2 ـ الرواة الكذابون :
ينحصر الطريق الاعتيادي لنقل المعلومات عن الوقائع التاريخية بالرواة ، وأكبر آفة تصيب هذا الطريق هو ( الكذب ) من قبل هؤلاء الرواة أنفسهم ، ومن هنا يتعين علي الباحث أنْ يحرز أولاً عدم الكذب في الرواة الناقلين للخبر المعين .
وقد أجمع علماء المسلمين علي وجود الكذابين ، والوضاعين بين الرواة ، وحملة الأخبار في جيل ما بعد الصحابة ، وفرضوا علي أنفسهم التمييز بين الرواة .
قال الشيخ أبو جعفر الطوسي : « إنّا وجدنا الطائفة ميزت الرجال الناقلة لهذه الأخبار ، فوثقت الثقات منهم ، وضعفت الضعفاء ، وفرقت بين من يعتمد علي حديثه وروايته ، وبين من لا يعتمد علي خبره ، ومدحوا الممدوح منهم ، وذموا المذموم ، وقالوا : فلان متهم في حديثه وفلان كذاب ، وفلان مخلط ، وفلان مخالف في المذهب والاعتقاد وفلان واقفي وفلان فطحي ، وغير ذلك من الطعون التي ذكروها ، وصنفوا في ذلك الكتب »(2) .
وروي في اختيار رجال الكشي في ترجمة المغيرة بن سعيد عن هشام بن الحكم أ نّه سمع أبا عبد اللّه يقول :
______________________________
(1) انظر تفصيل ذلك في كتاب : عبد اللّه بن سبأ 1 : 102 ـ 132 .
(2) عدة الأُصول : 366 .
الفكر الاسلامي ـ العدد 23(صفحه 217)
كانالمغيرةبنسعيديتعمدالكذب عليأبي،ويأخذكتبأصحابه،وكانأصحابهالمستترون بأصحاب أبي يأخذون الكتب من أصحاب أبي فيدخلونها إلي المغيرة فكان يدس فيها الكفر والزندقة ، ويسندها إلي أبي ثم يدفعها إلي أصحابه فيأمرهم أنْ يبثوها في الشيعة .
وفيه أيضا عن يونس قال : أتيت العراق فوجدت بها قطعة من أصحاب أبي جعفر عليهالسلام ووجدت أصحاب أبي عبد اللّه عليهالسلام متوافرين فسمعت منهم وأخذت كتبهم فعرضتها من بعد علي أبي الحسن الرضا عليهالسلام وقال لي : لعن اللّه أبا الخطاب ، وكذلك أصحاب أبي الخطاب ، يدسّون هذه الأحاديث إلي يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبد اللّه(1) .
وقال ابن أبي حاتم الرازي ( ت 327 ه ) : « فلما لم نجد سبيلاً إلي معرفة شيء من معاني كتاب اللّه ، ولا من سنن رسول اللّه صلياللهعليهوآله إلاّ من جهة النقل والرواية ، وجب أنْ نميز بين عدول الناقلة والرواة وثقاتهم وأهل الحفظ والثبت والاتقان منهم ، وبين أهل الغفلة والوهم وسوء الحفظ والكذب واختراع الأحاديث الكاذبة »(2) .
وذكر ابن حبان أيضا : أنّ الزنادقة كانوا يدخلون بأهل العلم ، ويضعون الحديث علي العلماء ، وروي عن ابن أبي لهيعة أ نّه قال : دخلت علي شيخ وهو يبكي فقلت له : ما يبكيك ؟ قال : وضعت أربعمئة حديث أدخلتها في برنامج الناس فلا أدري كيف أصنع(3) .
______________________________
(1) اختيار معرفة الرجال : 224 ـ 225 .
(2) مقدمة الجرح والتعديل : 5 .
(3) كتاب المجروحين ( لابن حبان ) : 62 ـ64 . خمسون ومئة صحابي مختلق 1 : 43 ، ط 4 ، وما فيه نقل عن الطبري 3 : 376 ، ط أوروبا وابن الأثير 6 : 3 وابن كثير 10 : 113 ، وعن الذهبي في ميزان الاعتدال ، ولسان الميزان واللفظ للطبري في حوادث سنة 155 هجرية قال : إنّ والي الكوفة محمد بن سليمان ، كان قد حبس عبد الكريم بن أبي العوجاء علي الزندقة فكثر شفعاؤه عند الخليفة المنصور ، ولم يتكلم فيه إلاّ ظنين منهم ، فكتب إلي محمد بن سليمان بالكف عنه إلي ان يأتيه رأيه ، وكان ابن أبي العوجاء قد أرسل إلي محمد يسأله ان يؤخره ثلاثة أيام ويعطيه مئة ألف فلما ذكر ذلك لمحمد أمر بقتله ، فلما أيقن أ نّه مقتول قال : ( أما واللّه لئن قتلتني لقد وضعت أربعة آلاف حديث اُحرِّم فيه الحلال وأحل فيه الحرام ، واللّه لقد فطّرتكم يوم صومكم وصوّمتكم في يوم فطركم ) .
الفكر الاسلامي ـ العدد 23(صفحه 218)
وقال ابن حبان أيضا : إنّ من الرواة من امتحن بابن سوء أو كانوا يضعون له الحديث وكان آمن الشيخ ناحيتهم . فكانوا يقرؤون عليه ويقولون له هذا من حديثك فيحدث به(1) .
وقال يحيي بن سعيد القطان : ما رأيت الصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث(2) .
وقد أحصي العلامة الأميني رحمهالله في بحثه ( سلسلة الكذابين ) سبعمئة ممن قال عنه علماء الحديث والرجال إنّه كذاب أو وضاع(3) وفيهم من كان يقوم عامة الليل بالصلاة أو كان معروفا بالزهد والعبادة ، ومع ذلك كان يضع الحديث .
فالهيثم الطائي كان يقوم عامة الليل بالصلاة وإذا أصبح يجلس ويكذب .
ومحمد بن إبراهيم الشامي كان من الزهاد وهو كذاب وضاع .
والحافظ عبد المغيث الحنبلي كان موصوفا بالزهد والدين واتّباع السنة والآثار ، وهو يؤلف من الموضوعات كتابا في فضائل يزيد بن معاوية .
ومعلي بن صبيح من عباد الموصل وكان يضع ويكذب .
ومحمد بن عكاشة كان بكاءً عند القراءة وهو وضاع أي وضاع .
وأحمد الباهلي كان من كبار الزهاد وهو ذلك الكذاب الوضاع ، قال ابن الجوزي : كان يتزهد ويبحر شهوات الدنيا فحسن له الشيطان هذا لفعل القبيح .
وأبو داود النخعي كان أطول الناس قياما لليل ، وأكثرهم صياما بنهار وهو وضاع .
وجعفر بن الزبير كان مجتهدا في العبادة وهو وضاع(4) .
وجمع العلامة الأميني رحمهالله ما ذكر صدفة في كتب الرجال من مقلوبات وموضوعات الكذابين فبلغ ما يقرب من أربعمئة ألف حديث موضوع ومقلوب(5) .
______________________________
(1) كتاب المجروحين : 77 .
(2) مقدمة صحيح مسلم .
(3) اُنظر الغدير ج 5 ، سلسلة الكذابين والوضاعين .
(4) انظر الغدير ج 5 ، سلسلة الكذابين والوضاعين .
(5) الغدير 5 : 288 ـ 290 .
الفكر الاسلامي ـ العدد 23(صفحه 219)
ويعرب عن كثرة الموضوعات اختيار مؤلفي الصحاح والمسانيد أخبار تآليفهم من أحاديث كثيرة هائلة ، فأبو داود أتي في سننه بأربعمئة آلاف وثمان ومئة حديثا ، وقال : انتخبته من خمسمئة الف حديث(1) ، ويحتوي صحيح البخاري ألفي حديث وسبعمئة وواحد وستين اختاره من زهاء ستمئة ألف حديث(2) ، وفي صحيح مسلم أربعة آلاف حديث اُصول دون المكررات صنفه من ثلاثمئة ألف حديث(3) . وذكر أحمد بن حنبل في مسنده ثلاثين ألف حديث وقد انتخبه من أكثر من سبعمئة وخمسين ألف حديثا(4)(5) .
لا توجد مشكلة علي صعيد الرواة بعد جيل الصحابة ما دام علماء الإسلام يعتقدون بوجود الكذابين والوضاعين بينهم ، ويرون وجوب كشفهم ومعرفتهم لاجتناب أحاديثهم .
أما علي صعيد جيل الصحابة فتوجد مشكلة أساسية وهي وجود نظرتين مختلفتين إلي الصحابة :
النظرة الاُولي : جميع الصحابة عدول
يري أصحاب هذه النظرية وهم جمهور أهل السنة أنّ جميع الصحابة عدول .
قال الحافظ أبو حاتم الرازي ( ت 327 ه ) من رجال الجرح والتعديل عند أهل السنة ، « فأما أصحاب رسول اللّه صلياللهعليهوآله فهم الذين شهدوا الوحي والتنزيل ، وعرفوا التفسير والتأويل ، وهم الذين اختارهم اللّه عزّوجلّ لصحبة نبيه صلياللهعليهوآله ونصرته ، وإقامة دينه ، وإظهار حقه ، فرضيهم له صحابة ، وجعلهم لنا أعلاما وقدوة ، فحفظوا عنه صلياللهعليهوآله ما بلغهم عن اللّه عزّوجلّ ، وما سن وشرع ، وحكم وقضي ، وندب وأمر ، ونهي وحظر وأدب ،
______________________________
(1) عن طبقات الحافظ ( للذهبي ) 2 : 154 ، تاريخ بغداد 9 : 57 ، المنتظم ( لأبن الجوزي ) 5 : 97 . نقل .
(2) عن إرشاد الساري 1 : 28 ، صفوة الصفوة 4 : 143 .
(3) عن شرح صحيح مسلم ( للنووي ) 1 : 32 ، المنتظم ( لابن الجوزي ) 5 : 32 ، طبقات الحافظ 2 : 151 نقل .
(4) عن طبقات الذهبي 2 : 17 .
(5) الغدير 5 :292 ـ 293 نقل .
الفكر الاسلامي ـ العدد 23(صفحه 220)
ووعوه واتقنوه ففقهوا في الدين ، وعلموا أمر اللّه ونهيه ومراده بمعاينة رسول اللّه صلياللهعليهوآله ومشاهدتهم منه تفسير الكتاب وتأويله ، وتلقفهم منه واستنباطهم عنه ، فشرفهم اللّه عزّوجلّ بما من عليهم ، وأكرمهم به من وضعه إياهم موضع القدوة ، فنفي عنهم الشك والكذب والغلط والريبة والفخر واللمز ، وسماهم عدول الاُمة ، فقال عن ذكره في محكم كتابه : « وكذلك جعلناكم اُمة وسطا لتكونوا شهداء علي الناس » ففسر النبي صلياللهعليهوآله عن ذكره قوله ( وسطا ) قال : ( عدلاً ) فكانوا عدولة الاُمة ، وأئمة الهدي ، وحجج الدين ونقلة الكتاب والسنة »(1) .
وقال ابن عبد البر ( ت 463 ه ) : « أثبتت عدالة جميعهم »(2) .
وقال ابن الأثير ( ت 360 ه ) : « . . . إنّ السنن التي عليها مدار تفصيل الأحكام ، ومعرفة الحلال والحرام إلي غير ذلك من أمور الدين إنّما ثبتت بعد معرفة رجال أسانيدها ورواتها ، وأولهم والمقدم عليهم أصحاب رسول اللّه صلياللهعليهوآله فإذا جهلهم الإنسان كان بغيرهم أشد جهلاً ، وأعظم إنكارا ، فينبغي أن يعرفوا بأنسابهم وأحوالهم . . .
والصحابة يشاركون سائر الرواة في جميع ذلك إلاّ في الجرح والتعديل فإنّهم كلهم عدول لا يتطرق إليهم الجرح . . . »(3) .
وقال الحافظ ابن حجر : « اتفق أهل السنة علي أنّ الجميع عدول ، ولم يخالف في ذلك إلاّ شذوذ من المبتدعة . . . »(4) .
وروي عن أبي زرعة أ نّه قال : « إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول اللّه صلياللهعليهوآله فاعلم أ نّه زنديق وذلك أنّ الرسول حق ، والقرآن حق ، وما جاء به حق ، وإنّما أدّي
______________________________
(1) مقدمة الجرح والتعديل : 7 .
(2) الاستيعاب في امساء الأصحاب : المقدمة . والآية : 143 من سورة البقرة .
(3) اُسد الغابة في معرفة الصحابة ، المقدمة .
(4) الإصابة في تمييز الصحابة ( المقدمة ) : الفصل الثالث .
الفكر الاسلامي ـ العدد 23(صفحه 221)
ذلك إلينا كله الصحابة ، وهؤلاء يريدون أنْ يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة ، والجرح بهم أولي وهم زنادقة »(1) .
وأصحاب هذه النظرة إلي الصحابة يعممونها علي من لقي النبي صلياللهعليهوآله مؤمنا به وما علي الإسلام سواء طالت مجالسته للنبي أو قصرت ، ومن روي عنه ، أو لم يرو ، ومن غزا معه أو لم يغزُ ومن رآه رؤية ولو لم يجالسه(2) .
النظرة الثانية : في الصحابة مؤمنون ومنافقون
يري أصحاب هذه النظرية وهم شيعة أهل البيت أنّ الصحابة مشمولون بقانون الجرح والتعديل كغيرهم من الرواة ، ويستدلون علي ذلك بسورة براءة التي تسمي بـ ( الفاضحة ) وآيات آخر كثيرة ، منها قوله تعالي : « وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا علي النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلي عذاب عظيم »(3) .
وبما ورد في كتب الحديث جميعا عن النبي صلياللهعليهوآله أنّ من الصحابة من يؤمر به إلي النار ، ففي رواية البخاري عن ابن عباس عن النبي صلياللهعليهوآله : أنّ اُناسا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال فأقول : أصحابي أصحابي ، فيقال : إنّهم لا يزالون مرتدين علي أعقابهم منذ فارقتهم(4) .
وفي رواية أبي وائل عن عبد اللّه بن عباس عن النبي صلياللهعليهوآله فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك !(5)
______________________________
(1) المصدر السابق .
(2) الإصابة ( لابن حجر العسقلاني ) : الفصل الأول في تعريف الصحابي .
(3) التوبة : 101 .
(4) صحيح البخاري : كتاب بدء الخلق ، باب قوله تعالي : « واتخذ اللّه إبراهيم » كتاب تفسير القرآن ، سورة المائدة .
(5) صحيح البخاري ، كتاب الدعوات ، باب في الحوض ، وقوله تعالي : « إنّا أعطيناك الكوثر » ، باب كيف الحشر .
الفكر الاسلامي ـ العدد 23(صفحه 222)
وفي رواية سهل بن سعد ، وأبي سعيد : ليرد علي أقوام أعرفهم ويعرفوني ثم يحال بيني وبينهم . . . فيقال : إنّك لا تدري ما بدلوا بعدك ؟(1)
وفي رواية أبي هريرة عن النبي صلياللهعليهوآله : بينما أنا قائم إذا زمرة حتي إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال هلُمَّ : فقلت أين ؟ قال إلي النار ، قلت وما شأنهم ؟ قال : إنّهم ارتدوا علي أدبارهم القهقري . . . فلا أراه يخلص منهم إلاّ مثل همل . . . النعم(2) .
وفي رواية سهل بن سعد : سحقا سحقا لمن غير بعدي(3) .
وفي كلام أمير المؤمنين علي عليهالسلام إشارة واضحة إلي هذه النظرة إلي الصحابة وأنّ فيهم الصادقين وفيهم الكاذبين .
قال سليم بن قيس الهلالي قال : قلت لأمير المؤمنين عليهالسلام : إني سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذر شيئا من تفسير القرآن وأحاديث عن نبي اللّه صلياللهعليهوآله غيرما في أيدي الناس ، ثم سمعت منك تصديق ما سمعت منهم ، ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن نبي اللّه صلياللهعليهوآله أنتم تخالفونهم فيها ، وتزعمون أنّ ذلك كله باطل ، أفتري الناس يكذبون علي رسول اللّه صلياللهعليهوآله متعمدين ، ويفسرون القرآن بآرائهم ؟ قال : فاقبل علي فقال : قد سألت فافهم الجواب :
إن في أيدي الناس حقا وباطلاً ، وصدقا وكذبا ، وناسخا ومنسوخا ، وعاما وخاصا ، ومحكما ومتشابها ، وحفظا ووهما ، وقد كذب علي رسول اللّه صلياللهعليهوآله علي عهده حتي قام خطيبا فقال : أيها الناس قد كثرت علي الكذابة ، فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ، ثم كذب عليه من بعده .
وإنّما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس .
______________________________
(1) صحيح البخاري ، كتاب الفتن ، باب ما جاء في قوله تعالي : « واتقوا فتنة » .
(2) صحيح البخاري ، كتاب الدعوات ، باب الحوض ، وقوله تعالي : « إنّا أعطيناك الكوثر » .
(3) صحيح البخاري ، كتاب الدعوات ، باب الحوض .
الفكر الاسلامي ـ العدد 23(صفحه 223)
رجل منافق يظهر الإيمان ، متصنع بالإسلام لا يتأثم ولا يتحرج أن يكذب علي رسول اللّه صلياللهعليهوآله متعمدا ، فلو علم الناس أ نّه منافق كذاب ، لم يقبلوا منه ولم يصدقوه ، ولكنهم قالوا هذا قد صحب رسول اللّه صلياللهعليهوآله ورآه وسمع منه ، وأخذوا عنه ، وهم لا يعرفون حاله ، وقد أخبره اللّه عن المنافقين بما أخبره ووصفهم بما وصفهم فقال عزّوجلّ : « وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم »(1) ثم بقوا بعده فتقربوا إلي أئمة الضلالة والدعاة إلي النار بالزور والكذب والبهتان فولوهم الأعمال ، وحملوهم علي رقاب الناس ، وأكلوا بهم الدنيا وإنّما الناس مع الملك والدنيا إلاّ من عصم اللّه ، فهذا أحد الأربعة .
ورجل سمع من رسول اللّه شيئا لم يحمله علي وجهه ووهم فيه ، ولم يتعمد كذبا فهو في يده ، يقول به ويعمل به ويرويه فيقول : أنا سمعته من رسول اللّه صلياللهعليهوآله فلو علم المسلمون أ نّه وَهْم لم يقبلوه ، ولو علم هو أ نّه وَهْم لرفضه .
ورجل ثالث سمع من رسول اللّه صلياللهعليهوآله شيئا أمر به ثم نهي عنه وهو لا يعلم ، أو سمعه ينهي عن شيء ثم أمر به وهو لا يعلم ، فحفظ منسوخه ولم يحفظ الناسخ ، ولو علم أ نّه منسوخ لرفضه ، ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه أ نّه منسوخ لرفضوه .
وآخر رابع لم يكذب علي رسول اللّه صلياللهعليهوآله ، مبغض للكذب خوفا من اللّه وتعظيما لرسول اللّه صلياللهعليهوآله ، لم ينسه ، بل حفظ ما سمع علي وجهه فجاء به كما سمع لم يزد فيه ولم ينقص منه ، وعلم الناسخ من المنسوخ ، فعلم بالناسخ ورفض المنسوخ فإنّ أمر النبي صلياللهعليهوآله مثل القرآن ناسخ ومنسوخ ( وخاص وعام ) ومحكم ومتشابه قد كان يكون من رسول اللّه صلياللهعليهوآله الكلام له وجهان : كلام عام وكلام خاص مثل القرآن وقال اللّه عزّوجلّ في كتابه : « ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا » فيشتبه علي من لم يعرف ولم يدر ما عني اللّه به ورسوله صلياللهعليهوآله وليس كل أصحاب رسول اللّه صلياللهعليهوآله كان يسأله عن الشيء فيفهم ، وكان منهم
______________________________
(1) المنافقون : 4 .
الفكر الاسلامي ـ العدد 23(صفحه 224)
من يسأله ولا يستفهمه حتي أن كانوا ليحبون أن يجيء الأعرابي والطاري فيسأل رسول اللّه صلياللهعليهوآله حتي يسمعوا(1) .
3 ـ جدة النتائج في التحقيق المعاصر :
قام علماؤنا ( رضوان اللّه عليهم ) (2) ببحوث تحقيقية عديدة في مجال الدراسات الحديثية والتاريخية ، وكل واحدة منها تصلح لأن تكون دافعا لمواصلة نقد مصادر الدراسات الإسلامية ومنها مصادر التاريخ الإسلامي ، ونعرض فيما يلي لواحدة من أهم دراسات التحقيق علي الإطلاق في مرحلتنا المعاصرة وهي ما قام به خبير عصره في التحقيق التاريخي العلامة السيد مرتضي العسكري من دراسة لأحاديث سيف بن عمر .
ترجمة سيف بن عمر :
هو سيف بن عمر التميمي الأسيدي كما في الطبري 1 : 1749 اُوروبا ، ولباب الأنساب 1 : 49 ، واُسيد هو عمرو بن تميم ، ونسبهم في جمهرة الأنساب 199 ، والاشتقاق لابن دريد 201 ـ 2 ـ 6 .
وما ورد في فهرست ابن النديم ( الأسدي ) ما هو إلاّ من غلط النساخ .
وما ورد في تهذيب التهذيب ( الرجمي والسعدي أو الضبي ، فإنها وإنْ تكن من بطون تميم ولكنها لا تجتمع مع الأُسيدي في النسب وقد تكون أنسابه إليهم بالحلف إنْ صحّ ما ذكره .
______________________________
(1) الكافي 1 : 62 ـ 63 ، نهج البلاغة خ 20 والآية : 7 من سورة الحشر ، الامتناع والمؤانسة 3 : 197 ، تذكرة الخواص لابن الجوزي : 142 .
(2) كالعـلاّمة الأميني رحمهالله في مـوسوعته الغـدير ، والعـلاّمة السيد عبد الحسين شـرف الدين رحمهالله في كتـابه أبي هريرة وغيره ، والعلاّمة السيد مير حامد حسين الهندي رحمهالله ( ت 1306 ه ) في موسوعة عبقات الأنوار .
الفكر الاسلامي ـ العدد 23(صفحه 225)
وكان كوفيا علي ما في تهذيب التهذيب وخلاصة التهذيب وفي هداية العارفين بغدادي كوفي بالأصل ) .
وكانت وفاته بعد السبعين والمئة كما في خلاصة التهذيب . وفي التهذيب قرأت بخط الذهبي مات سيف زمن الرشيد(1) .
مؤلفات سيف :
ألف بن عمر كتاب « الفتوح الكبير والردة » و « الجمل ومسير عائشة وعلي » علي ما في الفهرست والهداية وذكر له في اللباب والتهذيب وكشف الظنون كتاب الفتوح وحده(2)ويبدو أنَّ سيف قد وضع تأليفه في الربع الأول من القرن الثاني الهجري(3).
طريقة سيف في التأليف :
سلك سيف بن عمر المسلك السائد في عصره في التأليف وهو أنْ يذكر سنده إلي الواقعة التي يتحدث عنها ، ومن هنا جاءت الروايات في كتابيه مسندة بدءا بشيوخه الذين يزعم أ نّه يروي عنهم ، وانتهاءً بالصحابة التابعين الذين يزعم وجودهم أو اشتراكهم في الواقعة المزعومة .
أهمية كتابي سيف :
أصبح كتابا سيف الاُصول والمصادر الأساسية لكل من جاء بعده .
وقد استقي من معين سيف المؤلفون الأوائل أمثال :
أ ـ أبي مخنف لوط بن يحيي ( ت 157 ه ) .
ب ـ نصر بن مزاحم ( ت 208 ه ) .
ج ـ خليفة بن خياط ( ت 240 ه ) .
______________________________
(1) عبد اللّه بن سبأ 1 : 61 ، 4 .
(2) ابن سبأ 1: 62.
(3) خمسون ومئة صحابي مختلق 2 : 23 .
الفكر الاسلامي ـ العدد 23(صفحه 226)
د ـ البلاذري ( ت 279 ه ) .
ه ـ الطبري ( ت 310 ه )(1) .
وقد أخرج الطبري كتابي سيف موزعا علي حوادث السنين في ( تاريخه ) ، وابن عساكر موزعا علي ( تراجمه ) دون ما ذكر تأليفه ، والذهبي في ( تأريخه الكبير ) مع التصريح باسم تأليفه في المقدمة وكذلك فعل ابن أبي بكر في ( التمهيد ) .
واستخرج مترجمو الصحابة أسماءً كثيرة من كتابيه وترجموا لتلك الأسماء ضمن تراجم الصحابة كابن عبد البر وابن الأثير وابن حجر والذهبي وغيرهم .
وآخر من صرح بوجود كتاب سيف هو ابن حجر المتوفي سنة 852 هجرية في كتابه الإصابة(2) .
ميزة روايات سيف في كتابه :
إنّ أهم ميزة لروايات سيف في كتابيه هي ( التفرد ) متنا وسندا ، فلا يجد الباحث في غير كتابي سيف أسماء عدد كبير ممن ترجموا في عداد الصحابة ، وعدد آخر ممن ترجموا في عداد الرواة ، وكذلك لا يجد الباحث عند غير سيف أسماء عدد كبير من الأماكن والحروب ، وقتل مئات الآلاف من أبناء الأُمم الاُخري علي أيدي المسلمين ، وتهديم المدن وغير ذلك(3) .
كلمات علماء الرجال والحديث في سيف :
قال يحيي بن معين ( ت 223 ه ) : « ضعيف الحديث فَلْسٌ خير منه » .
وقال النسائي صاحب الصحيح ( ت 303 ه ) : « ضعيف متروك الحديث ليس بثقة ولا مأمون » .
وقال أبو داود ( ت 316 ) : « ليس بشيء كذاب » .
______________________________
(1) المصدر السابق : 23 .
(2) انظر عبد اللّه بن سبأ 1 : 62 .
(3) انظر عبد اللّه بن سبأ 2 : 308 . خمسون ومئة صحابي مختلق 2 : 35 .
الفكر الاسلامي ـ العدد 23(صفحه 227)
وقال ابن أبي حاتم ( ت 316 ) : « ليس بشيء كذاب » .
وقال ابن السكن ( ت 353 ه ) : « ضعيف » .
وقال ابن عدي ( ت 365 ه ) : « ضعيف ، بعض أحاديثه مشهورة ، وعامتها منكرة لم يتابع عليها » .
وقال ابن حبان ( ت 354 ه ) : « يروي الموضوعات عن الأثبات ، اتُّهم بالزندقة ، وقال : قالوا : كان يضع الحديث » .
وقال الحاكم ( ت 405 ه ) : « متروك ، اتهم بالزندقة » .
ووهّاهُ الخطيب البغدادي ( 406 ه ) كما في ترجمة خزيمة غير ذي الشهادتين من الإصابة .
ونقل ابن عبد البر( ت 463 ه ) عن أبي حيان انه قال فيه : « سيف متروك وإنما ذكرنا حديثه للمعرفة » ولم يعقب ابن عبد البر علي هذا الحديث شيئا .
وقال الفيروزآبادي ( ت 817 ه ) : « صاحب تواليف » وذكره مع غيره وقال عنهم : « ضعفاء » .
وقال ابن حجر ( ت 852 ه ) بعد إ يراد حديث ورد في سنده اسمه : « فيه ضعفاء أشدهم سيف » .
وقال صفي الدين ( 923 ه ) : « ضَعَّفوه ، له في الترمذي فرد حديث »(1) .
منهج العلاّمة العسكري في كشف مختلقات سيف :
كرّس العلاّمة السيد مرتضي العسكري كتاب عبد اللّه بن سبأ بجزئيه وكتاب خمسون ومئة صحابي مختلق بجزئيه لدراسة روايات سيف بن عمر ومقارنتها بغيرها ، وقد توصّل
______________________________
(1) عبد اللّه بن سبأ 1 : 62 ـ 63 .
الفكر الاسلامي ـ العدد 23(صفحه 228)
إلي نتيجة خطيرة وهي أنّ سيف قد اختلق أو حرّف كل ما نقرأ من أمثال عبد اللّه بن سبأ والقعقاع بن عمرو الذي عدّ من الصحابة وأمثالهم ممن لم تلدهم أُمهاتهم ، وأمثال قسم كبير من حروب الردة التي لم تقع أصلاً ، وغيرها من المختلقات والموضوعات .
وكان منهجه حفظه اللّه في اكتشاف أنّ عبد اللّه بن سبأ والأُسطورة السبئية من مختلقات سيف بن عمر هو أنْ وجد المؤرخون القدامي ، أمثال ابن الأثير ، وابن خلدون ، وابن كثير ، والكتاب المتأخرين ، أمثال محمد رشيد رضا صاحب مجلة المنار ، وحسن إبراهيم حسن ، وأحمد أمين ، والباحثين من المستشرقين أمثال فان فلوتن ، ونيكلسن ، فيسينك ومن معه مؤلفي دائرة المعارف الإسلامية وولهاوزن وغيرهم ، قد أخذوا الأُسطورة السبئية بعضهم من بعض وأنّ سند جميعهم في ما ينقلون ينتهي إلي المصادر الأربعة الآتية :
1 ـ تاريخ الطبري .
2 ـ تاريخ دمشق لابن عساكر .
3 ـ التمهيد والبيان لابن أبي بكر .
4 ـ تاريخ الإسلام للذهبي .
ثم رجع إلي هذه المصادر الأربعة فوجدها تروي الأُسطورة بإسنادها مسلسلة عن سيف بن عمر وحده ، ووجد سيف بن عمر يتفرد برواية الأُسطورة السبئية .
ثم درس العلامة العسكري سيف بن عمر فوجد أنّ نشاطه الأدبي كان في الربع الأول من القرن الثاني الهجري .
ودرس عصره فوجد العصبية القبلية قد عمّت البلاد في عصره ، يتباري شعراء عدنان وقحطان بنظم القصائد في مدح أنفسهم وذم القبيلة الاُخري .
ووجد سيف بن عمر ، عدنانيا يتعصب لقبيلته يختلق لهم الفضائل في أساطيره ، ويتعصب علي القحطانيين فيختلق لهم المثالب فيها ، ووجد الأُسطورة السبئية تنسب الفتن كلها إلي القحطانيين وتدفع عن العدنانيين ما نسب إليهم .
الفكر الاسلامي ـ العدد 23(صفحه 229)
ووجد العلماء يصفونه بالكذب ويتهمونه بالزندقة ويصفون حديثه بالوضع والضعف ، وبعد كل ذلك استنتج أنّ سيف بن عمر هو الذي اختلق الأُسطورة السبئية .
وكان منهجه حفظه اللّه في معرفة الصحابة الذين اختلقهم سيف هو دراسة سند الخبر المذكور فيه اسم الصحابي المشكوك أمره فإذا وجده ينتهي إلي غير سيف ترك البحث حول الصحابي ولم يعتبره من مختلقات سيف ، أما إذا وجد السند ينتهي إلي سيف فعند ذاك يقوم ببحث واسع في مصادر الدراسات الإسلامية ليقارن بين ما ورد في حديث سيف وغير سيف ، فإذا وجد اسم الصحابي المشكوك أمره مذكورا في رواية مروية عن غير طريق سيف ـ أيضا ـ ترك البحث عنه ، وإذا لم يجد لذلك الاسم ذكرا في غير رواية سيف حكم بتفرد سيف بذكره واعتبره من مختلقاته من الصحابة أو الرواة أو البلدان ، مثال ذلك :
أنه وجد في روايات سيف أخبارا كثيرة عن أُسرة مالك التميمي العمري الاسيدي ، وهم : الصحابيان القعقاع وأخوه عاصم ابنا عمرو بن مالك ، والصحابيان الأسود بن قطبة بن مالك وابنه نافع بن الأسود ، وبقية ذويهم من أفراد هذه الأُسرة ، وشك في أمرهم فبحث أولاً عن كل خبر ورد عن كل فرد منهم في مصادر الدراسات الإسلامية وجمعها خبرا خبرا ، ثم أرجع الأخبار التي ذكرت بلا سند إلي الأخبار ذات السند فوجد أنّ جميع أخبار القعقاع ينتهي سندها إلي ثمانية وستين رواية من روايات سيف وجميع أخبار أخيه عاصم إلي نيف وأربعين رواية له وأخبار الأسود بن قطبة وابنه نافع إلي قرابة عشرين رواية له .
ثم درس أسناد أحاديث سيف عن القعقاع فوجد فيها اسم ثلاثين راويا لم يجد لهم ذكر في غير أحاديث سيف ، وقد تكرر اسم أحدهم في سند ثمانية وثلاثين من أحاديثه عن القعقاع ، والاُخري في خمسة عشر حديثا عنه والثالث في عشرة ، والرابع في ثمانية وأربعة منهم في حديثين ، والباقين في حديث واحد ، وقد يذكر في سند حديث واحد عن القعقاع اسم أكثر من راو من هؤلاء الذين اعتبرهم من مختلقات سيف من الرواة .
ووجد في أسناد حديثه عن عاصم اسم اثني عشر راويا لم يجد لهم ذكرا في غير حديث
الفكر الاسلامي ـ العدد 23(صفحه 230)
سيف ، يتكرر ذكر أحدهم في سند ثمانية وعشرين حديثا له ، وآخر في ستة عشر ، وهكذا وقد يرد في سند حديث واحد له اسم أكثر من راو واحد من هؤلاء الرواة المختلقين .
ووجد في إسناد حديثه عن الأسود وابنه تسعة رواة كذلك .
هذا ما كان في إسناد أحاديثه عن أفراد هذه الأُسرة ووجد سيفا يذكر عنهم أخبارا علي عهد الرسول صلياللهعليهوآله ويوم السقيفة وفي حروب الردة في الجزيرة العربية والفتوح في العراق والشام علي عهد أبي بكر ، والفتوح في الشام والعراق وإيران علي عهد عمر وعثمان ، وأخبارا في الفتن علي عهد عثمان وعلي حتي عصر معاوية .
ذكر عن أفراد هذه الأُسرة بطولات في الحروب ، وأراجيز فيها وإمارات علي ولايات وكرامات وأخبارا اُخري تفرد سيف بذكرها جميعا .
وثبت لديه تفرد سيف بن عمر بذكر جميعها بعد أنْ أرجع الأخبار المروية فيها أسماؤهم بلا سند إلي أحاديث ذات سند ، ثم وجد تلك الأحاديث رويت كلها عن طريق سيف بن عمر وحده .
ثم رجع إلي كتب السير التي ذكرت تاريخ عصر الرسول صلياللهعليهوآله ، كسيرة ابن هشام ( ت 213 و281 ه ) وعيون السير لابن سيد الناس ( ت 734 ه ) ونظائرهما فلم يجد لأفراد هذه الاُسرة ذكر فيما أوردوا من أخبار عصر الرسول صلياللهعليهوآله .
ورجع إلي كتب الحديث التي تورد الأحاديث المروية عن رسول اللّه صلياللهعليهوآله بواسطة أصحابه كمسند الطيالسي ( ت 204 ه ) ومسند أحمد ( ت 241ه ) ومسند أبي عوانة ( ت 316 ه ) وصحيحي البخاري ( ت 265 ه ) ومسلم ( ت 261 ه ) وموطأ مالك ( ت 179 ه ) وسنن ابن ماجة ( ت 273 ه ) والسجستاني ( ت 275 ه ) والترمذي ( ت 279 ه ) وكثير غيرها فلم يجد لأحدهم ذكرا في أسناد تلك الأحاديث ولا في متونها .
ورجع إلي كتب الطبقات كطبقات ابن سعد ( ت 230 ه ) الذي يذكر طبقات الصحابة والتابعين حسب نسبتهم إلي بلادهم وطبقات خليفة بن خياط ( ت 240 ه ) وسير أعلام
الفكر الاسلامي ـ العدد 23(صفحه 231)
النبلاء للذهبي ( ت 748 ه . ق )وغيرها فلم يجد لأحدهم ذكرا فيها .
ورجع إلي كتب معرفة الرواة كالعلل لأحمد بن حنبل والجرح والتعديل للرازي ( ت 327 ه ) وتاريخ البخاري وغيرها .
ورجع إلي كتب الأنساب كجمهرة نسب قريش للزبيري ( ت 236 ه ) وجمهرة ابن حزم ( ت 456 ه ) والأنساب للسمعاني ( ت 562 ه ) وغيرها .
ورجع إلي كتب تراجم الصحابة كالاستيعاب وأُسد الغابة والإصابة وغيرها .
ورجع إلي كتب التاريخ العام كتاريخ خليفة بن خياط والطبري ( ت 310 ه ) والتواريخ الخاصة كصفين لنصر بن مزاحم ( ت 212 ه ) وتاريخ دمشق لابن عساكر ( ت 571 ه ) وكثير غيرها .
ورجع إلي كتب الأدب كالأغاني للاصبهاني ( ت 356 ه ) والمعارف لابن قتيبة ( ت 276 ه ) والعقد الفريد لابن عبد ربه ( ت 328 ه ) إلي كثير غيرها .
وبعد كل هذه المراجعات وجد أنّ جميع الأحاديث التي وردت فيها أسماء هؤلاء الصحابة تنتهي أسانيدها إلي سيف وحده .
وبالإضافة إلي دراسة أسناد أحاديث سيف قام بدراسة متن الحديث أي بدراسة كل خبر ورد عن سيف في شأنهم علي حده ، وقارنه بين حديث غيره من الرواة في نفس الخبر وكان يجد بعد ذلك أحد اثنين :
أما ان يكون خبر سيف مختلقا كله ، بسنده ومتنه وما فيه من شعر وخطبة ومعجزة وحرب ومعاهدة ، وبطل قائد صحابي ، ومكان ذكر وقوع الحادث فيه مثل أخبار القعقاع وغيره .
أو أ نّه حرف خبر صحيحا ونسبه إلي غير صاحبه ممن اختلقهم من صحابة وتابعين أو غير ذلك من أنواع التحريف .
وبعد كل هذا الاستقصاء والتتبع وعدم العثور علي رواية واحدة مسندة عن غير طريق
الفكر الاسلامي ـ العدد 23(صفحه 232)
سيف يرد في سندها أو متنها اسم أحدهم أو خبره اعتبر هؤلاء من مختلقات سيف من الصحابة .
الفرق بين الصحابي المختلق والذي له وجود :
والفرق بين مختلقات سيف من الصحابة والصحابة الذين كان لهم وجود حقا ، أ نّه بينما ينحصر ذكر من اختلقهم سيف بأحاديث سيف فحسب ، ونجد أنّ الصحابة الذي كان لهم وجود حقا ، يذكرهم كل راو يذكر الخبر المنسوب إليهم .
مثال ذلك أنّ خالد بن الوليد لا ينحصر ذكر اسمه وأخباره براو واحد ، بل يذكره مَنْ ذكرَ في سيرة الرسول صلياللهعليهوآله خبر مهاجمة فرسان المشركين من جبل اُحد يوم اُحد كقائد لهم .
ويذكر إسلامه مَنْ ذكر إسلام من أسلم من قريش بعد صلح الحديبية .
ويذكره مَنْ ذكر خبر وقعته ببني جذيمة ، وكيف أصاب منهم كقائد لتلك الوقعة . ويذكره مَنْ ذكر خبر قتل مالك بن نويرة وما فعله خالد يوم ذاك .
ويذكره مَنْ ذكر خبر حرب المسلمين لمسيلمة الكذاب كقائد للمسلمين يوم ذاك .
ويذكره مَنْ ذكر خبر الفتوح في العراق والشام كقائد فيها وبطل .
يذكره كل مَنْ ذكر خبرا من هذه الأخبار ، وغير هذه الأخبار من أخبار خالد ويأتي ذكره في مئات الأحاديث عند عشرات الرواة .
ويأتي ذكره في جميع كتب السير والحديث والطبقات التي تورعت عن ذكر أحاديث سيف ومختلقات سيف .