرك، وتسفكون دماء المسلمين.

فقال لهم رجل منهم يسمى "عبدالله بن شجرة السلمي": إنَّ الحق قد أضاء لنا، فلسنا مبايعيكم، أو تأتونا بمثل عمر، فقال قيس: ما نعلمه فينا غير صاحبنا، فهل تعلمونه فيكم؟ فقالوا: لا، فقال قيس: نشَدتكم الله في أنفسكم أن تهلكوها، فإني لا أرى الفتنة إلا وقد غلبت عليكم.

ثم ذهب إليهم أبو أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - فخطبهم وقال: عبادَ الله، إنا وإياكم على الحال الأولى التي كنَّا عليها، أليست بيننا وبينكم فرقة؟ فعلامَ تقاتلوننا؟ فقالوا: إنا لو تابعناكم اليومَ، حكمتم غدًا، فقال أبو أيوب: فإنِّي أنشدكم الله أن تعجلوا فتنة العام؛ مَخافة ما يأتي في القابل.

ولم يكتف علي - رضي الله عنه - بذلك، وإنَّما ذهب إليهم بنفسه، وقال لهم: أيتها العصابة التي أخرجها عداوة المِرَاء واللجاجة، وصدَّها عن الحق الهوى، وطمع بها النَّزَقُ - الخفة والطيش - وأصبحت في الخطب العظيم، إنِّي نذير لكم أن تصبحوا تلعنكم الأُمَّة غدًا صَرعى بأثناء هذا الوادي، وبأهضام هذا الغائط بغير بينة من ربِّكم ولا بُرهان مبين.

فلم يجد عندهم سوى العبارة التي ألقى بها الشيطانُ في روعِهم، وهي: "إنا حكَّمنا فلما حكَّمنا أثمنا، وكنا بذلك كافرين وقد تُبنا، فإن تبت، فنحن معك ومنك، وإن أبيت فإنَّا منابذوك على سواء".

فقال علي - رضي الله عنه -: أصابكم حاصب، ولا بَقِيَ منكم وابر، أبَعْدَ إيماني برسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهِجْرتي معه، وجهادي في سبيل الله، أشهد على نفسي بالكُفر؟! لقد ضللت إذًا وما أنا من المهتدين!

ثم انصرف - رضي الله عنه - عنهم وهو عازم على قتالهم، وقد بدأ بطمأنة مَن معه؛ كي لا يَرهبوهم، فقال لهم: والله، لا يُقتل منكم عشرة، ولا يَسلم منهم عشرة.

وتقدم فعبَّأ جنوده، وكانوا في حدود سبعمائة أو ثمانمائة مُقاتل، وأعطى أبا أيوب الأنصاري رايةَ الأمان، فناداهم أبو أيوب، فقال: مَن جاء تحت هذه الرَّاية، فهو آمن، ومن لم يَقتُلْ ولم يستعرض، ومن انصرفَ منكم إلى الكوفة أو إلى المدائن وخرج من هذه الجماعة، فهو آمن، لا حاجةَ لنا بعد أن نصيبَ قتلة إخواننا منكم في سفك دمائكم.

وتلك - لعمر الله - أسمى آيات التحرِّي والتورُّع عن الوقوع في دماء الأبرياء، والتي لم تصل إليها البشرية إلى الآن، رَغْم ما قطعته من أشواط في مجال حُقُوق الإنسان، وما سنت من قوانين ودساتير حديثة.

وفلحت سياسة علي - رضي الله عنه - هذه في تشجيع مجموعة منهم، كان من الممكن أن يُقتلوا على المعصية، فيكون مصيرهم إلى النار - والعياذ بالله - فقد وقف رجل يسمى: "فروة بن نوفل الأشجعي"، وقال: والله، ما أدري على أيِّ شيء نقاتل عليًّا؟! فانصرف في خمسمائة فارس إلى مكانٍ يُسمى الدسكرة، وخرجت طائفة أخرى مُتفرِّقين فنزلوا الكوفة، وانضم إلى علي - رضي الله عنه - منهم نحو مائة رجل.

ولم يبقَ مع عبدالله بن وهب زعيمهم سوى ألف وثمانمائة من أربعة آلاف مُقاتل كانوا معه.

أرأيتم - معشر القراء الكرام - كيف استطاع علي - رضي الله عنه - برفقه ولينه صرْف هؤلاء عن غَيِّهم؟! وكثير من الشباب الآن الذين كانوا وما زالوا يحملون أفكارًا خاطئة، تبيحُ لهم الخروج على مُجتمعاتهم، من المُمكن إقناعهم بالحُسنى واللين والرِّفق والرحمة؛ حتَّى يتخلوا عنها، بدلاً من البطش بهم، والقسوة عليهم، قسوة لا تزيدهم إلا عنادًا ويأسًا من الحياة.

وأؤكد أنَّ عليًّا - رضي الله عنه - بعد جُهُوده المضنية في إقناعهم بالحسنى، ونجاحه في صرف الكثيرين منهم عن مُقاتلته، لم يكن البادئ بمقاتلة المُصرِّين على عنادهم منهم، وإنَّما تريَّث بهم بعد أن زحفوا إليه، وقال لأصحابه: كُفُّوا عنهم حتَّى يبدؤوكم، فالتزم أتباعه بأوامره حتى تنادوا - أي: بقية الخوارج -: الرواح إلى الجنة، وحملوا على الناس حملة جعلت خيلَ علي - رضي الله عنه - تفترق فرقتين: فرقة نحو الميمنة، وفرقة نحو الميسرة، وعندها لم يكُن من القتال بُدٌّ، فاستقبلت الرُّماة وجوهَهم بالنَّبل، ثم عطفت عليهم خيل علي - رضي الله عنه - من الميمنة والميسرة، ونهض إليهم الرِّجال بالرِّماح والسيوف، فما لبثوا أن أناموهم، فأهلكوا في ساعة، فكأنْ قيل لهم: موتوا فماتوا، كما أخبر الرواة.

ولا عجبَ أن يحقق علي - رضي الله عنه - عليهم هذا النَّصر السريع؛ لأنَّهم بغوا، والبغي مرتعه وخيم، كما أن مَن قاتلوهم مع علي - رضي الله عنه - لم يشكُّوا في وجوب قتلهم بعدما رأَوا من إعذار علي - رضي الله عنه - إليهم، فقاتلوهم قتالَ الأبطال الرَّاجين مثوبة الله - سبحانه وتعالى.

وبعد انتهاء المعركة مَرَّ بهم علي - رضي الله عنه - وهم صَرعى، فقال: بؤسًا لكم! لقد ضرَّكم مَن غَرَّكم، فقالوا: يا أمير المؤمنين، مَن غرَّهم؟ قال: الشيطانُ وأنفسٌ أمَّارة بالسوء غرتهم بالأماني، وزيَّنت لهم المعاصي، ونبأتهم أنهم ظاهرون.

ثم جاء - رضي الله عنه - إلى ما كان في عسكرهم من شيء، فأخذ السِّلاح، فقسمه بين مَن قاتلوا معه، وأمَّا الأموال والمتاع والإماء والعبيد، فإنه ردَّها على أهلِهم.

إنَّهم بغاة نعم، وفي قتالهم صيانة للمجتمع من شُرُورهم؛ لكن لا تجوز مصادرة أموالهم، ولا نهبها، ولا إتلافها؛ لأنَّ هذه الأموال هي من حقِّ ورثتهم من أبنائهم وأهليهم، الذين لا ذنبَ لهم فيما ارتكبه ذووهم؛ والله - سبحانه وتعالى - يقول: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164].
 

وما رأيناه على مرِّ التاريخ مِن نهبٍ لأموال أمثال هؤلاء، ومُعاقبة ذويهم؛ بهدف ترويع الآخرين من الاقتداء بهم في خُرُوجهم على المجتمع - لم يزدْهم إلاَّ حقدًا على المجتمع وتربصهم به الدوائرَ؛ حتَّى إذا وجدوا فُرصة لمعاودة الخروج على الحاكم، خرجوا وعاثوا في الأرض فسادًا.

فليكن لنا في التاريخ عبرة.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
رابع الخلفاء علي بن أبي طالب
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: الدين والحياة :: السيرة النبوية الشريفة :: الخلفاء الراشدين-
انتقل الى: