ثلاثة أحداث رجحت كفة الصهيونية على الفلسطينيين وشقت الطريق للنكبة
وديع عواودة:
الناصرة – «القدس العربي»: يزعم كتاب إسرائيلي جديد أن ثلاثة أحداث حسمت الصراع على فلسطين عام 1948
لصالح الحركة الصهيونية وشقت الطريق للنكبة. متجاهلا دور وعد بلفور والانتداب البريطاني وغيره من العوامل يرى أن
هذه الأحداث كانت كافية لحسم المواجهة، وهي احتلال قرية القسطل غرب القدس، ومذبحة دير ياسين والمعركة في محيط
مستوطنة «مشمار هعيمق» على الطرف الغربي لمرج بن عامر داخل أراضي 48 في مطلع أبريل/ نيسان 1948 وفيها
انهزم جيش الإنقاذ أمام القوات الصهيونية.
في كتابه «إما نحن أو هم» يتوقف الصحافي الإسرائيلي داني روبينشتاين عند شخصية ونضالات قائد «الجهاد المقدس»
الشهيد عبد القادر الحسيني وعند احتلال قرية القسطل التي استشهد بجوارها ويروي تفاصيل عن المعركة على باب
الواد».
استشهاد الحسيني في القسطل وما تلاه من أحداث في اليوم التالي يرمز برأي الكاتب الإسرائيلي الى نقطة تحول أدت
لانتصار صهيوني وهزيمة فلسطينية. وبقوله «الأحداث في اليوم التالي» يقصد مجزرة دير ياسين التي وقعت خلال
انشغال الكثير من المناضلين الفلسطينيين بتشييع جثمان الحسيني في القدس مما أتاح للمنظمات الصهيونية الاستفراد بدير
ياسين في التاسع من أبريل/ نيسان وتوظيف نتائجها للدعاية ولترهيب الفلسطينيين ودفعهم للهجرة فسقطت طبريا وحيفا بعد
نحو أسبوعين. وعن طريق استعادة فصول سيرة عبد القادر الحسيني، يصف الكتاب الطريق الذي قاد الفلسطينيين للنكبة
عشية ذكراها السبعين.
روبينشطاين الذي يبلغ بعد أيام الثمانين من عمره عمل صحافيا للشؤون العربية بالأساس طيلة 50 عاما في صحيفتي «
دفار» و «هآرتس» واليوم في صحيفة «كلكاليست» الاقتصادية. ويعتبر أن عبد القادر الحسيني شخصية كاريزماتية
نادرة. ويقول إنه كان بمقدوره أن يصبح طبيبا أو محاميا كبيرا أو رجل أعمال ناجحا لكنه آثر العمل العسكري والدفاع عن
فلسطين بعد إنهائه تعليمه في جامعة القاهرة. ويشير الكتاب الى دوره في الثورة الفلسطينية الكبرى 1936 الى 1939
ولانتقاله لمحاربة الاستعمار البريطاني في العراق بعد انتهاء الثورة الفلسطينية المذكورة.
كما يشير للكراهية المتقدة لدى عبد القادر الحسيني للحركة الصهيونية وللأنظمة العربية التي اتهمها بخيانة فلسطين. ويروي
الكتاب الإسرائيلي كيف قاد الحسيني قواته في مطلع 1948 وأحبطوا محاولة القوات الضاربة للهغاناه (البلماح) مساعدة
المستوطنات في المنطقة وكيف تغلب عليها وقتل كل عناصرها. بيد أن روبينشطاين يتهم قوات الحسيني بالتمثيل بجثث
الجنود الإسرائيليين، ويقول إن قائد القوات الصهيونية المذكورة عوزي نركيس كان قائد منطقة المركز في الجيش
الإسرائيلي خلال حرب 1967 وإنه انتقم لرفاقه وأمر بتفجير بيوت قرية بيت صوريف.
شارك رابينوفيتش بنفسه بالعملية ويقر باستخدام كمية كبيرة من المتفجرات دون أن يتطرق لعدد الضحايا والإصابات.
كما يستعرض الكتاب زيارة الحسيني لدمشق وعودته خائبا من الجهات العربية لعدم تلبية طلبه بالحصول على السلاح بالكمية
والكيفية التي رغب بها. ويتابع «بعد أسبوع من عودته لدمشق وصل عبد القادر لقرية القسطل الاستراتيجية المشرفة على
كل الطريق من وإلى القدس وفي تلك الليلة شاهد جنديا من الهغاناه، مئير كرميول، هيئة شخص فظن أن أمامه يهوديا
وعندها قال بلهجة ثقيلة : مرحبا يا جماعة، فاعتقد الحسيني أن أمامه أحد الفراري البريطانيين ممن انضموا للفلسطينيين
فبادله التحية بالقول بالإنكليزية «هلو بويز» وعندها أدرك كرمينول أن من يمثل أمامه جندي عربي فسارع لإطلاق النار
عليه وقتله وكان في الثامنة والثلاثين من عمره وبعد ساعات قتل هو نفسه في المواجهات.
وفي الساعات الأولى لم يعرف اليهود أنهم قتلوا عبد القادر الحسيني وكذلك الفلسطينيون . ويروي روبينشطاين أن قوات «
الجهاد المقدس» شنوا هجمة واسعة في الصباح بعدما فهموا أن قائدهم مفقود فقتلت 39 جنديا إسرائيليا وتمكنت من احتلال
منطقة القسطل مجددا». ويزعم الصحافي الإسرائيلي أن سكرتير اللجنة القومية العربية في القدس أنور نسيبة قال له «
إنه عندما التقى ببعض مقاتلي الجهاد المقدس خلال تشييع جثمان عبد القادر الحسيني سألهم: من عينتم بدلا منكم في منطقة
القسطل وعندها أجاب أحدهم: نعم. استبدلونا اليهود».
يشار الى أن المؤرخ العسكري الإسرائيلي البارز أوري ميليشتاين، كتب ما هو مشابه لرواية روبينشتاين قال فيها «قبل
طلوع الفجر صعد إلى القسطل عبد القادر الحسيني، ونائبه كمال عريقات ومرافق ثالث، ووصلوا في الرابعة فجرا إلى
القمة، ولاحظهما على بعد 30 مترا الضابط مئير كرميول الذي استيقظ من نومه في شرفة البيت، وغازيت وسلمان اللذان
أنهيا تفكيك العبوات وعادا إلى الموقع. واعتقد كرميول أن عبد القادر وزملاءه هم قصاصو أثر من «البلماح» الصهيونية،
فقال لهم بالعربية: «اصعدوا يا جماعة»، بعد ارتدائه الزي العسكري البريطاني ووضع الخوذة. ومن الجانب المقابل اعتقد
عبد القادر أن كرميول جندي بريطاني هارب، قائلا «هالو بويز». اعتقد سلمان وغازيت للحظة أن الثلاثة هم من جماعة
تبنكين، ولكن عندما سمع سلمان الأصوات صرخ»مئير، إن هؤلاء عرب»، وفهم كرميول ذلك وأطلق عليهم النار.
ميليشطاين روى ذلك في عدة كتب له استذكر الرواية هذه قبل شهور في ظل الجدل حول ما وصفها بـ «كذبة طهارة السلاح
الإسرائيلي» عقب إعدام الشاب عبد الفتاح الشريف من الخليل برصاصة في الرأس وهو جريح. وقتها قال ميليشطاين
لإذاعة تل أبيب عن الماضي والحاضر وأشار إلى أن جرائم إعدام إسرائيلية وقعت وبقيت طي الكتمان لعدم وجود كاميرا
بعكس حادثة قتل الشريف. وتابع ميليشطاين وقتها «لم يهتم أحد من النخبة الإسرائيلية بموضوع أن عبد القادر الحسيني
الذي أطلق النار على رأسه وهو مصاب ويطلب الماء»، داعيا «أولادهم وأحفادهم لأن يتذكروا ذلك».
روبينشتاين الذي يتساوق مع الرواية التاريخية الصهيونية للنكبة يقول إنه سمع بعض الفلسطينيين في رام الله يشكون أن
العرب خانوا فلسطين في الماضي وفي الحاضر باعوهم لإسرائيل ويتورطون بالتسابق للتطبيع معها. ويضيف هذه عبارات
رددها عبد القادر الحسيني فور عودته من دمشق عام 1948 وقد رددها الراحل ياسر عرفات لاحقا خلال لقاءاتي المتكررة
معه».
وبمناسبة صدور الكتاب أجرت القناة الإسرائيلية العاشرة لقاء مع روبينشطاين أمس فقال «إن الفلسطينيين يحبطون وهم
يرون 350 مليون عربي ولم يتغلبوا بعد على بضعة ملايين يهودي من البلاد. لكننا نحن كإسرائيليين أيضا عاجزون في هذا
الصراع معهم». وأضاف: «نحن نتدحرج نحو دولة واحدة بين نهر الأردن والبحر المتوسط وهذا أمر مرعب، لكن هذا
ما يحدث، فالبلاد رقعة جغرافية صغيرة ومزدحمة جدا وفي حال رغبنا بتطبيق خطة (الرئيس الأمريكي الأسبق بيل) كلينتون
للتسوية سيمتد جدار الفصل حول القدس وحدها على طول 800 كيلومتر. ويؤكد أن الفجوات الاقتصادية بين الإسرائيليين
والفلسطينيين ستسقط الجدران، لافتا لوجود عدد كبير من المصانع الإسرائيلية داخل الضفة الغربية تنتج بواسطة قوى عاملة
فلسطينية منتوجات كثيرة ومتنوعة.