[rtl]أردوغان.. من بائع للحلوى إلى عرش القصر الأبيض[/rtl][rtl]التاريخ:26/10/2016 [/rtl]عمّان ــــ لؤي بحران
لا يكاد يمر يوم إلا ويذكر اسمه في نشرات الأخبار نظرا للصخب الذي ميز توليه للسلطة في تركيا.
قاده القدر للتطور من بائع للحلوى في أزقة اسطنبول إلى ناشط سياسي ملاحق من السلطة ومعتقل في سجونها، ثم إلى قائد للسياسة التركية الحديثة ومتربع على عرش السلطة.
إليه ينسب الفضل في نقل بلاده من مصاف الدول المتأخرة سياسيا واقتصاديا إلى واحدة من أهم 10 دول في سلم الترتيب العالمي.
ولد رجب طيب أردوغان في 26 فبراير 1954، في مدينة إسطنبول التركية، وتعود أصوله إلى مدينة طرابزون شمال تركيا، حيث أمضى طفولته المبكرة في محافظة ريزة على البحر الأسود ليعود مرة أخرى إلى مسقط رأسه وهو ابن 13 عاماً.
في محاولة لمساعدة والده وعائلته، اضطر أردوغان لخوض غمار العمل والكد منذ صغره، ليعمل في بيع البطيخ والحلوى في مرحلتي الابتدائية والإعدادية؛ محاولا توفير قسم من مصروفات تعليمه.
درس أردوغان في مدارس "إمام خطيب" الإسلامية الدينية وأتم فيها تعليمه الابتدائي والثانوي ثم دخل في غمار الحياة الجامعية ليتخرج فيها من كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية من جامعة مرمرة.
عرف باهتمامه بصلب الحياة الاجتماعية والسياسية حيث انخرط أردوغان في سن مبكرة في حزب السلامة الوطنية الذي أسس عام 1972 بزعامة مرشده نجم الدين أربكان وتولى فيه دورًا بارزًا في المنظمة الطلابية للاتحاد الوطني للطلبة الأتراك والمنظمات الشبابية.
انتخب الرجل سنة 1976 رئيسًا للمنظمة الشبابية لحزب السلامة الوطني في اسطنبول، إلا أنه ما لبث حتى أصبح في السنة ذاتها رئيسًا للمنظمة الشبابية في اسطنبول وبقي في هذين المنصبين إلى عام 1980.
بعد الانقلاب العسكري الذي حصل في تركيا عام1980 ابتعد اردوغان عن معترك الحياة السياسية،حيث تم إلغاء جميع الأحزاب.
وبحلول عام 1983 عادت الحياة الحزبية وعاد نشاطه من خلال حزب الرفاه، خاصةً في محافظة إسطنبول حيث ترشح للانتخابات البلدية، لكنه خسر تلك الانتخابات.
أعاد الكرة بعد ذلك بنحو 10 سنوات حيث رشحه الحزب لتولي منصب عمدة اسطنبول، واستطاع أن يفوز في هذه الانتخابات خاصةً مع حصول حزب الرفاه على عدد كبير من المقاعد.
لم تشفع له شعبيته عام 1998 حين اتهُم بالتحريض على الكراهية الدينية التي تسببت في سجنه 10 أشهر وايقافه من منصبه بسبب اقتباسه أبياتاً من شعر تركي أثناء خطاب جماهيري، حيث قال فيه: "مساجدنا ثكناتنا.. قبابنا خوذنا.. مآذننا حرابنا.. والمصلون جنودنا.. هذا الجيش المقدس يحرس ديننا".
بعد هذه الحادثة أمسك أردوغان العصا من المنتصف، وتنبه إلى أن الاستمرار في هذا النهج الخطابي والصدامي مع العلمانيين قد يعرضه للحرمان من السير في الطريق السياسي كما حدث لمرشده نجم الدين أربكان فأسس حزب العدالة والتنمية برفقة صديقة عبد الله غول عام 2001 الذي نهج فيه نهج الوسطية حيث قال "سنتبع سياسة واضحة ونشطة من أجل الوصول إلى الهدف الذي رسمه أتاتورك لإقامة المجتمع المتحضر والمعاصر في إطار القيم الإسلامية التي يؤمن بها 99% من مواطني تركيا".
حقق الرجل نجاحا كبيرا في الانتخابات التشريعية التي أجريت عام 2002 وحصل على 363 مقعدا في البرلمان مشكلا بذلك أغلبية ساحقة لكنه لم يستطع ترأس حكومته بسبب تبعات سجنه فاسند تلك المهمة الى رفيق دربه عبد الله غول.
و تمكن أردوغان في مارس عام 2003، من القفز الى سدة رئاسة الحكومة بعد إسقاط الحكم عنه وبقى في هذا المنصب حتى عام 2014.
وخلال تلك السنوات توالت انجازاته في مختلف المجالات فعمل على الاستقرار والأمن السياسي والاقتصادي والاجتماعي في تركيا، وفتح الحدود مع عدد من الدول العربية ورفع تأشيرة الدخول، وفتح أبوابا اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا مع عدد من البلدان العالمية.
تأثر أردوغان برفيق دربة بالحزب البروفيسور أحمد داوود أوغلو صاحب نظرية "صفر مشاكل"، فأعاد لمدن وقرى الأكراد أسمائها الكردية بعدما كان ذلك محظورا، وسمح رسميا بالخطبة باللغة الكردية وتصالح مع الأرمن بعد عداء تاريخي، وكذلك فعل مع اليونان، وفتح جسورا بينه وبين أذربيجان وبقية الجمهوريات السوفيتية السابقة.
أصبحت مدينة إسطنبول في عهده العاصمة الثقافية الأوروبية لعام 2009.
عرف الرجل بمواقفه الحازمة والصريحة في مختلف القضايا الدولية فكان لأردوغان موقفًا حازمًا ضد خرق إسرائيل للمعاهدات الدولية وقتلها للمدنيين أثناء الهجوم الإسرائيلي على غزة عام ديسمبر 2010، فقد قام بجولة في الشرق الأوسط تحدث فيها إلى قادة الدول بشأن تلك القضية. وقدم دعمه لاسطول الحرية واشتهر بموقفه الشهير حين انسحب من مؤتمر دافوس العالمي احتجاجا على تصريحات رئيس حكومة الاحتلال الأسبق شيمعون بيريس.
كان عام 2011 تجديدا لعهد أردوغان في الانتخابات حيث تمكن بعد فوزه فيها من تشكيل الحكومة الحادية والستين، فكان أن استمر بانجازته التي تأثرت قليلا بفعل انطلاق عجلة الربيع العربي الذي أيده ووجده فرصة سانحة للتواصل مع الشعوب والنخبة الجديدة في الحكم بأكثر من دولة عربية، إلا أن هذه المساعي اصطدمت بجدار الثورة المضادة فتأثر رصيد الرجل م الانجازات تبعا لمواقف التي اتخذها والأعداء الذين باتوا ينتهزون الفرصة للانقضاض عليه بمعانة جنرالات الجيش الذين يشعرون أن أردوغان نجح بالاتفاف على سلطتهم التي كانت ممتدة قبل مجيئه.
شهد عام 2014 تربعه على سدة الحكم في تركيا حيث انتخبه الشعب رئيسًا للجمهورية التركية؛ فصار رئيسها الثاني عشر وتسلم في العام ذاته وسام التميز لأكثر الشخصيات تأثيرا في العالم من قائمة الملوك والرؤساء وكبار السياسيين.
إلا أن عام 2016 مثل حدثا فارقا في حياته السياسية حيث قامت مجموعة من الجيش بمحاولة انقلاب عسكري عليه أوقفه يومها الشعب التركي الذي اصطف إلى جانبه بكافة توجهاته الفكرية فاعلنت كافة القوى السياسية ومنها المعارضة العلمانية وقوفها بجانب الشرعية فما كانت إلا ساعات قليلة حتى فشل الانقلاب.
بعد مسيرته الطوية نسبيا في الحكم وانجازاته لعديد التي لم تنتهي حتى اليوم قال الرجل واصفا تلك المسيرة بالقول، "لم أتغير؛ ولكنني تطورت".
تطور الرجل وشق طريقا جديدا في الحياة السياسية العالمية والإسلامية وأصبح نموذجا وتيارا لوحده في الحكم عرف بـ"الأردوغانية".
(البوصلة)