OCTOBER 31, 2017بعد ست سنوات من نزاع مدمر.. دمشق تحسم الحرب في الميدان لكن المواجهة السياسية مستمرة
بيروت ـ (أ ف ب) – بعد ست سنوات من نزاع مدمر، أمسكت الحكومة السورية زمام المبادرة ميدانياً
باستعادتها أكثر من نصف مساحة البلاد، لكنها لا تزال تواجه تحديين رئيسيين: فك العزلة الدولية عنها
ومطالبة الأكراد بتكريس الحكم الذاتي مستقبلاً.
ويقول الأستاذ الجامعي والباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس كريم بيطار لوكالة
فرانس برس “استعاد النظام عسكرياً السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي السورية، لكن الحديث
عن انتصار سياسي ودبلوماسي سيكون مبالغاً فيه وسابقاً لأوانه”.
ومنذ بدء موسكو قبل أكثر من عامين حملة جوية في سوريا، تمكنت القوات الحكومية السورية تدريجياً من
حسم جبهات رئيسية لصالحها على حساب الفصائل المعارضة والجهاديين على حد سواء.
وباتت تسيطر حالياً على 52 في المئة من أراضي البلاد، حيث يعيش أكثر من ثلثي السكان البالغ عددهم 17
مليوناً، وفق الخبير في الجغرافيا السورية فابريس بالانش.
وتزامن هذا التقدم مع تراجع قوة الفصائل المعارضة وتشرذمها في ظل صعود نفوذ المجموعات الجهادية، ما
عزز مكانة الرئيس السوري بشار الأسد.
ويقول الخبير في معهد التحرير لدراسات الشرق الأوسط ومقره واشنطن حسن حسن لوكالة فرانس برس
“النظام من دون شك ربح الحرب استراتيجياً فلا أحد يريد رحيله”. ويوضح في الوقت ذاته أن “
الحرب لن تنتهي على مستوى العنف والنزاعات العسكرية” إذ “سيكون هناك نوع من العصيان سيستمر
لسنوات عدة، من جهاديين أو غير جهاديين”.
وفشلت المساعي الدولية لتسوية النزاع المستمر منذ العام 2011. وفي محاولة جديدة، تعتزم الأمم المتحدة
عقد جولة مفاوضات بين ممثلين عن الحكومة والمعارضة في جنيف في 28 تشرين الثاني/نوفمبر، ستركز،
وفق ما أعلن مبعوث الأمم المتحدة الى سوريا ستافان دي ميستورا، على صياغة دستور جديد واجراء
انتخابات.
وبشكل مواز، ترعى كل من روسيا وايران، حليفتي الأسد، وتركيا الداعمة للمعارضة محادثات في أستانا
نجحت في تهدئة الجبهات ميدانياً الى حد كبير من خلال إنشاء مناطق خفض توتر. وتكاد هذه المحادثات
تطغى سياسياً على مسار جنيف التفاوضي برعاية الامم المتحدة.
– تغير “المزاج الأوروبي” –
ولطالما شكل مصير الأسد العقبة الأبرز التي اصطدمت بها سبع جولات سابقة من المفاوضات في جنيف، إذ
تتمسك المعارضة برحيله، فيما ترفض دمشق بالمطلق بحث هذا المطلب.
وخلال السنتين الأخيرتين، غضت دول غربية وأوروبية عدة النظر عن مطلب رحيل الأسد، من دون أن تقدم
على فتح قنوات تواصل رسمية معه.
وبحسب وزير الخارجية الأميركية ريكس تيلرسون، فإن “الشيء الوحيد الذي تغيّر.. أن مغادرة الأسد قبل
بدء عملية” السلام في جنيف، “لم تعد شرطا مسبقا”.
وفي تصريحات من جنيف الأسبوع الماضي بعد اتهام الأمم المتحدة دمشق بالوقوف خلف هجوم كيميائي أوقع
87 قتيلاً في خان شيخون، قال تيلرسون “عهد عائلة الاسد وصل الى نهايته، والقضية الوحيدة هي كيفية
تحقيق ذلك”.
ويرى بيطار أن “المزاج قد تغير في أوروبا بشكل كبير في السنوات الأخيرة الماضية” رغم عدم تجدد
العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين.
ويوضح أن “العديد من اللاعبين المؤثرين، من أجهزة استخبارات ومتخصصين في مكافحة الإرهاب،
وأحزاب يمينية، ومصالح اقتصادية.. انفتحوا بالفعل على النظام”، ويمارسون ضغوطاً على دولهم من “
أجل تطبيع العلاقات” مع دمشق.
وبعدما دعمت دول خليجية المعارضة السياسية والمسلحة المطالبة بإسقاط النظام، ابتعد معظمها تدريجياً عن
النزاع.
ويقول مدير أبحاث الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما جوشوا لانديس لفرانس برس “مع مرور الوقت،
جميع جيران سوريا سيطبّعون العلاقات (مع دمشق) إذا استمر الوضع الأمني في الاستقرار”.
ويضيف “سيكون من الصعب عدم حصول ذلك لأنهم يريدون عودة اللاجئين إلى ديارهم واستعادة حركة
التجارة”. وهو ما يظهر من تصريحات دول عدة بينها الأردن الذي اعلن مؤخراً عن “منحى ايجابي”
في العلاقة مع سوريا.
وشهد العام الماضي تقارباً بين تركيا وروسيا ساهم في إنجاح مسار أستانا.
واعتمدت دمشق طوال سنوات النزاع على دعم روسيا وايران الى حد كبير، اقتصادياً وعسكرياً ودبلوماسياً.
ويقول لانديس، في اشارة الى روسيا وايران، “لقد ربحتا الحرب، لكنهما تحتاجان اليوم الى ربح
السلام”.
ويتحدث بيطار عن “تبعية” النظام السوري للحليفين اللذين “لن يسمحا له باتخاذ أي قرارات مهمة من
دون العودة إليهما”، ويسري ذلك بشكل أساسي على حصتهما في إعادة الاعمار.
– الحكم الذاتي الكردي –
الى جانب التحديات الاقتصادية والأمنية والسياسية، يواجه النظام معضلة الحكم الذاتي الكردي.
وعانى الأكراد على مدى عقود طويلة من سياسة تهميش اتبعتها الحكومات المتعاقبة، لكن نفوذهم تصاعد
تدريجياً بعد اندلاع النزاع وصولاً الى اعلانهم النظام الفدرالي الذي يرون فيه الحل الأمثل لمستقبل سوريا،
في المناطق التي يسيطرون عليها في شمال سوريا.
وباتوا يسيطرون راهناً على ربع مساحة البلاد بعد طردهم تنظيم الدولة الاسلامية من مناطق واسعة بدعم
أميركي.
وفي ضوء تصاعد النفوذ الكردي، يعتبر بيطار أنه “سيكون من المستحيل العودة الى نظام الدولة
المركزية” بعد انتهاء الحرب، فيما سيكون تطبيق أي نظام آخر كاللامركزية “مستحيلاً في ظل الظروف
الراهنة”.
ويتطلب ذلك، بحسب رأيه، “مفاوضات مكثفة حول أمور تقنية ومسائل اقتصادية بينها تقاسم الموارد
النفطية، ولا يمكن لهذه النقاشات أن تنجح في ظل غياب الثقة المتبادلة”.
ورغم ان دمشق ترفض بشكل مطلق أي صيغة مستقبلية تهدد وحدة أراضي البلاد، إلا أنها أبدت على لسان
وزير خارجيتها وليد المعلم استعدادها للتفاوض مع الأكراد من أجل إقامة إدارة ذاتية، لكن “ضمن حدود
الجمهورية العربية السورية”.
ويرى لانديس أن الإدارة الكردية هي الوحيدة “القادرة على الاستمرار على المدى الطويل” بمعزل عن
دمشق، لكنه يرجح رغم ذلك أن يحافظ الأسد “على حكومة مماثلة (لتلك الموجودة اليوم) مدعومة من جهاز
أمني منظم”.
ويقول “من شأن أي تغيير مهم أن يقوض حكم الأسد”.