الضغوط لدى كبار السن
د. سماح عليان
تؤثر الضغوط في مختلف الناس على اختلاف أعمارهم وفئاتهم وثقافاتهم وبيئاتهم، ومن ضمن الفئات الأشد معاناة للضغوط كبار السن.
وتعرف الشيخوخة بأنها مرحلة العمر التي تبدأ فيها الوظائف الجسدية والعقلية في التدهور بصورة أكثر وضوحاً مما كانت عليه في الفترات السابقة من العمر، وتبدأ من سن الستين حسب أغلب التقديرات. إلا أنها امتداد لمراحل سابقة تتأثر بها، فلقد أشارت روث أوهارا (Ruth O’Hara) في مقال لها بعنوان «الضغوط والشيخوخة والصحة النفسية» في المجلة الامريكية للطب النفسي للشيخوخة إلى أن بعض الدراسات قد أثبتت ان الخبرات الصادمة وأحداث الحياة شديدة الوطأة في الطفولة تؤثر على كفاءة الوظائف النفسية والاجتماعية في الشيخوخة.
تتعدد مصادر الضغوط بالنسبة لكبار السن ومنها:
-التقاعد: يعتبر البعض التقاعد من أهم المشكلات والضغوط التي تواجه كبار السن ومن الممكن أن يؤدي إلى مشكلات نفسية مثل الكآبة والقلق الزائد، إن التكيف النفسي لدى كبار السن يكون أكثر ايجابية مع تقدم المستوى التعليمي وباستمرار العمل بعد التقاعد، وبطبيعة العمل قبل التقاعد وبالحالة الزواجية الاجتماعية، ويكون أكثر إيجابية لدى المتزوجين، ويتأثر كذلك بوضع المعيشة وبمستوى الدخل.
-التغيرات الفسيولوجية: ضعف مقاومة الجسم للمسنين يؤدي إلى بروز عدد من الأمراض الجسمية مثل أمراض القلب والشرايين وهشاشة العظام والأمراض الجلدية والحسية من ضعف البصر والسمع وغيرها، بالإضافة إلى المشكلات الإدراكية والعقلية مثل فقدان الذاكرة (الزهايمر). وبعض الأمراض التي تصيب المسنين تتعلق بالحالة النفسية لديهم، وتنشأ عن توهم الأمراض، ويصاحبها القلق والاكتئاب. كما أن الضعف الجسمي الذي يرتبط بالنشاط الجسمي يؤدي إلى قلة حركة المسنين وعدم القدرة على إنجاز الإعمال والذي يؤثر نفسيا عليهم.
-الصحة النفسية: ان الصحة النفسية لها تأثير على الصحة البدنية والعكس، الكثير من المسنين يشعرون بالوحدة والعزلة، وانعدام الشعور بالقيمة واليأس من الحياة، والحزن المرتبط بفقد الأحبة، والخوف من الموت، والعناد والعصبية، وسرعة الغضب. ومن أكثر الاضطرابات العصبية النفسية شيوعاً في هذه الفئة العمرية هي الخرف والاكتئاب، واضطرابات القلق. ويمكن للاكتئاب أن يسبب معاناة كبيرة ويؤدي إلى ضعف الأداء في الحياة اليومية، ويزيد من تصور سوء الحالة الصحية. وإن أعراض الاكتئاب لدى كبار السن غالباً ما يتم التغاضي عنها وعدم معالجتها لأنها تتزامن مع غيرها من المشاكل التي يواجهها كبار السن ما يؤدي إلى تدهور الوضع الصحي والنفسي للمسن.
-المشكلات الاجتماعية: إن سلوك المسنين يكون رتيباً وقد لا يتناسب مع التفكير المنطقي السائد إضافة إلى حساسيتهم في الكلام وترديد الخبرات السابقة يومياً، الأمر الذي يؤدي إلى ضجر الآخرين المحيطين بهم، وقد يكون الرفض من قبل المسن لأقرب المقربين له، والذي قد يعكس حدة الانفعال والابتعاد عن الواقعية، والمرتبطة بالعوامل النفسية والصحية وصعوبة الحركة لدى المسن، مما يؤدي الى الانسحاب من الحياة الاجتماعية والعزلة.
-دور الرعاية: إن المسن في دور الرعاية يجد من الصعب عليه التكيف مع مستجدات الحياة، وما تتطلبه من علاقات وأنماط سلوكية جديدة في تلك الدور. وربما أن المسنين يشعرون بالفشل والعزلة الاجتماعية، وزيادة وقت الفراغ، ولا يستطيعون بناء علاقات جديدة بسهولة نتيجة وجودهم في أماكن لا تولي الاهتمام الكافي لهم، مقارنة بوجودهم ضمن أسرة طبيعية، وبالتالي يكون سلوكهم متسمًا بالشك، والحذر، والحساسية، والتأثر، والانفعال. ان عدم شعورهم بالاستقلالية، وعدم التفاؤل بالمستقبل، يسهم بعدم الرضا عن حياتهم، وإصابتهم بالأمراض النفسية وخاصة الاكتئاب بما تفرضه هذه دور الرعاية من تعليمات لم يعتدوا عليها.
-التعرض للايذاء: إن كبار السن عرضة للإيذاء، ويشمل الإيذاء الجسدي والنفسي والعاطفي والمالي والمادي، والهجر.
ومن الإستراتيجيات المفيدة لرعاية المسنين وتحسين الصحة النفسية لهم: إيجاد ظروف معيشية وبيئات تدعم الرفاهية وتسمح للأشخاص بأن يبدؤوا بأنماط حياة صحية ومتكاملة، وهناك ضرورة لتغطية كبار السن بالتأمين الصحي الشامل، وتوفير الأدوية اللازمة لهم مجانا أو بأسعار منخفضة. ومن الأهمية إقامة أندية ومراكز تتيح لكبار السن الإلتقاء والتجمع وممارسة الهوايات والرياضة، والقيام بالأعمال التطوعية، وأهمية الحفاظ على دور مفيد في المجتمع، والتفاؤل، والتغذية الجيدة والمتوازنة، والرعاية الصحية، وإشغال الوقت بما هو مفيد، والالتقاء بالأصدقاء والأقارب.
كما يجب الاهتمام بتوعية أسر كبار السن لمساعدة المسن على التكيف وتفهم مخاوفهم واحتياجاتهم وتقبلهم واحترامهم وإشعارهم بالأهمية والتقدير. ويجب الاهتمام بالتشخيص المبكر للأمراض والاضطرابات النفسية والجسدية المصاحبة لهذه الفئة والتدخل المبكر للتخفيف من آثارها، وفي هذه المرحلة تشتد الحاجة إلى دعم الأبناء لوالديهم ماليا ومعنويا ورعايتهم صحيا وتفقد حاجاتهم المختلفة، ومن المهم تجنيب المسنين التحدث بالمشكلات قدر الإمكان، والتحدث معهم بما يسرهم ومحاولة استجلاب الأحداث الإيجابية في الحياة، واصطحابهم لمشاهدة المناظر الجميلة الباعثة على التفاؤل من خلال النزهات والزيارات، ومساعدتهم على الاسترخاء والتأمل، والإصغاء لقصصهم والتفاعل معها بغض النظر عن مدى واقعيتها وتشجيعهم على التنفيس الانفعالي والتحدث عن همومهم.
تختلف استجابات المسنين على الضغوط تبعا للعديد من العوامل والمتغيرات منها الصلابة النفسية التي تعد من أهم متغيرات الوقاية النفسية للآثار السلبية للضغوط والأزمات، والتي ترتبط إيجابياً بمدى الرضا عن الحياة، ووجود بيئة داعمة نفسيا واجتماعيا.
إن الشيخوخة ليست مرضا أو عيبا، بل هي مرحلة طبيعية في حياة الإنسان، ينظر لها البعض أنها ثمرة مراحل سابقة من الكفاح والبناء والجد والاجتهاد (تكامل وانسجام)، والبعض ينظر لها نظرة يأس وتخوف وندم. وكلما ارتبطت حياة الإنسان بأهداف وغايات سامية كلما كان أكثر شعورا بالرضا والامتنان، فالرسول عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم قال: «خير الناس مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ»، هذا هو المعيار الحقيقي لتقييم النجاح في الحياة، وتحقيق المراد منها، وفي طيات هذا الهدي النبوي ينطوي منهجية كاملة لحياة سعيدة وهادفة وذات معنى عميق لسبل تحقيق الرضا عن الحياة والتكيف مع أحداثها.
*الإرشاد والصحة النفسية