(( التقويم هوية الأمم وذاكرتها ))
لكل أمة من أمم الأرض تقويمها الخاص بها، تعتز به وينتسب إليها، وبه تؤرخ أحداثها وأيامها، وتحدد أعيادها ومناسكها، فهو يمثل تاريخها ودينها وحضارتها، وحافظ ذاكرتها وصندوق ذكرياتها وسجل أحداثها ورمز حضارتها ومرآة ثقافتها وإبداعها..
ومن هنا حرصت كل أمة من الأمم على أن يكون لها تقويمها الخاص الذي ينطبع بطابعها، ويتشرب نكهة عقائدها وروح حضارتها.. وكان يستحيل على أمة أو أصحاب عقيدة أن يؤرخوا بتقويم أمة أو ديانة أخرى.
وكان رجال الدين وسدنة العقائد من كل أمة هم القائمين على التقويم وحساباته وتحديد مواقيت أعياده ومناسباته وبداياته شهوره وأطوالها وبيان طبيعة السنين وأحوالها من حيث البسط والكبس وغيرهما ولذلك وجدنا رهبان الرومان قائمين على تقويمهم، وسدنة نار المجوس مسئولين عن تقويمهم، وكبار حاخامات السنهدرين من اليهود [ ] يختصون بتقويمهم، والبابا غريغوري الثالث عشر على رأس لجنة تصحيح تقويم النصارى، وثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب [ ] - التقويم هوية الأمم وذاكرتها radia.gif - يعزف عن تقاويم الأمم المجاورة، ويؤسس لأمة الإسلام تقويمها الخاص بها، مستبعدًا العمل بجميع التقاويم الوثنية المعروفة في عصره، متمسكًا بالعمل بالتقويم القمري (الهجري) الذي حافظ على نقائه عبر الدهور وعصور الجاهلية، فلم يتلوث كما هو حال التقاويم الأخرى التي خلعت أسماء آلهتها الوثنية على أسماء شهورها وأيامها.
والسر في نقاء التقويم الهجري القمري أنه تقويم رباني سماوي كوني قديم قدم البشرية، ليس من ابتداع أحد من الفلكيين، وليس للفلكيين من سلطان على أسماء الشهور العربية القمرية ولا على عددها أو تسلسلها أو أطوالها، ولا على طبيعة سنتها من حيث البسط والكبس، ولا على عدد السنوات الكبيسة أو البسيطة في الدورة القمرية.. فكل ذلك يتم بحركة كونية ربانية، وتم تحديد عدد الشهور في كتاب الله:"إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرًا في كتاب الله يوم خلق الله السموات والأرض منها أربعة حرم".
ووردت أسماء بعض الشهور والأيام في كتاب الله، مثل: رمضان [ ] والجمعة [ ] والسبت ووردت في السنة النبوية بقية الأسماء التي تداولتها الأمة على مر القرون.
وظلت الأمة تستخدم التقويم الهجري إلى أن جاءت الموجة الاستعمارية في العصر الحديث وما تبعها من تغريب وفقدان للهوية وسقوط للخلافة الإسلامية على يد مصطفى كمال أتاتورك الذي ما لبث أن أصدر قرارًا بإلغاء التاريخ الهجري واستبدال التاريخ الميلادي به سنة (1344 هـ = 1926م).. وحل التقويم الميلادي الغريغوري محل التقويم الهجري تنفيذًا لمخطط دام قرونًا طويلة.