حول فتوى تحريم استخدام الـ"بيت كوين"
السبت 13/يناير/2018
بقلم: ياسين عز الدينأصدرت دار الإفتاء التابعة للسلطة فتوى بتحريم التعامل مع البيت كوين (عملة إلكترونية يتم تداولها عبر الانترنت)، وهي أول جهة تفتي بحرمة التعامل بشكل مطلق مع هذه العملة بحسب علمي.
وبعد قراءتي للفتوى وجدت أنها تخلط عدة أمور، كما أنها لا تستدل بآيات أو أحاديث أو أقوال صحابة، مع ضعف في إيراد الأدلة، وبعضها مردود ولا يعتد بها.
قبل الرد على أدلة الفتوى أريد توضيح الخلط في الفتوى، فهي لم تفرق بين أمرين:
ا- استخدام العملة الإلكترونية من أجل البيع والشراء، وهي تأخذ نفس حكم التجارة بالدولار والدينار وغيرها من العملات الرسمية، والفتوى فشلت بإيراد أي دليل معتبر لتحريم هذه الناحية، كما لم يفت أحد من أهل العلم (بحسب ما أعرف) بذلك.
ب- المضاربة (أي التجارة بالعملة نفسها) وهذه فيها محاذير شرعية يجب أخذها بعين الاعتبار حتى لا ينزلق المرء إلى التعامل بالربا (مثل البيع الآجل) أو القمار أو الغرر.
وقد تكلمت في منشور سابق محذرًا المضاربين فيه، لأن سعر عملة البيت كوين أصبح مبالغًا بها، والكثيرون تخدعهم الرغبة بالربح السريع ويدخلوا مغامرات قد يخسروا كل شيء بسببها، والكثير منهم يقعون في مخالفات شرعية.
لذا اعتراضي الأساسي هو على تحريم العملة الإلكترونية من حيث المبدأ.
أما ردي على أدلتهم الشرعية فهو كالآتي :
1- يقولون أنها غير شرعية لأنها غير صادرة عن "سلطة معلومة" وهذا لا دليل شرعي عليه، فلا أحد من أهل العلم اشترط أن يكون الذهب والفضة صادرًا عن بنك مركزي أو سلطة تنظم إصداره.
2- يستدلون بالحرمة بأن البيت كوين عرضة للضياع والفقدان والقرصنة والسرقة، وهذا ينطبق على العملة الورقية والذهب والفضة أيضًا!! وليس حجة للتحريم.
3- عدم وجود فيزيائي للبيت كوين، فهل يدرك أصحاب الفتوى أن أغلب المعاملات المالية والدولارات تتنقل اليوم عبر الانترنت والبنوك بدون أي وجود فيزيائي لها؟ فهل أصبحت هي محرمة أيضًا؟
4- تتكلم الفتوى عن عدم وجود ضامن للبيت كوين، وهل يعلم أصحاب الفتوى أن الدولار الأمريكي لا ضامن له؟ فمنذ عام 1970 تخلت الحكومة الأمريكية عن ضمان صرف الذهب مقابل الدولارات، وما يحكم سعر الدولار وباقي العملات هو العرض والطلب، وهو نفس ما يحكم البيت كوين، فهل الدولار أيضًا محرم؟
5- تستدل الفتوى بقرار الحكومة الصينية منع تداول البيت كوين، وهذا مضحك فمنذ متى أصبح راي دولة شيوعية ملحدة دليلًا شرعيًا؟
علمًا بأن الصين منعت التداول به من أجل تنظيم التعامل به، وليس منعًا مطلقًا.
6- المأخذ الأساسي للفتوى على العملة الإلكترونية، وهو نفس مأخذ سلطة النقد التابعة للسلطة وأغلب الحكومات المعترضة عليه، هي أنها غير خاضعة لرقابة البنوك، وهنا مربط الفرس.
فمن ناحية هنالك مصلحة للمستهلكين بوجود رقابة للدولة على العملات والمعاملات المالية، من أجل منع الغش والاحتيال، ومن ناحية أخرى هم يريدون الرقابة من أجل محاربة ما يسمونه "أموال الإرهاب"، أي أن السلطة لا تريد انتقال الأموال عبر وسيط غير البنوك حتى يستمر الحصار الخانق على غزة، وحتى يستمر الحصار على حماس.
فما دامت الحكومات المعنية غير مؤتمنة، وأغلبها يحارب الإسلام تحت مسمى محاربة الإرهاب، فلا يمكن اعتبار رقابتها متطلب شرعي بأي حال من الأحوال.
الخلاصة:
العملات الإلكترونية لا تخضع لرقابة البنوك، وهذا يعطي قوة للتحرر من سلطة أمريكا التي تتحكم بكل دولار ينتقل عبر البنوك، لكنها عمليًا لم تنضج للاستخدام في المعاملات التجارية لتكون بديلًا عن العملة الرسمية.
والمضاربة والمتاجرة بالبيت كوين وغير من العملات الإلكترونية وغير الإلكترونية، فيه مخاطر الإنزلاق لمحرمات شرعية مثل القمار والغرر والربا، لذا يجب الحذر وسؤال أهل العلم، ونفس الشيء ينطبق على التجارة بالأسهم.
الكثير من الأدلة التي استدلت بها دار الفتوى ضعيفة، واشتراطها رقابة السلطة على العملة الإلكترونية ليس شرطًا شرعيًا، بل على العكس هو إعانة للصهاينة والأمريكان للتحكم بأقوات الشعب الفلسطيني من خلال رهنها بالبنوك وسلطة النقد.
بقلم: ياسين عز الدين
بتاريخ: 24/12/2017