مع العام الجديد يجب أن يحلم الفرد ببداية تحمل تطويرا للنفس وخططا قادرة على مجابهة الواقع الصعب
إسراء الردايدة
عمان- مع الخطوة الأولى نحو عام جديد، نودع أشهرا صعبة على كل الصعد، ما من فرد لم يختبر الألم والفرح والحسرة والنجاح، بداية طموح وحتى نهاية حلم.
وفيما نقف اليوم على عتبة 2018، نصبو لبداية جديدة تحمل في طياتها تطويرا للنفس وخططا واثقة قادرة على مجابهة الواقع الصعب الذي نعيشه.
نبحث في داخلنا مع بداية كل عام جديد عن هدف يجلعنا نحس بقيمة حياتنا كأفراد، وسط تقييم مستمر لذاتنا وتطورها، فيما تختلف طريقة قياس ذلك التطور من فرد لآخر، يبقى الأثر الملموس؛ هو كيف نشعر إزاء أنفسنا، وهذا يساعدنا على ما نخطط من جديد وسط قرارات لم تكتمل وخطط جديدة وأهداف نصبوا إليها، الحقيقة هي أننا في سعي مستمر لردم الفجوة بين ما نحن عليه وما نريد أن نكون، وأين نقف اليوم وماهي وجهتنا التي ضللنا أو تأخرنا عنها نتاج عقبات مرت بها، فمهما كان نوعها، يبقى الشغف والمخاطرة عاملان أساسيان في كل بداية مهما كان نوعها؛ مهنية، شخصية، وحتى حياة مختلفة أو مكان جديد، فأي شيء فيه بداية ينطوي على هذين العاملين، بحسب "سيكولوجي توداي"؟
ولكن تحقيق أي منها في 12 شهرا ليس بالأمر السهل، ومع أهمية أن تكون تلك الأهداف وحتى أي كان ما تريد تحقيقه واقعيا ولا يتعدى الخيال، من المهم عدم فرض حجم كبير من التوقعات العالية، كي لا تصطدم بواقع النتيجة التي حققت، ما يسبب الخيبة والتي تكون أكبر من التحمل، فتتعطل أشرعتك ومحركاتك ولا تعرف كيف تواصل طريقك.
ففي مواجهة المصاعب التي يخبئها لنا القدر، نحتاج للقوة، والخروج من قوقعتنا التي نحصن فيها أنفسنا ونواجه الحياة، فلن نعرف أي شيء ما لم نجرب، ولا نستطيع الحكم على أمر لا نملك أدنى فكرة عنه.
ومن لا يخاطر في حياته لتجنب الأذى، يفوت فرصا كبيرة في النضوج، وفقا لقول سنكا الشهير "ليس لأن الأمور صعبة لا نجرؤ، بل لأننا لا نجرؤ تغدو الأمور صعبة".
وفي خضم التعامل مع القادم الذي نجهل كل شيء عنه، سوى توقعات تمثل آمالا، فإن عنصر المبالغة في تحليل كل حركة نقوم بها أو ما ينتج عنها يثقل الكاهل، بمعنى أن تقوم بما يجب فعله، والبقية تتبع بحسب المعطيات التي بنيت عليها، وبالوقت نفسه هو أشبه بوضع النقاط على الحروف التي تسهم في تحديد اتجاهاتك، ومعرفة متى يكون القطار الأنسب لتستقله.
والخوف شعور طبيعي في التعامل مع كل هذه المتغيرات، والتعامل معها ليس بالأمر السهل بتاتا، وليكن دافعا لتستمر وتركز فيما تسعى إليه، مع عدم نسيان أن تكون واقعيا في كل لحظة وإن كنت تحلم، عش اللحظة بكل ما تحملها من قيم ومشاعر، وليكن حاضرك محور تركيزك الأكبر، والشجاعة طريقك لتردم أي مسافة بين الحلم والواقع.
ولأن الماضي ربما يحمل الكثير من التجارب الصعبة، دع ما حصل سابقا يمضي في سبيله، فأنت لا تملك أي سيطرة الآن عليه، فلا تدع الألم والخيبة تعمي بصيرتك عن التفكير بوضوح وبطريقة مختلفة وافسح المجال للشعور بالراحة، ولا تدع ما لا يمكن لك أن تتحكم به أن يتداخل مع الأمور التي يمكن أن تتحكم بها، بمعنى قد لا تملك سيطرة على الحزن والشعور بعدم السيطرة أو الضعف وعدم امتلاك الحلول، ولكنك تمتلك القدرة على تجاوزها والتفكير بأمور أفضل منها، وهذا هو الحل للخروج من كل ما تشعر به من سلبية.
ويعني هذا أيضا أن تغير من طريقة تفكيرك، فالأفكار كالروتين، هي عملية مستمرة، ولأن المجهول دائما ما يقيدينا بمشاعر سلبية من الخوف يكن المجهول تحديا لتدع القوة بداخلك تطلق العنان لنفسها وتمسك بزمام الأمور وتوجهك نحو غايتك، فأي نمو يحصل لن يكون بدون خبرات وتغيير، وإن لم تستطع أن تغير عقلك، لن تكون قادرا على تغيير أي شيء في حياتك، وستبقى كما أنت. وأحيانا كل ما عليك القيام به هو أن تنظر إلى الأمور من منظور مختلف لتتغير بشكل أفضل.
وفيما أنت تتقبل الواقع برحابة، فالحياة بسيطة وكل شيء يحدث في اللحظة المناسبة له، لا مبكرا ولا متأخرا، أي أن كل شيء في وقته، فما تفقده من جانب يعوض وتحصل عليه من جهة أخرى بأمور أفضل، وكل ما تكسبه تقابله خسارة في أمور أخرى.
وهذا هو واقع الحياة، فانتبه لما يدور حولك وقد لا يعجبك، وهو أمر لست مضطرا إليه، ولكنه يسهل الأمور عليك، فتلك اللحظات التي تمر إما أن تأسف عليها أو تفرح وتتمتع بها، فكل شيء بيدك ورهن اختياراتك التي تقرر بها سير الأمور بين تقبل الواقع وبين مقاومة كل شيء، فقط لمجرد أنك لا تعرف ما تريده، ولا تنسى أن بعض الأمور خارجة عن السيطرة البشرية، وهذا ما يعرف بالقدر فلا تتحداه بل تقبله، وحينها تكافئك الحياة.
وبين التخلي عما نجيده وتعلم خبرات ومهارات جديدة، فإن البدء من جديد بطقوس تختلف عن تلك التي اعتدناها، لن يكون هينا أبدا، لكن أعد تجميع قواك، فالقوة لا تعني أن تحمل الحزن أو الخجل، ولكنها تعني اختيار طريقك والعيش مع النتائج لهذه الخيارات وتحمل عواقبها والتعلم منها.
ومن هنا اليوم ونحن نخطو نحو أمر لا نعرف ماذا يخبئ بجعبته، قدر ما تعلمته، فإن الطريقة التي تجاوزت بها كل هذه الأمور هي التي تحدد من أنت، وهي ما جعلتك الشخص الذي أنت عليه اليوم والشخص الذي ستكون قادرا على أن تكونه غدا.
فما نفعله اليوم ضروري للوصول للغد، فقد لا تكون جيدا كما تتمنى أو عظيم الشأن كما تريد، لكن على مدى الوقت والطريق الذي مشيته أنت أفضل بكثير مما كنت عليه سابقا، فاستغل الفرص وتابع التسلق فإن الأشياء تأتي لمن يعمل من أجلها. وبمجرد وصولك لتلك النقطة يعني أنه ما من عودة للوراء، بل التقدم إلى الأمام هو الحل للخروج من تلك الحالة، وبمجرد التفكير بهذه الطريقة تكون قد خطوت خطوة إلى الأعلى.