المجالي: سنكون امام مرحلة ندفع فيها ثمن ما تكبده المواطن
عمان1: كتب وزير الداخلية الأسبق، العين حسين هزاع المجالي، مقالا انتقد فيها نهج الجباية والاعتماد على رفع الأسعار كسبيل وحيد للاعتماد على الذات، محذرا في ذات السياق من الاستمرار بهذا النهج.
وتاليا نصّ المقال:
يبدو أنه ليس لدينا مطبخ إقتصادي قادر على رسم إستراتيجيات اقتصادية أكانت طويلة أو قصيرة المدى، وهو ما أوصلنا إلى هذا المستوى من التحديات التي باتت تضغط على عصب الجميع بلجوء الحكومات إلى الطريق الأسهل عبر رفع أسعار السلع ما أجبرنا إلى اللجوء لاشتراطات صندوق النقد الدولي الجائرة.
الأزمات التي اشتعلت في المنطقة، أثرت بشكل مباشر على الواقع الاقتصادي الأردني، بإغلاق المنافذ الحدودية وارتفاع موجات اللجوء وتقلص حجم المساعدات، وهو ما فرض علينا اللجوء إلى خيار الاعتماد على الذات باعتباره خيارا وحيدا لا بد منه.
غير أن الاعتماد على الذات لا يعني بالضرورة الاستمرار على ذات النهج في الاصلاح والذي يستهدف بشكل مباشر أو غير مباشر المواطنين وينعكس سلبا على الفقراء ومتوسطي الدخل.
ذلك أن هاتين الطبقتين من المجتمع لن يكون بمقدورهما تحمل الكثير من الأعباء بعد أن تقلصت قدراتهم الشرائية نتيجة التطور الذي طرأ على كلفة المعيشة بالنسبة إليهم للارتفاع المتوالي كل عام في أسعار السلع كالغذائية منها أو تلك المرتبطة بالطاقة.
وهذا ما يدفع إلى التوقف قليلا والتفكير مليا في أدوات أخرى تضمن للحكومة توفير الأموال اللازمة للموازنة، بحيث لا تكون تلك الأدوات معتمدة بشكل رئيسي على المواطن كمورد رئيسي لها.
في العام المقبل سنكون أمام حزمة إجراءات جديدة، والسؤال الذي يردده الكثيرون ما الذي تبقى من السلع ليتم رفع سعره أو تحرير أسعاره، وهل سيكون بإمكان الناس دفع المزيد؟، وإن كان بإمكانهم ذلك فإنه سيكون على حساب ماذا؟، هل هو على حساب نوعية وجودة الغذاء الذي سيطعمونه لأطفالهم، أم على حساب التعليم والعلاج أو غير ذلك من متطلبات الحياة اليومية.
يعلم الجميع أن الواقع الاقتصادي صعب، ومع ذلك بات الجميع يدرك أنه يجب أن تكون هناك نهاية للأزمة يشعر معها المواطن بالقليل من الراحة وأن ما استحق عليه من ارتفاعات في أسعار السلع ورفع الدعم عن أخرى لم يذهب سدى.
بالتالي، ما الحل؟، هذا ما بات الجميع يسأله في المجالس العامة، ولو فكر كل منا لوحده بالحل لما وصل إلى جواب أو نتيجة مقنعة ذلك أن التحديات كبيرة ومتشعبة وتحتاج إلى كثير من التفكير والدراسة والمناقشة للوصول إلى مرحلة نقول فيها إننا تجاوزنا ما كنا نعانيه من تحديات.
لذا، فإن ذلك لا يمكن أن يتحقق إلا بانتاج مطبخ اقتصادي قوامه متخصصين من خارج جسم الحكومة وموظفي الدولة الرسميين وبما لا يتجاوز عددهم على عشرة أشخاص.
تكون مهمة المطبخ الاقتصادي:
أولا: اجتراح حلول جذرية للأزمة الاقتصادية وتغيير النهج الذي تتبعه الحكومات في التعامل مع ما يواجهنا من تحديات.
ثانيا: انتاج برامج اقتصادية إصلاحية طويلة وقصيرة المدى.
ثالثا: أن يكون على تماس مباشر مع المواطنين يطلعهم بشكل دوري على الواقع الاقتصادي وعلى أهم التحديات الاقتصادية التي تواجهنا وعلى الحلول المقترحة للتخلص من عقلية اللجوء لصندوق النقد الدولي.
رابعا: تجسير أزمة الثقة التي باتت فجوتها تتسع بين المواطن والحكومات نتيجة سلسلة القرارات الاقتصادية وعدم الوضوح في شرحها للناس على النحو الذي يقنعهم بالواقع الاقتصادي الراهن.
خامسا: دراسة أي قرار اقتصادي من جميع نواحيه السياسية والاجتماعية والأمنية، ويبحث في الحلول الممكنة والأقل ضررا على الناس.
سادسا: التفكير بأثر أي قرار اقتصادي على المجتمع وعلى الأمن، فالفقر والبطالة، كما هو معلوم، ليسا إلا قنبلة موقوتة لها تداعيات خطيرة جدا، كما أن الفقر والبطالة من شأنهما أن يخلقا ظواهر اجتماعية جديدة ليس معتادا عليها المجتمع.
سابعا: أن يكون المطبخ الاقتصادي عابرا للحكومات وأن تكون توصياته ملزمة لها، وأن توفر له كافة الإمكانات ليستطيع أداء عمله على أكمل وجه.
واقع الناس بات صعبا، وليس بالإمكان الاستمرار على ذات النهج، لأننا سنكون يوما ما أمام مرحلة ندفع فيها، لا سمح الله، ثمن ما تكبده المواطنون من مشاق نتيجة استمرار الارتفاع في الأسعار.
وبالتالي بجب أن لا نلقي المزيد من الأعباء على كاهل جلالة الملك ، فمخطىء من يظن أن الملك وحده مطالب باحداث التغيير بل الجميع مطالب بذلك لإيجاد حل للتحديات الإقتصادية التي تواجهنا.
فمصلحة الوطن والمواطن يجب أن تكون متقدمة على أي مصلحة أخرى، وفي انتاج مثل ذلك المطبخ فيه مصلحة وطنية عليا، لذا فإن اتكاء الحكومات، وليس الحكومة الحالية مقصودة بعينها، على مثل هكذا مطبخ لا ينتقص من ولايتها شيئا، بل من شأنه أن يعزز من صلابة الجبهة الداخلية.