أحمد منصور
الخرائط الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وروسيا والصين
هناك فارق كبير بين الخرائط الجغرافية والخرائط السياسية والاستراتيجية للدول، فالخرائط الجغرافية هي التي تظهر حدود الدول بجيرانها وتضاريسها ومساحتها وسهولها وجبالها وأنهارها وأوديتها وبحيراتها وصحاريها وغاباتها إلى غير ذلك من الجوانب الأخرى، أما الخرائط السياسية والاستراتيجية فهي التي تظهر قدرة الدول على بسط نفوذها وسيطرتها الخارجية من الناحية السياسية والعسكرية والتجارية والبحرية وهذه تصنعها الرؤية الاستراتيجية للحاكم وتتحقق من خلال الاتفاقات الثنائية أو الأحلاف الاقتصادية أو السياسية أو العسكرية، فهناك حلف الناتو الذي يتيح لأعضائه عمقاً عسكرياً واستراتيجياً يتجاوز حدود كل دولة إلى الدول الأعضاء، وقبله كان حلف وارسوا الذي سقط مع سقوط الاتحاد السوفياتي في العقد الأخير من القرن الماضي، وكان حلفاً عسكرياً تقوده روسيا لمواجهة حلف الناتو الذي كانت تقوده الولايات المتحدة، بعده لم تقم أحلاف عسكرية أخرى لمواجهة الناتو، ولكن قامت أحلاف اقتصادية تخفي تحت ردائها تحالفات أمنية مثل «منظمة شانغهاي» التي أسست في العام 2001 وتضم روسيا والصين وقيرغيستان وأوزبكستان وكازاخستان ومن المقرر أن تنضم لها باكستان والهند وتقدمت تركيا بطلب انتماء لها وهذا سيعتبر أكبر حلف تجاري واقتصادي في العالم بين دول متواصلة جغرافياً تشكل الكتلة السكانية الأكبر في العالم، حيث ينظر كثير من المراقبين لمنظمة شانغهاي على أنها المنظمة الوحيدة القادرة على كسر الاحتكار الغربي الأميركي للنظام العالمي من حيث القدرات العسكرية والاقتصادية والثقل السكاني والتقارب الجغرافي والاكتفاء الذاتي وربما هذا ما دفع الولايات المتحدة إلى أن تقوم بسحب ثقلها العسكري من الشرق الأوسط لتركزه في بحر الصين الجنوبي، حيث يمر ثلثا التجارة الدولية، ولعل توجه تركيا إلى منظمة شانغهاي كان رسالة واضحة للاتحاد الأوروبي وحلف الناتو بأن البديل الآسيوي لتركيا قد يكون أكثر قوةً وفائدةً وعمقاً لتركيا من أوروبا، فهناك فارق كبير بين الاتحاد الأوروبي الذي لا يزيد عدد سكانه على 550 مليون نسمة ومنظمة شانغهاي التي تضم بعد اكتمالها ثلثي سكان الكرة الأرضية ما يقرب من ثلاثة مليارات إنسان، بما يجعلها مؤهلة خلال عشر سنوات إن لم تكن القوة الأولى في العالم لتصبح المنافس الرئيسي ليس للولايات المتحدة الأميركية وحلفائها من الناحية العسكرية فحسب، بل من كافة النواحي لاسيما بعد مشروع الحزام والطريق الذي ربط الصين مع بريطانيا عبر خطوط سكك حديدية أقل كلفة في النقل وأسرع في الأداء مروراً بعشرات الدول التي يمكن للصين أن تزودها باحتياجاتها بشكل أسرع وأرخص بكثير من البضائع الأميركية والأوروبية، وهذا يعني أن الصين ستصبح هي مصنع العالم الذي يلبي احتياجات الآخرين من كل النواحي، ولأن الحروب ليست عسكرية فقط، فإن حاجة الآخرين الاقتصادية للصين ستجبرهم على الدخول في أحلاف معها أو احتوائها أو عقد تحالفات معها. هكذا يجب أن ننظر للخرائط بعيداً عن الحدود الجغرافية للدول إلى الحدود الاستراتيجية والنفوذ ولعل هذا ما جعل الولايات المتحدة تسعى لتطويق الصين وروسيا بالقواعد العسكرية، حيث أعلن ترامب في خطابه عن الاستراتيجية الأميركية الأخير أن أعداء الولايات المتحدة هما روسيا والصين.
(الوطن)