معونة الزيتون
أثارني مسؤول كبير في حملة قطاف للزيتون. كان مهندماً (على سنقة عشرة) وكأنه يتهيأ للقاء مهم؛ بدلة سوداء، وربطة عنق بارقة وحذاء لماع. الكاميرا تلاحقه أينما حلّ محفوفا بمرافقين (منشكحين) بابتسامات عريضة؛ المسؤول وقف ممسكاً الأغصان برؤوس أصابعه، وعيناه تغازلان بدفء بوح الصورة، وكان لا شيء يميز وجوده بحقل زيتون إلا قبعة بيضاء تشير إلى احتفالية القطاف.
أخبرني صديق بأن واحدة من جامعاتنا اقترحت عليه قبل سنتين تنفيذ يوم للعمل التطوعي بقطاف الزيتون في مزرعته، وقال بأنه ابتهج بالفكرة؛ لأن عدد الطلبة يقارب المائة، مما يعني أن ما سينتجونه في يوم، يفوق ما ننتجه في أسبوعين.
ويضيف الصديق بأنه هيأ نفسه لاستقبالهم، وكان المنسف سيد الحضور. لكن المفاجأة أن الطلبة وبعدما تصوروا (سلفي) ورفعوا صورهم على (فيسبوك) و(سناب شات) تفرقوا كل إلى ظل شجرة، وكأنهم في رحلة ترفيهية، والنتيجة أننا رجعنا إلى البيت بكيس واحد من الزيتون فقط، وكنا نعود بخمس أو أكثر، دون معونة من هذا النوع.
اليوم يتذمر المزارعون من أن أجرة العمال تستنفذ ما يقرب من ثلث ناتج الموسم، كما أنهم يتوسلون هؤلاء العمال الوافدين للعمل بأجرة يومية تصل إلى 20 دينارا عدا الطعام والشراب والدخان. والمشكلة الكبرى أنهم غير محترفين، (يمسمسون) القلب، ويحمّون البال، على حد قول أحد المزارعين.
يحق لي أن أتذكر الموجات العاتية من المعونة التي كان جدي رحمه الله يتلقاها في (فراط الزيتون) من الأقارب والأصدقاء والجيران. وما زلت أذكر أننا ما كنا نكاد ننصب السلالم على الزيتونة والمفارش تحتها، حتى نهرع إلى شجرة أخرى بكل حماس، وكانت الأغاني (تترندح) في أصداء الوادي وتلهبنا الزغاريد. فيما جدتي رحمها الله تشرّك (تخبز على الصاج) لكل هذا المد البشري بكل امتنان. والغداء لم يكن يتجاوز مرقة العدس.
قبل سنوات اقترحت اقرار عطلة زيتون في أواخر تشرين الأول، كي يتسنى للأردنيين المشاركة في موسمهم البهيج. لكني تراجعت عن هذا في ضوء ما نراه لمعاني العطلة المتمثلة (بنوم الضحاوي) وتقليب الفضائيات، والتثاؤب في مواقع التواصل الاجتماعي.
لم يبق مكان للمعونة في مجتمعنا، فأنت الآن تترك وشأنك، ولا تتلقى مساعدة من قريب أو صديق؛ ولهذا يتوجب علينا أن نعيد الروح الحقيقية للعمل التطوعي، نريد عملا حقيقيا لا مظاهر وتصويرا وفسبكة وتوترة (من فيسبوك وتويتر)، نريد أن نعلي من شأن هذا العمل الذي يجذّر الناس في وطنهم، ويجلي معانيه.
وسنتذكر أن هذا العمل التطوعي كان له بصمات بوجدان الأردن، ويكفي أن نقول أن غابات وصفي التل زرعت ضمن حملات تشجير تطوعية لطلبة المدارس والمواطنين.