لِمَ لَمْ يقم نتنياهو بإدانة زيارة يئير لنوادي التعري؟
يعتقد رئيس الحكومة أن الإسرائيلي العادي لا يرفض أفعال ابنه ويعتبرها أمورا عادية
صحف عبرية
Jan 25, 2018
شمعون دوفنوف، المؤرخ المعروف لتأريخ شعب إسرائيل والمحارب المواظب من أجل حكم ذاتي قومي في الشتات، شعر في عشرينيات القرن الماضي برضا معين من وضع الحقوق القومية ليهود وسط وشرق أوروبا بعد الحرب العالمية الأولى. لقد كان راضيا من أن بعض البنود التي تدافع عن حقوق الأقليات التي تم شملها في أعقاب مؤتمر السلام في فرساي في المواثيق بين دول الاتفاق العظمى والدول المهزومة والجديدة، هذه البنود اعترفت باليهود كأمة، وهو الاعتراف الذي لم يكن موجودا في أوروبا الشرقية والوسطى قبل الحرب.
ولكن منذ بداية الثلاثينيات وما فوق فإن وهم دوفنوف وأتباعه بخصوص المساواة المدنية ـ القومية لليهود في هذه المناطق تبعثر. مواثيق الأقليات انهارت، المزاج القومي في الدول القومية الجديدة و الدول القومية القديمة ـ الجديدة تعزز، وإقصاء اليهود وأقليات قومية أخرى تعمق أكثر من يوم إلى آخر. برغم أنه لا يمكن التوصل إلى استنتاج من مصير اليهود في وسط وشرق أوروبا بين الحربين العالميتين، نطبقه على مكانة النساء في الغرب وفي إسرائيل في هذه الأيام، إلا أنه يصعب التحرر من انطباع أن عددا لا بأس به من المؤيدين والمؤيدات للنضالات النسوية الحالية، يوجدون في حالة نشوة تشبه نشوة دوفنوف وأتباعه في حينه بعد مؤتمر فرساي.
على سبيل المثال نشرت صحيفة «هآرتس» مؤخرا مقال حماسي منقول عن «نيويورك تايمز» عن الاستعدادات الحثيثة والاحتفالية تقريبا لإحياء الذكرى السنوية لمسيرة النساء ضد ترامب. في هذا المقال تم التحدث عن المعنويات المرتفعة وصرخات الانتصار في أوساط المنظمات النسوية في الولايات المتحدة في أعقاب نجاح حملة هشتاغ الاحتجاجية «مي.تو» في ضعضعة كم الأفواه لضحايا التحرش الجنسي ودفع عدد أكبر من النساء إلى النشاط السياسي.
من دون إنكار إنجازات حملة «مي.تو» يبدو أنه مع مرور سنة على الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة فإن الكثير من المناضلات والمناضلين من أجل حقوق النساء والحصول على المساواة والاحترام لم يعطوا بعد الاهتمام المطلوب للمعنى العميق لحقيقة انتخاب ترامب رئيسا، حيث من المؤكد أن عددا كبيرا من مواطنات ومواطني الدولة الذين حتى الآونة الأخيرة طلبوا رفع راية التنور والديمقراطية، وضعوا على رأس الأمة شخصا يتفاخر بموقفه الشوفيني المتطرف.
ولأن الشوفينية الفاضحة له ليس فقط لم يتم إخفاؤها خلال الحملة الانتخابية، بل حتى تم إبرازها أمام الجميع المرة تلو الأخرى. الأمر الذي يعني أن ترامب انتخب ليس برغم الجنسوية واحتقاره للنساء وحقوقهن، بل بالتحديد بفضل ذلك. معنى ذلك أن أمريكيين كثيرين جدا يتماثلون مع شوفينية رئيسهم المنتخب ويأملون استئصال نضال النساء وتعميق هيكلية النوع الاجتماعي.
الفجوة مشابهة بين صورة التقدم المتسارع لنضال النساء والواقع الذي فيه لا وجود لأفكار نسوية في وعي الجمهور الواسع، وهذا ما نلاحظه مؤخرا في إسرائيل. هذا صحيح بشكل خاص على خلفية قضية التسجيل ليئير نتنياهو في الوقت الذي تنقل فيه مع حماية ممولة من الجمهور في نوادي التعري في تل أبيب.
عدد من المحللين المتفائلين في «هآرتس» اعتقدوا أنه لدى معظم الجمهور الإسرائيلي، أثار تصرف نتنياهو الابن الاحتقار الكبير («الشعور بالاشمئزاز قبض أنفاس دولة كاملة»، كتب يوسي فيرتر قبل نحو أسبوعين). ولكن يبدو أن نتنياهو الأب لم يعتقد هكذا. هو في الحقيقة تحفظ من التصريحات القاسية ليئير ضد النساء («علمنا أولادنا احترام المرأة كونها امرأة»)، لكنه حرص على عدم إدانة أعماله ـ أي الخروج للاستجمام في نوادي التعري.
هذا ليس إلا لأن نتنياهو، الذي لا مثيل له بقدرته على حل لغز ما يدور في عقل الإسرائيلي العادي، افترض كما يبدو، أنه في نظر إسرائيليين كثيرين جدا فإن الأمر هنا لا يتعلق أبدا بظاهرة مرفوضة. بالعكس، في نظر هؤلاء الإسرائيليين فإن جعل جسم المرأة شيء، هو جزء من الحقوق الأساسية المقدسة للمستهلك الذكوري الإسرائيلي ـ هكذا لن يخاطر سياسي حذر وعقلاني مثل نتنياهو بقيام الإسرائيلي العادي برفع حاجبيه استغرابا في أعقاب إدانة متهورة لحقوقه الذكورية.
إذا كان الأمر هكذا، وخلافا للتفاؤل المبالغ فيه الذي يظهر في الخطاب النسوي الحالي، يجب الاعتراف بأنه ليس فقط أن الطريق لتعميق عقيدة المساواة في النوع الاجتماعي في أوساط الجمهور الواسع في الغرب وفي إسرائيل ما زال طويلا، بل في الظروف القائمة يمكن أن يكون أطول.
ومثل من يؤيدون حقوق الأقلية القومية اليهودية في شرق ووسط أوروبا بين الحربين العالميتين، هكذا أيضا فإن المتحدثين والمتحدثات باسم النضال النسوي اليوم، يتحدثون باسم أقلية في أوساط المواطنين في دولتهم. أيضا إذا كان الأمر لا يتعلق بالضرورة بأقلية صغيرة ـ لأنه محظور على الأقلية إنكار الواقع وتخيل نفسها في مكان من يسير حثيثا نحو النصر. هذا غير صحيح، فإنكار الواقع يمكن فقط أن يسرع الهزيمة.
دمتري شومسكي
هآرتس 24/1/2018