"بلفور" و"أوسلو".. وعدٌ واتفاقية كمّلا سطوة الاحتلال على فلسطين
وكالة قدس برس إنترناشيونال للأنباء
أجمع محللون وسياسيون فلسطينيون، أن ما تعرض له الشعب الفلسطيني من قتل وتشريد واستيلاء على
أراضيهم، هو نتاج" لـ "جريمة كبرى" اقترفتها بريطانيا من خلال "وعد بلفور"، الذي مهّد بعد ذلك لإتفاقيات
التسوية التي سلبت الفلسطينيين ما تبقى لهم من أرضهم وحقوقهم وشرعنت وجود الاحتلال.
واعتبروا أن إصدار "وعد بلفور" والالتزام به على مدار 100 عام "مؤامرة دولية"، إلا أنها لازالت تصطدم
حتى اليوم بإرادة فلسطينية صلبة تصر على الحفاظ على الحق الفلسطيني وترفض ما خلص له الواقع الدولي
من التسليم بقيام دولة للكيان على أرض فلسطين، مشككين في الوقت ذاته من "جدية" السلطة الفلسطينية
بمطالبتها بريطانيا بالاعتذار عن الوعد.
و"وعد بلفور" هو تعهد من الحكومة البريطانية للحركة الصهيونية بإقامة وطن قومي لليهود على أرض
فلسطين، وذلك عبر رسالة أصدرها وزير الخارجية البريطاني آنذاك آرثر بلفور في تاريخ الثاني من تشرين
ثاني (نوفمبر) 1917، موجهة للمليونير البريطاني اليهودي ليونيل والتر روتشيلد.
وكان نتاج هذا الوعد البريطاني إعلان قيام ما يسمى "دولة إسرائيل" في الخامس عشر من أيار/ مايو عام
1948، على حساب شعب فلسطين وأرضه، حيث قامت العصابات الصهيونية بارتكاب عشرات المجازر
والفظائع وعمليات التطهير العرقي والنهب ضد الفلسطينيين، وهدم أكثر من خمسمائة قرية وتهجير أهلها
وتدمير المدن الفلسطينية الرئيسية وتحويلها إلى مدن يهودية.
وعد بلفور السبب المباشر لمعاناة الفلسطينيين
وقال عضو المجلس التشريعي الفلسطيني، باسم الزعارير، إن "وعد بلفور لا زال السبب المباشر لما
يتعرض له الشعب الفلسطيني منذ قيام الكيان المحتل، من خلال تمكين بريطانيا للاسرائيليين احتلال بلادنا".
وقال الزعارير في حديث لـ "قدس برس" اليوم الخميس، إن بلفور أصبح واقع على الأرض يحتاج إلى
تضحيات جسام للتخلص من آثاره، بالرغم من مخالفته للشرائع والقانون الدولية وحقوق الإنسان.
بدوره، أفاد الكاتب والمحلل السياسي، عبد الستار قاسم، بأن مطالبة السلطة الفلسطينية بريطانيا بالاعتذار
"يشير إلى الضعف الفلسطيني والعربي في هذه المرحلة".
وأكد قاسم في حديث لـ "قدس برس" اليوم الخميس، أن "عقاب بريطانيا يجب يكون أقسى وأصعب من طلب
الاعتذار، لكن في ظل هذه المرحلة لا بد من استبعادها تمامًا من التدخل بالقضية الفلسطينية".
واستطرد: "المطلوب منها (بريطانيا) أساسًا أن تتراجع عن كل ما قامت به (في الإشارة لوعد بلفور الصادر
عن زير خارجيتها عام 1917)، وأن تمكن الشعب الفلسطيني من تحرير أرضه".
ولفت القيادي البارز في حركة "فتح" عبد الله عبد الله، النظر إلى أن "بريطانيا لم تستشر الفلسطينيين في
إصدار أو تنفيذ وعد بلفور، ولم تمنحهم الفرصة لتقرير المصير".
وبيّن عبد الله في حديث لـ "قدس برس"، أن اعتذار بريطانيا وحكومتها عن بلفور "لا يكفي"، مطالبًا لندن
بتعويض الشعب الفلسطيني عن الخسائر المادية التي نتجت عن إقامة كيان للاحتلال، والاعتراف بالدولة
الفلسطينية "كجزء من التكفير عن تلك الجريمة".
وتابع: "أصل الجريمة ثابت ولا يزول بتقادم الزمن وتغير الظروف، بل وتبقى بريطانيا مسؤولًا عن الجريمة
التي ارتكبتها والنتائج التي لا زالت ماثلة حتى الآن بالتشريد والتدمير".
واعتبر أن "اتساع الحراك ضد بريطانيا هذا العام جاء بسبب إصرار رئيسة وزراء لندن على أن تحتفل
بمرور 100 عام على وعد بلفور، الذي شكل بداية النكبة المعاصرة".
واتهم الحكومة البريطانية بـ "التنكر للوجود الفلسطيني والعمل على تسريب أراضٍ فلسطينية للمهجرين
اليهود"، مبينًا: "سياسات حكوماتها المتعاقبة ساهمت في تشريد الشعب الفلسطيني وإقامة دولة لليهود".
وأشار إلى أن بريطانيا "خنقت مقاومة الفلسطيني للقرار من خلال القوانين التي رسمتها؛ كقوانين الطوارئ
عام 1945، والأحكام الإدارية التي لا زالت تستخدمها الحكومة الإسرائيلية ضد الأسرى".
اتفاقية أوسلو أسوأ من وعد بلفور
ونوه عضو البرلمان الفلسطيني، باسم الزعارير، إلى أن اتفاق أوسلو؛ "الذي منح الاحتلال 78 في المائة
من أرض فلسطين"، ينسجم مع وعد بلفور وإن استمرت السلطة في رفضه "لكنها تمارس الاعتراف بالكيان
المحتل ويطالبون بحل الدولتين".
وأردف: "الحق الفلسطيني لا يمكن تغييره أو تغييبه بأي اتفاق لا ينسجم مع هدف الخلاص من الاحتلال
والسيادة الفلسطينية الكاملة على هذه الأرض وعودة اللاجئين".
وشدد النائب الفلسطيني على أن "وحدة الشعب وتكاتف مقاومته وفصائله، عنوان التمسك بالحق الفلسطيني،
لذلك لا مستقبل للاحتلال على أرضنا".
من جانبه، قال المحلل السياسي، عبد الستار قاسم، إن اتفاقية المبادئ "أوسلو" التي عقدت ما بين منظمة
التحرير الفلسطينية و"إسرائيل" كانت أسوأ من وعد بلفور "وجاءت تكريسًا له وترسيخًا على أرض الواقع
ومحاولة شرعنة لذلك الوعد وما نجم عنه".
ورأى أن ترسيخ كل "القرارات المُجحفة بحق الشعب الفلسطيني والإقرار بشرعيتها، مرتبط بوعد بلفور
(1917) واتفاق أوسلو (1993)، ودور منظمة التحرير الفلسطينية في الربط بين الحدثين.
وذكر عضو مجلس ثوري "فتح"، عبد الله عبد الله، أن هناك "تحول سياسي وظروف فرضت على
الفلسطينيين لتوقيع اتفاقية أوسلو؛ نجم عنها الاعتراف بإسرائيل، والذي كان يهدف البحث عن تثبيت خارطة
وكيان للفلسطينيين".
وشكك مدير عام مركز الزيتونة للدراسات الاستشارات، محسن صالح، بـ "جدية" السلطة الفلسطينية
ومنظمة التحرير في طلب الاعتذار البريطاني عن وعد بلفور، "خصوصًا وأنها قد وقعت اتفاقية أوسلو التي
تعترف بالكيان الإسرائيلي".
ووصف صالح في مقال له، ما تقوم به السلطة بأنه "تعبير عن المشاعر أو تجاوب إعلامي مع الساحة
الشعبية الفلسطينية".
وأوضح "يحتاج الأمر إلى جهود هائلة منظمة وممنهجة على المستوى الفلسطيني والعربي والإسلامي
والدولي، لتشكيل حالة ضغط غير مسبوقة لحشر النخبة السياسية البريطانية على الأقل في الزاوية".
ونوه إلى أنه "لا ينبغي المراهنة كثيرًا على اعتذار بريطاني في المدى القريب والوسيط، ومع ذلك، فإن أي
جهد يتم بذله الآن في هذا الصدد، يستحق التقدير، فلعله يصب في النهاية في إلزام بريطانيا بالاعتذار للشعب
الفلسطيني".
ويعتبر اتفاق أوسلو الذي تم توقيعته بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في العام 1993، منعطفا مهما
في مسار القضية الفلسطينية، فقد أنهى النزاع المسلح بين الطرفين الموقعين، ورتب لإقامة سلطة وطنية
فلسطينية في الضفة الغربية وغزة.