السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط.. طابع غامض وتردد ثابت
Oct 12, 2017
“القدس العربي” – (وكالات): لطالما كان الناس يستفسرون عن النهج الأمريكي تجاه الشرق الأوسط، وتساءلوا حينها بشأن إن كان للرئيس الأمريكي آنذاك، باراك أوباما (2009-2017) “استراتيجية كبرى أم لا”، لاسيما في ظل مواقف مترددة لسياسته الخارجية.
ورغم أن أوباما كان يستخدم خطاباته لإرساء الديمقراطية، إلا أنه لم يقدم دعمًا كافيًا لأي عملية ديمقراطية على أرض الواقع.
ففي الوقت الذي صرح فيه بأن استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا يعد “خطاً أحمر”، تجاهل بسهولة الوضع عندما تخطى نظام بشار الأسد هذا الخط، بل وسمح لروسيا (حليف النظام السوري) بالتدخل في سوريا، رغم انتقاده الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم (الأوكرانية)، عام 2014.
بالمثل، وفي معظم الأزمات الدولية التي اندلعت خلال حكمه، فعل أوباما عكس ما تحدث به في خطاباته ومواعظه.
وعلى خلفية هذه المواقف المتناقضة، تجادل البعض حول عدم امتلاك أوباما لسياسة خارجية أو استراتيجية أمنية وطنية.
الغموض أداة سياسية
انطلاقاً من استراتيجية تقليص تدخل الولايات المتحدة الأمريكية في الشؤون الدولية كهدف سياسي تحول لاحقاً إلى إعلان عدم التدخل المباشر لواشنطن في أي من هذه الشؤون، عمل أوباما، من أجل تنفيذ هذه السياسة، على زيادة الغموض حول سياسته.
واعتماد أوباما على “الغموض” كأداة سياسية ولّد الكثير من التوقعات لدى زعماء العالم، الذين أعربوا عن أملهم في تدخله بطريقة أو أخرى للتعامل مع المعتدين الدوليين، مثل (الرئيس الروسي) فلاديمير بوتين، أو الصراعات الدائرة، مثل سوريا.
وكجزء من استراتيجيته، بدا أوباما ثابتًا على موقف المتردد، في محاولة منه للتغطية على سياسته، لتبدو استراتيجيته وكأن لا وجود لها.
الآن رحل أوباما (في 20 يناير/ كانون ثانٍ الماضي)، لكن الموقف المتردد في السياسة الخارجية الأمريكية لا يزال قائماً.
لذا، هل يجب أن يُنظر إلى تلك الاستراتيجية على أنها إرث من إدارة أوباما حتى بعد انتهاء ولايته؟ وهل استراتيجية “الغموض الواعي” التي تبناها أوباما ما زالت حية؟.
ترامب يتبع أوباما
خلال حملته الانتخابية، عرف الرئيس الأمريكي (الجمهوري) الحالي، دونالد ترامب، نفسه بأنه “معارض صلب لكل سياسات (الديمقراطي) أوباما”، وبالتالي كان متوقعًا أن يتصرف على نقيض سابقه.
لكن لم تحدث تغييرات كبرى في السياسة المنتظرة لترامب، فالجميع مازال يجد صعوبة في توصيف ملامح الاستراتيجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط.
وفي مارس/ آذار الماضي، وقع ترامب اتفاقية ضخمة لبيع أسلحة إلى السعودية، خلال زيارة رسمية للرياض (في مايو/ أيار الماضي) تًرجمت على أنها دعم نشط (مسبق) للعقوبات التي فرضتها المملكة على قطر (في يونيو/ حزيران الماضي).
وقال ترامب في واحدة من تغريداته على موقع “تويتر” إنه مقتنع بكون قطر وراء جميع الجماعات الإرهابية.
لكن بعد يومين من هذه التغريدة، صرح وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون، بأنه واشنطن “لا تدعم بشكل مباشر العقوبات ضد قطر”.
وجاء تصريح تيلرسون قبل أيام من توقيع واشنطن والدوحة اتفاقية لبيع الأخيرة أسلحة أمريكية أيضا.
وبهذا، يتضح أن واشنطن لا تتخذ موقفاً محدداً في هذه الأزمة (الخليجية)، وهو ما يشير إلى أن الإدارة الأمريكية أعادت استخدام شكلاً من أشكال سياسة عدم التدخل، المغلفة بالغموض، الذي يساعد على تحقيقها.
واشنطن والاستفتاء
ومن أبرز الأمثلة على السياسة الأمريكية المرتبكة والغامضة هو موقف واشنطن من استفتاء انفصال إقليم شمال العراق.
عندما أعلنت حكومة مسعود برزاني اعتزامها إجراء استفتاء من اجل الانفصال، كان رد الفعل الأول من الولايات المتحدة هو عدم الترحيب بالقرار.
لكن مع توالي التصريحات اتضح أن واشنطن تؤيد في الواقع قيام دولة كردية مستقلة شمالي العراق، لكنها تشكك فقط في التوقيت.
وحالياً ينصب تركيز إدارة ترامب على محاربة تنظيم “داعش” الإرهابي، لاسيما في (مدينة) الرقة (السورية)، وتعتبر أن أي نشاط آخر يعد انحرافًا عن هدفها.
وقد يؤدي هذا الاستفتاء غير الشرعي وعواقبه العديدة المحتملة إلى موجة جديدة من عدم الاستقرار الإقليمي، ما قد يتسبب بدوره في نشوب أزمات كثيرة غير متوقعة.
وبالتأكيد، سيمثل أي تدخل إيراني وتركي محتمل في شمالي العراق مجالا آخر للجدل، ما يتطلب المزيد من التدخل الأمريكي.
وبالنظر إلى جمود إدارة ترامب، وعدم رغبتها في أي تدخل من هذا القبيل، يتضح لماذا طلبت واشنطن تأجيل الاستفتاء.
ومع ذلك، وجد معظم المراقبين أن الموقف الأمريكي كان أكثر ليناً مما كان متوقعاً، فلو أن واشنطن كانت ترغب فعلا في حالة من الاستقرار والاندماج في العراق، وترى أن توقيت الاستفتاء غير مناسب، لمارست ضغوطاً على بارزاني.
كما أن بارزاني، وفق مراقبين، لن يجرؤ على التصرف منفردًا دون موافقة أمريكية ضمنية.
لذا، يمكن القول إن واشنطن تدعم بارزاني، ولو ضمنيًا؛ ما يجعلها تملك موطئ قدم في كل المخيمين(المؤيد والعارض للاستفتاء).
مواقف متنافرة
ولعل من أحدث ملامح السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط ما حدث بشأن محافظة إدلب (شمال غربي سوريا).
فبعد يومين من إعلان وزارة الدفاع الأمريكية (بنتاغون) دعمها لتركيا في عمليتها العسكرية بإدلب (تمهيداً لتأسيس منطقة خفض توتر وفق مسار أستانة)، إضافة إلى مساندتها لمفاوضات أستانة، قررت السفارة الأمريكية في أنقرة تعليق منح التأشيرات من تركيا.
وهو موقف غير متوقع بالتأكيد، لكنه يأتي ضمن القضايا المثيرة للجدل بين تركيا والولايات المتحدة، لاسيما المتعلقة بجماعة فتح الله غولن، والمحاولة الانقلابية الفاشلة، التي شهدتها تركيا، في 15 يوليو/ تموز 2016.
ورغم المطالب التركية المتكررة، لم تتخذ واشنطن أي خطوات مؤكدة في سبيل التحقيق في المحاولة الانقلابية الفاشلة بتركيا.
فما زال زعيم الجماعة الإرهابية يقيم في ولاية بنسلفانيا الأمريكية (شمال)، كما لم يظهر أي مؤشر على إمكانية خضوعه للتحقيق.
وإضافة إلى ذلك، يعتبر معظم الأتراك أن الولايات المتحدة ضالعة في المحاولة الانقلابية، بل ودعمتها بشكل نشط، وبدلاً من تقديم حجج مقنعة تدحض كل هذه الشائعات، ظلت البعثة الأمريكية في تركيا تعمل على تصعيد التوتر عبر سفير مثير للجدل.
وبالتزامن مع كون مغادرة السفير الأمريكي، جون باس، باتت وشيكة، لا يمكن وصف فترة ولايته إلا بأنها واحدة من أكثر المسائل إشكالية في تاريخ العلاقات الأمريكية – التركية.