مشكلة في الاردن اسمها «الراتب» الضائع
الدستور - طلعت شناعة
لم يجد فواز مشعل الموظف بإحدى الوزارات بُدا من تحويل سيارته الخاصة إلى»سرفيس» بعد انتهاء الدوام الرسمي من أجل زيادة دخله في ظل متطلبات أسرته الكبيرة.
ويقول: إنني مضطر لذلك، فأتوقف عند «دوار صويلح» وانتظر الركاب المتجهين إلى جرش فأنقلهم مقابل الأجرة العادية التي يدفعونها وهم سعداء وبخاصة في أوقات أزمة المواصلات وتبدو الأمور أكثر سهولة في فصل الشتاء وفي شهر رمضان عندما يحرص الركاب على الاستعانة بأية «وسيلة مواصلات» للعودة إلى بيوتهم قبل موعد الإفطار. وأردف موظف آخر يقود سيارة نقل «بكب»: اُنظر، كل هؤلاء موظفون وعندما يجوع أولادك لا تفكر بالقوانين إطلاقا..
الرواتب تبدو في ظل الغلاء قضية مؤرقة لذوي الدخل المحدود وغير المحدود. لكنها عند موظفي الحكومة تبرز أكثر حدة، فهي ثابتة وإن سارت فهي لا تنافس خطوات السلحفاة.
ربط الراتب بالغلاء
ويعلل د.إبراهيم بدران» وزير التربية السابق والاكاديمي والباحث المعروف» الذي كان قد اطلق رؤياه الشهيرة قبل سنوات وللاسف لم تلق تأثيرا في واقعنا، حيث قال: الرواتب تُعتبر المصدر الرئيس وربما الوحيد للموظف. وبالتالي فإن جميع احتياجاته ونفقاته وعائلته تعتمد كليا على هذا الراتب.
ويضيف د.بدران «ولهذا، ينبغي أن يكون هناك ربط من نوع ما بين الراتب ومستوى المعيشة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار التضخم وارتفاع الأسعار على مدى السنوات بما يترك أثرا تراكميا كبيرا بحيث يؤدي إلى شعور الموظف بنوع من الغُبن وعدم الاهتمام بمشكلاته التي يعانيها.
بل ان د.بدران يذهب إلى أبعد من ذلك حين يرى ان تردي الرواتب يشكل بيئة مناسبة للضعف والرشوة والفساد لدى الموظف ــ وإن كان ذلك غير مبرر بالطبع - ما يساعد في انتشار حالات الفساد والمحسوبية.
إن مكانة الموظف يجب أن يحافظ عليها حتى يكون هناك توازن بين دوره وأداء وظيفته وتمثيل الحكومة وإمكانات معيشته بحيث تتوفر لديه مناعة وحصانة أخلاقية ومعاشية تجعل تمثيله لمؤسسته جيدا.
ويقول د.بدران إن شعور الموظف بالغبن والاحتياج يجعله يضطر للقيام بعمل آخر دون الإعلان عنه. وهو ما يخلق نوعا من الاختلال في توزيع فرص العمل. وينتج عن ذلك عمالة باطنة غير مُعلن عنها وهو أمر يشوه هيكل الدخول للمواطنين، علاوة على ما يسببه ذلك من ضعف في أداء الموظف بسبب الإجهاد والانشغال النفسي والتشتت الذهني.
كما أن تحول الموظف إلى جزء من الشرائح المتدنية الدخل من شأنه أن يقلل من إمكانات الإبداع والتجديد والحماس.
ولمعالجة هذا يرى د.بدران أن على الدولة ربط رواتب الموظفين بسلم الغلاء المعيشي وكلما ارتفعت الأسعار وارتفع مؤشر الغلاء تزيد الرواتب وهذا أمر معمول به في كثير من البلدان فتتم المحافظة على مستوى دخل الموظف، ولا تستطيع كل الدول فعل ذلك خاصة تلك التي تكون إيرادات الحكومة فيها محدودة فزيادة عشرة دنانير للموظف الأردني شهريا تحمل الخزينة اكثر من (40) مليون دينار تقريبا سنويا.
متقاعدون
وأشار د.بدران إلى وضع المتقاعدين المدنيين الذي يبدو أسوأ حالا من وضع الموظفين الحاليين. وقال ان المطلوب وضع برامج وسياسات يمكن من خلالها التعويض على هذه المسألة مثل إنشاء صناديق ادخار واستثمار للموظفين (في كل الوزارات والمؤسسات الحكومية) ولو بمبالغ بسيطة وإتاحة الفرصة للموظفين والمتقاعدين والعاملين المساهمة في الشركات عندما تنشأ الفرص من خلال التمويل التجسيري بضمان رواتبهم.كذلك من خلال رفع إنتاجية الموظف عبر برامج تدريبية وإعادة تأهيله والمشاركة بالنشاطات التي تُساعد الموظف على القيام بأعمال ترفع مستوى أدائه وتُحركه من موقع لآخر.
وأشار إلى أن بعض الدول تلجأ لتشجيع المتقاعدين من خلال إشراكهم بمشاريع خاصة وإنشاء (مؤسسة للمتقاعدين المدنيين) لأن هؤلاء يحصلون على رواتب ضئيلة دائما. كما دعا د.بدران إلى تشجيع المرأة في العمل (نسبة مشاركتها لا تزال 15% فقط) من أجل زيادة دخل الأسرة منبها إلى ضرورة عدم المبالغة في الامتيازات الممنوحة لها لأن صاحب العمل عندها لن يكون مرحبا بعملها.
وقتها دعا د.بدران إلى إنشاء المؤسسات التعاونية التي تُساعد أصحاب الدخول المحدودة مثل (مشاريع الإسكان) وأيضا في مجال التعليم ليتم الإدخار فيها ضمن مبالغ للمستقبل. وتستطيع الحكومة إعطاء أراض إن هي ساعدته على السكن والتعليم. ويختلف الوضع بالنسبة للموظف في القطاع الخاص حيث فرص زيادة الراتب بعيدا عن القوانين الجامدة.
ثقافة الوظيفة
وقبل سنوات ،أعدت سياسات وزارة تطوير القطاع العام لوثيقة «السياسات العامة التفصيلية لإدارة وتنمية الموارد البشرية» ترى أن إدارة وتنمية الموارد البشرية تعتبر ركنا أساسيا في برنامج إصلاح القطاع العام من خلال تعزيز القدرات المؤسسية.
وفي مجال الرواتب والعلاوات فإن النظام الحالي يحدد الرواتب بناء على المؤهلات العلمية والأقدمية بدلا من التركيز على المتطلبات الأساسية للوظيفة والمهام والمسؤوليات المناطة بها.
وحول التحديات االتي تواجه إدارة الموارد البشرية تشير الوثيقة إلى «مقاومة التغيير وانتشار الواسطة والمحسوبية وثقافة الوظيفة العامة المتمثلة في اعتبار الوظيفة العامة خيارا وحقا للمواطن وواجبا على الدولة».وأيضا تدني نسبة الراتب الأساسي إلى الراتب الإجمالي وعدم وجود منهجية علمية لمنح العلاوات حيث يتم منحها أحيانا بناء على ضغوطات مختلفة.ولعل الخلل الذي تشير إليه وزارة تطوير القطاع العام يكمن في عدم مجاراة الرواتب في القطاع العام لمستوى الرواتب والأجور في القطاع الخاص في الوظائف القيادية والمتخصصة.
وتسعى الوزارة إلى تحديد المخصصات المالية المطلوب رصدها كرواتب وأجور للموظفين وفقا للخطط المعتمدة والإمكانيات المتاحة. ودعت إلى تكافؤ الفرص بحيث لا يكون هناك تمييز في رواتب وعلاوات الموظفين على أساس النوع الاجتماعي والعمر والعرق والدين والحالة الاجتماعية والحالة الجسمانية وألا يكون المؤهل العلمي أو الأقدمية العاملين الأساسين لتحديد الرواتب.
وكذلك إلى معالجة الاختلالات الحالية في الرواتب والعلاوات وفقا للوظيفة ومهامها ومسؤولياتها ومتطلباتها الرئيسية.
الموظفون في الأرض
يقول فتحي قاسم (موظف حكومي): راتبي قليل ومنذ سنوات طويلة لم يطرأ عليه تغيير مع حدوث زيادات كثيرة في أسعار السلع والمحروقات بينما يقول رسمي محمد موسى: راتبي (القديم) ظل ضئيلا.. بينما أصبحت عائلتي الآن كبيرة ولي أبناء على أعتاب الجامعات ولا أدري كيف سأتدبر أمري.
مكانك سرْ
المشكلة ان « مشاكلنا» ذاتها لا تتغير/وكما تلاحظون ما عانينا منه قبل عشر سنوات « مثلا» ما زلنا نعاني منه.الاختلاف الوحيد،ان الوضع كما الرواتب، يزداد «سوءاً».بل اننا بتنا نُطلق « النكات» خاصة عبر منصّات التواصل الاجتماعي « الفيس بوك « تحديدا حول « تبخّر الراتب» بمجرد « استلامه» ويذهب الى «المدينين» والفواتير هذا اذا تبقّى منه شيء.