خبير: 10 ركائز تحدّد خطاب ترامب وتعامله مع الدول العربية مستقبلاً
قال الدكتور محمد الشرقاوي، أستاذ تسوية النزاعات الدولية في جامعة جورج ميسن في واشنطن إن الثابت في مواقف ترامب سعيه للخروج من ظلّ أوباما، من خلال السعي لقلب سياساته الداخلية والخارجية رأسا على عقب، لافتاً إلى أن ذلك يمثّل هاجساً نفسياً للرئيس الأمريكي الحالي للتحرّر من عقدة الفارق بينه وبين سلفه، سواء من حيث المؤهلات المعرفية أو البصيرة السياسية.
جاء ذلك خلال محاضرة في منتدى العلاقات العربية والدولية، مساء الثلاثاء الماضي، بعنوان “الترامبية كفلسفة سياسية وتأثيرها على العلاقات الدولية المعاصرة” قدمها الدكتور الشرقاوي، وهو عضو لجنة الخبراء في الأمم المتحدة سابقا في نيويورك.
وانطلق الدكتور الشرقاوي في محاضرته بسؤال رئيسي: هل فهم الرأي العام الأمريكي والعالمي -ونحن معهم- حقيقة سرّ نجاح ترامب والمنطق السياسي الذي يستند إليه وإصراره على تجاوز كلّ ما متواتر في السياسة، أم أنّنا نسقط عليه أحكاما حالت دون فهم متروّ لعلاقته مع الفكر اليميني المتطرف في الولايات المتحدة؟”.
وعقّب الشرقاوي قائلاً: قضينا عامين ونصف عام، ونحن نتوقع فشله أو تراجعه عن سياساته المثيرة للجدل، لافتا أن التحليل العقلاني باردُ المزاج لظاهرة ترامب يقتضي الابتعاد عن الأحكام والتقييم لقراراته والاقتراب بدلا من ذلك من النظرية السياسية التي تمنحه الزخم بالتلويح بأنّه المعارض للمؤسّسة السياسية في واشنطن، وأنه سيجفف المستنقع، ويعيد عظمة أمريكا باستخدام القوة، كما قال عند إعلان استراتيجيته الجديدة للأمن القومي الأمريكي قبل أسبوع.
الخروج من ظل أوباما
وتابع قائلاً: إن الثابت في مواقف ترامب هو جهاده للخروج من ظلّ أوباما من خلال السعي لقلب سياساته الداخلية والخارجية رأسا على عقب بداية بقانون الرعاية الصحية Obama care ومرورا بتغليب الدبلوماسية والحوار على استخدام القوة في القضايا الخارجية، ونهاية بتعزيز فرضية صراع الحضارات بالنظر إلى موقفه من الإسلام والمسلمين.
وأضاف: يبدو أنّه هاجس نفسي قبل أن يكون سياسيا لدى ترامب في محاولة التحرّر من عقدة الفارق بينه وبين سلفه أوباما، سواء من حيث المؤهلات المعرفية أو البصيرة السياسية
ترامب يسعى جاهدا للخروج من ظلّ أوباما
تفكيك الترامبية
واستعرض الشرقاوي كيف يمكن تفكيك الترامبية كمشروع فلسفة سياسية أوصلت اليمين المتطرف إلى الحكم في أقوى دولة ديمقراطية في العالم إلى ستة أضلاع أساسية، وهي أضلاع تفسّر طبيعة التحولات الاقتصادية والاستراتيجية والديمغرافية والثقافية التي ساهمت في إيصاله إلى سدّة الحكم أكثر من ألمعيته الفكرية أو السياسية. وهي العدمية ومعاداة النخبوية، والشعبوية كمدخل ترامب إلى العمق الأمريكي، والانعزالية والحمائية كطوق نجاة موعود، ومعاداة المهاجرين الجدد وصناعة الآخر، ودغدغة المشاعر القومية تحت غطاء الرّوح الوطنية، والتعهّد بتصحيح خطايا الحزب الجمهوري.
وبين المحاضر أدوات الاستراتيجية التي يعتمدها الرئيس الأمريكي في الترويج للترامبية، قائلاً: يمكن اختزال العوامل الذاتية قبل السياسية لدى ترامب في عدم تحقيق نجاحات تشريعية أو سياسية أو إعلامية من حيث تعزيز المستوى المتردي لشعبيته وتأرجحه بين التصريح ونقيضه في ثلاثة أمور أساسية، تتمثل في الاستعراضية، والانطباعية، والإرتجالية والكذب.
وأشار إلى أن اجتماع الاستعراضية والانطباعية والارتجالية والكذب عند ترامب يكرس معضلة النسج على منوال “ما بعد الحقيقة” والحقائق البديلة” ونظريات “المؤامرة” على اختلافها دون تقديم أدلة على صحتها في أغلب الأحيان.
ونبه إلى أن متابعة خطبه وتغريداته المتناثرة وتأرجحه بين الحقيقة وما بعد الحقيقة هو اعتماده استراتيجية الانتقائية الخطابية التي لا تخرج عن معطيات التجربة الشخصية والأحكام الذاتية. أما المعضلة الثانية ـ بحسب المحاضر، فهي معضلة التأويل والتصديق بين ترامب وحقيقة الواقع الخارجي المختلف عن رؤيته الذاتية، وأيضا بين ترامب الرئيس والمتتبعين لسياساته العامة في الداخل وتقلبات سياسته الخارجية بالنظر إلى الثقل السياسي والاستراتيجي والدبلوماسي الذي تنطوي عليه قراراته وتصريحاته منذ دخوله البيت الأبيض.
وخلص قائلاً: هنا تبرز صعوبة الفرز بين ما يجسّد سياسة رسمية مسؤولة وما يشكل توظيفا تفاوضيا أو أيديولوجيا من أجل مآرب مرحلية ضمن أدوات المعركة المفتوحة مع الديمقراطيين ووسائل الإعلام والمثقفين وسائر المؤسسات التنويرية التي تتمسك بروح المحاسبة والفكر النقدي.
10 ركائز في تعامل ترامب مع الدول العربية مستقبلا
واستخلص الشرقاوي عشر ركائز رئيسية تشكل قوام خطاب ترامب وأسلوب تعامله مع مختلف الدول العربية مستقبلاً، وهي اعتماد معادلة العائد المادي وبراغماتية نظرية القيمة في دبلوماسية العلاقات الثنائية، وتكريس تبعية السياسة للإقتصاد وأهمية الإستثمارات الثنائية بين الطرفين، ومرونة تغيير الخطاب الرسمي للبيت الأبيض وتقلب مواقف ترامب من القضايا والنزاعات العربية بين وقت وآخر، وتجاهل الشروط التقليدية المتعلقة بصفقات الأسلحة وغيرها من حيث احترام حقوق الإنسان والحريات الفردية التي يفرضها أعضاء الكونغرس. إلى جانب عدم الاكتراث بالمنظومة القِيَمِيَة أو سياسة المبادئ في تدبير العلاقات العربية الأمريكية في المستقبل، وإعفاء أمريكا من مسؤولياتها الأخلاقية التقليدية في مجال الخدمات الإنسانية والتعامل مع اللاجئين وتمويل برامج وكالات الإغاثة الدولية، وتكريس ميكيافيلية جديدة من خلال فرضية الغاية تبرر الوسيلة، فيما تبقى جميع القضايا والخلافات والتحالفات مفتوحة أمام خيار إبرام الصفقات مع العرب، والإحتراس من العرب والمسلمين وعدم التساهل بشأن مركزية الصراع الحضاري والديني في إدارة العلاقات العربية الأمريكية ضمن نسق صراع الحضارات، والتعويل على مساهمة عدد من الدول العربية في معركة داعش وتطبيع خطاب “الإرهاب الإسلامي الراديكالي” على غرار ما فعل الرئيس السيسي. وأخيراً تغليب النسق الأمني والمخابراتي ودواعي حماية الأمن القومي الأمريكي على حساب خطاب الإرث التاريخي أو الديبلوماسي في العلاقات العربية الأمريكية.