نتائج الاقتصاد الوطني في 2017
د. نوفل الناصري
الخميس 22 فبراير 2018
بعد تعيين حكومة الدكتور سعد الدين العثماني يوم 05 أبريل 2017، أعدت هذه الاخيرة برنامج عملها تطبيقا لأحكام الفصل 88 من الدستور، وخصصت المحور الثالث فيه لتطوير النموذج الاقتصادي والنهوض بالتشغيل والتنمية المستدامة، وذلك عن طريق تسريع التحول الهيكلي للنسيج الاقتصادي ودعم المقاولة وتحفيز الاستثمار، مع مواصلة تعزيز الاستراتيجيات القطاعية الخاصة بالقطاعات المنتجة، وتأهيل التجهيز وتدعيم الاستثمار في البنيات التحتية واللوجيستيكية وتطوير منظومة النقل، بالإضافة إلى التركيز على النهوض بالصادرات المغربية وتيسير الولوج للعقار. ورغم الظرفية الاستثنائية والصعبة التي جاءت فيها الحكومة والتي ارتبطت بمشهد سياسي متوتر، وأحداث اجتماعية محتدمة، ووضعية اقتصادية عصيبة بسبب تأخر اعتماد قانون المالية 2017؛ رغم هذه الاكراهات والتحديات، فإن الحصيلة الاولية ل120 يوم وما أنجز في 10 أشهر من العمل الحكومي، أبرزت بمجموع مؤشراتها وإجراءاتها المحَقَّقة تقدما مهما في تطبيق البرنامج الحكومي، الامر الذي ساهم بشكل كبير في تحسين الوضعية المالية لبلادنا وتحقيق حصيلة إيجابية للاقتصاد الوطني في السنة الماضية، وهو ما سنقوم بعرضه وتحليله وتقييمه في هذا المقال.
يمكن تقييم أداء الحكومة الاقتصادي في السنة الماضية، بالاعتماد على مدارسة وتحليل نتائج الحسابات الوطنية والمؤشرات الرقمية التي ترتكز عليها المؤسسات المعنية برصد الوضعية الاقتصادية للمملكة (بنك المغرب، والمندوبية السامية للتخطيط، ومكتب الصرف، ومديرية التخطيط والتوقعات بوزارة المالية)؛
عرفت سنة 2017 نمو اقتصادي مدعم بالنشاط الفلاحي، حيث ارتفعت القيمة المضافة الفلاحية بنسبة %15,1 ، عوض انخفاض نسبته بناقص 13,6% سنة 2016. كما سجلت أنشطة القطاع غير الفلاحي ارتفاعا ب%2,8 سنة 2017 بعد %2,2 سنة 2016. ويرجع هذا الارتفاع أساسا إلى تحسن القطاع الثانوي الذي حقق نموا ب%2,9 سنة 2017 عوض%1,2 سنة 2016، بفضل الزيادة المهمة التي حققتها أنشطة قطاع المعادن ب%17,8 بعد %2,2 خلال السنة الماضية، وكذلك ارتفاع أنشطة الصناعات التحويلية التي تطورت قيمتها المضافة من %0,8 سنة 2016 إلى %2 سنة 2017.
وفي هذا السياق، شهدت توقعات أرباب المقاولات المستقاة في إطار البحث الأخير للمندوبية السامية للتخطيط حول الإنتاج والصادرات تحسنا يقدر ب 13 نقطة و 17 نقطة، على التوالي، مقارنة مع نفس الفترة من سنة 2016.
وقد استمر قطاع الخدمات ولاسيما التجارة والنقل الجوي، بالإضافة إلى القطاع السياحي في دعم القطاع القيمة المضافة غير الفلاحية، وقدد حققت السياحة زيادة تقدر ب 8,4 %، تقريبا 69,6 مليار درهم.
في مقابل هذه التطورات الايجابية سالفة الذكر، عرفت أنشطة جزء مهم من القطاع الثاني، والمتمثل في الصناعات الميكانيكية والصناعات الثقيلة انخفاضا بحوالي %2,5، بينما سجلت أنشطة قطاع البناء والأشغال العمومية، وتيرة نمو متواضعة ب%0,4. كما انخفضت أنشطة القطاع الثالثي من وتيرة نموها في حدود %2,7 سنة 2017، مقارنة مع مستوى المتوسط السنوي الذي بلغ %3,4 خلال الفترة 2016-2010.
ولقد واصل الطلب الداخلي دعمه للنمو الاقتصادي الوطني خلال سنة 2017، نتيجة تعزيز الاستثمار وارتفاع استهلاك الأسر، حيث سجل حجم الاستهلاك النهائي الوطني ارتفاعا ب%3,2 سنة 2017 عوض%3,1 سنة 2016، لتصل مساهمته في النمو إلى2,5 نقطة؛ وهنا ينبغي التوضيح على أنه رغم المساهمة الايجابية للطلب الداخلي في الاقتصاد الوطني، إلا أنه عرف تباطؤا في وتيرة نموه، وهذا ما أكدته مذكرات المندوبية السامية للتخطيط، والتي أوضحت أن هذا المؤشر انتقلت من %5,5 سنة 2016 إلى%3,2 سنة.
وبهذا حقق الاقتصاد الوطني نموا يقدر ب4,6٪، حسب وزارة الاقتصاد والمالية، وباعتماد المؤشرات الاقتصادية المجمعة إلى غاية شهر نونبر 2017، من طرف المندوبية السامية للتخطيط، حقق الاقتصاد الوطني نموا يقدر ب 4 ٪ في 2017.
بخصوص تطور المبادلات الخارجية، فحسب تقارير وزارة الاقتصاد والمالية، ساعد ارتفاع الطلب العالمي الموجه نحو المغرب في تحسن الصادرات من السلع والخدمات ب%9,3. هذا الاداء الجيد جاء نتيجة ارتفاع مبيعات الفوسفاط ومشتقاته (+% 11,1) وكذا الصادرات الأخرى للمهن الجديدة للمغرب، خاصة قطاعات الطائرات (%18,4+) والصناعات الغذائية (%8,8+) والإلكترونيك (%8,5+) والسيارات (%7,1+) والنسيج والجلد (%5,9+)، مما مكن من تحسن معدل تغطية الصادرات للواردات بـ +1,6 نقطة. في المقابل عرفت الواردات زيادة ب %6,3 نتيجة ارتفاع واردات المغرب من المواد الطاقية بسبب ارتفاع أسعار البترول على المستوى العالمي، مما أدى إلى زيادة في عجز الميزان التجاري بنسبة%2,6.
بالإضافة إلى ذلك، مكن ارتفاع تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج ب %4,5 (تقريبا 65,4 مليار درهم)، واستقرار التحويلات العمومية الواردة، من امتصاص جزء كبير من عجز المبادلات الخارجية من السلع والخدمات، مما ساهم في انخفاض العجز الجاري لميزان الأداءات لينتقل من %4,4 في 2016 إلى %4 سنة 2017 حسب معطيات وزارة الاقتصاد والمالية، كما استعادة الحكومة ضبط احتياطي العملة الصعبة، ليصل إلى 241 مليار درهم، ما يعادل 6 أشهر من واردات السلع والخدمات.
وبفضل التحكم في النفقات الجارية وتحسين تعبئة الموارد، فقد أسفر تنفيذ قانون المالية لسنة 2017 عن عجز في الميزانية يناهز 3,5% من الناتج الداخلي الخام، وتَحَسَّن مقارنة مع سنة 2016 الذي بلغت فيه النسبة 4,1%. ولأول مرة منذ 2008، استطاعت الحكومة ضبط سقف نسبة الدين العمومي للخزينة في حدود 64,5٪ سنة 2017 مقابل 64,7٪ السنة الماضية، مع استمرار تحسن ظروف تمويل الخزينة في السوق الداخلي، وللإشارة فإن %78 من دين الخزينة هو دين داخلي، ويبقى سوق سندات الخزينة المصدر الرئيسي لتمويل الخزينة.
رغم الحصيلة الايجابية لغالبية وأبرز المؤشرات المالية والاقتصادية الوطنية، إلا أن معدل النمو مازال يعرف تقلبات متباينة نتيجة ارتباطه بتقلبات القيمة المضافة للقطاع الفلاحي، ومازالت حصة الصناعة في الناتج المحلي الإجمالي لا تتجاوز 16٪ على الرغم من النتائج المقنعة لبعض المهن العالمية في المغرب مثل السيارات أو الطائرات؛ وتبقى البطالة من أبرز الإكراهات التي تواجه الاقتصاد المغربي، فرغم إحداث 89 ألف منصب شغل ما بين الفصل الثالث من سنة 2016 والفصل الثالث من سنة 2017، ورغم ارتفاع حجم التشغيل ب+0,9%، إلا أن البطالة ارتفعت من 10,4% إلى 10,6%؛ يمكن أن نفسر هذا الارتفاع الطفيف بتزايد عدد السكان النشيطين بنسبة 1,1%، وهي نسبة تفوق حجم التشغيل، غير أن هذا المشكل يكتسي طابعا بنيويا في نموذجنا التنموي ويتفاقم مع توالي السنوات، الامر الذي يستوجب تضافر جهود جميع الفاعلين الاقتصادين والاجتماعين والسياسيين من أجل التفكير في سبل وآليات كفيلة بمعالجة هذه النواقص التي يعرفها نموذجنا الوطني.
*دكتور في الهندسة المالية وباحث في السياسات العمومية