يديعوت اخرونوت: روسيا والقصف الاسرائيلي لسورية.. صاروخ في محل للفخار
بقلم: اليكس فيشمان
“لو كان هناك روس لكنا اليوم في قصة مختلفة تماما”، هكذا نقل عن مصدر امني روسي كبير في صحافة موسكو. وتناول في تصريحاته بطارية صواريخ اس.اس 5 السورية التي تعرضت هذا الاسبوع لهجوم من سلاح الجو الاسرائيلي. وكان هذا هو الرد العلني الروسي الاهم على الحدث. معقول جدا الافتراض انه لو كان المصابون في هذا الهجوم جنودا روس، ما كانت طائرة وزير الدفاع الروسي سيرجيه شويغو لتقلع الى اسرائيل.
لقد كان الاحساس الاسرائيلي وكأن الروس استقبلوا الهجوم باستخفاف مغلوطا. إذ يتبين بان الروس غضبوا من أنهم تلقوا بلاغا عن الهجوم في الزمن الحقيقي فقط. هكذا بحيث أنه لو كانت هناك قوة روسية لما كان لهم الوقت للتبليغ عن ذلك لاسرائيل او لاخلائها.
وهذا ليس سيناريو خياليا. في اسرائيل يعرفون بانه تكاد لا تكون هناك وحدة عملياتية سورية ليس فيها دور أجنبي ما. ثلث الفرق السورية الرائدة – الفرقتان 4 و 5 – تتشكلان من قوات أجنبية. في الفرقة 4، الفرقة العليا للحرس الرئاسي يوجد لواء ايراني يتشكل من مقاتلين شيعة من المنطقة ومن رجال الحرس الثوري، وكذا أيضا وحدة مدفعية روسية وقوات روسية خاصة. والى جانب القوات السورية يعمل ايضا لواء مظليين روسي (اللواء 61) ولواء مشاة مؤلل روسي (اللواء 74). وكان الروس هم الذين أعادوا تشكيل الفرقة 5 المدرعة التي تشارك فيها قوة من حزب الله تسمى “سيف المهدي”. ووزير الدفاع الروسي الذي زار سوريا في 12 ايلول، وزع أوسمة على ضباط سوريين وروس شاركوا في القتال. وفي 19 آب منح رئيس الاركان الروسي في قاعدة حميميم وسام البطولة الاعلى لضابط سوري يقود القوات الخاصة للاسد، “تايغر فورس″، في اعقاب اجتياح ناجح في دير الزور.
في الكثير جدا من الزوايا في الجبهة السورية يتحدثون الروسية. هكذا بحيث أنه عندما تقصف اسرائيل اليوم وحدة عسكرية سورية، فانها في الواقع تسير في حقل الغام غير محدد. قبل نحو سنة هاجمت اسرائيل في منطقة المطار تي 4 قرب تدمر رغم معرفتها بانه الى جوار الهدف توجد منشأة روسية. وردا على ذلك نقلت روسيا رسائل حادة الى تل أبيب، والسفير الاسرائيلي في موسكو استدعي مع ملحق الجيش الاسرائيلي الى حديث توبيخ.
هذه المرة ايضا، كما يدعي الجنرال احتياط ليونيد ايفاشوف، من كان رئيس شبكة الاتصالات الخارجية والتعاون في الجيش الروسي، قيلت أقوال حادة. وعلى حد قوله، فقد اوضح وزير الدفاع شويغو للاسرائيليين: توقفوا عن مهاجمة منظومات الدفاع الجو السورية، لاننا على اي حال سنزودهم بقدرات اخرى، اكثر تطورا”.
“على اسرائيل ان تفهم موقف وزارة الدفاع الروسية الذي يقول ان الاستقرار وقدرة الجيش السوري على القتال جيدان للشعب السوري وجيدان للاسرائيليين أيضا”، قال الجنرال المتقاعد ايفاشوف لوكالة الانباء الحكومية الروسية. من ناحية الروس، فان نظام الاسد يمنع الفوضى التي من شأنها أن تشعل الحدود مع اسرائيل ايضا.
“انفصام شخصية”
تعبر زيارة وزير الدفاع شويغو والهجوم الجوي في سوريا عن انفصام الشخصية في السياسة الروسية تجاه اسرائيل. صحيح أن شويغو جاء الى اسرائيل، ولكن بوجه عابس. هذا لا يعني أنه ليس رجلا وديا على نحو خاص. فمهندس البناء والاقتصادي الذي اصبح فيلد مارشل ما كان ليكلف نفسه عناء المجيء الى هنا لو لم يكن لاسرائيل دور معين جدا في المصالح الروسية الراهنة. مصالح يمكنها بالطبع أن تتغير في كل لحظة. شويغو، 62 سنة، هو الوزير الاقدم في ا لحكم ا لروسي، من بقايا عهد يلتسن، والذي نجا من كل التحولات في الكرملين ووقف على مدى 18 سنة على التوالي على رأس وزارة الطواريء المدنية الى أن اصبح قبل 5 سنوات وزير الدفاع ولاحقا ايضا نائب رئيس الوزراء. وهو شعبي في روسيا بفضل ثلاث مزايا: فهو عديم الطموح السياسي، بمعنى انه لا يعرض مكانة بوتين للخطر، هو يقل من الظهور اما الجمهور وهو تنفيذي. شويغو لا يقرر السياسة الروسية في سوريا ولكنه ينفذها.
عشية زيارته، قبل القصف في سوريا، أوضح الروس لاسرائيل بان هذه ستكون زيارة على مستوى تغطية جد متدنية. فلن يكون اي لقاء مع صحافيين اسرائيليين، وحتى الصحافيين الروس الذين جاءوا معه اضطروا للاكتفاء باستعراض من نائبه، الجنرال الكسندر بومين. وحتى قبل ان يعود شويغو الى موسكو، وفي عصر يوم الاربعاء، أجرى بوتين ونتنياهو مكالمة هاتفية عنيت بالتنسيق السياسي. وكان احد المواضيع التي تحدث عنها الرجلان، فضلا عن المسألة السورية، هو موضوع الاكراد في العراق.
يرى الروس في اسرائيل وزنا مضادا للتدخل الايراني في سوريا. فالايرانيون والروس يسلبون الذخائر التي لا تزال البقرة السورية المريضة قادرة على أن تنتجها، وينشأ بينهما خلاف عميق حول توزيع الغنيمة. وسيسافر الرئيس بوتين في الاسابيع القريبة القادمة للقاء بآيات الله في ايران في محاولة لتهدئة الخواطر. يتبين أن شركات روسية وايرانية تتقاتل فيما بينها على السيطرة في الشبكات الخلوية في سوريا، الغاز والفوسفات. ومؤخرا فقط وقعت حكومتا سوريا وايران على اتفاق في اطاره يرمم الايرانيون المطارات ويقيمون محطات لتكرير النفط على الاراضي السورية.
ولا يدور الحديث فقط عن خلافات اقتصادية. فالروس يعارضون مثلا خطة تشكيل فرقة ايرانية “الامام الحسين”، تتشكل من 5 الاف رجل من الميليشيات الشيعية المؤيدة لايران تحت قيادة ايرانية، تعمل على الاراضي السورية. كما أن الروس غير متحمسين من امكانية ان يتلقى الايرانيون مصافا لهم في ميناء طرطوس، الذي يوجد تحت سيطرة روسية. ويؤدي تضارب المصالح المتعمق بين ايران وروسيا بالروس الى اسرائيل.
يتهم الروس ادارة ترامب بالتعاون مع داعش ولكن يتبين انه توجد لهم شكاوى في هذا الموضوع تجاه اسرائيل ايضا. وهم يحتجون، في الغرف المغلقة على أن اسرائيل لا تتعاون معهم بما يكفي في الحرب ضد داعش، ولا سيما في المجال الاستخباري. وهم يرون أن اسرائيل هي قوة عظمى في السايبر المدني يمكنها أن تساعد أكثر بكثير في كل ما يتعلق بمكافحة الارهاب بالسايبر.
لقد كانت المحادثات التي اجراها شويغو في اسرائيل في المسألة الايرانية مثمرة على ما يبدو وانتهت بتفاهم متبادل، باستثناء موضوع واحد: شكل انتشار القوات المؤيدة لايران في سوريا. واضح تماما أنه عندما يصل الجيش السوري الى هضبة الجولان، فان هذا لن يقول جيشا سوريا صافيا بل جيش سوري مع قوات أجنبية. وسيستوجب الامر تجريد عميق للجولان السوري – اكثر بكثير مما في اتفاق فصل القوات في العام 1974.
وبالمناسبة لدى اسرائيل مقياس ممتاز لفحص وضع الرئيس الاسد: الدروز في هضبة الجولان. في السنة الاخيرة طرأ انخفاض بعشرات في المئة في عدد الطلبات للحصول على بطاقة هوية زرقاء من دروز الجولان الى وزارة الداخلية. فهم يشمون على ما يبدو بان الاسد يعود. وهذا ليس المؤشر المشجع الوحيد من ناحية الرئيس السوري. الاردنيون هم ايضا نوع من المقياس. فقد علم ضمن امور اخرى عن توثيق العلاقات بين الاردن وسوريا، ومحللون اردنيون يتحدثون عن مباحثات تجري في الاسرة المالكة بهدف فحص امكانية استئناف العلاقات الخارجية مع ايران. الرئيس المصري السيسي هو الاخر يغازل الاسد. فقد اصبح المصريون شركاء فاعلين في المحادثات لتحقيق التسوية في سوريا، والتي تجري في الاستانة في كازخستان برعاية الروس. وزار ضابط الاستخبارات السوري الرئيس الجنرال علي مملوك مصر مؤخرا، ورجال استخبارات مصريون يصلون الى دمشق.
“فاتح” اصبح “رعد”
الان، فيما يتبدد التهديد على حكم الاسد، ظاهرا، فانه يشعر بثقة كافية كي يعود ليستخدم قوته العسكرية كي يردع اسرائيل من الاعمال في الاراضي السورية. وقبل نحو نصف سنة اتخذ النظام السوري قرارا لمحاولة اعتراض طائرة اسرائيلية: في سوريا، في لبنان، اينما كان ممكنا. وبالفعل، في الاشهر الاخيرة كانت عدة احداث اطلاق صواريخ مضادة للطائرات نحو طائرات اسرائيلية تحلق في المجال. وفي جهاز الامن في اسرائيل قرروا صد الميل السوري هذا باسرع وقت ممكن إذ ان حرية عمل سلاح الجو هي الوسيلة المركزية لمنع التثبت الايراني في سوريا وتعاظم قوة حزب الله.
ان التهديد القريب الذي يواجهه سلاح الجو في سوريا وفي لبنان اليوم يتركز في ما يسمى “مشروع الدقة” للصواريخ والمقذوفات الصاروخية الايرانية التي تصل الى حزب الله. يمكن الافتراض بان قسما لا بأس به من اعمال القصف في الاعماق السورية في السنة الاخيرة، والتي تعزى في وسائل الاعلام الاجنبية لاسرائيل، يستهدف المس بهذا المشروع – سواء بالصواريخ نفسها أم بالمنشآت التي تصبح فيها أكثر دقة.
اتفق ليبرمان ونتنياهو على اضافة 4.8 مليار شيكل لميزانية الدفاع حتى 2020. قسم لا بأس به من هذا المال سيستثمر، حسب قرار وزير الدفاع في الجواب على عملية تحول الصواريخ الايرانية في المجال الى صواريخ اكثر دقة وفتكا مما كانت في الماضي. والمعنى هو تطوير سريع لمنظمات تستهدف المس بهذه الصواريخ ومشتريات بكميات غير مسبوقة تتجاوز ما كان مخططا له في خطة جدعون متعددة السنوات، لوسائل اعتراض من نوع “حيتس″، “القبة الحديدية” و”العصا السحرية”. وبالتوازي ستتم مشتريات هامة لسلاح جوي دقيق وستستثمر اموال لبناء منظومة صواريخ أرض – أرض بمدى بضع مئات الكيلو مترات، خطط لان تتم فقط في العقد القادم. ويسعى وزير الدفاع الى تقديم موعدها الى خطة العمل الحالية التي تنتهي في 2020. قسم آخر من المال سيذهب الى استكمالات التحصين للجبهة الداخلية، والتي ستتعرض لضربات الصواريخ الدقيقة.
يدور الحديث عن مشروع كثير التمويل بقيادة وزير الدفاع. اما الجيش فلم يدفع نحو هذه الاستثمارات، ربما تخوفا من أن يؤخذ المال من ميزانية العمل الحالية لديه. اما ليبرمان فقد تعهد بتحقيق المهامة من ميزانية اخرى، تأتي من فوائض الجباية، وتنتظر الان رد وزارة المالية.
ليبرمان محق. فالتهديد المركزي من الساحة اللبنانية يتركز في مئات عديدة من الصواريخ والمقذوفات الصاروخية الى مدى 100 – 500 كيلو متر، من شأنها أن تصبح دقيقة، واقل من ذلك في عشرات الاف الصواريخ غير الدقيقة، لمدى حتى 40 كيلو متر، وتوجد في حوزة حزب الله.
لقد تعلمت الصناعة العسكرية الايرانية كيف تحاكي جيدا الوسائل القتالية الرسمية والغربية التي وصلت اليها، بما في ذلك في اثناء القتال في سوريا التي اصبحت حقل التجارب الاكبر في العالم للسلاح الايراني، الروسي والامريكي. فقد أخذ الايرانيون صاروخا غير دقيق بمدى يتراوح بين 250 – 700 كيلو متر، “فاتح 110″، وجعلوه صاروخا دقيقا. لعائلة الصواريخ هذه، التي تتضمن ستة نماذج مختلفة، كانت دقة متداخلة: كلما كان المدى أبعد، ينخفض مستوى الدقة. اما الايرانيون فقد نجحوا في ان يركبوا على هذه الصواريخ منظومة جي.بي.اس روسية وهكذا وصلوا الى دقة لم تعد متعلقة بالمدى وتسمح لاصابة شبه موضعية للهدف. والنتيجة هي صاروخ دقيق جدا يسمى “رعد 327″.
أما الصيغة السورية لـ “فاتح 110″ فهو “إم 600″ صاروخ لمدى 300 كيلو متر يحمل رأسا متفجرا بوزن نصف طن، بناه السوريون وفقا لمعلومات ايرانية. خذوا هذا الصاروخ الذي يوجد في سوريا وفي لبنان، ضعوا عليه جي.بي.أس فاذا بكم تحصلون على صاروخ دقيق يمكنه أن يصيب اصابة مباشرة مبنى عزرئيلي في تل أبيب.
كما أن الايرانيين اخذوا صواريخ “ام 302″ الى مدى بين 90 – 200 كيلو متر (تلك الصواريخ التي ضربت حيفا في 2006)، اضافوا لها مجنحات وجعلوها صواريخ دقيقة قدرتها على التدمير أعلى باضعاف.
التقدير هو ان الايرانيين يحاولون تصدير هذا العلم سواء لسوريا أم للبنان، ولهذا فقد اقاموا هناك مشاغل ومعامل ليركبوا فيها تلك المجنحات التي توجه الصاروخ وتنتج في ايران على الصواريخ والمقذوفات الصاروخية “الغبية”. أما اسرائيل فتكافح ضد هذا اليوم: في المشاغل، في المعامل، في تهريب الصواريخ التي ركبت عليها هذه الاجهزة. هذه هي القصة الحقيقية خلف مصانع السلاح التي اقامها الايرانيون في سوريا وفي لبنان لتحسين تلك الصواريخ للمدى المتوسط والبعيد الذي لدى حزب الله وجعلها صواريخ موجهة بدقة بحيث تخلق كتلة حرجة من الاصابة لاهداف حساسة في اسرائيل، الامر الذي من شأنه ان يشل الدولة ويردعها من مهاجمة لبنان أم ايران.
ان كمية الخسائر وحجم الضرر اللذين تسببت بهما الصواريخ بعيدة المدى، ذات الدقة الادنى، سمحا لسلاح الجو بمواصلة العمل حتى حيال هجوم بالاف الصواريخ التي اطلقها حزب الله. اما في اللحظة التي سيكون فيها لدى المنظمة بضعة الاف من الصواريخ الدقيقة لمدى يتراوح بين 100 – 500 كيلو متر، تغطي اسرائيل من حيفا حتى ديمونه فان كمية الخسائر والاضرار ستتغير بشكل جوهري. ولهذا فان اسرائيل ترى في الصراع الحالي ضد تهريب السلاح موضوعا وجوديا. ولهذا فقد نصب اليها تدمير “مصنع 4.000″ – منشأة التحويل المركزية للصواريخ الدقيقة التي اقامها الايرانيون في بلدة سيف قرب حماة.
ان طرق العمل لمنع اقامة مصانع مشابهة على الاراضي اللبنانية لا تقل نجاعة. وبلا سلاح جو يعمل بشكل حر، لن تنجح اسرائيل في ان تبطيء فما بالك ان تمنع التهديد الجديد المتمثل بتحويل الصواريخ التي لدى العدو الى اكثر دقة. ولهذا فان كل محاولة لردع سلاح الجو من الطيران والعمل في سماء المنطقة هي من ناحية اسرائيل شارة حمراء.