دراسة: سيناريوهات وخريطة مصالح إسرائيلية للتأثير على مستقبل سورية
تحرير : بلال ضاهر
مستقبل سورية والوجود الإيراني فيها في مركز الاهتمامات الأمنية والإستراتيجية لإسرائيل، التي تسعى إلى التنسيق مع الولايات المتحدة وروسيا والأردن وجهات سورية محلية أيضا، وسط ترجيح أن حل الدولة الفدرالية هو الأكثر احتمالية، رغم ذلك، تبدو إسرائيل كمن تتلمس طريقها في "الظلام السوري".
يتركز اهتمام إسرائيل الأساسي، من الناحية الأمنية، على سورية، وخاصة مستقبل سورية، الذي ما زال غير واضح رغم تراجع المعارضة المسلحة عن مناطق كانت تسيطر عليها لصالح النظام وحليفيه الأساسيين، روسيا وإيران. وفي الوقت الذي تعلن فيه إسرائيل إنها لا تريد التدخل في سورية، غير أنها تسعى إلى التدخل في المحادثات الجارية حول مستقبل سورية وحول اتفاقات وقف إطلاق نار في مناطق سورية.
ليس واضحا، حاليا، ما تخطط له إسرائيل من أجل أن تؤثر على مستقبل سورية، وأيضا على شكل انتشار قوات النظام وقوات حلفائه، خاصة إيران، داخل الأراضي السورية. لكن وزير الأمن الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، اعتبر في تصريح أطلقه أول من أمس، الثلاثاء، أن احتمال الحرب وارد، وهذا من نوع التصريحات التي تتكرر في إسرائيل، لكنه اعتبر أنه "في الحرب المقبلة في الشمال لن تكون هناك جبهة لبنان. ستكون هذه جبهة واحدة، جبهة الشمال (المؤلفة من) سورية ولبنان معا". رغم ذلك، تبدو إسرائيل كمن تتلمس طريقها في "الظلام السوري".
ورأت دراسة جديدة صدرت عن "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، مؤخرا، أن "نهاية الحرب لا تظهر في الأفق". وأشارت الدراسة، التي صدرت بعنوان "سورية: من دولة إلى منظومة هجينة – التأثيرات المترتبة على إسرائيل"، إلى أن "سورية التي عرفناها تغيرت بالكامل منذ بدء الحرب". وأضافت أن الحرب التي تسببت بتفكك المنظومة السياسية والعسكرية في سورية "ستكون العامل الإستراتيجي المركزي الذي سيرسم النظام السياسي المستقبلي، وأحد أبرز المؤشرات على ذلك هو نشوء مناطق وجيوب داخل سورية وتسيطر عليها جهات مختلفة، لديها مصالح متناقضة.
وبحسب هذه الدراسة، فإن أية تسوية في سورية ستعبر عن "تجميد وضع معين لتوازن القوى الداخلي وللدعم الذي تمنحه جهات خارجية، لكن التهدئة ليست مضمونة". وتوقعت الدراسة استمرار الصراع المسلح لسنوات. ومن الجهة الثانية، توقعت الدراسة أن "الجهات المحلية في سورية ستواجه صعوبة بالانفصال عن الأوصياء عليهم (أي الدول التي تمولهم)، الإقليميين والدوليين. ولذلك يبدو أنه ستنشأ في سورية منظومة سياسية معقدة يندمج فيها حكم مركزي ضعيف ومراكز قوة محلية قوية إلى جانب تدخل جهات خارجية إقليمية ودولية بشكل كبير".
عوامل تأثير وسيناريوهات
تقول الدراسة إن ثمة خمسة عوامل إستراتيجية تؤثر كثيرا على بلورة اتجاهات التطور المحتملة في سورية وبلورة سيناريوهات محتملة:
العامل الأول هو التطورات في ساحة القتال بين قوات النظام والمعارضة المسلحة؛ العامل الثاني هو حجم ونوعية التدخل الروسي في سورية؛ العامل الثالث هو حجم التدخل الإيراني في بلورة مستقبل سورية، وبضمن ذلك مستوى التعاون بين روسيا وإيران؛ العامل الرابع هو مستقبل تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) والحرب ضدها؛ العامل الخامس هو مدى استعداد وقدرة تنظيمات المعارضة المسلحة على الوحدة وإنشاء تحالف فيما بينها.
كذلك استعرضت الدراسة خمسة سيناريوهات محتملة مستقبلية، توصل إليها الباحثون في المعهد، ورأوا أن مدى احتمال تحققها يختلف بين سيناريو وآخر:
أولا، "حكم علوي": روسيا وإيران تسعيان إلى الحفاظ على بقاء النظام، سواء بوجود الأسد أو بدونه، من أجل استمرار تأثيرهما في سورية. وبحسب الدراسة، فإن هذا السيناريو لا يتطابق مع المصلحة الأميركية في الأمد البعيد، لكن الولايات المتحدة لن تحاول عرقلة استمرار الحكم العلوي شريطة أن يرحل الأسد في نهاية "المرحلة الانتقالية"، التي تتم خلالها بلورة نظام متفق عليه في سورية. وفي موازاة ذلك، يتوقع معارضة شديدة من جانب المعارضة السورية لاستمرار نظام الأسد القمعي، كما أنه يصعب توقع إلقاء المعارضة المسلحة لسلاحها
ثانيا، "حكم سني": توقعت الدراسة أن حكما كهذا هو "حلم بعيد عن الواقع"، وأن تحقيقه يصبح محتملا فقط في حال توحدت التنظيمات المسلحة المعارضة. وحتى لو توحدت، فإنه يتوقع حدوث توتر داخلي فيما بينها حول طبيعة النظام في المستقبل، وما إذا سيكون علمانيا ديمقراطيا أو إسلامي – سياسي أو إسلامي – سلفي. وتقول الدراسة إن روسيا قد توافق على وضع كهذا في حال حققت من خلاله سيطرتها غير المحدودة على مواقعها الإستراتيجية في البحر المتوسط، وخصوصا ميناء طرطوس وقاعدة حميميم الجوية، إضافة إلى استمرار تأثيرها في سورية. لكن إيران ستعارض سيناريو كهذه، وستحاول ألا تسمح بنشوء "نظام سني". في المقابل، توقعت الدراسة أن تؤيد الولايات المتحدة "حكومة سنية" يقودها الإخوان المسلمون، كما تركيا ستفضل سيناريو كهذا، شريطة منع قيام حكم ذاتي كردي في شمال سورية. ورأت الدراسة أن المواطنين السوريين سيقبلون بـ"هوية سنية للدولة" ولكنهم سيطالبون بأن تكون هذه دولة ديمقراطية وليبرالية وإنهاء قمع الدولة.
ثالثا، دولة فدرالية: تعكس هذه الفكرة اعترافا بسيطرة مجموعات مختلفة في مناطق في سورية وأنه ليس بإمكان أي من هذه المجموعات القضاء على المجمعات الأخرى، ومن خلال الاتفاق على الحفاظ على سورية كدولة واحدة. وتوقعت الدراسة أن يتم طرح هذه الفكرة في حال أيدتها روسيا والولايات المتحدة، بعد توصلهما إلى قناعة بأن لا يوجد حل آخر لوقف الحرب. رغم ذلك، فإن التوقعات هي أن فدرالية كهذه ستكون ضعيفة بسبب العداء الهائل بين المجموعات الدينية والإثنية في سورية بعد سنوات الحرب الضروس الستة.
رابعا، حكم ذاتي: اعتبرت الدراسة أن انعدام إمكانية للاتفاق على وقف إطلاق نار والانتقال إلى عملية سياسية لبلورة مستقبل الدولة من شأنه أن يقود إلى نشوء وضع مؤقت، قد يستمر لفترة طويلة، ويتم من خلاله التعبير عن الواقع السوري الراهن، أي أن تكون الدولة مقسمة إلى عدة كيانات دينية وإثنية منفصلة، بحيث تكون حدود كل كيان بناء على توازن قواته العسكرية، وهذا الوضع يمكن أن يقود إلى نظام فدرالي. وقد تلعب روسيا دورا مركزيا في تحقيق سيناريو كيانات الحكم الذاتي على خلفية علاقاتها مع النظام الحالي ومن أجل الحفاظ عليه في منطقة الساحل السوري ومحاولة توسيعه ليشمل محور حلب – دمشق، في موازاة تطلعها إلى التوصل إلى تفاهمات ثنائية مع كل واحدة من وحدات الحكم الذاتي. واستدركت الدراسة أن محاولة تقسيم سورية إلى مناطق طائفية هو أمر بالغ التعقيد إلى درجة الاستحالة، بسبب توزيع النظام الحالي لمواطنين علويين في أنحاء الدولة.
السيناريو الخامس، استمرار الحرب: اعتبرت الدراسة أنه كلما مر الوقت تزايدت احتمالات استمرار الحرب بقوة متغيرة ويتضاءل احتمال تأسيس سورية جديدة وموحدة. وأشارت إلى أن أحد أسباب ذلك هو وجود مصلحة لجهات خارجية باستمرار الحرب، وأنه "تدور في سورية حروب كثيرة، لكن الحرب المركزية بينها هي بين الإسلام السني برئاسة السعودية والإسلام الشيعي برئاسة إيران"، إضافة إلى أنه "بالنسبة للسعودية وإيران والإمارات الخليجية وربما أيضا لروسيا وأوروبا مريح أكثر أن حروب العالم تجري خارج بلادهم... وإذا تحقق سيناريو استمرار القتال، فإنه يتوقع أن تستمر روسيا وإيران في منح المساعدة النشطة والمكثفة لنظام الأسد، بينما ستواصل السعودية والدول السنية دعم منظمات المتمردين السنة، وبينها التنظيمات السلفية – الجهادية. ويرجح أن تواصل الولايات المتحدة التركيز على القضاء على الدولة الإسلامية".
مصالح إسرائيل في سورية
عددت الدراسة المصالح السياسية – الأمنية الإسرائيلية في سورية كالتالي:
أولا: ضمان الهدوء الأمني والاستقرار في الجبهة الشمالية لإسرائيل، ووجود عنوان مسؤول في سورية يكون بالإمكان بلورة قواعد لعبة معه، وإبعاد جهات "سلبية" وتقوض الاستقرار عن هضبة الجولان المحتلة، ودق إسفين بين النظام وحزب الله.
ثانيا: منع استقرار إيران السياسي والعسكري وأذرعها في سورية وتقليص تأثيرها على بلورة سورية من الناحية الجغرافية والحكم والعسكرية. وقالت الدراسة أن إصرار سياسي من جانب إسرائيل على ذلك لن يكون كافيا، وأنه يتعين على إسرائيل أن "تظهر حزما في ممارسة القوة واستعدادا ’لكسر القواعد’ من أجل منع نشر قوات إيرانية وميليشيات موالية لها في جنوب سورية".
ثالثا: تنسيق إستراتيجي مع الولايات المتحدة بخصوص مستقبل سورية، وحضها على تدخل متزايد في عملية التسوية في سورية وتوسيع المصالح الأميركية هناك لتشمل قضايا تتعدى تفكيك "داعش". وبحسب الدراسة، فإن تنسيقا إسرائيليا – أميركيا كهذا سيشكل ثقلا مضادا للهيمنة الروسية، في حال وافقت على دور إيراني في سورية.
رابعا: الحفاظ ودفع التفاهمات الإستراتيجية والتنسيق العسكري مع روسيا من أجل منع مواجهات. بهذا تريد إسرائيل ضمان "حرية" نشاط طيرانها الحربي في الأجواء السورية، وأخذ مصالح إسرائيل بالحسبان في المفاوضات حول مستقبل سورية، ولجم نشاط إيران وأذرعها في سورية.
خامسا: الحفاظ على "حرية" العمل العسكري في سورية ولبنان وأجوائهما، وجمع المعلومات الاستخبارية فيهما والاستعداد للحرب المقبلة ضد حزب الله وإحباط نقل أسلحة إلى لبنان.
سادسا: إنشاء حيز تأثير إسرائيلي في جنوب سورية، والافضل أن يتم ذلك بالتنسيق مع الأردن، من أجل ضمان بيئة مستقرة وهادئة ومنع استقرار جهات متطرفة، مثل "داعش" وقوات إيران وحزب الله.
سابعا: تقديم مساعدة للولايات المتحدة والتحالف الدولي في الحرب ضد "داعش" من أجل القضاء على هذا التنظيم، وأن تكون هذه المساعدات بالأساس على شكل معلومات استخبارية وخبرات عسكرية.
وأوصت الدراسة بأن تطالب إسرائيل، في حال بلورة "خريطة طريق" لتحويل سورية إلى دولة مستقرة، بطرد الأسد من رئاسة الدولة، حتى لو كان ذلك بثمن بقاء الحكم بأيدي الطائفة العلوية.
وفي المقابل، أوصت الدراسة بأن تسعى إسرائيل إلى التنسيق مع جهات داخل سورية وصفتها بـ"الإيجابية"، مثل "الجيش السوري الحر، مجتمعات محلية، مجموعات إسلامية براغماتية وأقليات مثل الدروز". واعتبرت أنه على ضوء القدرات الجوية العسكرية الإسرائيلية والأردنية، فإنه بإمكانهما "إقامة منطقة حظر طيران في مناطق محددة وتوفير غلاف دفاعي لجهات تتعاون معهما".
وخلصت الدراسة إلى أنه "من خلال تحليل الواقع في سورية يتبين أن حل الفدرالية – الهجينة هو الأكثر احتمالا. والسبب المركزي لذلك هو أنه على الرغم من احتمال وجود حكم مركزي، إلا أن سورية لن تعود لتكون وحدة متجانسة ذات حكم مركزي شرعي وفعال يفرض سيادته على جميع مناطق الدولة. وفعليا، يتوقع أن تدير سورية مراكز قوى مختلفة، جيوب سنية وكردية إلى جانب مناطق تسودها فوضى أكبر وقدرة أقل على الحكم، تتحرك بين علاقة تنافس وتعاون مع الحكم المركزي... وإسرائيل مطالبة بإيجاد قنوات تأثير ممكنة ومتنوعة توفر ردا لهذه المنظومة المعقدة التي لا يوجد فيها عنوان مسؤول واحد وما زالت تسمى ’سورية’".