النفط الصخري .. سيف ذو حدين
كثير من التقارير المتخصصة تؤكد ان احتياطي امريكا من النفط الصخري يبلغ ما يعادل 1.5 ترليون
برميل وغالباً ما تفخر معظم هذه التقارير بأن هذا الاحتياطي يعادل 5 مرات الاحتياطي المؤكد للسعودية.
وبلا شك هناك فئة من التقارير تركز على علاقة هذه الاحتياطيات بالأمن القومي الامريكي.
من المؤكد أن هناك تطور هائل في تقنيات النفط الصخري وانتاجه، ففي عام 2000 كان في الولايات
المتحدة 23 ألف بئر تنتح 102 ألف برميل يومياً ، اي بمعدل 4.4 برميل لكل بئر يومياً، واليوم هناك 300
ألف بئر تنتج 4.3 ملايين برميل يومياً اي بمعدل 14.3 برميل لكل بئر يومياً .
لقد كان انتاج النفط الصخري عام 2000 كان يشكل 2% من انتاج امريكا ، واليوم يشكل أكثر من نصف
انتاجها من النفط الخام وهذه أسرع وتيرة لزيادة الانتاج في تاريخها. هذا الارتفاع الكبير في الانتاج أدى
الى انهيار الأسعار في منتصف 2014، حيث وصل انخفاض سعر برميل الخام الى 75%. الحقيقة ، ان
تلك الزيادة في الانتاج لم يتم رصدها على الرغم من ضخامتها ، من منظمة اوبك أو من أي أعضائها
بشكل منفرد ، واحتمالات تأثيرها على الاسعار خلال الاعوام الماضية ، وإن وجدت فلم تؤخذ على محمل
الجد بدليل ان معظم الإجراءات الاحترازية الأساسية والمؤثرة التي تخذتها معظم دول اوبك او حتى
المنتجين من خارج اوبك اتخذت أو اقترحت بعد انخفاض الاسعار الحاد في 2014 .. بالتأكيد انه من
الصعب امتصاص التأثير بشكل كلي و بوقت قصير ، ولكن التأخر في تنويع مصادر الدخل أسهم في خلق
ضغط على الاحتياطيات السيادية وارتفاع تكلفة الأقتراض في حال اصدار سندات او صكوك . الاقل تأثراً
من بين المنتجين العرب هي الامارات، لأن النفط يشكل 30% تقريباً من الناتج السنوي الاجمالي. تحديات
النفط الصخري على الرغم من كل التقدم التقني الذي احرزته اساليب التكسير الهيدروليكي في استخراج
النفط الصخري وأدى الى تخفيض التكلفة من مستوى أعلى من 80 دولارا للبرميل قبل عدة سنوات الى ما
دون 40 دولارا لبعض منتجي الصخري حاليا إلا أن تحديات انتاج النفط الصخري لا تكمن في تكلفة
الانتاج فقط انما مخاطر التلوث البيئي المصاحب لعملية الاستخراج. ففي تقرير حديث حذر مجلس الدفاع
عن الموارد الطبيعية الامريكي (NRDC) من مخاطر انتاج وقود النقل من النفط الصخري بالاضافة الى
دراسات عديدة أشارت الى التأثير السلبي من استخراج النفط الصخري على الهواء والماء والارض حول
موقع مشروع الحفر. ان عملية التكرير (التصفية) تؤدي إلى إطلاق ملوثات في الهواء تتضمن ثاني اوكسيد
الكبريت، الرصاص، وأوكسيدات النتروجين. يشير التحليل الصادر مؤخرا من مكتب إدارة الأراضي
الامريكي (BLM) إلى ان مشاريع النفط الصخري تؤدي الى انخفاض مدى الرؤية بأكثر من 10% ولعدة
أسابيع في السنة. وأشار مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية إلى ان انبعاثات غازات الاحتباس الحراري (
الغازات الدفيئة) من النفط الصخري تعادل ما يقارب الضعف من انبعاثات النفط الخام التقليدي، بحسب
شركة Rand، فأن انتاج 100,000 برميل من النفط الصخري يؤدي الى انبعاث 10 ملايين طن من
غازات الاحتباس الحراري. وأشار تقرير مكتب إدارة الاراضي (BLM) إلى ان تعدين وتكرير النفط
الصخري يتطلب 2.1-5.2 برميل من المياه لكل برميل نفط صخري منتج. بالإضافة الى هذه التحديات
فأن استخراج النفط الصخري نفسه يستهلك طاقة كبيرة فبحسب شركة (Rand) والذي استند اليه تقرير
مجلس الدفاع عن الموارد الطبيعية فإن انتاج 100,000 برميل من النفط الصخري يتطلب طاقة كهربائية
تعادل 1200 ميغاواط وهذه طاقة كبيرة تعادل تزويد مدينة يقطنها نصف مليون نسمة بالكهرباء. هذه
التداعيات المصاحبة لاستخراج النفط الصخري ليست نهائية، فهناك المزيد من الدراسات البيئية المتعلقة
بدراسة تأثير النفط الصخري على البيئة والحياه البرية وتخطيط الطرق وتجريف مناطق خضراء والتأثير
الجيولوجي خصوصا الزلازل. في اعتقادي ان هذه الاضرار المتزايدة سوف تخلق مزيداً من الضغط على
الجهات الحكومية والتشريعية من قبل جماعات حماية البيئة وهذا بالتأكيد سوف يقود الى رفع تكاليف انتاج
النفط الصخري مرة اخرى بسبب اشتراطات وقائية لحماية البيئة التي من الممكن فرضها على المنتجين
وعندها ستتعالى الاصوات بالمناداة بدعم حكومي . هذه التداعيات البيئية ادركتها دول اخرى ولم تصب
بهوس انتاج النفط الصخري الذي اصاب امريكا وبعضها وصل حد منع مشاريع استخراج النفط الصخري.
ان نمو انتاج النفط الصخري المتسارع كان درسا يجب ان يجعلنا نسعى الى الاتي:
التهيؤ لكل تحديات الطاقة وفي مقدمتها الطاقة المتجددة ، من خلال اعداد ستراتيجية عربية للطاقة المتجددة
وتكاملها.
اعتماد استراتيجية للبحث والتطويرو تفعيل مراكز البحث الجامعية وفي المؤسسات والشركات ذات العلاقة
الاستثمار في شركات تكنولوجيا الطاقة المتجددة.
على الرغم من استمرار تراجع منصات الحفر في امريكا الا ان ارتفاع اسعار النفط المتوقع في الربع
الثالث من عام 2016 سوف يحفز على تماسك شركات النفط الصخري و يوقف ترنحها و لكن العوامل
البيئية هي التي ستشكل ضعطا متناميا على التراخيص الجديدة و على تكاليف انتاج الشركات القائمة.
وضاح الطه
عضو المجلس الاستشاري الوطني لمعهد CISI في دولة الامارات