الأيام القادمة في سورية
رؤساء روسيا (وسط) وتركيا (يمين) وإيران (يسار) في اجتماع ثلاثي حول سوريةفي سوتشي
إننا نتطلع إلى إحلال السلام في الشرق الأوسط، إلا أن الحرب الأهلية السورية ما تزال على رأس الأجندة الدولية، والتي يشارك فيها العديد من الأطراف الدولية بفاعلية. يتلخص هدفنا النهائي في إنهاء هذا الصراع، والذي عانى فيه كثير من السوريين، وفقدوا كل شيء كانوا يملكونه.
بذلت تركيا، إلى جانب كل من روسيا وإيران جهودًا حثيثة لتحقيق الاستقرار في سورية لبعض الوقت، وفي هذا الصدد، بدأت الدول الثلاث عملية أستانة للسلام، والتي تمثل المبادرة الأهم لإنهاء هذا الصراع حتى الآن.
لطالما وضع قادة هذه الدول استقلالية سورية على رأس الأولويات، ولطالما استطاعوا التغلب على حيل الدول الاخرى، التي انزعجت من هذه الوحدة منذ بداية عملية السلام تلك.
وقد أفاد المركز الروسي للتوفيق بين الأطراف المتحاربة في سورية، تسجيل خرق لوقف إطلاق النار في محافظة إدلب، وفي ضواحي دمشق، وأكد الجيش الروسي أن وقف الأعمال العدائية هو الفرصة الوحيدة للتوصل لحل لما تعانيه البلاد.
يرى الرئيس التركي أردوغان، أن الممر الإرهابي لحزب العمال الكردستاني، أو ما يُعرف بحزب الاتحاد الديمقراطي في سورية، يشكل التهديد الأكثر خطورة على حدودنا، فمجرد إمكانية قيام دولة شيوعية مدعومة من الغرب في المنطقة، لا يشكل خطرًا على تركيا فحسب، بل على جميع دول المنطقة -بما فيها سورية نفسها- فمن خلال عملية درع الفرات التي استهدفت القضاء على تنظيم داعش في هذه المنطقة، استطاعت تركيا أن تمنع حزب الاتحاد الديمقراطي من ربط مدينتي كوباني وعفرين الواقعتين على الحدود السورية التركية معًا. وبعد الإعلان عن مناطق خفض التصعيد العسكري، نقلت تركيا قواتها إلى إدلب، ما منع عناصر حزب الاتحاد الديمقراطي من التحرك جنوبًا نحو سورية. وفي الرابع عشر من كانون الثاني (يناير) 2018، ردت تركيا بالمثل على إطلاق نار من جانب حزب الاتحاد الديمقراطي، وأعلن الرئيس أردوغان في اليوم التالي قائلًا "في الأيام القادمة، إن شاء الله، سوف نستكمل تطهير حدودنا الجنوبية من الإرهاب بداية من مدينة عفرين. سوف نستأصل الجماعة الإرهابية الانفصالية التي أزهقت حياة 50 ألفًا من مواطنينا على مدار الـ 34 سنةً الماضية".
وعلى الرغم من هذه المأساة، استمرت الولايات المتحدة الأميركية في تسليح حزب الاتحاد الديمقراطي، وتخطط الآن لإعلان اتحاد فيدرالي داخل سورية على الحدود التركية. وعلى الرغم من تعهد الرئيس ترامب بعدم إمداد الجماعة الإرهابية بمزيد من الأسلحة، فإن البنتاغون تصرف بما يخالف ذلك تمامًا، واستمر في ضخ الأسلحة، بل إن وفدًا من المسؤولين التنفيذيين التابعين لوزارة الخارجية الأميركية برئاسة ماكس مارتن، زار شمال سورية، وقابل كبار مسؤولي حزب العمال الكردستاني/ حزب الاتحاد الديمقراطي. وقد صرح أحد أفراد الجماعة الإرهابية للمسؤولين الأميركيين، أنهم يسعون لإقامة نظام فيدرالي في سورية.
لم يكن خفيًا أنه منذ الحرب العالمية الأولى، كانت السياسة العامة تجاه الشرق الأوسط، هي الإبقاء عليه تحت السيطرة عبر تقسيمه إلى أجزاء صغيرة، وكثير من دوائر صنع القرار في العالم حاليًا، تناقش عملية إعادة ترسيم حدود المنطقة، وما يجري حاليًا ما هو إلا تفتيت لسورية، وإعادة رسم حدودها مع حزب العمال الكردستاني. وفقًا لهذه الخطة، وبعد تقسيم سورية، سيحدث نفس الشيء لكل من تركيا وإيران، وستُخلق مساحات شاسعة من النزاعات تمتد إلى روسيا. وتتمحور السياسة التركية الأساسية حول منع هذا الاحتمال عبر الحفاظ على وحدة الدولة السورية والأراضي السورية. وللوصول إلى هذه الغاية، لا بد للحكومة التركية أن تعترف رسميًا بالحكومة السورية الحالية، والقيادة السورية كهيئات شرعية، لأنه إن لم يكن هناك حكومة ذات سيادة في سورية، سيوفر ذلك غطاءً شرعيًا لحزب العمال الكردستاني/ حزب الاتحاد الديمقراطي.
وذلك ما تحاول تلك الدوائر أن تستغل حزب العمال الكردستاني لتحقيق مآربها، وهي ترك سورية دون حكومة، وتأليب الحكومة الحالية ضد تركيا والدول المجاورة، والاستفادة من فراغ السلطة في بناء دولة شيوعية إرهابية لا تخرج عن سيطرتهم. وبما أن الحكومة السورية الحالية غير معترف بها، فلا شك أن العديد من الأطراف سوف يقدم على محاولة اقتطاع جزء من الأرض لصالح مصالحه الشخصية. وعلى جانب آخر، إذا تواصلت تركيا مع الحكومة السورية، واعترفت بها كسلطة شرعية، وإذا عقدت الحكومة السورية اجتماعًا وأعلنت أنها تنتظر دعمًا من تحالف روسيا وتركيا وإيران، فإن هذه الخطة سوف تفشل تمامًا، لأن روسيا تُعد في موقف فريد يخولها لتهيئة الساحة لاتخاذ مثل هذه الخطوة.
يجب على قادة إيران وتركيا وروسيا وسورية أن يجتمعوا معًا لاتخاذ قرار بشأن عملية عسكرية مشتركة، للقضاء على كافة المنظمات الإرهابية الفاعلة، وفي مقدمتها حزب العمال الكردستاني، الذي يمثل تهديدًا للمنطقة بأسرها. ومن ثم يمكن إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية بعد تطهير سورية من جميع الجماعات الإرهابية، فعندما تستقر الأوضاع في المنطقة، يمكن حينها إجراء انتخابات حرة ديمقراطية في سورية، ومن ثم يتوجب على هذه الحكومة المنتخبة حديثًا البحث عن حلول عبر الأطر الدبلوماسية والتفاهمات المشتركة، فمن شأن تحالف الدول الثلاث أن يصل إلى حلول تصب في صالح الشعب السوري، الذي من حقه أن يقرر مصيره المستقبلي.