أزمتنا عام 1989 والأزمة المالية العالمية
زيان زوانه
يرجع البعض أزمة عام 1989 إلى الإنفاق الحكومي المتزايد على مدى سنوات طويلة الذي خلف مديونية
عالية على الخزينة، واستمراء وزراء المالية المتتابعين للاقتراض من البنك المركزي.
ويرجع بعض آخر الأزمة إلى رغبة الحكومات في تنمية المملكة والتي تحتاج بالطبع إلى تمويل وذلك على
مدى فترة زمنية تراكمت فيها المديونية على الخزينة.
وهناك من يرجع الأزمة إلى مؤامرة على الأردن حاكتها قوى أحسنت فن التآمر عندما استغلت الوضع
الاقتصادي المتردي عموما والمالي والنقدي خصوصا تمهيدا لإحداث تغييرات في الإقليم. وللأمانة فقد
أعرب قلائل لا يتعدون أصابع اليد الواحدة عن وجهة نظرهم هذه في حينه لكنهم لم يجدوا من يسمع آنذاك،
وترسخت عندهم نظرية المؤامرة فيما بعد عندما توالت الأحداث فعليا في المنطقة من غزو العراق للكويت
وحيثياته، ومؤتمر مدريد للسلام وسرعة إعداده وكأن الأحدات كانت تتم وفقا لسيناريو سبق وتمت كتابته بتأن
وإتقان.
ولسنا في معرض تغليب وجهة نظر على أخرى، فقد تكون كل تلك الأسباب مجتمعة، خاصة أن "بنك
البتراء" الذي كان يترأسه ويديره فعليا آنذاك "أحمد الجلبي" كان يقوم بممارسات مصرفية أثارت مخاوف
البعض في البنك المركزي، والتي عرضوها في حينه على أصحاب القرار في البنك الذين لم يتوقفواعندها.
كذلك، فقد كان الدور الذي لم يعد سرا وقام به "أحمد الجلبي" لاحقا في التحضير لاحتلال العراق في عام
2003 ما يشحن عواطف المؤيدين لنظرية المؤامرة.
ومن أبرز الممارسات المصرفية التي كان يقوم بها "بنك البتراء" في تلك الفترة التساهل في تقديم
التسهيلات الائتمانية والتوسع الكبير في منحها، ورغبته الجامحة في زيادة حصته في السوق المصرفي
الأردني على حساب نوعية محفظته من القروض، والتخطيط للسيطرة التدريجية على أكثر من بنك أردني
نجح في بعضها عندما سيطر فعليا على "بنك الأردن والخليج"، والسيطرة على سوق الصيرفة الذي كان
يقتصر آنذاك على الصرافين المرخصين من دون البنوك التجارية، والمتاجرة بالعملات الأجنبية من خلال
بعض شركات الصرافة التي أصبحت تعمل لحسابه، وتأسيس شبكة من الشركات التي كانت منفذا وواجهة
يمنحها التسهيلات الائتمانية لتبدو عمليات ائتمانية عادية، وتوريط المواطن الأردني بالبطاقات البلاستيكية
والاستدانة عليها، مع إبراز أعماله هذه وعلى كافة المستويات وكأنها خدمة للاقتصاد الأردني.
جرفت الأزمة أمامها البنك المركزي الأردني وأفقدته أغلى أسلحته التي يستعملها في تحقيق أهدافه عندما
ظهر بوضوح عجزه عن تزويد السوق المحلية بحاجته من العملات الأجنبية وعجزه عن المحافظة على
استقرار سعر صرف الدينار وكبح جماح التضخم.
ولم تكن الحكومة بأحسن حال من البنك المركزي فقد أربكتها الأزمة وأظهرت عجزها عن مواجهتها وفهم
طبيعتها وانعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية، مما جعلها ترجع سبب الأزمة إلى قيام
شركات الصرافة العاملة في السوق بالمضاربة على الدينار وتخفيض سعر صرفه في السوق مقابل الدولار
مما جعل الحكومة تعتقد أن إغلاقها لشركات الصرافة سيحل المشكلة.
الأزمة المالية العالمية الحالية هي أزمة بنوك وسياسات نقدية خاطئة حجمت دولها المأزومة اقتصاديا
وسياسيا وقضت على منجزاتها، وتكاد أن تكون في بعض جوانبها نسخة عالمية لأزمتنا في عام 1989 التي
كانت سياستنا النقدية، كما هي الآن جزء رئيس من عنوان المرحلة الأردنية الداخلية الآن ودورها في تمتين
الوضع الاقتصادي الداخلي، واستثمار فرصة الأزمة العالمية الإقليمية واكتساب عناصر المنعة والصمود
أمام الضغوط التي أشار إليها قائد البلاد.
نعم، تطوير السياسة النقدية عنوان رئيس لدينا الآن، والفرصة سانحة.