( نشأة الألباني رحمه الله )
هذا العالم اسمه " محمد ناصر الدين بن الحاج بن نوح الألباني .
ولد رحمه الله : عام ألف وثلاثمائة وثلاثة وثلاثين في عاصمة دولة ألبانيا ، كان من ضمن أفراد أسرة فقيرة متدينة ، يغلب عليها العلم الشرعي ، إذ كان أبوه آنذاك يعلم الناس ويوجههم .
لما جرى ما جرى في دولة ألبانيا في وقت زعيمها الذي أراد أن يطبِّق فيها العلمانية هاجر أبوه بأسرته ومن ضمنهم العالم المحدث الذي أعتبره أنا في مثل هذا العصر هو أمير المؤمنين في الحديث كما أن ابن حجر رحمه الله هو أمير المؤمنين في الحديث ، فهاجر والده إلى دمشق لتكون له البلدة الدائمة التي سيقيم فيها ، فتوجه هو ومعه أبناؤه ومن بينهم الألباني رحمه الله .
( دراسة الألباني وعلمه )
أبوه درَّسه في المدارس النظامية فلما أتم دراسته الابتدائية رأى أبوه أنه لا يكمل دراسته ، فنخلص من هذا أن هذا الرجل معه شهادة الابتدائية فقط ، فالعلم ليس بالشهادات ، كما يفعله البعض من الناس – هداهم الله – يأخذون الدكتوراة أو ما شابه ذلك بطرق إلتوائية ، يظنون أنهم سيعظمون عند الناس بهذا الدكترة ، وغفلوا عن أن الرفعة إنما هي تكون من عند الله عز وجل :
{ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ }المجادلة11
فهذا الرجل لم يكمل دراسته وإنما اقتصر على المرحلة الابتدائية ، فرأى أبوه أن يجعل له منهجا عليما مركزا ، فحرص على أن يحفظ القرآن وأن يجوده وأن يعلم علم الفقه الحنفي والصرف والنحو ، وقد حرص هذا الطالب على التقيد بما رآه أبوه ، وكان قد أخذ صنعة إصلاح الساعات من والده حتى أتقنها فكان يقتات من هذه المهنة .
وجهه أبوه إلى الفقه الحنفي والتقيد به ، وكان يحذره ، لكن إذا أراد الله عز وجل شيئا فلا راد لقضائه ، كان أبوه يحذره من أن يلج في علم الحديث والاشتغال به ، لكن أمر الله عز وجل فوق كل أمر ، فتوجه في نحو العشرين من عمره متأثرا بما كان يقرأ من بحوثات حديثية في مجلة " المنار " فكان أول ما عمله أنه نسخ كتاب " المغني عن حمل الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار " للحافظ العراقي رحمه الله ، فأصبح له فاتحة خير ، بل إن المكتبة الظاهرة في دمشق آنذاك جعلت له غرفة خاصة به ، بل أعطوه مفتاحاً للمكتبة يدخل إليها متى شاء وكيفما شاء ، وكان رحمه الله له دروس علمية في الأسبوع مرتين ، في فتح المجيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ، والروضة الندية ، وأصول الفقه ، وفقه السنة لسيد سابق ، إلى غير ذلك من هذه الكتب التي كان يدرسها في الأسبوع مرتين ، وكان قد خصص في الشهر أسبوعا واحدا يزور المحافظات السورية إضافة إلى بعض المناطق في الأردن قبل الاستقرار بها مؤخرا
( كم سجن الألباني رحمه الله ؟ )
الألباني رحمه الله عانى كما هو حال غيره من العلماء السلفيين ، فإن أهل البدع من الصوفية وغيرهم قد وشوا به وحذروا الناس منه ، لكن هيئ الله عز وجل له بعض العلماء فنافحوا عنه ، وكان رحمه الله بعيدا عن السياسة ، ومع ذلك سجن رحمه الله بوشايا سجن لمدة شهر في قلعة دمشق ، في نفس القلعة التي سجن فيها ابن تيمية رحمه الله ، ثم بعد ذلك سجن مرة أخرى في سجن آخر ثمانية أشهر ، فحرص على أن يحقق مختصر الإمام مسلم للمنذري رحمه الله .
( إنجازات وأعمال الألباني رحمه الله )
$اختارته كلية الشريعة في جامعة دمشق ليقوم بتخريج أحاديث البيوع الخاصة بموسوعة الفقه الإسلامي .
$اختير عضوا في لجنة الحديث التي شكلت في عصر الوحدة بين مصر وسوريا .
$طلبت منه الجامعة السلفية بالهند أن يتولى مشيخة الحديث ، لكن لصعوبة أخذ أهله معه إلى الهند لم يتيسر له ذلك ، لاسيما أن هناك حرباً وقتها قائمة بين الهند وباكستان .
$طلب منه معالي وزير المعارف السعودي آنذاك الشيخ حسن آل الشيخ أن يتولى الإشراف في قسم الدراسات الإسلامية العليا في جامعة مكة ، لكن لم يتيسر ذلك .
$اختير عضوا للمجلس الأعلى للجامعة الإسلامية بالمدينة .
$انتدبه سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله للدعوة في مصر والمغرب وبريطانيا للدعوة إلى التوحيد والاعتصام بالكتاب والسنة .
$زار كثيرا من دول الخليج وأوروبا .
$منحت له جائزة الملك فيصل العالمية للدراسات الإسلامية لجهوده رحمه الله .
( ثناء كبار العلماء على الألباني رحمه الله )
قال الشيخ ابن باز رحمه الله
ما رأيت تحت أديم السماء عالما بالحديث في هذا العصر كالعلامة الألباني "
والله لا يعرف الكبار إلا الكبار ، من لا يعرف قدر العلماء الكبار ممن ينسب إلى العلم أو الدعوة أو الديانة في هذا العصر فلا قدر له .
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن حديث :
( إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة لهذه الأمة من يجدد لها دينها ) ؟
فقال رحمه الله هو الشيخ الألباني رحمه الله مجدد هذا العصر في ظني والله أعلم .
وكذلك قال الشيخ مقبل الوادعي ، قال
والذي أ عتقده وأدين الله به أنه هو المجدد الذي يصدق عليه هذا الحديث .
قال عنه سماحة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله
كان حريصا على العمل بالسنة ، محاربا للبدعة ، وقد ألف مؤلفات عرف من خلال هذه المؤلفات أنه ذو علم جمٍّ في الحديث علما ورواية ودراية ، وقد نفعل الله بكتبه الكثير من الناس ، فاتجهوا في البحث في علم الحديث .
وقال / أما تحقيقاته العلمية الحديثية فناهيك به .
وصدق رحمه الله /
كنا فيما مضى نعرف تخريج الأحاديث نظيرا ، وأخص نفسي – والله ما عرفت هذه الطريقة تطبيقياً إلا بعدما قرأت كتب هذا الرجل ، قرأت الكثير من كتب هذا الإمام ، فالكتب المطولة فيها علم عظيم ، فيها علم عظيم في الإسناد ، وتتبع الرجال والحكم عليهم ، فيها علم بالمتون ، بالروايات التي جمعها رحمه الله ، فهو يختصر الزمن لطالب علم الحديث ، رجل يجمع أقوال العلماء المتقدمين والمتأخرين في الحكم على هذا الحديث ، وقد جربت هذا ، قبل أن أدخل مثلا في السلسة الصحيحة أو نحوها ، لما أرجع إلى حكم ابن حجر أو الهيثمي أو غيرهما من العلماء في حديث ، ثم أرجع إلى السلسلة أجد أنه أتى بأقوال للعلماء أكثر مما اطلعت عليه ، رجل يجمع لك بين الأحاديث المتعارضة ، رجل من أراد أن يكون له شأن في علم الحديث فليقرأ كتب هذه الرجل فإنه بوابة خير له بإذن الله عز وجل ، ومن لا يعرف قدر هذا الرجل فأقول له قدر له ، كيف ومحمد الأمين الشنقيطي الحافظة المفسر صاحب أضواء البيان ، كان يشرح درسه بالمدينة فإذا رأى الألباني رحمه الله مارا به أوقف درسه وقام له يصافحه إجلالا لهذا الرجل .
( وصية الألباني رحمه الله )
$أوصى رحمه الله قبل وفاته أوصى أهله ومحبه أن يدعوا له بالمغفرة وألا ينوحوا عليه ، وأن يعجلوا بدفنه ، وأن يتولى غسله جاره وصديقه الذي اسمه عزت يكنى بأبي عبد الله ، قال أختار هذا الرجل ومن يعينه في ذلك .
$وأوصى أن يدفن في أقرب مقبرة حتى لا يضطر الناس إلى أن حملوه بالسيارة ثم بالتالي يركب المشيعون السيارات .
$وأوصى أن تكون المقبرة قديمة لأنه في الغالب أنها لا تنبش .
^ وأوصى ألا يخبر أحدٌ بجنازته حتى لا تتأخر في تطبيق السنة – سبحان الله – رجل يحرص على ألا يجتمع عدد كبير على جنازته خيفة من أن تخالف السنة ، فما ظنكم ببعض الناس الذي قد يصرح بعض التصريحات التي تخالف المروءة لا يفهم منها الكثير إلا إرادة الشهرة ، فشتان ما بين الهمم .
الشاهد من هذا أنه قال /
@وأوصي بمكتبتي ما كان منها مطبوعا أو تصويرا أو مخطوطا بخط يدي أو بخط غيري للمكتبة في الجامعة الإسلامية بالمدينة لأن لي فيها ذكريات حسنة في الدعوة للكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح .
( وفاة الألباني رحمه الله )
توفي رحمه الله يوم السبت الثاني والعشرين من شهر جمادى الآخرة عام ألف وأربعمائة وعشرين للهجرة .
هذا هو الألباني رحمه الله ، ولو ذكرنا ما ذكرنا عن مناقبه فإننا لا نعطي هذا الرجل حقه ومكانته فنسأل الله عز وجل أن يرحمه وأن يتغمده بواسع رحمته .