منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 مقومات الحضارة الإسلامية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

مقومات الحضارة الإسلامية  Empty
مُساهمةموضوع: مقومات الحضارة الإسلامية    مقومات الحضارة الإسلامية  Emptyالسبت 20 يناير 2018, 11:38 pm


(( خصائص الحضارة الإسلامية ))

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد صلوات ربي وسلامه عليه وعلى صَحْبه أجمعين، وآل بيته الطاهرين، ومَن تَبِعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فبناء الحضارات هو شُغْل العقلاء في كل زمان ومكان؛ لأنه يعني السير بقطار الحياة السكانية والعمرانيَّة، والسياسية والاقتصادية، والتِّقنيَّة والفكرية، والفنية والعسكرية، والعلمية والسلوك الفردي والاجتماعي نحو الازدهار والتفوق.

فقامت الحضارات في المدن، وبخاصة القريبة من مصادر المياه، التي شكَّلت فيما بعدُ دولاً؛ كحضارة الإغريق والرومان واليونان والساسانيين والمكسيك وبيرو وفارس ووادي السند والصين، وكان أكثرها رُقيًّا التي قامت حول وادي دجلة والفرات والشام والنيل.

والقليل من هذه الحضارات لم يَمتد أثرُها لغيرها، وأما الغالب فإنها اتَّصلت ببعضها، مما جعل بينها عواملَ مُشتركة، مع انفراد كلِّ حضارة بما تُحدِثه من تطوير وإضافة، من خلال استثمار عوامل البيئة الحيوية وغير الحيوية في سبيل تلبية حاجات ورفاهية الإنسان؛ فمثلاً قلة المياه في البيئة تجعلهم يَبتكِرون طرقًا للحصول عليه.. وهكذا؛ ولذا تتراجع وتَضعُف الحضارة حينما يَفقِد الناسُ قدرتَهم على الابتكار والإبداع.

وكلُّ الحضارات ارتكزت على أحد جانبين: إما المادة أو الرُّوح، حتى الحضارة الغربية اليوم، إلا الحضارة الإسلاميَّة، مما جعل لها خصائص مَيَّزتها عن غيرها من الحضارات، ومنها:

1- أنها حضارة للرُّوح والمادة معًا.

2- الاعتناء ببناء الإنسان نفسيًّا وعقليًّا وجسديًّا وسلوكيًّا؛ قال تعالى: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [التين: 4]، وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ﴾ [الإسراء: 70]. 

3- جَعْل الدين هو الأساس والدافع لقيام الحضارة وإعمار الأرض وَفْق شرع الله تعالى، فظهر أثرُ ذلك في الأقوال والأعمال والأحوال؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 162]؛ ولهذا لا نجدُ تَميُّزًا للحضارة الإسلامية في فنون التماثيل والتصاوير لذوات الأرواح؛ لأنه مَنهيٌّ عنها في الإسلام.

4- تأصيل الولاء والبراء في النفوس؛ فنجد أناسًا من أصول مُتفرِّقة وألسنة متباينة وبُلدان مُتباعِدة، لكن يجمعهم الدِّين - قد ساهموا في بناء الحضارة الإسلامية؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ [الممتحنة: 4].

5- رَفْض كلِّ أنواع التعصب والعنصرية والطبقيَّة والقوميَّة، وما شَابَهَ ذلك؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13].

6- إقامة العدل بين المؤمنين فيما بينهم، أو مع المخالفين لهم من المنافقين والكافرين؛ قال تعالى ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ ﴾ [النحل: 90]، وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ﴾ [النساء: 58].

7- الحثُّ على العِلم، والبحث والتفكُّر في الآيات السَّمعيَّة والكونية؛ لأن الابتكاراتِ لَم تَحدُثْ من عدم، بل هي أشياءُ خلَقها الله - عز وجل - في الكونِ، تُكتَشَف من خلال البحث والتَّجرِبة؛ قال صل الله عليه وسلم: ((ومَن سلَك طريقًا يَلتَمِس فيه عِلْمًا، سهَّل اللهُ له به طريقًا إلى الجنة))؛ رواه مسلم.

8- الحثُّ على العمل وعمارة الأرض، وإثراء الحياة في شتَّى الميادين بكل ما هو مفيد، حتى جعل صاحبَه يرتقي لمرتبة العبادة إذا ابتغى بعمله وجهَ الله - جل جلاله - فشهِدت الحضارة الإسلامية تنمية كبيرة في التجارِة، من خلال: الضرب في الأرض، وتقوية الاقتصاد بالزكاة، وإنشاء بيت المال، واستصلاح الأراضي والإنتاج الزراعي؛ فقال صل الله عليه وسلم: ((ما مَن مسلم غرس غرسًا فأكل منه إنسان أو دابة إلا كان له صدقة))؛ رواه البخاري، وقال صل الله عليه وسلم: ((مَن أحيا أرضًا ميتةً، فهي له))، والأمثلة كثيرة في المجالات المختلفة.

9- التأكيد والإلزام بمكارم الأخلاق في كلِّ نُظُم الحياة، وعدم التنازل عنها في جميع الأحوال والأزمنة والأمكنة؛ قال صل الله عليه وسلم: ((إنما بُعِثتُ لأتُمِّم مكارِمَ - وفي رواية: صالِحَ - الأخلاق))؛ السلسلة الصحيحة للألباني.

10- مراعاة أعراف وعادات المجتمعات ما لَم تُخالِفِ الدينَ؛ قال صل الله عليه وسلم: ((خُذي وولدَكِ ما يَكفيك بالمعروف)).


11- الجهاد بهدفِ إفراد الله بالعبادة، وتحرير البشريَّة من عبوديَّة المادة والعظماء والطواغيت، ومن طغيان الحُكَّام، والظُّلم الاجتماعي، ودحْر الفساد والمفسدين، ونَشْر الحرية المنضبِطة، وإرساء قيم الحقِّ؛ ولذا برزت شخصياتٌ وأعمال وتضحيات للمسلمين لا مثيلَ لها في تاريخ البشرية؛ قال تعالى: ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 31]، وقال صل الله عليه وسلم: ((أفضلُ الجهاد مَن قال كلمةَ حقٍّ عند سلطان جائر))؛ شرح السنَّة للبغوي.

12- التوازن بين عمارة الدنيا والسعي للآخرة؛ قال تعالى: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 77].

13- إدراك قيمةِ الزَّمن؛ قال صل الله عليه وسلم: ((لا تزولُ قدما عبدٍ حتى يُسألَ عن عمُرِهِ فيما أفناهُ، وعن عِلْمه فيما فَعَل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيمَ أنفقَه، وعن جِسمه فيمَ أبلاه؟))؛ رواه الترمذي.

14- مراعاة المصالح والمفاسد بتحقيق أعلى نسبةٍ من المنافع والكمال، ودرء أكبر قدْرٍ من المفاسد والمضارِّ؛ قال تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ﴾ [البقرة: 219].

15- صلاحيَّتها لكل مكان وزمان، وعدم حَصْرها في منطقة محددة أو حِقبة زمنية أو فئة من الناس؛ فهي حضارةٌ استفادت من الحضارات التي سبقتها أو عاصَرَتْها، لكنها أعطَتْهم أكثرَ مما أخذت منهم؛ قال صل الله عليه وسلم: ((تركتُ فيكم ما إن تمسَّكتُم به لن تَضِلوا بعدي أبدًا؛ كتابَ الله وسُنَّتي))؛ وقال تعالى: ﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾ [طه: 123].


16- تأصيل مبدأ الشورى في تدبير أمور الأُمَّة؛ قال تعالى: ﴿ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ﴾ [الشورى: 38]، وقال تعالى: ﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾ [آل عمران: 159].

17- جَعْل اللغة العربية هي لغةَ تدوين العلوم والثقافة والحُكْم والدِّين؛ لأنها لغة ثابتةُ الأصول، وقابلة للتجديد
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

مقومات الحضارة الإسلامية  Empty
مُساهمةموضوع: رد: مقومات الحضارة الإسلامية    مقومات الحضارة الإسلامية  Emptyالخميس 17 أكتوبر 2019, 10:30 am

مقومات الحضارة الإسلامية (1)


1- طلب العلم فريضة:
تقول العالمة الألمانية الدكتورة زيجريد هونكه عن حضارة الإسلام التي قامت على لا إله إلا الله:
«لقد أوصى محمد كل مؤمن، رجلًا كان أو امرأة بطلب العلم. وجعل ذلك واجبًا دينيًا. فهو الذي يقول للمؤمنين: اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد. ويرشد أتباعه دائمًا إلى هذا، فيخبرهم بأن ثواب التعلم كثواب الصيام، وأن ثواب تعليمه كثواب الصلاة.
 

وكان محمد يرى في تعميق أتباعه في دراسة المخلوقات وعجائبها، وسيلة للتعرف على قدرة الخالق، وكان يرى أن المعرفة تنير الإيمان، مرددًا عليهم: اطلبوا العلم ولو في الصين.



والرسول يطلب إلى علوم كل الشعوب، فالعلم يخدم الدين. والمعرفة من الله وترجع إليه. لذلك فمن واجبهم أن يصلوا إليها وينالوها، أيًا كان مصدرها ولو نطق بالعلم كافر».
 

وعلى النقيض تمامًا يتساءل بولس الرسول مقرًا: (ألم يصف الرب المعرفة الدنيوية بالغباوة)؟[1].
 

مفهومان مختلفان بل عالمان منفصلان تمامًا، حددا بهذا طريقين متناقضين للعلم والفكر في الشرق والغرب.
 

وبهذا اتسعت الهوة بين الحضارة العربية الشامخة، والمعرفة السطحية المعاصرة في أوروبا، حيث لا قيمة لمعرفة الدنيا كلها.
 

ويعرف القديس أوغسطينوس محور المعرفة قائلًا: (أما الرب والروح فإني أبغي معرفتهما. فالبحث عن الحقيقة هو البحث عن الله، وهذا لا يستدعي معونة من الخارج). والمصدر الوحيد لتلك المعرفة هو الكتاب المقدس، وقصة الخليقة تعطي كل ما يحتاجه المرء من معلومات عن السماء والأرض والجنس البشري.  وأما أن يكون هناك سكان على الوجه الآخر من الأرض، فقد نفاه أوغسطينوس بشدة: (الكتاب المقدس لم يذكر مثل هذا الجنس من سلالة آدم).



وأما ما يدعيه بعضهم من أن الأرض كروية فهو كفر وضلال، فمعلم الكنيسة لاكتانتيوس يتساءل مستنكرًا: (هل هذا من المعقول؟ أيعقل أن يجن الناس إلى هذا الحد، فيدخل في عقولهم أن البلدان والأشجار تتدلى من الجانب الآخر من الأرض، وأن أقدام الناس تعلو رؤوسهم)؟! لقد كانت الأرض بالنسبة إلى بعض الناس تلًا تدور الشمس حوله ما بين الشروق والغروب وبالنسبة إلى الآخرين مسطحًا تحيط به المحيطات.
 

ملعون من يقتنع أو يقبل الآن تفسيرًا علميًا لحوادث الطبيعة. خارج عن طاعة الرب من يشرح أسبابًا طبيعية لبزوغ كوكب أو فيضان نهر، بل لمن يعلل علميًا شفاء قدم مكسورة أو إجهاض امرأة. فتلك كلها عقوبات من الله، أو من الشيطان، أو هي معجزات أكبر من أن ندرك كنهها!
 

ما وصلت إليه الكنيسة وكهنتها في المجال الديني، لم يكن عامل إنقاذ للحضارة بل كان عائقًا لها. لقد كانت أمامهم الفرصة، تمامًا كالعرب، بل إن فرصتهم كانت أكبر في أن يأخذوا التراث العظيم ويتطوروا به في درجات السلم المرقي.
 

لكن الفكر الإغريقي ظل بالنسبة إليهم غريبًا على الدوام. فحوالي عام 300 ميلادية علل أسقف قيصرية أويزيبيوس ذلك المسلك لعلماء الطبيعة من الإسكندرية قائلًا: (إن موقفنا هذا ليس جهلًا بالأشياء التي تعطونها أنتم كل هذه القيمة، وإنما لاحتقارنا لهذه الأعمال التي لا فائدة منها. لهذا فإننا نشغل أنفسنا بالتفكير فيما هو أجدى وأنفع).
 

ويظل هذا التفكير العقيم سائدًا لا يتغير، فيتحدث بمثل هذا في القرن الثالث عشر، القديس توما الإكويني فيقول: (إن المعرفة القليلة لأمور سامية أجل قدرًا من معرفة كبيرة موضوعها أمور حقيرة).
 

ولقد بدت للسادة المهيمنين على الأمور ضرورة تحريم الكتب التي تهتم بالأمور الحقيرة الدنيوية على المتعلمين ورجال الدين.
 

• ففي عام 1206 نبه مجمع رؤساء الكنائس المنعقد في باريس رجال الدين بشدة إلى عدم قراءة كتب العلوم الطبيعية، واعتبر ذلك خطيئة لا تغتفر.
 

وقضى هذا التفكير الضيق على كل موهبة، وعاق كل بحث علمي، وأجبر كل المفكرين الذين لا تتفق أعمالهم ومعتقدات الكنيسة هذه على إنكار ما قالوه من النظريات العلمية، وإلا كان مصيرها الحرق العلني بالنار لكفرهم وخروجهم على المعتقدات الإلهية.
 

ومن هنا فقط يتضح لنا تمامًا لماذا احتاجت الحضارة في الغرب ألفًا من السنين قبل أن تبدأ في الازدهار تدريجيًا، مع أنها كانت لديها فرصة مناسبة لتبدأ قبل الحضارة العربية بقرنين أو ثلاثة.
 

• وما إن انقضى قرن واحد من الزمان على الفتوحات الإسلامية حتى ازدهرت حضارة العرب وآتت أكلها مكتملة ناضجة... إن الإسلام لا يعرف وسيطًا بين العبد والرب، ولم يكن لديه على الأقل في تلك الظروف الحاسمة طبقة من الكهنة ولا تنظيمات وسلطات عليا مشرفة. وحيثما كانت المسيحية تطغى نتيجة لتسامح المسلمين، كان ذلك دائمًا يؤدي إلى كساد العلوم وإهمالها. ولعل إفناء الطبقة العلمية العليا على يد الأسبان والمغول، هو خير برهان على ما نقول.
 

كانت الاحتكاكات بين الآراء المختلفة قد منحت الحركة الفكرية حيوية دائمة، وحمت الإسلام من الجمود وأجبرته على أن يسلح نفسه علميًا، وأن يتطور بالقوى العقلية وينهض بها من سيادتها. وساعده على ذلك المطالب العديدة المنبثقة من شعائر الدين أو من الحياة اليومية للشعوب.
 

واجبات عديدة ومسئوليات جسيمة: فمعالجة المرضى ضرورية، وحماية الملايين من سكان المدن الكبيرة من الأوبئة، وإمدادهم بالدواء الناجع يتطلب أبحاثًا عملية دقيقة. وأدخلتهم حاجات تلك الملايين في عالم الحيوان والنبات ليدرسوه وينهضوا به. فنظم ري الأرض ومسحها، ورصدت الكواكب وحركاتها، ونظمت الرحلات، وأخذ كل شيء مكانه وزمنه اللازم له.
 

ففي كل حقل من حقول الحياة صار الشعار للجميع: تعلم وزد معارفك قدر إمكانك وأينما استطعت. وبأقدام ثابتة ونفوس مطمئنة، تعرف حقها وتؤدي واجبها، أقبل العرب على ما وجدوا من معارف، فاغترفوا منها قدر جهدهم، وما رأوا فيه نفعًا لهم...
 

لقد ذاقوا حلاوة العلم فازداد شوقهم إلى البحث عنه، لم يعودوا يرضون بغير العلم والبحث بديلًا. وبدأ نوع فريد فالتاريخ من طرق الكشف عن كنوز المعرفة، خصصت له البعثات الضخمة والأموال الطائلة، بل واستخدمت لأجله الوسائل الدبلوماسية، وخدمته سياسة الدولة الخارجية.
 

ولو أردنا دليلًا آخر على مدى الهوة العميقة التي كانت تفصل الشرق عن الغرب، لكفانا أن نعرف أن نسبة 95% على الأقل من سكان الغرب في القرون: التاسع، والعاشر، والحادي عشر، والثاني عشر. كانوا لا يستطيعون القراءة والكتابة.
 

وبينما كان شارل الأكبر يجهد نفسه في شيخوخته لتعلم القراءة والكتابة، وبينما أمراء الغرب يعترفون بعجزهم عن الكتابة أو القراءة، وفي الأديرة يندر بين الكهنة من يستطيع مسك القلم، لدرجة أنه عام 1291 لم يكن في دير جالينوس من الكهنة والرهبان من يستطيع حل الخط - بينما كان هذا كله يحدث في الغرب - كانت آلاف مؤلفة من المدارس في القرى والمدن تستقبل ملايين البنين والبنات، يجلسون على سجادهم الصغير يكتبون بحبر يميل إلى السواد فوق ألواحهم الخشبية، ويقرؤون مقاطع من القرآن حتى يجيدوها، ويجودون ذلك معًا بلحن جميل عن ظهر قلب، ثم يتقدمون خطوة تلو الأخرى في المبادئ لقواعد اللغة.
 

وكان الدافع إلى كل هذا هو رغبتهم الصادقة في أن يكونوا مسلمين حقًا كما يجب أن يكون المسلم. فلم يجبرهم أحد على ذلك، بل اندفعوا إليه عن رغبة وإيمان، لأن من واجب كل مسلم أن يقرأ القرآن.
 

فالكتاب المقدس لا يجد الناس إليه سبيلًا، إذا استثنينا الكهنة ورجال الدين،  فهم وحدهم يستطيعون قراءته وفهم لغته.
 

ومنذ عام 800 ميلادية لم يعد الشعب يفهم المواعظ الملقاة باللاتينية، حتى أن مجلس رؤساء الكنائس المنعقد في مدينة تور أوصى بوعظ الناس باللغة التي يتكلمون بها. ولم تكن هناك حاجة تدعو الشعب في تلك العصور إلى تعلم اللاتينية، بل لم تكن هناك أية رغبة في تعليم الشعب أو تثقيفه.
 

وعلى خلاف ذلك، كان الحال في العالم الإسلامي، فقد اهتمت الدولة بتعليم الرعية. ولم تلبث أن جعلت من التربية واجبًا ترعاه، فالأطفال من مختلف الطبقات يتعلمون التعليم الأولي مقابل مبالغ ضئيلة يقدر على دفعها الناس دون مشقة.
 

ومنذ بدأت الدولة تعين المعلمين للمدارس، أمكن للفقراء أن يعلموا أولادهم مجانًا.
 

بل إن بعض البلدان مثل أسبانية، قد جعلت التعليم للجميع مجانًا. وقد افتتح الحكم الثاني حوالي عام 965م في قرطبة سبعًا وعشرين مدرسة لأبناء الفقراء، بالإضافة إلى المدارس الثماني التي كانت فيها فعلًا.
 

• وفي القاهرة، أنشأ المنصور قلاوون مدرسة لليتامى ملحقة بالمستشفى المنصوري، ومنح كل طفل فيها، يوميًا، رطلًا من الخبز، وثوبًا للشتاء، وآخر للصيف.
 

وأنشأت الدولة المدارس العليا في كافة المدن الكبيرة. وكان الطلبة يتناولون طعامهم مجانًا، بل ويتقاضون مرتبًا صغيرًا، ويسكنون في الأدوار العليا في المدرسة دون مقابل. أما في المهاجع فثمة المطبخ والمخازن والحمامات. وفي الطبقة الأرضية تلتف الفصول وقاعات المكتبة على شكل دائري خلف ممرات مظلة تزينها الأعمدة، وفي الوسط فناء فسيح تتوسطه نافورة ماء.
 

هنا يتعلم شباب العرب الطَّموح القرآن وقواعد اللغة والديانة والخطابة والأدب والتاريخ والجغرافية والمنطق والفلك والرياضة.
 

ويساهم الطلاب في المناقشات والمناظرات، ويعيد معهم دروسهم مساعدون من طلبة الصفوف المتقدمة أو من الخريجين. وتبدو هذه المدارس كخلايا النحل الدائبة النشاط، تخرج للجميع شهدًا حلوًا فيه شفاء للناس، ولتقدم قادة للعلم والسياسة.
 

أما الطريق الذي يسلكه الراغب في تعلم فرع معين من العلوم، والذي يرغب الطالب أن يقوم هو بتدريسه يومًا من الأيام، فكان يبدأ في المساجد. فلم تكن المساجد مجرد أماكن تؤدى فيها الصلوات فحسب، بل كانت منبرًا للعلوم والمعارف، كما ارتفعت فيها كلمات الرسول فوق مجد التدين الأعمى. ألم يقل محمد أقوالًا، كان يكفي لأن يقولها في رومة حتى يحاكم عليها بتهمة الهرطقة.
 

وحول أعمدة الجامع كان يجلس الأستاذ ويلتف حوله طلبته، حلقة أبوابها مفتوحة لمن يشاء، رجلًا كان أو امرأة، ولكل الحق في سؤال الأستاذ أو مقاطعته معارضًا. وكان هذا النظام أكبر دافع للأساتذة يدفعهم دائمًا للإعداد المتقن لدروسهم والتعمق فيها...
 

وحول أعمدة المساجد أتيحت للطلاب دائمًا فرصة الاستماع إلى الأساتذة الزائرين من كل أنحاء العالم العربي المترامي الأطراف. سواء أكان هؤلاء العلماء في طريقهم إلى الحج أو مسافرين خصيصًا لهذا الغرض، يجوبون أنحاء العالم الإسلامي من سواحل بحر قزوين إلى سواحل الأطلسي، ومنهم المؤرخون والجغرافيون، ومنهم علماء الحيوان والنبات والباحثون في تراث الأدب القديم...
 

لقد قدم العرب، بجامعاتهم التي بدأت تزدهر منذ القرن التاسع، والتي جذبت إليها منذ عهد البابا سلفستر الثاني عددًا من الغربيين من جانبي جبال البرانس، ظل يتزايد حتى صار تيارًا فكريًا دائمًا، فقدم العرب بها للغرب نموذجا حيًا لإعداد المتعلمين لمهن الحياة العامة وللبحث العلمي.
 

لقد قدمت تلك الجامعات - بدرجاتها العلمية، وتقسيمها إلى كليات، واهتمامها بطرق التدريس - للغرب أروع الأمثال، ولم تقدم هذا المظهر فقط، بل وفرت له كذلك اللباب: مادة الدراسة[2].
 

وإذا كان الكتاب يقرأ من عنوانه، كما يقال دائمًا، فإن ما سطره الدكتور لويس يونج في مقدمة كتاب: العرب وأوروبا، لكفيل بإعطاء فكرة معقولة عن محتوى هذا الكتاب.
 

يقول لويس يونج: «قصة التفاعل بين حضارتي العرب وأوربا معقدة وشائكة وطويلة: وهي إذ تبدو قصة فتوحات وإعادة فتوحات، فإنها تأخذ أحيانًا أشكال مبادلات ثقافية متناوبة، أخذًا وعطاءً.
 

ونحن حينما نسلم اليوم أن آسيا وأفريقيا تتمثلان أوروبا قدوة لهما، يجب ألا ننسى الوجه الآخر للصورة في العصور الوسطى، عندما عكفت أوروبا على علوم العرب من طب وفلسفة وطبيعة، واستمر ذلك لفترة طويلة. حتى إذا كان القرن الثامن عشر قبست منهم نار الرومانطيقية، وفي القرن التاسع عشر سلبتهم أراضيهم، ثم بترولهم في القرن العشرين.
 

وعلى الرغم من سجل أوروبا الطافح بالتزمت الفكري واللا تسامح الديني، على النقيض من المسلمين، فإنها ظلت ترفض الاعتراف بما للعرب من يد طولى على حضارتها، وتتجاهل دورهم الحضاري، وتقلل من شأنه.
 

لقد هول المؤرخون الأوربيون في وصفهم الفتوحات الإسلامية في أوروبا خلال العصور الوسطى ومدى تهديدها للدين المسيحي، بينما تغافلوا عن ظاهرة انتكاس الحضارة في البلدان التي أُجليَ العرب عنها. وما أسبانيا والبرتغال وصقلية إلا أمثلة لذلك.
 

ففي أسبانيا يسود التعصب الديني وتعذيب الحيوانات (كمصارعة الثيران) كمشهد مألوف. وفي البرتغال أعلى نسبة للأمية في أوروبا، وفي صقلية عصابة المافيا السيئة السمعة.
 

ما الذي تركته حضارة العرب والمسلمين في أوروبا؟
لقد تركت بصماتها على جميع المستويات، ابتداء من الفولكلور، كراقصي الموريش الإنكليز الذين هم في الحقيقة قناع لراقصي البربر، وانتهاء بالعلوم حيث يستخدم ملاحو الفضاء اصطلاحات عربية مثل: السمت، وسمت الرأس، وهناك في خرائط القمر أكثر من موقع أطلق عليها أسماء لبعض العلماء لعرب: كالزركلي والبتاني وأبي الفداء.
 

إن أشياء كثيرة لا يزال على الغرب أن يتعلمها من الحضارة الإسلامية، منها نظرة العرب المتسامحة وعدم تمييزهم فروق الدين والعرق واللون.
 

وسوف أحاول في الصفحات التالية أن أقدم الخطوط العريضة للتاريخ العربي والمجتمع الإسلامي، وما أرساه العرب من أسس أولًا. كما سأشير، ثانيًا، إلى أهم الطرق والأساليب التي أثرت بواسطتها حضارة العرب في الحضارة الأوروبية، وكيف أثرت أوروبا بدورها في الحضارة العربية[3].
 

• • • •




و يحدثنا موريس لومبار في كتابه «الإسلام في فجر عظمته» عن تأثير الفتوحات الإسلامية على تحضر الغرب وانطلاقه نحو الحضارة، فيقول:
«لم يترافق الفتح بالتخريب مطلقًا، فلم تحرق المدن ولم تنهب.. وبالنسبة للقسم الغربي، فكان تجددًا حقيقيًا...».
 

إننا نعتقد بالواقع أن الغرب استأنف التماس بالحضارات الشرقية، وعبرها بالحركات العالمية الكبرى للتجارة والثقافة، بفضل الفتح الإسلامي وفي حين أن الغزوات البربرية الكبرى في القرنين الرابع والخامس أدت إلى التقهقر الاقتصادي للغرب، فقد جلب قيام الإمبراطورية الإسلامية الجديدة لهذا الغرب نفسه تطورًا مدهشًا.
 

وإذا كانت الغزوات الجرمانية قد عجلت بانحطاط الغرب، فإن الفتوحات الإسلامية كانت حافزًا على انطلاق حضارته[4].
 

وهكذا يعترف أهل العلم والفضل من مختلف شعوب أوروبا، كالألمان والإنجليز والفرنسيين، بفضل حضارة الإسلام وأثرها في بناء الحضارة الأوروبية الحديثة. وهو فضل لا ينكره إلا جاهل أو متعصب.
 

المصدر:


من كتاب "الحضارة الإسلامية وجهتها الله، والحضارة الغربية مركزها الإنسان!"، للواء أحمد عبدالوهاب رحمه الله.




[1] يقول بولس في رسائله:«اختار الله جهال لعالم ليخزي الحكماء.. واختار الله أدنياء العالم والمزدرى وغير الموجود ليبطل الموجود....إن كان أحد يظن أنه حكيم بينكم في هذا الدهر، فليصر جاهلًا لكي يصير حكيمًا. لأن حكمة هذا العالم هي الجهالة عند الله، لأنه مكتوب الآخذ الحكماء بمكرهم وأيضًا الرب يعلم أفكار الحكماء أنها باطلة - الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس (1: 27 - 28، 2: 18 - 20».
[2] شمس العرب تسطع على الغربSadص369- 374، 393 - 398) [كان من اللازم أن يكون عنوان هذا الكتاب: شمس الله تسطع على الغرب، حيث أنه في أصله الألماني:
]ALLAHS SONNE ÜBER DEM ABENDLAND .
[3] العرب وأوروبا: ص9- 10.
[4] الإسلام في فجر عظمته: ص12.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

مقومات الحضارة الإسلامية  Empty
مُساهمةموضوع: رد: مقومات الحضارة الإسلامية    مقومات الحضارة الإسلامية  Emptyالخميس 17 أكتوبر 2019, 10:31 am

مقومات الحضارة الإسلامية (2)


2- تحرير النساء:
تقول سيجريد هونكه:«إن الحلي التي يقدمها الأوروبي لحبيبته أو لزوجة صديقه أو رئيسه، سواء أكانت ماسًا أصليًا أو زجاجًا مصقولًا، هي عادة استوردت من الشرق ويمارسها الناس كل يوم ولا يعرفون لها مصدرًا، وتمر السنون. والحلي تلك ما زالت تتنوع وتتغير، ولكنها لم تفقد قوتها السحرية في جذب قلوب النساء حتى ولو كنا نعيش في القرن العشرين.....
 

وقد تعارض هذا الاتجاه العربي في تكريم المرأة أيضًا مع ما كان سائدًا في دول البحر الأبيض...
 

وعارض الكتاب المقدس أيضًا ذلك المسلك العربي، ونص على أن الرجل سيد المرأة، ونشطت الكنيسة تحارب كل الأفكار المخالفة، وتعمل كل ما في وسعها لإبقاء المرأة تحت سيطرة الرجل، تبعًا لمشيئة الرب.
 

وعلى الرغم من هذا، فقد قاوم العرب كل التيارات المعادية واستطاعوا القضاء على هذا العداء للمرأة، وجعلوا من منهجهم مثالًا احتذاه الغرب ولا يملك الآن منه فكاكًا.
 

ولكن، أو ليس هذا نوعًا من المبالغة؟ وهل يعقل هذا الكلام؟! ثم ألم تعش نساء العرب منذ زمن بعيد مقيدات مظلومات لا يتمتعن بحقوقهن؟ ألم نسمع بالحريم كالسجن يملك فيه الرجل عددًا كبيرًا منهن يقيم عليهن الحراس؟ ألم تسمع بنساء يزوجن دون أن يستشرن؟ وتكفي بضع كلمات يتفوه بها الرجل وقتما شاء لتصبح المرأة طالقًا تعود إلى عائلتها دون أي ذنب، والدين لا يمنع هذا؟...
 

أين هي الحقيقة في كل هذا؟ وما هو مركز المرأة في المجتمع؟.
ألم تكن خديجة زوج النبي الأولى، التي عاش معها أربعة وعشرين عامًا وأنجب منها ستة أطفال، أرملة لها شخصيتها ومالها ومكانتها الرفيعة في مجتمعها؟ لقد كانت خديجة نموذجًا لشريفات العرب، أجاز لها الرسول أن تستزيد من العلم والمعرفة كالرجل تمامًا.
 

وسار الركب وشاهد الناس سيدات يدرسن القانون والشرع ويلقين المحاضرات في المساجد ويفسرن أحكام الدين. فكانت السيدة تنهي دراستها على يد كبار العلماء، ثم تنال منهم تصريحًا لتدرس هي بنفسها ما تعلمته، فتصبح الأستاذة الشيخة، كما لمعت بينهن أديبات وشاعرات، والناس لا ترى في ذلك غضاضة أو خروجًا على التقاليد.
 

إن النساء في صدر الإسلام لم يكن مظلومات أو مقيدات، ولكن هل دام هذا طويلًا؟
لقد هبت على قصور العباسيين رياح جديدة قدمت من الشمال فغيرت الأوضاع، وقدم الحريم والحجاب مع الجاريات الفارسيات واليونانيات اللاتي كن محظيات للخلفاء وأمهات لأولادهم..
 

والإسلام بريء من كل ما حدث، والرسول لم يأمر قط بحجب النساء عن المجتمع. لقد أمر المؤمنين من الرجال والنساء على حد سواء بأن يغضوا الطرف، وأن يحافظوا على أعراضهم. وأمر النساء بألّا تظهرن من أجسادهن إلا ما لا بد من ظهوره، وألا يظهرن محاسن أجسادهن إلا في حضرة أزواجهن...
 

لقد شرعت القصور تعزل النساء في الحريم على غرار ما تعوده الفرس، وبدأ استيراد الخصيان لخدمتهن كما كان عليه الحال في بيزنطة قديمًا. وأصبح حجب النساء عن المجتمع وعدم مغادرتهن مظهرًا من مظاهر الأبهة والثراء[1].

المصدر


من كتاب "الحضارة الإسلامية وجهتها الله، والحضارة الغربية مركزها الإنسان!"، للواء أحمد عبدالوهاب رحمه الله.



[1] شمس الله تسطع على الغرب: ص467 - 471.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

مقومات الحضارة الإسلامية  Empty
مُساهمةموضوع: رد: مقومات الحضارة الإسلامية    مقومات الحضارة الإسلامية  Emptyالخميس 17 أكتوبر 2019, 10:32 am

مقومات الحضارة الإسلامية (3)


3- التسامح الديني وتحرير الشعوب:
يقول موريس لومبار في حديثه عن الفتوحات الإسلامية:
«كيف يمكن شرح سهولة الفتح وسرعته، خاصة إذ نفذ بعدد قليل جدًا من الفاتحين؟
 

لقد كان للعرب في حقيقة الأمر كل الفرص المواتية ليستقبلوا كمحررين من قبل السكان القدماء للعالم السامي في سوريا وما بين النهرين ومصر. ففضلًا عن القرابة العرقية واللغوية التي تربط بعضًا من هذه الشعوب بالعرب، فإنها كانت تخضع منذ زمن طويل إلى روما ثم بيزنطة في الغرب، وإلى الإمبراطورية الفارسية الساسانية في الشرق. لقد كانت هذه الشعوب بحالة انتفاضة دائمة ضد إدارة القسطنطينية والمدائن.
 

وكانت هذه الانتفاضة كما هي العادة في الشرق دينية في ظاهرها، بينما هي في حقيقتها ذات أساس اجتماعي، كان الملك البيزنطي مزعزعًا بصراع الهرطقات، فالنسطورية واليعقوبية على الخصوص تتعارضان مع الأرثوذكسية الحاكمة.
 

وفي ظل الدولة الساسانية تطورت المانوية والمسيحية، وكلها معتقدات ضد الدين الرسمي أي المزدكية.
 

وفي منازع الإسلام إلى الديمقراطية، ودعوته إلى المساواة، وعالمية رسالته، وجدت حركات الثورة الاجتماعية والدينية جوابًا على مطالبها، ومن هنا أتت - جزئيًا على الأقل - سهولة الفتح.
 

ودفع التطلع إلى النظام والسلام سكان المدن أيضًا لأن ينضموا إلى الفاتح كانوا ينتظرون منه حماية ضد الفوضى والنهب....
 

ومما سهل العلاقات مع السكان البلاد المفتوحة في كل الحالات، تسامح الفاتحين، وبعدهم عن التعصب الديني...
 

وهكذا فلا إكراه ولا اضطهاد، بل كان مطلبهم الوحيد هو النظام الضريبي... كان الفتح سريعًا جدًا حتى أنه تم دون فواصل أو انقطاع[1].
 

ويقول الدكتور فيليب حتى: «لو قام في الثلث الأول من القرن السابع الميلادي أحد وتكهن بأن دولة خامدة الذكر وضيعة الجانب، تخرج من مجاهل جزيرة العرب، ثم تنقض على الدولتين العظيمين المعروفتين، فتقوض الدولة الواحدة - دولة آل ساسان - وتظفر بأملاكها، ثم تقطع من ولايات الثانية - بيزنطة - أزهى مقاطعاتها، تقول لو صدرت مثل هذه النبوءة من فم إنسان ذلك العصر لحكم عليه بالجنون.
 

والواقع أن هذا ما حدث فعلًا، فبعد الرسول تغيرت طبيعة بلاد العرب الجدباء، وأخذت تنشئ أبطالًا ينذر وجود من يشاركهم في أي صقع كان، فكأن أعجوبة حلت فيها...
 

إن عظمة الجيش العربي لم تقم على قوة السلاح أو جودة التنظيم، بل كان ثمرة القوة المعنوية الروحية التي كان الإيمان والدين عززاها في نفسه...
 

لقد جاء الإسلام مهيبًا بالشرق إلى النهوض من كبوته، بعد ألف سنة اجتاحته فيها سطوة الغريب.. ولقد انفتح أمام الأمم المغلوبة باب الحرية، فصاروا يمارسون عقائد أديانهم دون إزعاج[2].
 

ويقول جوزيف رينو في كتابه «الفتوحات الإسلامية في فرنسا وإيطاليا وسويسرا» كوسيلة من وسائل نقل الحضارة:
«عندما استقر المسلمون في القرن التاسع الميلادي في بروفانس وفي دوفيني وسافواي، وفي سويسرا، كانوا قد قطعوا أشواطًا في العلوم والفنون، ويتقدمون بطريقة عجيبة، ومما لا جدال فيه أن مسلمي الأندلس وصقلية، ومسلمي أفريقيا الشمالية، كانوا أكثر تقدمًا من سكان فرنسا والبلدان المجاورة، حيث كانت هذه البلدان كلها تعاني من الفوضى ومن كل أنواع البؤس التي تلازمها.
 

فمن ذا الذي لم يسمع بعظمة مسجد قرطبة، ومن ذا الذي يجهل ما شيده المسلمون من الجسور، وما شقوه من الأنهار والقنوات لري الأرض. وما شيدوه من الآثار العظيمة في الأندلس ابتداء من النصف الثاني للقرن الثامن الهجري؟!
 

وعظمة المسلمين وتفوقهم لا تتجلى في الفنون وحدها، حيث أن عبقريتهم قد برزت في العلوم أيضًا - العلوم التي لا يمكن أن تقوم دعائم حضرة بدونها. فقد كان العرب يملكون ذخائر علوم الأولين وكنوزهم، وكانوا قد ترجموا إلى العربية كتب أرسطو وأبقراط وجالينوس ودسقوريدس وبطليموس وغيرهم، وأضافوا مساهمات ثمينة إلى ما اكتشفه الأولون.
 

وهكذا، فقد كان تفوق العرب حقيقة لا مراء فيها،  ويعترف بها المسيحيون أنفسهم.
 

وقد حفظ لنا التاريخ قصة شانجة ((Sanche ملك ليون الذي طلب إذنًا من عبدالرحمن الثالث، عندما أصيب بمرض عضال في سنة 960م، ليقصد قرطبة ملتمسًا الاستشفاء على يد الأطباء المسلمين. ويضيف المؤرخون أن شانجة قد وجد عند هؤلاء العناية، وفي علمهم المساعدة التي كان ينشدها. وقد ظل طوال حياته يذكر الحفاوة التي قوبل بها والاهتمام الذي أحبط به.
 

وفي غضون تلك الفترة نفسها، كان قسيس اسمه جيربر (Gerbert) قدر له أن يصبح البابا سيلفستر الثاني (Sylvester) قد قصد إلى الأندس ليطلب العلوم الطبيعية والرياضية، وقد حصل من تلك العلوم وغيرها حظًا عظيمًا، بحيث اعتبرته عامة الناس في فرنسا ساحرًا.
 

على أن عددًا صغيرًا من الفرنسيين استطاع الاغتراف من معين الثقافة والعلوم العربية في الأندلس، في الوقت الذي ظلت فيه الجماهير غارقة في ظلمات الجهالة في فرنسا..
 

إن نشر النفوذ الحضاري العربي الحقيقي في فرنسا والبلاد المجاورة لها، فقد بدأ بعد ذلك، أي ابتداء من القرن الثاني عشر الميلادي، ولاسيما في أعقاب الحروب الصليبية، وبعد الاحتكاك الذي وقع بين الإسلام والمسيحية، والشعوب الشرقية والشعوب الغربية التي من بينها الشعوب الفرنسية والانجليزية والألمانية - تلك الشعوب التي بدأت تخرج من سباتها العميق، وشرعت في إبداء رغبتها في الاستفادة مما حققته الحضارة العربية من التقدم.
 

كانت العلوم اليونانية في ذلك الوقت قد انمحت من أوروبا، ولكنها كانت مترجمة ومحفوظة عند العرب. وكذلك اتجه المسيحيون من فرنسا والبلدان المجاورة لها إلى أسبانيا ليتعلموا تلك العلوم بالعربية، لينقلوها إلى اللغة اللاتينية التي كانت يومئذ لغة العلم في أوروبا. وهذه الكتب المترجمة هي التي ستدرس في الجامعات الأوروبية حتى القرن الخامس عشر.
 

سوف لا نتوقف لدرس مختلف الأشياء المحفوظة بعناية في فرنسا والتي يرجع تاريخه إلى العهد العربي. وهذه الآثار تتكون، خصوصًا، من أقمشة الحرير، وصناديق العاج أو الفضة، وكؤوس البلور وأسلحة... الخ. وجزء كبير من هذه التحف لا يزال محفوظًا في الكنائس ولدى الهواة لجمع التحف الأثرية..
 

لقد ظل الناس في فرنسا والبلدان المجاورة لها، أجيالًا طويلة، وهم لا يفكرون إلا في عظمة الفكر الإسلامي، وفي قوة المسلمين واتساع آفاق فتوحاتهم...
 

وكذلك كان الرأي العام يعزو إلى العرب كل ما هو عظيم وضخم من المنجزات العمرانية...
 

لقد جاء المسلمون إلى فرنسا قبل النورمانديين والهنغاريين، وقد استمر وجودهم فيها، بعد غارات هؤلاء وأولئك والفتوحات الإسلامية كانت تكتسي طابعًا من الجلال والعظمة بحيث لا يمكن أن يقرأ إنسان أخبارها أو يسمع رواياتها دون أن تهتز نفسه لها. فعلى عكس النورمانديين والهنغاريين، كان المسلمون، أجيالًا طويلة في طليعة قافلة الحضارة في العالم»[3].
 

لقد ذكر جوزيف رينو ما ذكره الناس في فرنسا عن البابا سلفستر الثاني. الذي درس العلوم الطبيعية والرياضية على يد المسلمين في الأندلس، إذ اعتبروه ساحرًا، وخاصة عندما كان يدهشهم بتجاربه في الكيمياء والفيزياء.
 

أما لويس يونج، فإنه يعطي تفصيلًا عن الفكر الأوروبي في ذلك الوقت، والذي استمر حتى القرن السابع عشر، لا يملك إلا أن يعزو كل ما كان يجهله إلى الشيطان وألاعيبه. وما جنون ظاهرة تعقب النساء المتشيطنات ببعيد..
 

يقول يونج «لقد أغنى الرياضيون العرب العالم بالمعرفة في جميع المجالات، وبخاصة الأفكار والملاحظات الرياضية».
 

وأحد أوائل الأوربيين الذين أخذوا بالأرقام العربية كان جربرت، الذي أصبح فيما بعد (في عام 999م) البابا سيلفستر الثاني (ولد 945 - وتوفي 1003م). سافر جربرت هذا بين عامي (967 - 970م) إلى أسبانيا، حيث درس العلوم، وألف بعد ذلك كتابًا يشرح فيه كيفية استخدام الأرقام العربية.
 

إلا أن أوروبا لم تلق بالًا إلى هذا النظام الجديد. بل كان ينظر إلى جربرت بعين الشك، لأنه درس على يد العرب في أسبانيا، وعلى المستوى الشعبي كان يشك في أنه يمارس السحر.
 

ولقد رويت عنه كثير من الروايات الخارقة. فقيل أنه كان يغادر الدير ليلًا. ويطير في الهواء إلى أسبانيا حيث يدرس الفلك والفنون السحرية، ثم يعود إلى حجرته قبل بزوغ الفجر.
 

كما كان يظن بأنه تعلم إحضار الأرواح من جهنم، وأنه يحتفظ بكتاب سحر حصل عليه بالمكر والخديعة من ساحر عجوز، وأنه رهن روحه للشيطان لكي يحميه من انتقام هذا الساحر العجوز.
 

وبعد فترة طويلة من الزمن تبنت أوروبا الأرقام العربية، نتيجة أعمال ليوناردو فيبوناتشي من بيزا، الذي توفي عام 1240م، وكان فيوناتشي رياضيًا. درس الرياضيات على يد معلم عربي، في شمال أفريقيا، وأصدر كتابًا يشرح فيه نظام الأرقام العربية عام 1202م، وكان ذلك بداية تبني أوروبا للأرقام العربية، وبداية لعلم الرياضيات الأوروبي[4].
 

أما بعد....

إن هذا الذي يراه الناظر في التاريخ القديم، ليثير العجب والانبهار حقًا، حين يطل خلال تلك الحقبة من الزمن، فيرى أبناء الصحراء وقد خرجوا إلى العالم، شرقًا وغربًا، يعلنون: لا إله إلا الله، ويقيمون حضارة زاهرة تشع أنوارها هنا وهناك، فينهل منها الظامئون إلى العلم والإيمان، ويصد عنها الآخرون:
﴿ اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ﴾ [فاطر: 43].
 

وفي هؤلاء الأخيرين، قال مفكر مسيحي هو الدكتور نظمي لوقا قولة حق، وحكمة ترددها الألسنة عبر القرون:
«من يغلق عينيه دون النور، يضير عينيه ولا يضير النور. ومن يغلق عقله وضميره دون الحق، يضير عقله وضميره ولا يضير الحق».
 

فالنور منيفة للرائي لا للمصباح، والحق منفعة وإحسان إلى المهتدي به لا إلى الهادي إليه.
 

وما من آفة تهدر العقول البشرية كما يهدرها التعصب الذميم الذي يفرض على أذهان أصحابه وسراؤهم  ما هو أسوأ من العمى لذي البصر، ومن الصمم لذي السمع، لأن الأعمى قد يبقى بعد فقدان البصر إنسانًا، والأصم قد يبقى بعد فقدان السمع إنسانًا... أما من اختلت موازين عقله أو موازين وجدانه، حتى ما يميز الخبيث من الطيب، فذلك ليس بإنسان، بالمعنى المقصود من كلمة إنسان[5].
 

وحين نفتش أسفار الكتاب المقدس، نجد أن هذا الذي طلع به أبناء الصحراء على العالم، إنما كان تحقيقًا لنبوءة هتف بها اشعيا النبي في منتصف القرن الثامن قبل الميلاد - وخاصة في الإصحاح الثاني والأربعين من السفر الذي يحمل اسمه، فقال في النبي العربي وقومه وتابعيه:
1- يشتهر هذا النبي المنتظر بلقب: عبدالله ورسوله:«هو ذا عبدي الذي أعضده، مختاري الذي سرت به نفسي. وضعت روحي عليه فيخرج الحق للأمم».
 

وقد اشتهر محمد نبي الإسلام بأنه: عبدالله ورسوله، فتلك بداية الإسلام لكل مؤمن، يعرفها الصغير قبل الكبير، ويرددها المسلم كل يوم في صلاته المكتوبة تسع مرات على الأقل حين يقرأ التشهد، إضافة لما يقوله في صلواته الأخرى من السنن والنوافل.
 

والحق يقول في القرآن:
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا ﴾ [الكهف: 1].
 

﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نزلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [البقرة: 23].
 

ومما يندى له الجبين خزيًا وأسى، تلك المقولات الكاذبة التي ظلت ترددها الكنيسة طوال القرون الوسطى، ولا يزال صداها يتردد إلى الآن، وهو أن المسلمين يعبدون محمدًا.. أي جهل أحمق من هذا؟!
 

لكنه التزوير المتعمد، وطمس الحقائق عن عيون الشعوب، حتى لا يفيقوا ذات يوم ويميزون الخبيث من الطيب.
 

يقول جوزيف رينو عن جهل الفكر الأوروبي والخرافات التي امتلأت بها عقول الأوروبيين، في القرون الوسطى، عن الإسلام والمسلمين:
«إن الكتاب المسيحيين في العصور الوسطى كانوا يطلقون على جميع فئات الغزاة المسلمين اسم: الوثنيين. وهذه عقيدة أبعد عن الوثنية من الإسلام الذي حطم الأصنام.
 

والواقع أن الإسلام ينادي بعبادة إله واحد لا شريك له خالق السماوات والأرض. ولشدة استفظاع الإسلام للوثنية، فإنه يمنع تصوير كل ما هو حي.
 

وقد زعم كاتب التاريخ المنسوب إلى رئيس أساقفة تورين، أنه يوجد في الأندلس على شاطئ البحر، فوق عمود شديد الارتفاع، صنم من البرونـز صنعه محمد بنفسه، ويعبده المسلمون!
 

كذلك ادعى فيلومين في تاريخه القصصي حول غزوة شارلمان لمقاطعة لانجدوك، أنه كان يوجد تمثال لمحمد مصنوع من فضة مذهبة في مدينة أربونة، وضع في معبد أثناء احتلال المسلمين لهذه المدينة...
 

فيا لسخرية القدر، والجهل الأعمى بالإسلام! فإن هؤلاء الكتاب والأدباء، يجهلون أنه عندما فتح محمود الغزنوي الهند في سنة 1025م (416هـ)، حطم جميع أصنام الهند الكثيرة فيما عدا صنم واحد عرض عليه السكان شراءه بوزنه ذهبًا، ورفض عرضهم مفضلًا وضعه عند عتبة باب العاصمة الرئيسي، لكي يدوس عليه ويبصق عليه كل داخل إلى العاصمة وكل خارج منها.
 

ما هو السبب الذي دفع آباءنا إلى هذا الوهم والخطأ، يا ترى؟



ذهب بعض العلماء إلى أن النورمانديين وغيرهم من الشعوب الوثنية، كانوا ضمن الشعوب التي كان يشملها اسم: سارازين، وبالتالي، فإن موطن أسماء مثل تيرفاجنت وأبولين وغيرها هي البلاد الشمالية، الذين كانوا يعبدون الأوثان.
 

وهكذا خلط العامة بين المسلمين وهذه الشعوب بصورة مخجلة[6].
 

ولنكمل الآن، استعراض نبوءة أشعياء، فنجدها تقول:
2- يسود الدين وتكتمل الشريعة التي جاء بها في عهده، لا من بعده:«لا يكل ولا ينكسر حتى يضع الحق في الأرض وتنتظر الجزائر شريعته».
 

ولقد وعد الله نبي الإسلام أن يتم الأمر الذي جاء به، فقال:
﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ [التوبة: 32].
 

ولقد أكمل الله الدين في حياة النبي حتى إذا توفاه الله ترك الأمة الإسلامية على المحجة البيضاء ليلها كنهارها. لقد اكتمل الدين ونزل القرآن يقول:
﴿ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3].
 

3- يعصمه الله من الناس حتى يكمل رسالته فتنتهي حياته بالموت الطبيعي الذي هو نهاية كل مخلوق حي، فلا يموت قتلًا:«أنا الرب قد دعوتك بالبر فأمسك بيدك وأحفظك وأجعلك عهدًا للشعب ونورًا للأمم».
 

ولقد طمأن الله نبي الإسلام ألا يلتفت إلى مؤامرات الكائدين له، فالله عاصمه من الناس حتى يبلغ الأمر غايته.
 

ولقد نزل القرآن ليعلن هذا التحدي على رؤوس الأشهاد:
﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ﴾ [المائدة: 67].
 

4- ينتسب النبي إلى إسماعيل بن إبراهيم:«لترفع البرية ومدنها صوتها، الديار التي سكنها قيدار». وقيدار هذا هو الابن الثاني لإسماعيل (تكوين 25: 13).
 

5- الشعب الذي ظهر فيه كان عبدة أوثان، أصحاب أصنام:«يخزي خزيًا المتكلون على المنحوتات القائلون للمسبوكات أنتن آلهتنا».
 

6- رجل حروب مقدام ينتصر على أعدائه:«الرب كالجبار يخرج. كرجل حروب ينهض غيرته، يهتف ويصرخ ويقوى على أعدائه».
 

ولقد سجل القرآن المعارك الكبرى في الإسلام، وكان النبي هو القائد والمخطط والمحارب حين البأس:
﴿ وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 121].
 

﴿ فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا ﴾ [النساء: 84].
 

إن هذا أمر اختص به أولوا العزم من الأنبياء والمجاهدين.
 

ولقد كان ذلك أمر موسى بعد أن خرج ببني إسرائيل من مصر، وانتهت مرحلة في جهاده وبدأت مرحلة أخرى، فآنذاك «كلم الرب موسى في برية سيناء»... في السنة الثانية لخروجهم من أرض مصر قائلًا: "أحصوا كل جماعة بني إسرائيل. من ابن عشرين سنة فصاعدًا. كل خارج للحرب في إسرائيل، تحسبهم أنت وهارون حسب أجنادهم ويكون معكما رجل لكل سبط، وهو رأس لبيت آبائه».
 

وجدير بالذكر أن رجل الحرب من الأسماء الحسنى التي تنسبها التوراة لله. فقد قال موسى وبنو إسرائيل في تسبيحة لله شكرًا بعد نجاتهم من مطاردة فرعون وجنوده، وغرق الأخيرين:
«هذا إلهي فأمجده.. الرب رجل الحرب: الرب اسمه - خروج 15: 2 - 3».
 

7- في مناسك دينه هتاف من رؤوس الجبال وتسبيح وتكبير: من رؤوس الجبال ليهتفوا، ليعطوا للرب مجدًا ويخبروا بتسبيحه في الجزائر».
 

لقد بني الإسلام على خمسة أعمدة خامسها الحج، وفيه يعقد أكبر مؤتمر ديني عالمي سنويًا بجبل عرفات، وقد جعلت الوقفة بهذا الجبل ركن الحج الركين، إذ قال نبي الإسلام:«الحج عرفة» فهناك يهتف الحجاج لله فوق جبال عرفات ويسبحون ويكبرون ويهللون ويتضرعون بالدعوات وصالح العبادات، وما أعظمه من نسك.
 

وفي الحج - يتجرد الإنسان عن زخرف الحياة ومتعها، إذ يحرم عليه ممارسة بعض ما اعتاده في حياته الزوجية الصالحة مثل العلاقة الجنسية، والتحلي بأفخر الثياب، وعوامل الصخب والإثارة.
 

هناك يواجه الإنسان الحقيقة بين يدي خالقه فيأتي هذه التجربة العظيمة طوعًا في الدنيا قبل أن يأتيها كرهاُ في الآخرة فآنذاك لا ينفع الندم ولا تجدي الحسرات.
 

﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ * لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ ﴾ [البقرة: 197، 198].
 

8- الشعب الذي ظهر فيه كان متخلفًا ضعيفًا طعمة لكل آكل:«شعب منهوب ومسلوب، وقد اصطيد في الحفر كله وفي بيوت الحبوس اختبؤوا، صاروا نهبا، ولا منقذ، وسلبًا، وليس يقول رد».
 

ويقول القرآن: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * وَآَخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الجمعة:2- 4].
 

9- ولكن بعد أن جاءهم النبي برسالة الله خرجوا من الظلمات إلى النور:«لتفتح عيون العمي، لتخرج من الحبس المأسورين، من بيت السجن الجالسين في الظلمة.
 

أسيِّر العمي في طريق لم يعرفوها. في مسالك لم يدروها أمشيهم. اجعل الظلمة أمامهم نورًا والمعوجات مستقيمة. هذه الأمور أفعلها ولا أتركهم».
 

ويقول القرآن: ﴿ الر كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ﴾ [إبراهيم: 1].
 

﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آَمَنُوا قَدْ أَنزلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾ [الطلاق: 10 - 11].
 

إن تجربة الإسلام في عرب الجزيرة العربية نموذج فريد في التاريخ، وأذكر في هذا المقام مقالة للمؤرخ الانجليزي أرنولد توينبي قال فيها: لكي ندرك ما فعله الإسلام بالعرب - بمقاييس العصر  - نتصور دولة في حجم كوبا تظهر فجأة، ثم تستولي على نصف الولايات المتحدة الأمريكية وتخضع لها روسيا بأكملها.
 

ومن الواضح أن توينبي ضرب المثل بهاتين الدولتين الكبيرتين باعتبارهما القوتين الأعظم في النصف الأعظم في النصف الثاني من القرن العشرين، ويناظرهما في القرن السابع الميلادي: الإمبراطورية الرومانية، والإمبراطورية الفارسية على الترتيب.
 

10- هو نبي البر الذي يعظم شريعة الله:«الرب قد سر من أجل بره، يعظم الشريعة ويكرمها».
 

إن نبي الإسلام ورحمته بالناس جميعًا أمر يشهد به الجميع حتى من غير المسلمين، ومنهم عتاة تطاولوا على الإسلام ونبيه.
 

ولقد حدث أن مرت جنازة يهودي فوقف النبي صل الله عليه وسلم تكريمًا للأخوة الإنسانية، فإذا ببعض الصحابة يقول له: إنها ليهودي - وقد علم ما أصاب النبي والمسلمين من أذى على يد اليهود تمثل في مؤامرات وفتن وحرب نفسية وحروب دموية - فأمسك عليه النبي اعتراضه قائلًا: أليست نفسًا؟! وصدق الله: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107].
 

ولنراجع الآن نبوءة أشيعا هذه، فنجدها تتعلق بثلاثة عناصر رئيسية هي: النبي المنتظر، والشعب الذي ظهر فيه، والدين الذي جاء به. فلهذا النبي شريعة تنتظرها الجزائر، وهذا بالتأكيد يعني شريعة جديدة غير شريعة موسى. بل إن هذا ما تنبأ به أشعيا في موضع آخر من سفره، إذ يقول وحي الرب على لسانه:
«شريعة من عندي تخرج، وحقي أثبته نورًا للشعوب إياي ترجو الجزائر، وتنتظر ذراعي - أشعيا 51: 4- 5».
 

وإذا جمعنا الأوصاف العامة والملامح الرئيسية لكل عنصر من عناصر نبوءة أشعيا، وقرأناها معًا لجاءت كالآتي:
عن النبي المنتظر:
يشتهر بلقب عبدالله ورسوله - وينتسب إلى إسماعيل بن إبراهيم - ويعصمه الله من الناس حتى يكمل رسالته، فتنتهي حياته بالموت الطبيعي الذي هو نهاية كل مخلوق حي، فلا يموت قتلًا - وهو رجل حرب مقدام، ينتصر على أعدائه - ثم هو نبي البر الذي يعظم شريعة الله في كل صورها.
 

.... وعن الشعب الذي ظهر فيه:
عبدة أصنام. وأصحاب أوثان - وكانوا شعبًا متخلفًا ضعيفًا، طعمة لكل آكل - ولكن بعد أن جاءهم النبي برسالة الله خرجوا من الظلمات إلى النور.
 

.... وعن الدين الذي جاء به:
يسود الدين، وتكتمل الشريعة التي جاء بها، في عهده لا من بعده- وهو دين من مناسكه: هتاف من رؤوس الجبال وتسبيح وتكبير وهذا ما يحدث في الحج إلى بيت الله الحرام بمكة كل عام.
 

وإذا استعرضنا خصائص الأنبياء منذ نطق أشعيا بهذه النبوءة في منتصف القرن الثامن قبل الميلادي، حتى مطلع القرن السابع بعد الميلاد، وما وجدناها تنطبق تمامًا إلا على محمد رسول الله.
 

من أجل ذلك سار أبناء إسماعيل يعلنون دين الله إلى العالم كله: شرقًا حتى الصين، وغربًا حتى الأطلسي، وشمالًا حتى أوروبا. وصدقت فيهم نبوءة أشيعا حرفيًا، إذ يقول الرب:
(أسير العمي في طريق لم يعرفوها. في مسالك لم يدروها أمشيهم، أجعل الظلمة أمامهم نورًا. والمعوجات مستقيمة. هذه الأمور أفعلها، ولا أتركهم).
 

لقد كان هذا ما نطقت به أسفار العهد القديم، وحسب المعتقدات المسيحيةSadلا بد أن يتم جميع ما هو مكتوب).
 

(ويتم ما قيل بأشعيا النبي).
 

وإننا لنجد في القرآن تأكيدًا لوجود هذه التنبؤات في أسفار السابقين، حيث تستخدم لغة الفعل المضارع، وليس الفعل الماضي الذي اندثر وضاع - فيقول:﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنـزلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الأعراف: 157].
 

فلا بد، إذن، أن تتحقق كل التنبؤات.
 

 

ونختم الحديث عن الفتوحات الإسلامية وأثرها في تحرير شعوب، وإقامة حضارات، برأي  لمؤرخ مصري معاصر هو الدكتور عبدالعظيم رمضان يعرض فيها رؤيته لحركة التاريخ وحكمتها وانعكاساتها، خلال فترات مختلفة، فيقول:
«من المفارقات التاريخية أن الغزو الذي تعرضت له بعض الأمم قد خدمها بأكثر مما كان أن يخدمها تفادي الغزو! والعكس بالعكس، فإن كثيرًا من الأمم قد خسرت بسبب تفادي الغزو ما لم تكن لتخسره لو تعرضت له».
 

وعلى سبيل المثال: فإن نجاح القبائل الجرمانية في العصور القديمة في إبادة ثلاث فرق رومانية وتحرير بلادها من الحكم الروماني في عام 9 قبل الميلاد، لم يكن في مصلحة ألمانيا! فقد قررت التخلي عن خطة جعل حدود الإمبراطورية عند نهر البو، وجعلتها عند نهر الراين الذي أصبح فاصلًا بين الأراضي الفرنسية والأراضي الألمانية، وبذلك حرمت ألمانيا من التمتع بالحضارة الرومانية والطرق الرومانية الشهيرة واستسلمت للبربرية قرونًا عديدة!
 

وعلى العكس من ذلك، فإن دخول الجيوش المصرية اليمن، وتعزيزها الثوار ضد حكم الإمامة الرجعي الفاسد، قد نقل اليمنيين من العصور الوسطى إلى العصر الحديث. ولو نجحت القبائل اليمنية في إخماد الثورة، وأعادت حكم الإمامة لاستسلمت للتخلف كما استسلمت القبائل الجرمانية تمامًا، لعدد لا يعرف من عقود السنين!
 

وقد كان دخول آلة الطباعة مع الحملة الفرنسية لأول مرة، هو رمز انتهاء تلك العزلة. فحتى وصول الفرنسيين إلى الإسكندرية، لم يكن قد طبع في مصر سطر واحد، وبالتالي لم تكن قد عرفت بعد الصحافة، ولم تكن قد عرفت المطبوعات في مجال العلوم والفنون والآداب، وبالتالي أيضًا لم تكن قد أطلت بعد على الحضارة الغربية، وانتهلت من مواردها.
 

وفي الوقت نفسه لم تكن مصر قد عرفت بعد كنوزها القديمة وآثارها الفرعونية، لم تكن تعرف من قيمة لتلك الأحجار المنقوش عليها الكتابات المصرية القديمة أية فائدة أو قيمة - اللهم إلا فيما عدا احتمال استخدام أصلبها للبناء! كما لم تكن تعرف أية فائدة أو قيمة للفائف البردي، وكانت جميع النقوش والكتابات الهيروغليفية بالنسبة لها طلاسم ومعميات، لا تعني نفسها بمحاولة فهمها، وبالتالي لم يكن المصريون حتى ذلك الحين يعرفون شيئًا عن تاريخ مصر القديمة وديانتها وعاداتها وتقاليدها.
 

وبطبيعة الحال فلست أقصد من هذا الكلام حث الشعوب على الترحيب بالغزاة الأكثر تحضرًا، وإنما أنا فقط أنبه إلى هذه المفارقة، لأن ما مضى قد مضى، وعلى الشعوب أن تستلهم ضميرها القومي وكرامتها الوطنية وهي تقاوم كل معتد وغاز[7].
 

نعم... على الشعوب التي تتعرض لغزو، أن تقاومه في سبيل حريتها.
 

وقد تكون المقاومة بالسلاح والدماء، أو قد تنهج مسالك أخرى مثل الاستفادة من توازن القوى المؤثرة في الصراع الدائر في منطقتها، وغير ذلك من الأساليب التي يحفل بها تاريخ الدول والشعوب.
 

وقد تكفي شرارة الغزو، واحتكاك النظم والحضارات المختلفة، في إيقاظ الأمم والشعوب، وتبادل المعارف والخبرات.
 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [الحجرات: 13].



[1] الإسلام في فجر عظمته: ص9- 10.
[2] تاريخ العرب: تأليف الدكتور فيليب حتى وآخرين - جامعة برنستون - ص193، 231.
[3] الفتوحات الإسلامية في فرنسا: ص251 - 256، 264 - 265.
[4] العرب وأوروبا ص125.
[5] محمد الرسالة والرسول: ص25.
[6] الفتوحات الإسلامية في فرنسا: ص221 - 223.
[7] مجلة أكتوبر القاهرية - العدد 642 - الأحد 12 فبراير 1989.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

مقومات الحضارة الإسلامية  Empty
مُساهمةموضوع: رد: مقومات الحضارة الإسلامية    مقومات الحضارة الإسلامية  Emptyالخميس 17 أكتوبر 2019, 10:35 am

حضارتنا تبدأ حيث تنتهي الحضارات 



نلمح بفضل الله على الأمة الإسلامية في هذا العصر بواكير نهضة مسلمة، وميلاد شخصية عزيزة لأمة المسلمين، فقد رأينا أبناء الإسلام في كل مكان قد ظهر منهم دعاة - أفرادًا، وجماعات - يبثون في المسلمين رُوح التوثب، وروح النهضة، ويدعونهم إلى أخذ مكانهم اللائق بهم تحت الشمس، ألا وهو أن تكون للمسلمين الكلمة العليا، وأن يكونوا الأمة القائدة في الأرض، وأن يتقدموا هم، فيقرروا مصاير أنفسهم وغيرهم، بدل أن يقرر غيرهم مصيرهم، كما هو مشاهد الآن.
 
هذه دعوة أراها الآن على لسان كل داعية، سواء في الكتابة، أو الخطابة، أو المحاضرة، وقد أخذت في هذه الأيام شكلاً واقعيًّا بالنسبة للإسلام، ولما يشتمل عليه من نُظُم ومبادئ، لا تصح الحياة بدونها، ولا توجد الحياة العزيزة الكريمة ولا تدوم إلا بها، فاتجهت إلى إبراز هذه النظم، وما تشتمل عليه من محاسن، وحيوية، ونفع، لا توجد في النظم الأخرى غير الإسلامية، وموازنة هذه المبادئ الإسلامية الحقة بغيرها من المبادئ الأخرى التي لم تتنزل من عند الله.
 
وهذا اتجاه حُرِمنا منه منذ قرون، وعمل قصَّرنا فيه طيلة هذه المدة، فكان أن داستْنا أوربا الغربية، وانتهزت فرصة هذا الضعف فينا، فجاءتنا بخيلها ورَجِلِها، وحاولت أن تقضي علينا وعلى الإسلام طيلة هذه القرون، من عصر الاحتلال الصليبي، إلى عصر الغلبة على الحكم العثماني، وتقسيم دياره وأوطانه، والاستيلاء على تركة هذا الرجل المريض، كما سموا ذلك في تقسيمهم لبلاد الخلافة العثمانية.
 
وكان واجبًا على أسلافنا المتأخرين، أن يظلوا على حمل هذه المسؤولية من أسلافهم، وأن يكونوا على هذه النظرة المتقدمة؛ كي يدوم لهم عز السابقين.
 
فالمسلم لا مكان له في الأرض ما لم يكن فوق الجميع، وما لم يكن هو الحامي للعدالة، وما لم يكن هو المقرر لمصاير الشعوب، وكذلك لا مكان له في الأرض ما لم تكن عنده هذه النظرة؛ لأن الإنسان بهذه النظرة يفوز، وبضدها يخيب، والمسلم أَولى الناس بهذا؛ لأن القائم على أمور الخلق يجب أن يكون هو الذي يمنح العدل، ويحكم بالسوية، والمسلم هو الذي يستطيع ذلك، وهو الذي يفعله، وهو الذي يعقل قوله تعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ ﴾ [الشورى: 17].
 
وقد علَّمتنا الحياة، ودلل لنا التاريخ على ذلك؛ فحين بسط المسلمون سلطانهم على الدنيا بعدل لم تحلم الدنيا به، وسعدت الحياة بحكمةٍ ورحمة ورأفة هي حديثُ التاريخ إلى اليوم، ولم يَأثر التاريخ للإسلام موقفًا واحدًا من مواقف الظلم، أو السطو، أو حملات النهب والتخريب التي قام بها الاستعمار الحديث على بلاد المسلمين وغيرها من البلاد الأخرى، فهو في الواقع استخراب تقنع تحت هذه الكلمة (استعمار)، التي خدعنا بها وضحك علينا، حين دخل بلادنا، ولم يكن غير بشاعة من الظلم والقسوة، والهمجية والقرصنة، وهو اليوم يصر على كل ذلك في كل موقف من مواقفه، وكل مشكلة من المشكلات التي يعرض العالم لها، فهو يحكم، لا بعدل القضاء، ولكن ببغي الوحوش وسكان الغابات، ويتدخل لا بقصد الإصلاح، ولكن بقصد التدمير وإفساد ذات البين، لا مفر إذًا - حرصًا على مستقبل المسلمين، ومستقبل الدنيا بأسرها - من أن نعتنق هذه الدعوة، وهذا المبدأ، ومداومة العمل على أن نكون نحن سادة، وخلفاء الله في الأرض، والمقررين حقًّا لمصاير الشعوب، وهذه هي دعوة المسلمين اليوم، أو دعوة دعاتهم، ورجال الإصلاح فيهم، وقد تكون - أيضًا - دعوة آخرين منهم، ممن لا يملكون ميولاً غير إسلامية، ولكنهم يدعون إلى نهضة الإسلام بغير مبادئ الإسلام.
 
ولذلك كانت دعوتنا هذه تتعثر اليوم في طريقها، أو تتقدم خطوة وتتأخر أخرى، أو تسير غير أن في رجلها قبقابًا - على حد تعبير محمد علي باشا في وصف منافسه على عرش مصر محمد بك الألفي، وأن ذلك القبقاب كان سببًا في تغلب محمد علي عليه - فالدعاة مخلصون في دعوتهم، يقدمون أَنْفَسَ ما يكشفونه من ذخائر الإسلام - وكلها نفيسة - ويبذلون ما في وسعهم للدعوة إلى النهضة والعزة، ولكنَّ القائمين بالأمر فعلاً في البلاد الإسلامية، وفي يدهم توجيه الثقافة، والإعلام، والتربية، والاجتماع، والاقتصاد، في داخل كل دولة إسلامية - يَذْرُونَ في الريح كل ما يقدمه هؤلاء للصلاح والإصلاح.
 
هؤلاء الأخيرون، هم في موضع بناة الدول في الواقع، ولكنهم لا يبنون بما يجب به البناء، بل لا يزاولون من أعمال البناء أيَّ شيء؛ وذلك لأنهم لا يملكون مواده؛ وإنما يملكون المفرقعات التي تفتت ما يبنيه هؤلاء الدعاة الراشدون أولاً بأول.
 
فهذا الترويج للغناء الفاحش والمبتذل، وللرقص، والتمثيل الهدام باسم الفن، والسطو على بنات الآخرين؛ كي تتخذ قينة خاصة تغني للقصر، وفي القصر، ولضيوف القصر، وإفساح الطريق لها، وإيساعه نحو الاشتراك في التمثيل والغناء، وذلك التفنن الرخيص الساقط؛ كل هذا عملية هدم مستمرة في أخلاق المؤمنين والمؤمنات، وتبديد لجهود الدعاة إلى الاهتداء للَّتي هي أقوم، ووضع للمسلمين في مستنقعات المواخير، ومجتمعات الشياطين.
 
أنا لا أفهم أنه توجد دولة جادة في حياتها، وتريد أن تسير ببَنِيها إلى حياة التحرر والقوة والرخاء، ثم تعقد لهم سهرات طوالاً، قد تمتد حتى مطلع الفجر، حول (الراديو) و(التليفزيون)؛ لسماع ومشاهدة لفيف من المتبذلين والمتبذلات، واللاهين واللاهيات، وفي جو ومظهر واجتماع لا يسُوده إلا التحلل من كل خلق، ومن كل أدب وحشمة ووقار.
 
فمتى ينتجون؟! ومتى يعملون؟! والأدعى لموقف الاستغراب أن تكون هذه حفلات يُجمع إليها الناس، ويُهرعون إلى إحدى دور السينما، أو نادي هيئة من الهيئات التي يُفترض فيها أن رسالتها جدية، وأن البلد والشعب ينتظر منها تلك الجدية، وحياة الحزم والوقار؛ كنادي الضباط مثلاً، أو قاعة الاحتفالات بجامعة القاهرة، وأن تكون هذه الجلسة الشيطانية، التي لا يترك إبليس فيها ركنًا إلا وقد حشد فيه من جنوده ما حشد من شياطين الإنس وشياطين الجن معًا، لصالح جمعية خيرية أو عمل وطني!
 
أمر في غاية الغرابة، وفي غاية السخرية معًا، ولا يفترق عن موقف التي تزني وتتصدق، ولا موقف الذي يسرق أو يدير بيته كماخور ويظهر أنه من رجال الإحسان والبر، أو يبني من تلك الأموال مسجدًا! إن الله طيب، ولا يقبل من العمل الصالح إلا ما كان طيبًا، ولا يقبل صدقة إلا من الطريق الطيب، ولا يبارك مجهودًا إلا إذا كانت روافده طيبة كريمة.




 
.. فالمجهود الحربي، وغيره، غني عن هذا المال الذي شرعت الحرب لمجاهدة أصحابه، وشرع القانون للضرب على أيدي المشتغلين به، فالله لا يقبل التناقض، ولا قلب الأمور وتغيير طبائع الأشياء، والحياة لا تقبل البناء إلا من الطريق الكريم، وبالجهد الطيب الشريف؛ ولذلك لم ننتصر على يد المغنية المشهورة، وجريها في البلاد بغنائها وصوتها؛ لتنزع من البخلاء أموالهم لتحرير فلسطين وبلاد العرب، ومدافعة اليهود.
 
فالمجهود الحربي، وكل غاية شريفة يقتضيها الوطن، وتحتاجها الحياة، لا تستجدي الشياطين، ولا تتخذ الدعارة والفن الرخيص وسيلة؛ وإنما هما بطبيعتهما يجذبان قلوب الكرماء والأحرار إليهما، وإليهما تهوي أفئدة الأوفياء لأوطانهم، الخيّرين بطباعهم، وويل لأمة لا يخرج منها الدرهم والدينار، إلا بالدف والعود والقيثارة، والصوت الماجن الخليع، وكل من يتمادى في ذلك، ويجعل هذه المباذل وسيلة إلى الترفيه عن البؤساء أو الجرحى، أو معونة أسر الشهداء، أو لمنظمات التحرير، إنما يقضي على هؤلاء جميعًا، ويكبت في الأمَّة رُوح التحرر، وروح التوثب، والعمل لما هو أفضل، هذا اللهو والعبث المسمى بالفن، والذي يُشاد بأبطاله في هذه الأيام، ويمنحون من أجل هذه البطولات الخبيثة أوسمة وشهادات، ما فشا في أمة إلا قضى عليها، وأزالها من الوجود، وجعلها أثرًا بعد عين، والتاريخ هو الذي يحدِّثنا بذلك، فلنستملِ صحائف التاريخ، ولننظر بعين العظة والاعتبار.
 
وقد تعود التاريخ ألا يرى البذخ ومظاهر الترف والتحلل، واللهو والعبث، وفشو الغناء، وألعاب القوى، والمباريات الرياضية، إلى آخر ما هو من مظاهر نهضة المسلمين العرجاء في هذا العصر - إلا في نهاية النهضات الجادة، وبعد فترة طويلة من الزمن بعد أن تكون شعوبها وأممها قد بلغت مكانة ممتازة في عالم القوة والغنى والمجد، ثم يدب إليهم داء الترف شيئًا فشيئًا، بعد أن يكونوا فُتنوا بالحياة ومباهجها ومُتَعِها، وتوارثوا الغنى واليسار جيلاً بعد جيل، حتى أصبح المتأخرون لا يشعرون بجهود المتقدمين في تحصيل ذلك الغنى، وهذا المجد والعظمة، فيستنيمون للراحة ولحياة الدَّعَة، وتبتدئ تلك المظاهر التي ابتُلينا بها في بَدء نهضتنا الحالية، تَفُتُّ في عضدهم، وعضد حكوماتهم، ونهضاتهم، شيئًا فشيئًا، وكلما استسلموا لذلك تمكَّن هذا الترف منهم، حتى ينتهي الأمر بالقضاء عليهم القضاء النهائي.
 
وحياة بلاد اليونان القديمة خير شاهد على ذلك، فشيوع الألعاب الأوليمبية في عالم اليوم، إنما هو توارث لما كان عليه أهل اليونان في نهاية نهضاتهم، وكذلك بلاد الرومان، والفرس، ومصر القديمة، وحضارات بابل، وغيرها من تلك الحضارات الغارقة في عالم القِدَم، وفي عالم الترف، إنما قضى عليها هذا الترف، وهذا التحلل، وهذا الفن، والألعاب الأوليمبية، وكذلك عندما شاع الغناء والتبرج في الأمة الإسلامية شرقها وغربها قضى عليها بالتخلف والتدهور الذي نعانيه إلى اليوم، فلنتدبر ذلك جليًّا، ولننظر إلى أمم الغرب الحديث، نجد أن نهضاتها قامت على الجِد، وعلى الخشونة وعلى التدين، وأن هذا الانحراف الذي نستجلبه منهم، لم يظهر في بيئتهم إلا على سنة الحضارات السابقة، وبعد بلوغهم إلى هذا المستوى العلمي والمالي والصناعي والحربي الذي هم عليه الآن.
 
فأخشى أن نسير معهم إلى النهاية، من حيث نظن أننا نبتدي إلى الغاية، ونؤسس نهضة، ونكوِّن حضارة ومجدًا، فيُقضى علينا وعليهم بسيف واحد، هو سيف التحلل والترف، والانحلال، والغناء والتمثيل، والرقص والشرب، ولكنهم في ذلك سيكونون خيرًا منا؛ إذ هم يكونون قد انتهوا بانتهاء حضارتهم، وأما نحن فنكون قد انتهينا من حيث ظننا أننا نبدأ حضارتنا.
 
إن الذين يجدُّون في حياتهم، ويحاولون أن يبنوا نهضة تنفعهم، وتنفع أخلاقهم، إنما يبنونها على التدين، وعلى حياة القوة والخشونة والجد، والبعد عن الترف في المكاتب والبيوت والسيارات، ومجانبة الإسراف في مال الدولة، ورصد كل قرش فيما يفيد ويغني، والالتزام بقوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ [الفرقان: 67]، والنظر دائمًا إلى قوله: ﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ﴾ [الإسراء: 16]، صدق الله العظيم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
مقومات الحضارة الإسلامية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: موسوعة البحوث والدراسات :: بحوث دينيه-
انتقل الى: