كاتِبٌ أمريكيّ يُحدِّد ثلاثة أسباب للخِلاف بين السعوديّة والأُردن.. ونَحن نُضيف إليها
ثلاثة أُخرى.. هل المُساعدات الأمريكيّة “البَديل” كافية؟ ولماذا شُروطها مَخفيّة؟
وما هِي فُرَصْ تجاوز الأزمة الاقتصاديّة؟
February 8, 2018
يَعتقد الكاتب الأمريكي ديفيد إغناتيوس المَشهور بعلاقاتِه الوَثيقة مع المَسؤولين في
البيت الأبيض، وتقاريرِه الإخباريّة الاستقصائيّة الحافِلة بالمَعلومات، أن هُناك ثلاثة
أسباب للخِلافات بين الأُردن والمملكة العربيّة السعوديّة، وذلك في مَقالٍ نَشرهُ في
صَحيفة “الواشنطن بوست” يوم أمس:
الأوّل: رفض الأُردن إرسال قوّات للمُشاركة في حَرب اليمن.
الثاني: اعتراضُه على الحِصار الذي فَرضته الدُّول الأربع على قَطر في ظِل الأزمة
الخليجيّة أو كنتيجةٍ لها.
الثالث: عدم مُسايرته لدُول مثل الإمارات ومِصر في شَنْ حملةٍ ضِد “الإخوان
المُسلمين”.
لا نُجادِل مُطلقًا في هذهِ الصحيفة “رأي اليوم” في دِقّة معلومات الكاتب الأمريكي،
ونُضيف إليها أسبابًا أُخرى، أبرزها تَعود إلى التَّغيير الاستراتيجي الذي طَرأ على
المَوقِف السُّعودي تُجاه إسرائيل، من حيث فَتح قنوات اتّصالٍ معها، مُباشِرةٍ أو غير
مُباشِرة، بعيدًا عن الأُردن الذي كان يقوم بهذهِ المُهمّة كطَرفٍ ثالِث، وعدم انضمام
الأُردن إلى المُعسكَر السُّعودي في العَداء لإيران، وقَطع العَلاقات معها، علاوةً على
التَّنافس المُتصاعِد بين المَرجعيّتين السُّنّيّتين، الهاشميّة والسعوديّة على الزَّعامة، وإدارة
الأماكن المُقدّسة في مَكّة والمدينة والقُدس المُحتلّة.
العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني يُدرِك جيّدًا هذه “المُنافسة”، وتَداعِياتِها على
العلاقات بين البَلدين في ظِل القِيادة السعوديّة الجديدة، ولذلك حَرص على حُضور القمّة
الإسلاميّة التي انعقدت في إسطنبول لاتّخاذ خطواتٍ للتصدّي للقَرار الأمريكي
بالاعتراف بالقدس المُحتلّة عاصِمةً لدولة الاحتلال، ونقل السفارة الأمريكيّة إليها،
لتعزيز مرجعيّته، وتعزيز التحالف مع مَرجعيّة إسطنبول، وهي المُشاركة التي أغضبت
المملكة التي لم تنصح بها، وعلى هذا المُستوى، وعَبّرت عن غَضبِها تُجاه الأُردن بَعدم
تأييد عَقد قِمّة استثنائيّة عربيّة في العاصِمة الأردنيّة تطبيقًا لقرار الجامعة العربيّة،
لبَحث عَقد قِمّة عربيّة في العاصِمة الأردنيّة لبَحث هذهِ الخُطوة الأمريكيّة، لعَدم استفزاز
أمريكا أولاً، وعَدم “تضخيم” الدَّور الأُردني في هذا المِضمار.
الأُردن مَعروفٌ بأنّه من أبرز الدُّول التي تُرسِل قوّاتها للمُشاركة في الأزمات العربيّة
والعالميّة الكُبرى، سِواء في إطار قوّات حفظ السلام مِثلما هو الحال في كوسوفو
والبوسنة ودارفور، أو إلى جانب قوّات حلف الناتو، مثلما كان عليه الحال في ليبيا وفي
إطار آخر في البحرين، وعدم تجاوبه مع الطَّلب السعودي بالانضمام إلى “عاصفة
الحزم” بالطَّريقة التي انضمّ فيها إلى التحالف الأمريكي لمُحاربة الإرهاب في العراق
وسورية، جاء نتيجة تبلور قناعة لديه بأن حَرب اليمن سَتطول، ومن الصَّعب الانتصار
فيها، وفَوق كل هذا وذاك، أن الحوثيين “هاشميون”، فكيف يُقاتِل العاهِل الأُردني أبناء
عُمومته في اليَمن؟ وقُرب دُخول الحَرب اليمنيّة عامها الرابع يُؤكّد مُجدّدًا مَدى صوابيّة
هذا المَوقف الأُردني وبُعد نَظرِه.
مَصدرٌ أُردنيٌّ كبير قال لـ”رأي اليوم” أن طريقة التعاطي السعوديّة “الفَوقيّة” مع
الأُردن طِوال السنوات الأخيرة لَعِبت دورًا في “فُتور” العلاقات، وبلغ هذا “
الفُتور” ذَروته عندما قرّرت السعوديّة إقامة مَشروع مدينة “نيوم” الاستثماري
على البحر الأحمر قُرب العقبة دون استشارة الجانب الأُردني، الذي قَرأ عنه
الأُردنيون، شَعبًا وحُكومة، في الصُّحف، مِثلهم مِثل أي طَرف ليس له علاقة بالأمر.
السُّلطات الأردنيّة ما زالت حريصةً على تَجنّب أي “توتّر” مع السعوديّة، رغم توقّف
الحُكومة السعوديّة عن تقديم أي مُساعدات ماليّة لها، وربّما بشَكلٍ نِهائيّ فيما يبدو،
وعدم تجديد مِنحة المِليار دولار السنويّة التي جاءت في إطار خُطّة مُساعدات خمسيّة
خليجيّة قيمتها 5 مليار دولار، والسبب في ذلك، كما يقول رئيس وزراء أردني سابِق،
هو الحِرص على 400 ألف أردني يَعملون في المملكة حاليًّا، وعدم تِكرار ما حَدث في
الكويت عام 1991، عندما أبعدت السُّلطات الكويتيّة العَدد نفسه تقريبًا احتجاجًا على
مَوقِف الأُردن الدَّاعِم للرئيس العراقي صدام حسين، ومن المُفارقة أن عدد هؤلاء
يتناقَص بِشَكلٍ مُتسارع بسبب مُضاعفة رُسوم الإقامة، والخُروج والعَودة، وتضاؤل
فُرص العَمل بسبب “السَّعودة” وحالة الرُّكود الاقتصادي، ووجود خُطّة حُكوميّة
لتَقليص عدد العمالة الأجنبيّة إلى الحُدود الدنيا، ليس في السعوديّة وإنّما في كُل دُول
الخليج.
لتقليص الاعتماد على المُساعدات الماليّة الخليجيّة، والسعوديّة بِشَكلٍ خاص، أقدمت
السُّلطات الأردنيّة على خُطوتين رئيسيّتين:
الأولى: الاعتماد على الذَّات، وفَرض ضرائِب جديدة على أكثر من مِئة سِلعة، ووَقف
الدَّعم الحُكومي عن جميع السلع والمواد الأساسيّة الأُخرى مثل المِياه، والكهرباء،
والمحروقات، ورغيف الخُبز، لسَد العَجز الكبير في الميزانيّة.
الثاني: الاتجاه نحو أمريكا، والتَّجاوب مع بعض شُروطِها الصَّعبة جِدًّا، مِثل إعادة فَتح
السَّفارة الإسرائيليّة في عمّان، ودون اعتذارٍ إسرائيليٍّ حقيقيّ، وتَقديم المُتّهمين في قَتل
مُواطنين أُردنيين إلى القضاء، وتَخفيف المُعارضة لقَرار نَقل السَّفارة الأمريكيّة إلى
القُدس المُحتلّة، وكان المُقابل عدم وقف المُساعدات الأمريكيّة للأُردن، مِثلما هَدّد
الرئيس دونالد ترامب، وتوقيع اتفاقيّة جديدة برفع المُساعدات الماليّة الأمريكيّة لها من
مِليار دولار إلى 1.5 مليار دولار سَنويًّا لمُدّة خَمس سنوات.
تحميل الشعب الأُردني مَسؤوليّة غِياب المُساعدات الخليجيّة، والعَجز في الميزانيّة
وارتفاع الدين العام (36 مليار دولار)، أدّى إلى ارتفاعٍ كبيرٍ في ظُروف المَعيشة،
وخَلق حالةٍ من الاحتقان الشعبيّ تتضخّم يومًا بعد يوم، بسبب عدم قُدرة الأغلبيّة
السَّاحِقة من الشعب الأُردني التي تعيش على حافّة الفَقر على تَحمّل أعباء الغلاء
الفاحِش، وتَقبّل “مُرونة” حُكومتهم في قضيّة القُدس، وإعادة فتح السفارة
الإسرائيليّة، والتَّأكيد على مركزيّة الدَّور الأمريكي في أيِّ عمليّة سلام أبرزها.
أمّا النقطة الأُخرى، وهي الاتجاه نحو أمريكا ومُساعداتها، فإنّ الخُطورة تَكمُن في
احتمال تَحوّل الأُردن إلى “رهينة” في يَدْ حٌكومات أمريكيّة قد تَستخدم سيف
المُساعدات لإجباره على اتّخاذ سِياساتٍ ومواقِف غير شعبيّة، وغير وطنيّة.
الأردن يعيش ظُروفًا صَعبة، تعود في مُعظمِها إلى “عُقوق” دُول الجِوار النفطيّة
الغنيّة، التي كان يُشاركها في “مِحور الاعتدال”، والحُروب والتوتّرات التي تُحيط بِه
من كل جانِب في سورية والعِراق، وربّما قريبًا في فِلسطين المّحتلّة، حيث باتَ انفجار
الانتفاضةِ المُسلّحة في الأراضي المُحتلّة خِيارًا شِبه حَتميّ.
ما كان يَحتاجه الأُردن من أشقائِه الخليجيين سَنويًّا هو مَبلغ مُتواضِع جدًّا، فما جَمعته
المملكة العربيّة السعوديّة من الدُّفعةِ الأُولى من الأُمراء ورِجال الأعمال المُتّهمين في
الفَساد على سَبيل المِثال، يَزيد عن 107 مليار دولار، أي ما يُغطّي ميزانيّة الأُردن كُلها
لِما يَقرُب من العِشرين عامًا تقريبًا، والباقي مَتروكٌ لفَهْمِكُم.
“رأي اليوم