من اغتال رابين حقيقة؟
برهوم جرايسي
تحيي أوساط إسرائيلية الذكرى الـ 22 لاغتيال رئيس الوزراء يتسحاق رابين، على يد الارهابي يغئال
عمير، في مثل مساء هذا اليوم الرابع من تشرين الثاني. والقاتل يقبع في السجن، إلا أن السؤال الدائم، هو:
من فعلا قتل رابين؟ وبأدق: من فتح الأبواب لاغتياله؟. وما يثير هذه السؤال، هو نهج حزبه، والحكومة
التي كان يرأسها بعد الاغتيال مباشرة شمعون بيرس. ومؤشرات أخرى، تعزز ما يراه البعض "نظرية
المؤامرة".
لم يكن رابين "حمامة سلام"، بل أحد جنرالات الحرب الدمويين. فقد كان رئيس أركان الجيش في عدوان
حزيران 1967، وقاد خلال رئاسته الأولى للحكومة في السبعينيات، سياسة دموية واستيطانية. وإبان
انتفاضة الحجر الباسلة، التي انطلقت في نهاية 1987، كان رابين وزيرا للحرب، وهو من وضع سياسة
"تكسير العظام"، بقصد ضرب المنتفضين الفلسطينيين حتى تكسير عظامهم. وقد شهدنا في حينه صورا
وأشرطة، توثق تنفيذ تلك الأوامر الاجرامية.
لم يتجه رابين للاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية، والشروع بمسار أوسلو، برغبة جامحة، أو اعترافا
بحق الشعب الفلسطيني في وطنه. بل كان هذا استنتاج المؤسسة العسكرية ومن ثم السياسية التي أحضرتها
انتخابات 1992، على وقع ما حققته انتفاضة الحجر من ضربات سياسية واقتصادية لإسرائيل، ونجاحها
في خلق رأي عام عالمي مساند للشعب الفلسطيني، ما حاصر إسرائيل عالميا. وإلى جانب هذا، احتياجات
عالمية واقليمية، بدت للإدارة الأميركية في حينه، في أعقاب انهيار المعسكر الاشتراكي، وسعيها للتمدد
أكثر في العالم.
وقبل أن يُقدم رابين على مسار أوسلو، كان قد اعتمد على شبكة أمان برلمانية، من الكتلتين اللتين مثلتا
فلسطينيي 48، لتشكيل حكومته. وكانت تلك المرّة الأولى والوحيدة، التي أنارت الضوء الأحمر أمام
الصهيونية، بشأن مستقبل التوازنات السياسية. وما إذا سيكون فلسطينيو 48 بيضة القبان السياسية لاحقا.
ما استطعنا قراءته واستنتاجه على مر السنين، أن رابين أراد كما يبدو، التقدم بخطوة أو أكثر، مما أرادته
المؤسسة الأمنية، التي كما يبدو أيضا، طرأت عندها تحولات بعد بدء مسار أوسلو، وقررت وقف هذه
المسيرة، ووقف من يقودها.
السؤال الأول الذي يجب طرحه في هذه الفكرة، هو أنه سبق اغتيال رابين، حملة تحريض دموية خطيرة
جدا على رابين، قادتها شخصيات سياسية، من بينها رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو. وكانت التقارير
تؤكد وجود تهديدات على حياة سياسيين وأولهم رابين. فكيف إذا، كانت تلك الحراسة الهشة من حوله في
مهرجان شارك فيه مئات الآلاف، ليتسلل بكل سهولة الارهابي عمير، ويطلق رصاصاته القاتلة؟
ولاحقا تبين أن عمير كان يتحرك ضمن مجموعة مخترقة من المخابرات الإسرائيلية، وأن العميل بينهم كان
يلقب بـ "شمبانيا"، وكان الكشف عنه اضطرارا، بعد مطالبات بمحاكمته، كونه كان ضمن المحرضين في
مظاهرات اليمين المتطرف، حتى تكشّف أمره بعد الاغتيال.
أعين كثيرة اتجهت حينها إلى وزير الخارجية شمعون بيرس. وبأنه في حال كان قرارا مؤسساتيا بفتح
الأبواب لتسهيل الاغتيال، فإن بيرس ليس بعيدا عن ذلك القرار. وعلى مدى سنوات لاحقة، كان سياسيون
يلمحون إلى هذه المؤامرة، من بينهم وزير السياحة البائد رحبعام زئيفي.
قبل أيام قليلة، نشر الكاتب أوري مسغاف مقالا في صحيفة "هآرتس"، يستعرض فيه تراجعات حزب "
العمل" السياسية، وهذا يبرز في شكل ومضامين احيائه لذكرى رئيسه الأسبق رابين. وبضمن ذلك،
يستعرض الكاتب بشكل مقتضب، التحولات السياسية التي أعقبت اغتيال رابين. ومن بينها أن بيرس الذي
تولى رئاسة الحكومة فورا، ضم اليها حزب "المفدال" الديني اليميني المتطرف، المعارض لأوسلو.
ونضيف إلى هذا، أن بيرس أصدر أوامر لارتكاب اغتيالات في صفوف مقاومين فلسطينيين، بضمنهم
ناشطين في حركة حماس، وهو على علم مسبق بأن هذا سيقود إلى تفجير. ولم يمر على توليه المنصب
أربعة أشهر، حتى شن عدوانا واسعا على لبنان، وارتكب خلاله مجزرة قانا.
وكانت كل تلك الأجواء المتفجرة، التي قادها بيرس، قاعدة قوية لعودة حزب الليكود الى الحكم، بزعامة
نتنياهو، ليبدأ تدمير متسارع لمسار أوسلو، الذي وإن نجد قاعدة واسعة تنتقده، بكونه مسارا لا يلبي
تطلعات الشعب الفلسطيني، إلا أنه من ناحية إسرائيلية، فقد كانت صيغته الأولى أشد خطورة على مستقبل
الكيان، وعلى العقلية التوسعية.