صناعة الحجر والرخام.. ذهب فلسطين الأبيض يرفد الاقتصاد بـ 141 مليون دولار
تعتبر جبال وتلال الضفة الغربية من شمالها إلى جنوبها غنية بأحجار البناء، تلك المادة الخام التي استُخدمت قديماً في بناء المسجد الأقصى وكنيسة المهد، تحوّلت اليوم إلى نفط فلسطين الأبيض، وساهمت في دعم اقتصادها المحلي ورفعت ناتجها القومي، واستطاعت رغم قلة الإمكانيات وكثرة المعيقات أن تشق طريقها نحو الأسواق العالمية، وأن تخطب وُدّ أكثر من 60 دولة.ووفقاً لمعطيات رسمية صادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء، فإن "حجر البناء" تصدّر قائمة أكثر عشر سلع فلسطينية تم تصديرها إلى الأسواق الخارجية خلال عام 2016، بقيمة فاقت الـ 141 مليون دولار أمريكي، من مجموع 410 مليون دولار، هو قيمة الصادرات الفلسطينية خلال العام الماضي، في حين جاءت مادة ” الأكياس البلاستيكية” كثاني أعلى السلع تصديراً، بقيمة بلغت 46 مليون دولار.
وتشكل محافظة الخليل، ثقلاً لصناعة الحجر والرخام وتعتبر مخزوناً استراتيجياً لهذه المادة التي تتركز في مناطق: "سعير" و"الشيوخ"و"بني نعيم" و"يطا" و"تفوح"، أما قباطيا جنوبي جنين وجماعين قرب نابلس فتعتبر من أكثر المناطق مخزوناً لهذه المادة في شمال الضفة.
محرك اقتصادي ومسؤولية اجتماعيةفي حديث لـ "قدس برس"، ذكر مدير مركز الحجر والرخام في جامعة البوليتكنك بالخليل، المهندس جواد الحاج، أن عدد المنشآت التي تعمل في مجال استخراج الحجر وصناعته تجاوزت الـ 1200 في الضفة الغربية وحدها، ما بين مصنع وورشة صغيرة ومنشار حجر وكسارة تتعامل مع مخلفات الحجر، لافتاً إلى أن الأعداد تتغير بشكل دائم، بين زيادة ونقصان.
ويقدر عدد العاملين في هذا القطاع ما بين 15 - 20 ألف بين عامل وفني ومهندس يعملون بهذه الحرفة بشكل مباشر وغير مباشر.
في حين يبلغ حجم الإنتاج السنوي من الحجر 15 مليون متر مربع، يذهب نصفه للأسواق الإسرائيلية، بينما تستهلك أسواق الضفة ما نسبته 35 في المائة من المنتج، و3 في المائة لقطاع غزة، و12 في المائة يشق طريقه تصديراً نحو الخارج.
ويشير الحاج، إلى أن الحجر الفلسطيني أصبح يصل اليوم إلى أكثر من 60 دولة عربية وأجنبية، أبرزها الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا والصين والإمارات العربية وبقية دول الخليج.
وإلى جانب الدور الاقتصادي، يأخذ هذا القطاع على عاتقه مسؤولية اجتماعية عبر مساهمته في دعم بناء عدد من المقرات الحكومية والمستشفيات والمساجد والمدارس، ويقدم تبرعات عينية ومادية، لعدد من الجمعيات الخيرية، بحسب القائمين عليه.
وعن ميزات الحجر الفلسطيني، فيقول الحاج لـ "قدس برس"، "إن الفحوصات المخبرية التي أجراها مركز الحجر والرخام على أكثر من 6 عينات تم أخذها من مواقع مختلفة في الضفة، أثبتت أن الحجر المحلي يحمل تصنيفاً بدرجة (A) حسب المقياس العالمي ويتناغم من المواصفات الأمريكية من حيث المعايير الفيزيائية، كنسبة الامتصاص والصلابة ومقاومة التآكل وتحمل البرودة الشديدة و الحرارة العالية ".
ويتابع "أصبح الحجر الفلسطيني يتمتع بسمعة جيدة في العالم ويعود ذلك إلى مكانته الوجدانية أولاَ كونه مستخرجاً من الأراضي المقدسة، هذا بالإضافة إلى ألوانه المختلفة كالأبيض والأصفر والكريمي والأسود وغيرها من الألوان الفرعية، وهذا يعطي خيارات متعددة للزبائن".
أما عن أفضل أنواع الحجارة في الضفة، فيؤكد الحاج على أن "لكل حجر صفة تميزه عن غيره، فبعض الحجارة تصلح لاستخدامها في واجهات المنازل والعمارات والأدراج والعمدان، وبعضها للديكور الداخلي وتجهيز المطابخ والحمامات، وبعضها الآخر ينصح باستخدامه للأرضيات".
وبخصوص الآثار السلبية لمعامل الحجارة ودورها في تلوث البيئة، فيوضح الحاج: "هذه الصناعة كأي صناعة أخرى ينتج عنها مخلفات متعددة، غير أن القائمين عليها يحاولون بطرق شتى تقليل الأضرار الناجمة عبر تركيب فلاتر لمعالجة المخلفات السائلة، هذا عدا عن أن غالبية هذه المعامل تقع في مناطق جبلية بعيدة نسبياً عن السهول الزراعية والأماكن السكنية".
معيقات ومستقبل قاتممن جانبه، تحدث الرئيس التنفيذي لاتحاد صناعة الحجر والرخام، المهندس ماهر حشيش، عن أبرز المعيقات التي تعترض نمو هذا القطاع الهام، والتي يرتبط بعضها بالوضع السياسي العام والبعض الآخر بالعوامل الفنية والإدارية.
وبحسب حشيش؛ فإن إسرائيل تمنع العمل في المناطق المصنفة (C) التي تشكل 60 في المائة من مساحة الضفة، وهذا يعني عدم الاستفادة من مساحات شاسعة تحتوي على الحجر والرخام بكميات وافرة، عدا عن الإجراءات المعيقة على المعابر والحدود وعند التصدير الخارجي.
ويضيف في حديثه لـ "قدس برس"، "أما إذا أردنا الحديث عن المعيقات الداخلية فهي كثيرة ومتعددة الأشكال، من بينها غياب التخطيط الاستراتيجي وتأهيل المناطق الصناعية وارتفاع أثمان الكهرباء والمياه، وعدم شق طرق مناسبة للوصل إلى معامل الحجر، والتي في أغلبها خطيرة وضيّقة".
ويشير إلى أن غالبية هذه المحاجر ذات طابع عائلي غير متطورة ولا تواكب التكنولوجيا الحديثة في عملياتها المختلفة ولمعرفة حجم المخزون وفي إدارة المنشأة، إضافة إلى مشاكل أخرى لها علاقة بالتسويق وعدم توفر نظام صيانة مناسب.
وفيما يتعلق بالدور الرسمي الذي تلعبه البلديات والوزارات المختصة في دعم هذه الصناعة، يقول حشيش "إنها مقصرة بكل أسف، حيث لا تزال تنظر إلى هذا القطاع الهام نظرة رقابية بهدف جباية الأموال والضرائب لا نظرة تطويرية أو داعمة، باختصار لا يوجد هناك بيئة محفزة لهذا القطاع".
ويسرد منتقداً "بكل أسى الحكومة والبلديات تتنصل من مسؤولياتها، فبدل أن تعمل على حل مشاكل هذا القطاع تركت أصحابه وحيدين، وبدل تشجيعهم تشن هجوماً غير مبرر عليهم وتدعوا لإغلاق بعض المحاجر (...) يؤسفني القول إن المستقبل يبدو قاتماً ولا يبعث على التفاؤل".