ما يُقال همساً.. الموقف الروسي بين سوريا وإسرائيلبعض المنظومات التي تمتلكها سوريا روسية الصنع ومنها سلاح للدفاع الجوي، ما يبّرر السؤال عن دور روسيا في إطار أي مواجهة سورية إسرائيلية مفترضة. ما حقيقة الموقف الروسي في ظل تعارض المصالح والمواقف بين محور المقاومة وإسرائيل؟ وأين تقف روسيا في سوريا اليوم؟ هنا قراءة في المنظور الإسرائيلي للتطورات الخاصة في سوريا والمنطقة، وهي تستند إلى آراء وتحليل المتخصص في الشؤون الإسرائيلية الدكتور عباس اسماعيل ضمن ملف "2018.. المخاض العسير".
رأت تل أبيب في الوجود الروسي على تخومها قيداً وفرصة.روسيا قادِمة إلى المنطقة لتحقيق مصالحها، لا لمواجهة إسرائيل. هذا التقدير ساد أوساط القيادة الإسرائيلية منذ اليوم الأول للانخراط العسكري الروسي في الأزمة السورية.رأت تل أبيب في الوجود الروسي على تخومها قيداً وفرصة. هو من جهة يُقيِّد حركتها في الداخل السوري ويُقلِّص تهديدها بضرب مفاصِل النظام على اعتبار أن هذا الأمر يمسّ الخطوط الحمراء الروسية. في المقابل يُساعد هذا التواجد على الحدّ من فُرَص حصول عمل من سوريا باتجاه إسرائيل. من هذا المُنطلق كانت الهرولة الإسرائيلية إلى الروس والاتفاق معهم على قواعد اللعبة داخل سوريا.حالياً هناك وجهتا نظر متعارضتان في إسرائيل بخصوص مستقبل سوريا:المسألة الأولى، هل الوجود الروسي في سوريا يُشكّل ضمانة للحد من النفوذ الإيراني في سوريا؟المسألة الثانية العكسية، وهي أن الروس في سوريا يتعاونون مع إيران. هذا التنسيق جزء من شبكة مصالح كبيرة. في التسوية السياسية النهائية روسيا سوف تأخذ بالاعتبار مصالح إيران ودمشق لا مصالح إسرائيل. هذا الكلام عبَّر عنه الوفد الإسرائيلي الذي زار روسيا نهاية العام المنصرم. حينها التقى كبار المسؤولين الروس، وسمع الرسالة التالية: "أنتم لديكم عداء مع إيران ، ونحن لدينا مصلحة وشراكة معها".
قواعد اللعبة
بين إسرائيل وسوريا "قواعد للعبة". تتفرَّج روسيا على هذه اللعبة طالما بقيت مضبوطة تحت سقف المصالح الروسية. تفعيل الرادارات السورية العام الماضي تجاه الاعتداءات الإسرائيلية لم يتجاوز هذه القواعد. لكن هل من الممكن أن نشهد تطوّرات في العام الحالي تكسر قواعد الاشتباك القائمة؟
يحتاج هذا السؤال إلى معلومات. تعتبر إسرائيل أن ما حصل عام 2017 لجهة التصدّي لاعتداءتها سوف يبقى قائماً عام 2018، لكن من جانب الجيش السوري وحلفائه وليس من طرف الروس. السؤال: هل يُفعِّل الجيش السوري راداراته ومنها منظومات روسية الصنع بموافقة من الروس؟
ليس هناك ما ينفي ذلك لاسيما وأن إسرائيل والجيش السوري يحترمان قواعد اللعبة بما يضمن المصالح الروسية. لا يُتوقَّع أن يطلب الروسي من السوري ألا يدافع عن نفسه، ولم يطلب الروسي من الإسرائيلي ألا يعمل وفق مصالحه.
بمعزل عن ذلك إسرائيل هي من أكثر الأطراف تضرّراً نتيجة ما آلت إليه موازين القوى في سوريا. النظام الذي تعتبره جزءاً من محور المقاومة لم يسقط، بل تعزَّزت علاقته بمحور المقاومة. تعتبر إسرائيل أنه في ما خصّ الجغرافية السورية كانت مشكلتها تنحصر بالنظام السوري. الآن لديها مشكلة مع محور المقاومة كله في سوريا لاسيما أنها باتت تعتبر سوريا ولبنان جبهة واحدة.
من سوريا إلى البيئة الاستراتيجية الأوسع. شهدت المنطقة تحوّلات أدّت إلى نهاية دولة داعش وفشل استقلال كردستان العراق. كيف تُقيِّم تل أبيب الواقع الجيوسياسي الجديد؟
بالنسبة إلى إسرائيل كان استقلال كردستان سيشكّل لها فرصة استراتيجية تودّ تحقيقها. هذا المشروع يُتيح لها وجود قاعدة استراتيجية مُتقدّمة في مثلّث الحدود التركية الإيرانية العراقية. هذه الفرصة الضائعة تجد إسرائيل نفسها مُتضرّرة من سقوطها.
ملفات متداخلة ومرحلة معقّدة
إعلان دونالد ترامب القدس عاصمة لإسرائيل جاء في خضمّ مجموعة ملفات مُتداخِلة. مُصالحة داخلية فلسطينية مُتعثّرة، عزْل قطر من الدول الأربع وانسحاب هذا الأمر على نفوذها في فلسطين، رسائل انفتاح من حماس على محور المقاومة.
الخطاب السعودي الرائِج اليوم هو موضع ترحيب في إسرائيل. بالمقابل عودة التقارُب بين حماس وفصائل مقاومة وبين محور المقاومة يُنظَر إليه إسرائيلياً بسلبية كبيرة. من زاوية الرؤية الإسرائيلية تحاول حماس أن تجمع المجد من طرفيه. أن توازن بين علاقتها مع مصر وبين علاقتها مع إيران. هذا تحدٍ كبير له أسُسه. واضح أنه يأتي بسبب مكانة مصر وأهميتها بالنسبة إلى حماس وأيضاً بسبب اقتناع حماس بأن إيران هي الدولة الوحيدة التي تدعم المقاومة بشكل حقيقي.
أما المُصالحة الفلسطينية الداخلية فإن مآلها الفشل وفق التقديرات الإسرائيلية. التطوّرات الأخيرة التي طرأت على علاقات دول الخليج العربي كانت تطوّراً إيجابياً لإسرائيل لأنه أثّر على تمويل حماس.
ترامب والجوانب المخفية
موضوع القدس محطّ إجماع في إسرائيل. لا فرق في هذه المسألة بين يمين ويسار، بين متديّنين وعلمانيين. رئيس الحكومة الإسرائيلية ومَن معه لديهم الحرص على تحصين هذا القرار والاستفادة منه إلى أقصى الحدود. النقاش في موضوع القدس طُرِحَ خارج دائرة نتنياهو.
هناك من سأل سؤالاً وجيهاً: هل قرار ترامب هدية مجانية لإسرائيل أم هدية ملغومة؟ هل هو نابع من اعتبارات أميركية وشخصية صرفة؟
بعد عام على رئاسته يحاول ترامب الوفاء بوعده وإرضاء الإنجيليين والتيار الصهيوني. هل هذا ما حصل فعلاً أم هو جزء من خطّة سياسية بالاتفاق مع الدول العربية؟ من هذا المنحى ترك الإعلان نوعاً من الشك لدى اليمين الإسرائيلي. هذا التيار مهما قدَّمت له يطلب المزيد.
في الخطاب اليميني الإسرائيلي القدس خارج التفاوض. من هنا لاحت علامات استفهام لديه تعقيباً على كلام ترامب إن للقدس حدودها، وسيادتها تخضع للتفاوض. بنظرهم ترك الرئيس الأميركي الباب مفتوحاً كأنه يقول إن الحدود قابلة للنقاش.
على خطورة إعلان ترامب فإن الأخير لم يقل أيّة قدس هي عاصمة لإسرائيل. بالنسبة إلى اليمين الإسرائيلي هذا هام جداً. هم يعتبرون أن القدس كلها عاصمة لإسرائيل، أما ترْك موضوع الحدود والسيادة للمفاوضات فهذا يخالف خطابهم اليميني المُتطرِّف.
السماء لن تسقط على الأرض
وفق التقديرات المُسبقَة الأميركية والإسرائيلية فإن إعلان القدس عاصمة لإسرائيل سيكون مكسباً سياسياً كاملاً من دون الاضطرار إلى دفع أيّ ثمن باهِظ. مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن نيكي هايلي قالت بوضوح إن السماء لن تسقط على الأرض.
ما حصل منذ الإعلان حتى الآن، قد يظهر خطأً في تلك الحسابات في جانب، وصوابية في مكان آخر. ربح ترامب على المستوى الشخصي وربحت إسرائيل. بالمقابل غابت المواقف الجادّة والمؤثّرة من الدول العربية والإسلامية.
لكن شهدنا أيضاً ردود أفعال شعبية. بالحد الأدنى عادت القضية الفلسطينية بوصلة العالم العربي. تعزَّزت الأواصر بين فصائل فلسطينية ومحور المقاومة. هذه تداعيات سلبية بالنسبة إلى إسرائيل وأميركا، لكن لم تصل الأمور إلى درجة الانتفاضة. بالتالي لم تصل إلى درجة تندم فيها إسرائيل وأميركا على هذا القرار.
تعلم إسرائيل مُسبقاً أن السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية غير معنية بإطلاق انتفاضة. أيضاً حركة حماس مُقيّدة نتيجة الحصار في غزّة والضغط العربي عليها. من هنا تُقدِّر السلطات الأمنية في إسرائيل أن الحراك يمكن أن يبقى تحت السيطرة ما لم تحصل أمور غير مُتوقّعة