منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 رمضان شهر الانتصارات

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70029
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

رمضان شهر الانتصارات Empty
مُساهمةموضوع: رمضان شهر الانتصارات   رمضان شهر الانتصارات Emptyالجمعة 12 يوليو 2013, 11:19 pm






 رمضان شهر الانتصارات


د. راغب السرجاني




المتأمل في أحداث شهر رمضان عبر التاريخ الإسلامي سيجد أمورًا عجيبة، هذه الأمور ليست مصادفة، وكل شيء عند الله عز وجل بمقدار، سيجد أن المسلمين ينتقلون كثيرًا من مرحلة إلى مرحلة أخرى في شهر رمضان، من ضعف إلى قوة، ومن ذلٍّ إلى عزَّة.


ارتبط شهر رمضان بالجهاد بشكل لافت للنظر، حتى آيات الصيام في سورة البقرة -بدايةً من قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}[البقرة: 183] إلى آخر الآيات- تنتهي في ربع من القرآن، ثم يبتدئ ربع جديد، وثاني آية فيه تتحدَّث عن الجهاد والقتال، وهي آيات كثيرة تحضُّ على الجهاد، يقول ربنا عز وجل: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ * فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ} [البقرة: 190-193].


آيات تحضُّ على الجهاد والقتال بشدَّة، والعلاقة واضحة بينها وبين آيات الصيام؛ فالإعداد للجهاد هو إعداد للنفس، إعداد للجسد، إعداد للأمة كلها.. العلاقة بين الصيام والجهاد وثيقة جدًّا؛ فالتاريخ الإسلامي يؤكد هذا الارتباط، ومن ذلك ما يلي:


أول خروج للمسلمين لقتال مشركي قريش كان في رمضان، وليس المقصود هنا غزوة بدر، فقبْل بدر خرج جيش إسلامي لأول مرة لقتال المشركين بعد الإذن بالقتال وكان في رمضان سنة 1هـ، ولم يكن صيام رمضان قد فُرض بعد، وكانت هذه هي سرية حمزة بن عبد المطلب عمِّ رسول الله، وكانت السرية في مكان يُعرف باسم (سَيف البحر). إذن أول مرَّة يرفع المسلمون سيوفهم للدفاع عن حقوقهم وأنفسهم كانت في رمضان، ولم يحدث قتال في هذه المرَّة؛ فقد حجز بينهم أحد حلفاء الفريقين، كان اسمه مجدي بن عمرو الجهني.


وتمر الأيام ويأتي شهر رمضان سنة 2هـ، ويحدث في هذا الشهر حدث هائل من أهم الأحداث في تاريخ الأرض، ليس في تاريخ المسلمين فقط، ألا وهو غزوة بدر الكبرى في 17 رمضان سنة 2هـ، وقد انتهت بالنصر الباهر للمسلمين، وهي أول صدام حقيقي بين المسلمين وبين مشركي قريش، وكانت قريش تحمل لواء الكفر في الجزيرة العربية.



وكل شيء في حياة رسول الله محسوب؛ فليس فيه أمر صدفة، ليس فيه قولنا: من الممكن أن يكون هذا الحدث في رمضان، ومن الممكن في غير رمضان. فإن الأمر مقصود، فمقصود أن يكون أول لقاء حقيقي مع المشركين في بدر، مقصود ومحسوب، والحِكَم كثيرة جدًّا؛ قد نعلم بعضها وقد نجهل بعضها! ولكن في النهاية هذا شيء محسوب.



لماذا تكون أول غزوة في رمضان؟ لماذا أول صدام حقيقي مع المشركين يكون في رمضان؟ لماذا هذا الانتصار الباهر الهائل يكون في رمضان؟ لماذا لا يكون في أي شهر؟!


أعتبر هذا رسمًا لسياسة الأمة وتخطيطًا لمستقبلها، فأُمَّة لديها شهر تستطيع أن تُغَيِّر فيه نفسها تمامًا، أن تبني نفسها، أن تنتقل من مرحلة إلى مرحلة؛ يقول ربنا سبحانه: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ...}. وأنتم ماذا؟ {وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} [آل عمران: 123]. لقد تغير المسلمون تمامًا بعد موقعة بدر، فبعد بدر أصبحت للمسلمين دولة معترف بها، أصبحت لهم شوكة قوية ومكانة ووضع مستقر؛ انتقل المسلمون إلى مرحلة جديدة، العالم كله سمع عن هذه الدولة، اليهود رعبوا، والمشركون انهزموا، والمنافقون ظهروا.


تغير هائل بدأ يحدث في الأرض في كل شيء؛ بدر ليست كأي غزوة، فهي غيَّرت مجرى التاريخ؛ لذلك سماها ربنا عز وجل يوم الفرقان، وربطها بشهر رمضان من أجل أن نتفكر دائمًا في هذا الشهر، فمَنْ مِنَ المسلمين لا يعرف أنها كانت فيه؟! حُفِرَت في وجدان كل صغير وكبير، وفي وجدان كل رجل وامرأة، يجب أن نتذكر علاقتها برمضان دائمًا.


ولكن لماذا غزوة بدر خاصة؟ لماذا يطغى ذكر غزوة بدر على ذكر أي غزوة أخرى من غزوات الرسول ؟!


لأن في بدر وُضِعَتْ كل قواعد بناء الأمة الإسلامية؛ في غزوة بدر عرف المسلمون أن النصر من عند الله وليس بالعدد ولا العدة، فلا يصلح لأمة بعيدة عن ربها، وبعيدة عن دينها أن تنتصر؛ واقرءوا سورة الأنفال التي تتحدث عن غزوة بدر: {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 10]. كيف يمكن لعدد مثل 313 أو 314 أن يغلبوا ألفًا؛ هذا العدد القليل معه 70 جملاً، والعدد الكبير معه 700 جمل، هذا العدد القليل معه فرسان، والعدد الكبير معه مائة فرس، العدد القليل خارج بسلاح المسافر، والعدد الكبير خارج بسلاح الجيوش.



كيف؟! كيف يمكن لهذا العدد القليل في كل المقاييس المادية أن يغلب هذا العدد الكبير؟!


هذا ليس له إلا أمر واحد، ألا وهو أن الله عز وجل هو الذي نصر المؤمنين، نصر الضعفاء القلَّة الأذلة؛ كما عبَّر -سبحانه- في كتابه الكريم، انتصروا بأسلحة غير تقليدية تمامًا، لم ينتصروا بأسلحة دمار شامل، أو صواريخ باليستية، أو أقمار صناعية، انتصروا بالمطر والنعاس، وبالرعب في قلوب الكافرين، وبالتوفيق في الرأي، وبضعف الرأي عند الأعداء، وانتصروا بالملائكة؛ الملائكة نزلت تحارب مع المؤمنين في بدر، أفضل الملائكة، وجبريل -عليه السلام- على رأس الملائكة: {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [الأنفال: 10]، {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17].



راجعوا غزوة بدر؛ ففيها زُرِعَ الأمل في نفوس المسلمين إلى يوم القيامة؛ ما دام الله معك فالنصر -لا شك- حليفك، قواعد وأسس وأصول وُضِعَتْ في غزوة بدر.


وعلينا بوحدة الصف لننتصر، قال ربنا سبحانه: {وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46]، هذه القاعدة وُضعت في بدر.


والتضحية بكل شيء؛ بالنفس والمال، وبالوقت والجهد ليتم النصر، هذه القاعدة وضعت -أيضًا- في بدر.


والإعداد قدر المستطاع لمواجهة الأعداء، قال الله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60]، هذه القاعدة -أيضًا- وضعت في بدر.


وطاعة الرسول في كل أمر؛ {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24]، قاعدة وضعت -أيضًا- في بدر.



كل قواعد بناء الأمة الإسلامية وُضعت في بدر، كل هذه القواعد نتعلمها في رمضان، نقترب من الله -سبحانه وتعالى- الذي بيده النصر في رمضان، نزيد من أواصر المودة والأخوة بين المسلمين، وهي قاعدة من أهم القواعد التي تبني الأمة الإسلامية، تضحِّي بمالك وجهدك ووقتك في رمضان، تقوِّي صحتك وبدنك ولياقتك في رمضان.. وبإيجاز يكون الجهاد والإعداد له في رمضان.


وكم نخسر عندما نفقد هذه المعاني، ويمر الشهر علينا من غير أن نعرف قيمته في الجهاد في سبيل الله والنصر!


أما في سنة 8هـ فكان الموعد مع حدث من أهم أحداث التاريخ، إنه فتح مكة، اللقاء الأخير والفيصل مع مشركي قريش؛ فقد خرج الرسول وجيش المؤمنين من المدينة المنورة قاصدًا مكة في 10 رمضان سنة 8هـ، وفتحها في 21 رمضان.



والموقف في فتح مكة مختلف عن بدر؛ ففي غزوة بدر كان الخروج في رمضان على غير اختيار المؤمنين؛ لأن القافلة المشركة بقيادة أبي سفيان جاءت في ذلك التوقيت فخرجوا لها، لكن الخروج في فتح مكة كان بتخطيط وتدبير من رسول الله ومن المؤمنين، كان من الممكن أن يُؤَخِّروا الخروج 3 أسابيع فقط ليخرجوا في شوال بعد انتهاء رمضان، كان من الممكن أن يقول بعضهم: نستفيد بالصيام والقيام وقراءة القرآن، ونُؤَخِّر الجهاد 3 أسابيع فقط.. لكن كل هذا لم يحدث.





فرمضان شهر الجهاد، ليس فيه تعطيل للقتال، لا توجد به راحة للمؤمن، بل على العكس، عندما انطلق الرسول بالجيش، واقترب من مكة، وكان صائمًا وكان الصحابة كلهم صائمين معه، قيل له: إن الناس قد شق عليهم الصيام، وإن الناس ينظرون فيما فعلت. فماذا فعل الرسول ؟ هل أخَّر الصيام، أم أخَّر الجهاد؟ لقد "دَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ بَعْدَ الْعَصْرِ". تخيَّل اليوم قَرُب على الانتهاء، ومع ذلك يُرَسِّخ معنى في غاية الأهمية في قلوب المسلمين، إذ "شَرِبَ وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَأَفْطَرَ بَعْضُهُمْ وَصَامَ بَعْضُهُمْ".



تأمل منهم مَنْ قلد، ومنهم من لم يقلد الرسول في هذه النقطة؛ الأمر على الجواز، فبلغه أن أناسًا صاموا، يا تُرى ماذا قال؟ قال: "أُولَئِكَ الْعُصَاةُ"[1].


أولئك العصاة مع أنه في الأيام الأخرى كان يسمح لمن أراد أن يفطر فليفطر، ومن أراد الصوم فليصُمْ، لكن في هذه المرة الأمر مختلف؛ فهم ذاهبون إلى مكة للجهاد، والجهاد يحتاج إلى قوة وجلد.


لم يُؤَخِّر الجهاد بل أفطر؛ لأن الجهاد متعين الآن، أما الصيام فيمكن قضاؤه بعد ذلك، ولكن الجهاد لا يُؤَخَّر؛ الجهاد ذروة سنام الإسلام، لذلك أفطر الرسول في هذا اليوم، لأن الرسول كان مسافرًا سفرًا طويلاً جدًّا في الصحراء في رمضان، فكان الصيام صعبًا جدًّا.


وضعت كذلك في فتح مكة مئات القواعد لبناء الأمة الإسلامية؛ ففتح مكة كان في رمضان، وكل رمضان نتذكر فتح مكة، نتذكر صدفة أن أول صدام حقيقي مع مشركي قريش كان في رمضان في غزوة بدر، وآخر صدام مع المشركين كان -أيضًا- في رمضان في فتح مكة، هل يُعقل أن تكون صدفة؟! قال سبحانه: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49].



هذا الشهر تتغير فيه أحوال الأمة بشكل رائع؛ علامات في منتهى الوضوح، في هذا الشهر الكريم الرسول هدم صنم هبل، ومعه أكثر من 360 صنمًا بداخل الكعبة المشرفة، وهذه الأصنام ظلت داخل الكعبة 21 سنة، بداية من نزول البعثة على الرسول عليه الصلاة والسلام، وبالتأكيد ظلت هذه الأصنام سنين طويلة قبل البعثة موجودة، في كل هذه الشهور السابقة والسنوات السابقة ربنا -سبحانه وتعالى- يختار أن هذه الأصنام تُدَمَّر وتكسر وتقع في شهر رمضان.


في الشهر نفسه بعث الرسول خالد بن الوليد ليهدم صنم العزى، فهدمها.


في الشهر نفسه بعث عمرو بن العاص ليهدم صنم سواع، فهدمه.



في الشهر نفسه بعث سعد بن زيد ليهدم صنم مناف، فهدمه.



ما هذا؟ أمعقول كل هذا في شهر واحد؟ في شهر رمضان تقع كل هذه الأصنام؟ أمعقول أنها صدفة؟



هذا شهر إعزاز الإسلام، وتمكين الدين، ونصر المؤمنين، رمضان شهر الإنقاذ والنجدة والنصر والعزة، فلا يصح ألا يعلم المسلمون هذه المعاني، ويظنون أنه شهر الأعمال الفنية الجديدة، والدورات الرياضية، والخيم الرمضانية، ليس هذا هو رمضان الذي يريده ربنا سبحانه.


أما في سنة 13هـ فحدث في منتهى الأهمية، إذ استطاع المسلمون في موقعة البويب بقيادة البطل الإسلامي الفذ المثنى بن الحارثة، وكان عدد المسلمين في هذه الموقعة 8 آلاف فقط، والفرس مائة ألف بقيادة (مهران) وهو من أعظم قُوَّاد الفرس، وتم اللقاء في الأسبوع الأخير من شهر رمضان سنة 13هـ، ودارت موقعة من أشدِّ مواقع المسلمين، أمر فيها المثنى جنوده أن يُفطروا؛ ليتقوَّوا على قتال عدوهم، اقتدى بفعل الرسول في فتح مكة، وثبت المسلمون ثباتًا عجيبًا، وأبلى المثنى وبقية الجيش بلاءًً حسنًا، وتنزَّلت رحمات الله وبركاته على الجيش الصابر، فانتصر المسلمون انتصارًا رمضانيًّا هائلاً.


تُرى كم من الفرس قُتل في هذه الموقعة؟!


فني الجيش الفارسي بكامله في هذه الموقعة، تجاوز القتلى 90 ألف فارسي من أصل مائة ألف، هزيمة مروعة للجيش الفارسي بعد شهر واحد من هزيمة المسلمين في موقعة الجسر. ولنفكر ونتدبَّر كيف لثمانية آلاف أن يهزموا أكثر من 90 ألفًا، وفي عُدة أضعف من عدتهم، وفي عقر دارهم، كيف يحدث هذا؟ لن تعرف تفسيرها أبدًا إلاَّ أن تقول: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ} [الأنفال: 17]. هذا هو التفسير الوحيد لهذه الموقعة، التي لا تُنْسَى في التاريخ الإسلامي.


وتمرُّ الأيام ويأتي رمضان جديد على المسلمين سنة 53هـ، تفتح فيه جزيرة رودس في البحر الأبيض المتوسط، فقد أرسل إليها أمير المؤمنين الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- أحد التابعين الأبرار لفتحها، وهو جنادة بن أبي أمية الأَزْدِي من قبيلة الأزد اليمنية، ولم يؤخِّر المسلمون القتال إلى ما بعد رمضان مع الصعوبة الشديدة لقتال البحر، وفي الحديث عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- أن رسول الله قال: "غَزْوَةٌ فِي الْبَحْرِ خَيْرٌ مِنْ عَشْرِ غَزَوَاتٍ فِي الْبَرِّ، وَمَنْ أَجَازَ الْبَحْرَ فَكَأَنَّمَا أَجَازَ الأَوْدِيَةَ كُلَّهَا..."[2]. فلم يُؤَخِّروا الجهاد؛ لأن الجهاد لا يُؤَخَّر، والمسلمون في جهاد دائم؛ لذلك لم ينتظروا انتهاء رمضان، بل مَنَّ الله عليهم بفتح الجزيرة في رمضان سنة 53هـ.



ويتسلسل بنا التاريخ لنصل إلى رمضان سنة 91هـ، ليفتح المسلمون أولى صفحاتهم في سِفْر الأندلس الضخم، في رمضان سنة 91هـ تنزل الفرقة الاستكشافية المسلمة التي أرسلها موسى بن نصير -رحمه الله- بقيادة طريف بن مالك رحمه الله؛ لاستكشاف الأندلس.



وفي رمضان سنة 92هـ يلتقي المسلمون -وهم 12 ألف رجل- بقيادة طارق بن زياد رحمه الله بمائة ألف إسباني صليبي بقيادة رودريك -أو في الروايات العربية يسمونه لوذريق- معركة هائلة داخل أرض الإسبان وفي عقر دارهم، والفارق هائل في العدد، ومع ذلك انتصر المسلمون فيها، وقد استمرت ثمانية أيام متصلة؛ ليبدأ المسلمون قصة طويلة في الأندلس استمرت أكثر من 800 سنة، هذا الانتصار الباهر كان في رمضان سنة 92هـ، وراجعوا ذلك في فتح الأندلس أو موقعة وادي برباط، فهي معجزة عسكرية بكل المقاييس، تغيَّر على إثرها كل تاريخ المنطقة في شمال إفريقيا وفي غرب أوربا، بل تاريخ أوربا كله.



أما عن جهاد صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله- فحدث ولا حرج؛ إذ ما كان يُفَرِّق بين رمضان وبين أي شهر من شهور السنة، كل الشهور عنده جهاد، ليست هناك راحة، فما أن انتهى من حطين وفتح بيت المقدس اتجه مباشرة إلى حصار صور في 9 رمضان سنة 583هـ.


معارك متصلة في كل شهر إلى أن حرَّر -رحمه الله- صفد في رمضان سنة 584هـ، بعد سنة من حطين، وعندما كان بعض الوزراء يعرضون عليه تأجيل القتال بعد شهر الصوم، كان -رحمه الله- يرفض ويصر على الجهاد.


وفي 25 رمضان سنة 658هـ حدثت الموقعة التي هزَّت الأرض بكاملها موقعة عين جالوت، وفيها كان الانتصار الإسلامي الباهر بقيادة سيف الدين قطز -رحمه الله- على جحافل التتار، وكانت جيوش التتار تنتصر على جيوش المسلمين انتصارات متتالية بلا هزائم ولسنوات عديدة، مذابح من أبشع مذابح التاريخ، إبادة لكل ما هو حضاري، تدمير لكل شيء في البلاد الإسلامية، من أول يوم دخل فيه التتار في أرض المسلمين سنة 616هـ وإلى هذه السنة سنة 658هـ؛ 42 سنة متصلة وصل المسلمون فيها إلى أدنى درجات الذل والهوان، ثم تغيَّر الوضع، وعادت الكرامة والعزة للمسلمين مرة أخرى في رمضان سنة 658هـ، وليس كأي انتصار؛ لقد فني جيش التتار بكامله.


وبعد، فإننا نلاحظ شيئًا عجيبًا جدًّا بعد هذه الرحلة التاريخية في رمضان!


فقد انتصر المسلمون تقريبًا على كل الفرق المعادية للإسلام في شهر رمضان، انتصرنا على المشركين في بدر وفتح مكة، انتصرنا على الفرس عُبَّاد النار في البُوَيْب، انتصرنا على الصليبيين في وادي برباط في الأندلس، وأيام صلاح الدين في فتح صفد، وانتصرنا على التتار في عين جالوت، وكذلك حرب التحرير العظيمة التي حدثت في 10 رمضان سنة 1393هـ، التي اشتهرت بحرب 6 أكتوبر سنة 1973م، فتحررت سيناء، وهو انتصار مجيد؛ فالحواجز التي عبرها الجيش المصري تدخل في عداد المعجزات العسكرية، والروح الإيمانية كانت مرتفعة جدًّا عند الجيش وعند الشعب، فكانت النزعة والتربية الإسلامية في الجيش ملموسة وواضحة، ونداء (الله أكبر) كان يخرج من قلب كل مسلم، والوحدة الإسلامية كانت في أبهى صورها.



كل هذا دفع إلى النصر، وللأسف عندما بدأ الشعب يتغير وبدأت كلمة (أنا) تعلو بديلاً عن كلمة الله عز وجل، وبدأت مقولة: (أنا فعلت)، بدلاً من (الله فعل). لَمَّا حدث هذا حدثت الثغرة، وبدأ التأزُّم في الموقف، لكن على كل حال كان نصر رمضان سنة 1393هـ نصرًا باهرًا، كان دفعة قوية ليس لمصر وسوريا فقط، بل لشعوب مسلمة كثيرة على وجه الأرض.


إذن لا يوجد عدوٌّ من أعداء الإسلام إلاَّ وحاربناه وانتصرنا عليه في رمضان؛ سواء كانوا مشركين أو صليبيين أو تتارًا أو فرسًا أو يهودًا، ولا يأتي رمضان إلاَّ ونتذكر هذه الانتصارات، وهذه نعمة عظيمة مَنَّ الله عز وجل بها علينا؛ لنظلَّ نتذكر الجهاد والانتصار إلى يوم القيامة.










[1] مسلم: كتاب الصيام، باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان... (1114) عن جابر بن عبد الله، والترمذي (710)، والنسائي (2263)، وابن حبان (2706).
[2] ابن ماجه (4154)، والحاكم (2634) وقال: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي، وصححه الألباني، انظر: صحيح الجامع (4154).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70029
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

رمضان شهر الانتصارات Empty
مُساهمةموضوع: رد: رمضان شهر الانتصارات   رمضان شهر الانتصارات Emptyالجمعة 12 يوليو 2013, 11:24 pm




 
إشراقة شهر رمضان وواقع المسلمين

د. عدنان النحوي



رمضان شهر الانتصارات 21026_image002مع هذه الأيّام تتلفَّت قلوب المؤمنين المتقين تنظر إشراقة شهر رمضان المبارك، لتزيح إشراقتُه الظلام الذي يحيط بالنَّاس في الأرض، وقد عَّمت البلوى، وامتدَّ الهرج والمَرَج، وكثرت الزلازل والبراكين والفيضانات، وماجت دماء المجازر، وهاجت أعاصير الفتن، واستبدَّ الظلم والفساد والعُدْوان.




شهر رمضان المبارك أعظم الشهور، ففيه وقعت أعظم الأحداث وأكثرها خيرًا وبركةً على النَّاس، على مرِّ العصور، مع توالي الأنبياء والمرسلين. فقد أُنزلت الكتب الإلهيَّة على الأنبياء والمرسلين في هذا الشهر؛ فعن وائلة بن الأسقع أنَّ رسول الله قال: "أُنزلت صحف إبراهيم في أوَّل ليلة من رمضان، وأُنزلت التوراة لستٍّ مضين من رمضان، والإنجيل لثلاث عشرة خلت من رمضان، وأنزل الله القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان"[1].




وقد أُنزلت الصحف والتوراة والزبور والإنجيل، كلٌّ منها أُنزل جملة واحدة على النبيّ الذي أُنزل عليه، وأمَّا القرآن الكريم فقد أُنزل إلى بيت العزّة من السماء الدنيا جملة واحدة في شهر رمضان في ليلة القدر، ثمَّ أُنزل بعد ذلك مفرَّقًا حسب الوقائع على رسول الله في ثلاثٍ وعشرين سنةٍ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1]، {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} [الدخان: 3]. وكذلك: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً} [الفرقان: 32].




وأيُّ خير لدى البشريّة كلّها أعظم من نزول الكتب الإلهيّة على الأنبياء والمرسلين! وأيُّ خير أعظم من نزول القرآن الكريم هدى للنَّاس كافَّة وآيات بيّنات من الهدى والفرقان!




وأيّ نعمة أعظم على النَّاس من أن يُفرَّق بين الحقِّ والباطل بآيات بيّنات، ويُخْرَجَ الناس من الظلمات إلى النُّور بإذن ربِّهم!




وأيّ ليلة أعظم من ليلة القدر.. {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 3-5]، {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الدخان: 3-6].




وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله : "أتاكم شهر رمضان، شهر مبارك، فرض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنَّة، وتغلّق فيه أبواب الجحيم، وتغلُّ فيه مردة الشياطين، وفيه ليلة خير من ألف شهر من حُرِم خيرها فقد حُرِم"[2].




وعنه أيضًا: إنَّ الله تعالى يقول: "إنَّ الصوم لي وأنا أجزي به، إنَّ للصائم فرحتين، إذا أفطر فرح، وإذا لقي الله تعالى فجزاه فرح، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك"[3].




وعنه: "إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنَّة، وغلّقت أبوابُ النار وسلسلت -صفدت- الشياطين"[4].




والأحاديث الشريفة عن فضل شهر رمضان كثيرة، تكشف لنا عظمة هذا الشعر وخيره وبركته على من التزمه صيامًا وقيامًا وآدابًا، فيعتق الكثيرون من النَّار وتغفر ذنوبهم.




فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي قال: "مَنْ صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر"[5].




ولقد وقعت أحداث مهمة ومعارك فاصلة في حياة المسلمين في شهر رمضان المبارك؛ ففيه كانت غزوة بدر الكبرى في السنة الثانية من الهجرة، وفتح مكة سنة ثمانٍ للهجرة، وأسلمت ثقيف في رمضان بعد قدوم الرسول من تبوك، وكذلك كانت معركة بلاط الشهداء سنة 411هـ في شهر رمضان، وكان فتح عمورية في هذا الشهر المبارك سنة 223هـ.




والأحداث كثيرة في التاريخ الإسلامي، تنبئ أن شهر رمضان لم يكن شهر راحة واسترخاء، لقد كان شهرًا جامعًا لأنواع الجهاد الذي شرعه الله لعباده المؤمنين؛ فالصيام جهاد النفس ومجاهدتها، وكذلك قيام الليل، ومجاهدة النفس هي أول أبواب الجهاد في حياة المسلم، جهاد يمتدُّ معه في حياته كلها وميادينه كلها. ولذلك كان حديث رسول الله يرويه فضالة بن عبيد رضي الله عنه: "المجاهد مَنْ جَاهَدَ نفسه في الله"[6].




ويمتدُّ الجهاد في شهر رمضان المبارك ليبلغ بذل المال والنفس في سبيل الله في مجاهدة أعداء الله. فما كان شهر رمضان معطِّلاً لطاقة من طاقات المسلمين في شتَّى الميادين، وإنَّما كان يطلق طاقات المؤمنين على صراط مستقيم بيّنه الله لهم وفصّله، وجعله سبيلاً واحدًا وصراطًا مستقيمًا، حتى لا يضلَّ عنه أحد إلا الكافرون والمنافقون.




وكان أداء الشعائر في شهر رمضان والوفاء بها، فرائض ونوافل، ليلاً ونهارًا، ينمّي طاقات المؤمنين لتنطلق في الأرض تبلّغ دعوة الله إلى الناس كافّة، وتجاهد في سبيل الله؛ لتوفي بالأمانة التي حملها الإنسان، والعبادة التي خُلِق لها، والخِلافة التي جُعِلَتْ له، والعمارة التي أُمِرَ بها ليعمر الأرض بحضارة الإيمان.




كان أداء الشعائر أساسًا حقيقيًّا يقوم عليه الوفاء بهذه المسئوليات العظيمة في الأرض، والتكاليف الربَّانيّة. كان المؤمنون يَعُون أنَّ تكاليف الإسلام لا تقف عند حدود الشعائر، ولكنَّ الشهادتين والشعائر تقيم الأركان التي ينهض عليها الإسلام وتكاليفه؛ فعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن الرسول قال: "بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان"[7].




كان المؤمنون المتقون الصادقون يَعُون هذه الحقائق، ويَعُون أنّهم لم يُخْلَقوا عبثًا، وأنّهم لن يُتركوا سُدًى، وأنَّ الله خلقهم لأداء مهمَّة في الحياة الدنيا من خلال ابتلاء وتمحيص.




وكان فضل الله على عباده عظيمًا، حين فرض الشعائر على عباده المؤمنين، لتكون مصدر القوة والطاقة للانطلاق إلى المهمّة العظيمة التي خلق الله الإنسان لها. وجعل مع هذه الشعائر الممتدّة مواسم تتجدّد، وكان صيام شهر رمضان من أعظم هذه المواسم، صيامٌ يتجدَّد كل سنة، مع نوافل في الصيام متجدّدة كلّ أسبوع أو كلّ شهر؛ لتُغذِّي طاقة المؤمنين لينطلقوا في الأرض، يوفون بالأمانة والعبادة والخلافة والعمارة.




ولا يقف الأمر عند ذلك، ولكنّه يمتدُّ إلى أمور رئيسية عظيمة أخرى في حياة المسلمين بخاصّة، وحياة البشريّة بعامّة.




إنَّ أحكام صيام شهر رمضان المبارك تهدف في جملة ما تهدف إليه إشعار المسلمين في الأرض كلِّها أنَّها أمة مسلمة واحدة، تعبد ربًّا واحدًا هو الله الذي لا إله إلا هو، وتدين بدين واحد هو الإسلام الذي لا يقبل الله دينًا غيره، وتمضي على صراط مستقيم مشرق بالنور، بيّن بالآيات المفصَّلات، أمّةً واحدةً رابطتها أُخوَّة الإيمان، الرابطة التي لا تعدلها رابطة في ميزان الإسلام {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}[الحجرات: 10].




قال رسول الله : "المسلم أخو المسلم لا يخونه ولا يكذبه ولا يخذله، كلُّ المسلم على المسلم حرام عِرْضه وماله ودمه. التقوى ها هنا -وأشار إلى القلب- بحسب امرئ من الشرِّ أنْ يحقر أخاه المسلم"[8].




وتتوالى الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة لتؤكِّد هذه الحقيقة المهمة والقضية الخطيرة في حياة البشريّة كلِّها. وتأتي الأركان الخمسة الشهادتان والشعائر لتؤكِّد كلُّ واحدة منها هذه الحقيقة المهمَّة مع سائر الحقائق الضرورية للمسلمين وللنَّاس كافَّة.




وقيام الأمة المسلمة الواحدة في الأرض صفًّا واحدًا كالبنيان المرصوص ضرورة أساسيّة للوفاء بتبليغ رسالة الله إلى النَّاس كافّة، ودعوتهم إلى الإيمان والتوحيد وإلى دين الله، كما أُنزل على محمد .




إن تبليغ هذه الرسالة العظيمة ودعوة النَّاس إليها وتعهّدهم عليها، أصبح فرضًا على الأمّة المسلمة على كلِّ مسلم قادر وعلى الأمة كلها، ولا يفلح المسلم ولا الأمة بهذه القضية إلا إذا كان المسلمون أمة واحدة، صفًّا واحدًا كالبنيان المرصوص..




{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144]. {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104]. وكذلك {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: 4].




إشراقة شهر رمضان المبارك تحمل في كلِّ سنةٍ معاني كثيرة وحقائق مهمة من حقائق الإسلام الكبيرة، ونشير في هذه الكلمة الموجزة إلى الحقائق التي أوجزناها:




- الأمة المسلمة الواحدة صفًّا واحدًا كالبنيان المرصوص.




- تبليغ دعوة الله إلى الناس كافة كما أُنزلت على محمد .




- إنَّ قيام الأمة المسلمة الواحدة وتبليغ رسالة الله للنَّاس كافة حاجة بشريّة وضرورة لصلاح حياة الإنسان على الأرض، وهي ضرورة لنجاة المسلم والإنسان عامة من فتنة الدنيا وعذاب الآخرة.




إنَّ شهر رمضان المبارك يذكرنا بهذه الحقائق كل عام، كما تذكّرنا بها سائر الشعائر والشهادتان. فما بال المسلمين اليوم تفرّقوا شيعًا وفرقًا وأقطارًا؟! وما بالهم تمزَّقوا في صراع لا يرضاه الله ولا يأذن به؟!




لقد تحوّل كثير من قواعد الإسلام إلى صورة جديدة لم يألفها الإسلام الذي جاء به محمد ، ولا يرضاها. فلقد تحوّل شهر رمضان إلى شهر موائد وطعام وتزاحم على ذلك، وإلى التمسك بالنوافل وترك بعض الفرائض، وارتخت العزائم وغاب الكثيرون في غفوة شديدة، وعلت الشعارات وبحَّت بها الحناجر، ودوَّت بها الساحات والمهرجانات، ولم تدوَّ بها الوقائع والأحداث.




نحتفل اليوم بإقبال شهر رمضان المبارك وفلسطين تغيب وراء الأفق، ودماء المسلمين فوّارة في الأرض تحت هدير المعتدين الظالمين المجرمين, وأشلاء المسلمين وأعراضهم وحرماتهم وأموالهم منثورة يتزاحم عليها المجرمون.




يأتي شهر رمضان المبارك، كثيرون يتسابقون إلى مواقف الاستسلام والاستخذاء لأعداء الله، كثيرون يلتمسون النصر من أعداء الله أو من أوثان أو من أوهام، في تمزُّق وفرقة وشتات.




في الأيام الأخيرة من شهر شعبان ترى الناس يتسابقون إلى الأسواق يختارون أطايب الطعام للإفطار وللسحور، إنّها القضيّة التي تشغل بال الكثيرين. وعندما تدور الأحاديث عن شهر رمضان المبارك في بعض وسائل الإعلام في العالم الإسلاميّ، ينصبُّ كثير منها حول اختلاف الأطعمة من بلد إلى بلد، وحول اختلاف العادات من بلد إلى بلد في الاحتفاء بشهر رمضان المبارك، العادات التي توارثها جيل عن جيل في مراحل الوهن والضعف.




كثيرون ممن ينتسبون إلى الإسلام يقضون ليالي رمضان مع بعض الفضائيات وبرامجها المتفلِّتة، وآخرون يقضونها في ألوان أخرى من اللهو والضياع، وآخرون قد لا يصومون أو يصلون، ويظلّون يصرّون على أنّهم من المسلمين.




يقبل شهر رمضان المبارك، والمسلمون ليس لهم نهج ولا خطة لمجابهة الواقع الأليم، إنما هي شعارات وأمانٍ وأوهام من خلال الفرقة والتمزق والصراع.




لو أحصيت الذين يُصلّون الفجر أو أيّ وقت آخر في العالم الإسلامي كله، وأحصيت عدد الذين ينتسبون إلى الإسلام حسب الإحصائيات، لوجدت النسبة منخفضة جدًّا. فمن يستفيد من هذه الملايين الضائعة من المنتسبين إلى الإسلام. إنَّ أعداء الله هم الذين يستفيدون من ذلك كلّه، من خلال عمل منهجي دائب ليل نهار.




كان شهر رمضان المبارك يقبل فيجمع المسلمين أمة واحدة في المساجد، وفي ميادين الجهاد، وفي البناء والعمل المتواصل، يمضون على صراط مستقيم، يعرفون أهدافهم والدرب الذي يؤدِّي إلى الأهداف. واليوم تشعَّبتْ السبل، وضاعت الأهداف، وعمّيت علينا الحقائق.




كان شهر رمضان المبارك يقبل، فيبادر النّاس كعادتهم بعد صلاة الفجر إلى العمل والسعي والبناء. واليوم يغلب النوم على الكثيرين فلا يستيقظون على صلاة الفجر، ويمتدُّ بهم النوم إلى وقت متأخر من الضحى أو النهار كله.




لقد تغير واقع المسلمين، فعسى أن تنهض العزائم مع إشراقة رمضان لاستئناف الحياة الصادقة، حياة بناء الأمة الواحدة والصف الواحد، حياة تبليغ الدعوة إلى الناس كافة.




المصدر: موقع المسلم.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70029
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

رمضان شهر الانتصارات Empty
مُساهمةموضوع: رد: رمضان شهر الانتصارات   رمضان شهر الانتصارات Emptyالجمعة 12 يوليو 2013, 11:26 pm




 
الصوم ووحدة الصف

د. فؤاد علي مخيمر



رمضان شهر الانتصارات 21028_image002الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

فإن دين الإسلام دين الفطرة الصحيحة، دين يدعو إلى وحدة الصف؛ لأن أتباعه المؤمنين يُعَدّون أمة واحدة، إلههم واحد لا شريك له، قال سبحانه: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 92].




ومن ثَمَّ، جعل الله تعالى مظاهر هذا الدين تتجلى في الدعوة إلى الوحدة: وحدة في الألوهية والربوبية وفي صفاته تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}[الإخلاص: 1-4]. ووحدة في العبودية: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5]. ووحدة في الصف والقوة والبأس، قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: 103]. ووحدة في الجهاد، قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: 4].




فالعبادات الدعوة فيها إلى وحدة الصف موجودة وقائمة، وتُعَدُّ مَظهرًا بَارزًا من مظاهرها..




فالصلاة: النداء لأدائها واحد، وإمام الصلاة واحد، والمسلمون من خلفه وحدة متكاملة في انتظام صفوفهم وائتلاف أرواحهم، وهم مؤتمون بإمام واحد؛ يؤدون خلفه أركانًا وسننًا بنسق واحد بمتابعة إمام واحد، وكذلك توحيد وقت الصلاة مظهر وحدوي.




والزكاة: في أدائها دعوة إلى وحدة الصف؛ ففي مال الغني حق معلوم للسائل والمحروم، كأن الفقير شريك الغني في ماله، وفي ذلك من ارتباط القلوب والتراحم ما لا يخفى، وكذلك إحساس الغني بالفقير؛ اعترافًا بأخوَّة الإيمان التي أفصح عنها القرآن في قوله تعالى: {فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: 103]، {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10].




والحج: مظاهر الوحدة فيه كثيرة؛ فملابس الإحرام بهيئة واحدة، والتلبية واحدة لمناجاة رب واحد، وأداء الأركان والواجبات والسُّنن في مكان واحد، وهو الحرم الشريف والكعبة المكرمة، وعرفات ومزدلفة ومِنى وكلها في مكة المكرمة، فضلاً عن اجتماع المسلمين من شتى بقاع الأرض على عرفات، وفي حَرم الله الآمن، وغير ذلك من مظاهر وحدة الصف والكلمة.




والصوم: رُقي للروح، وحصن للجسد، وتربية للأعضاء، وهو نصف الصبر، وتجديد للعهد مع الله سبحانه بالتوبة والاستغفار وكثرة الذكر والدعاء والتوحيد الخالص، وتدريب الأعضاء على مهام الرجولة، وإذا تأصّلت الرجولة الإيمانية في المسلمين اتحد صفهم، وقويت شكوتهم، وعلت همتهم؛ ليصبحوا قوة ضاربة في الأرض.




لذا؛ نجد وحدة الصف تنبع من ساحة الصوم، ومن أبرز مظاهرها ما يلي:




أولاً: فرض الصوم بنداء الله للمؤمنين عامة:

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183]. فنداء الله للمؤمنين تكريم لهم وتشريف، ودعوة لهم إلى وحدة صفهم، وتآلف قلوبهم، لعزتهم ورفعة مكانتهم، وفي ذلك من المساواة بينهم ما لا يخفى: فلا فرق بين غني وفقير، ولا بين أبيض وأسود.




ثانيًا: اجتماع المسلمين على بداية رمضان ونهايته دليل على وحدتهم وقوتهم:

البلد الذي يشترك في مطلع الشمس مع غيره من بلاد العالم الإسلامي أو غير الإسلامي، أو كان مطلعه قريبًا من بعضها يلزمه الاتحاد معها في بداية شهر رمضان؛ لأن ذلك يُعدُّ مظهرًا لوحدة المسلمين، وقوة لرباطهم الإيماني، حيث يَتّحِدون في وقت الإفطار والإمساك، ومناجاة الله عند فطرهم وإمساكهم.




كذلك مظهر المسلمين في وحدة صفهم يبرز واضحًا في نهاية رمضان وبداية أول ليلة من شوال؛ فالمسلمون يتحدون في التكبير والتهليل، وفي اجتماعهم لصلاة عيد الفطر في الخلاء، أو في مساجدهم على قلب رجلٍ واحدٍ، وفي ذلك من وحدة الصف ما لا يخفى.




ثالثًا: صلاة القيام في جماعة قوة ووحدة:

اختصاص رمضان باجتماع المسلمين بعد العشاء في كل ليلة منه؛ لأداء صلاة التراويح في جماعة يُعدُّ دعوة إلى وحدة الأمة في عبوديتها لربها، ووحدة صفها.




رابعًا: اعتكاف صفوة من المسلمين في المساجد تربية على وحدة الصف:

فسنة الاعتكاف اختصت بها العشر الأواخر من رمضان؛ تدريبًا لصفوة من أبناء الأمة المسلمة على الرجولة والجندية والاتحاد في المظهر والجوهر؛ لتؤصل في المسلمين وحدة الصف. وهناك مظاهر أخرى للوحدة يطول المقام بذكرها، ولكنها لا تخفى على ذي لُبٍّ.




الصوم يربي الفرد ويبني المجتمع ويؤصل الوحدة

إن المجتمع المسلم المعاصر الذي تمزّق كيانه، وتفرّق صفه، فأضحى ساحة لمطامع أعدائه، فاستولى العدو على بعض مقدساته، وأراق دماء أبنائه على أرضه.. أرى أن هذا المجتمع في حاجة ماسة إلى إعادة بنائه.. ومعلوم أن لبناته هم أفراده.




والصوم أحد أركان هذا الدين الحنيف الذي يتم به البناء؛ فمن أبرز آثاره في تربية الفرد، وبناء المجتمع وتحصين وحدته ما يلي:




1- الإرادة تقوي الإيمان وتتمم البناء:

فالمسلم ينتصر على نفسه، فيكبح جِمَاحها ويُربيها تربية إيمانية قوية، فعندئذ تَقوى إرادته فينتصر على نفسه وعلى أعداء الله؛ لأن كل شيء يَهون أمامه إلا عقيدته ومقدساته، ويُفصح ربُّنا عن هذه التربية فيقول: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 23]. فالإرادة الإيمانية عند أداء الصوم هي التي أصّلت فيهم هذه الروح، وأصّلت الهمَّة والرجولة في كيانهم. فقبل أن يطلب العبد النصر على أعدائه، ينتصر هو على نفسه.




2- الإرادة صمام أمن الجندي المسلم:

فالمسلم إن لم تكن عنده إرادة منضبطة في ضوء الإيمان وصدق عزيمته على الصوم، فلا يمكن أن يقدِّم نفسه فداء لدينه ومقدساته ووطنه؛ لأن من تأصّلت الإرادة في قلبه، فقد قَهر نفسه وشيطانه وعدوه. فمن مأثورات عمر رضي الله عنه: اسألوا الله العون على أنفسكم قبل أن تسألوه النصر على أعدائكم.




ومن ثَمَّ يُعدُّ الصيام علاجًا للنفس وضَابطًا للإرادة، وداعيًا إلى وحدة الأمة؛ ولذا نجد المسلمين قد انتصروا في معاركهم مع العدو في شهر رمضان كغزوة بدر، وفي العاشر من رمضان 1393هـ.




3- الصوم يدعو إلى:



أ- وحدة الهدف والغاية: فالهدف: العبودية، والغاية: تقوى الله.




ب- وحدة الضمير: فالصوم يُؤدَّى بنية صادقة في ضوء مراقبة الله سبحانه، وأثر ذلك يعود على المجتمع في شئونه الاقتصادية والاجتماعية، والعسكرية والميدانية في ساحة القتال.




ج- وحدة الشعور بالمسئولية: فالإحساس بالمسئولية التضامنية في بناء المجتمع وازدهاره أمر واجب، والدفاع عنه واجب، والشعور بآلام المسلمين واجب، والمشاركة الوجدانية والمادية في تفريج كروبهم ومناصرتهم واجب... إلخ.




د- وحدة الصف: تتجلى وحدة الصف في تربية الصائمين على الخشونة والصبر وقوة الإرادة، واحتمال المتاعب، والتدريب على الجندية؛ فلا مجال للترف والإسراف، بل سبيل الصائم التقشف وضبط النفس، والحسم والعزم؛ فتكتمل الوحدة على أساس متين من الدين.




4- الصوم ثورة تصحيح وتغيير في المجتمع المسلم:

فثورته تتجلى في ذلك التغيير في الطعام والشراب، وضبط الوقت عند الإفطار والإمساك، وفي السلوك التربوي، والقيم العالية في البيت والشارع والعمل، والاعتكاف في ساحة العبودية، وغير ذلك مما يطول المقام بذكره.




والله وحده من وراء القصد.



بقلم: الشيخ الدكتور فؤاد علي مخيمر

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
رمضان شهر الانتصارات
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: الدين والحياة :: رمضان كريم-
انتقل الى: