منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 رمزي الغزوي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70029
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

رمزي الغزوي Empty
مُساهمةموضوع: رمزي الغزوي   رمزي الغزوي Emptyالخميس 01 مارس 2018, 8:13 am

معونة الزيتون



أثارني مسؤول كبير في حملة قطاف للزيتون. كان مهندماً (على سنقة عشرة) وكأنه يتهيأ للقاء مهم؛ بدلة سوداء، وربطة عنق بارقة وحذاء لماع. الكاميرا تلاحقه أينما حلّ محفوفا بمرافقين (منشكحين) بابتسامات عريضة؛ المسؤول وقف ممسكاً الأغصان برؤوس أصابعه، وعيناه تغازلان بدفء بوح الصورة، وكان لا شيء يميز وجوده بحقل زيتون إلا قبعة بيضاء تشير إلى احتفالية القطاف. 
أخبرني صديق بأن واحدة من جامعاتنا اقترحت عليه قبل سنتين تنفيذ يوم للعمل التطوعي بقطاف الزيتون في مزرعته، وقال بأنه ابتهج بالفكرة؛ لأن عدد الطلبة يقارب المائة، مما يعني أن ما سينتجونه في يوم، يفوق ما ننتجه في أسبوعين.
ويضيف الصديق بأنه هيأ نفسه لاستقبالهم، وكان المنسف سيد الحضور. لكن المفاجأة أن الطلبة وبعدما تصوروا (سلفي) ورفعوا صورهم على (فيسبوك) و(سناب شات) تفرقوا كل إلى ظل شجرة، وكأنهم في رحلة ترفيهية، والنتيجة أننا رجعنا إلى البيت بكيس واحد من الزيتون فقط، وكنا نعود بخمس أو أكثر، دون معونة من هذا النوع.
اليوم يتذمر المزارعون من أن أجرة العمال تستنفذ ما يقرب من ثلث ناتج الموسم، كما أنهم يتوسلون هؤلاء العمال الوافدين للعمل بأجرة يومية تصل إلى 20 دينارا عدا الطعام والشراب والدخان. والمشكلة الكبرى أنهم غير محترفين، (يمسمسون) القلب، ويحمّون البال، على حد قول أحد المزارعين. 
يحق لي أن أتذكر الموجات العاتية من المعونة التي كان جدي رحمه الله يتلقاها في (فراط الزيتون) من الأقارب والأصدقاء والجيران. وما زلت أذكر أننا ما كنا نكاد ننصب السلالم على الزيتونة والمفارش تحتها، حتى نهرع إلى شجرة أخرى بكل حماس، وكانت الأغاني (تترندح) في أصداء الوادي وتلهبنا الزغاريد. فيما جدتي رحمها الله تشرّك (تخبز على الصاج) لكل هذا المد البشري بكل امتنان. والغداء لم يكن يتجاوز مرقة العدس. 
قبل سنوات اقترحت اقرار عطلة زيتون في أواخر تشرين الأول، كي يتسنى للأردنيين المشاركة في موسمهم البهيج. لكني تراجعت عن هذا في ضوء ما نراه لمعاني العطلة المتمثلة  (بنوم الضحاوي) وتقليب الفضائيات، والتثاؤب في مواقع التواصل الاجتماعي.
لم يبق مكان للمعونة في مجتمعنا، فأنت الآن تترك وشأنك، ولا تتلقى مساعدة من قريب أو صديق؛ ولهذا يتوجب علينا أن نعيد الروح الحقيقية للعمل التطوعي، نريد عملا حقيقيا لا مظاهر وتصويرا وفسبكة وتوترة (من فيسبوك وتويتر)، نريد أن نعلي من شأن هذا العمل الذي يجذّر الناس في وطنهم، ويجلي معانيه.
وسنتذكر أن هذا العمل التطوعي كان له بصمات بوجدان الأردن، ويكفي أن نقول أن غابات وصفي التل زرعت ضمن حملات تشجير تطوعية لطلبة المدارس والمواطنين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70029
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

رمزي الغزوي Empty
مُساهمةموضوع: رد: رمزي الغزوي   رمزي الغزوي Emptyالخميس 01 مارس 2018, 8:13 am

تفاؤل المستقرضات



في موروثنا الشعبي أن عجوزاً فرحت بانقضاء شباط الخبّاط، الذي كان شديداً عليها ببرده وثلجه وجليده، وقالت: راح شباط وحطينا بعينه مخباط (المخباط خشبة غليظة كانت تستخدم لدق الحبوب، أو لغسل الملابس)؛ فغضب شهرنا الجميل شباط، وأخذ يستغيث بآذار: آذار يا ابن عمي، ثلاثة أيام منك، وأربعة مني، خلي العجوز توقد مغزلها والمكحار (خشبة رقيقة تستخدم في أفران الطابون لتحريك الرماد وإثارة الجمرات).
هذه الأيام السبعة المتجمعة من شباط وآذار، تسمّى المستقرضات، وكثيراً ما تكون باردةً جداً، ومتخمة بالمطر والثلج؛ ما يضطر العجوز التي أُسقط في يدها، وندمت على فرحها المتعجل بانقضاء البرد ورحيل شباط، أن تشعل أعزَّ ما تملكه، وهو مغزلها، ومحراك طابونها. وربما أسطورة هذه الأيام السبعة، أعني المستقرضات، تسربت إلينا من التقويم القبطي الذي التفت إليها وحددها، وكانت تُدعى بالمستوفيات، أي التي تستوفي حق الشتاء كاملاً غير منقوص.
أهلا آذار يا شمس وأمطار، يا هذا الشهر الحاشد بأحلام ربيع يكتنز دحنوناً وفراشات وأقحوان وبيلسان. صباح الخير يا أيها الحب المخبأ برجفة عطر خجلى، لحبيب سيطلع مثل نهار دافئ عما قريب. صباح الخير يا آذار، فقد كنت يوم أمس أرواد ثلة غيمات بعيدات غائرات في صحن السماء، علني أملأ قبضة من قطن ناصع البياض أحشو به وسادة رأسي. يااااااه بي شوق يا صديقي لحلم ثلجي آخر. 
ستظل يا آذار سيد الأشهر، ورأس الدنيا، فيك من الشتاء حميمية، وفيك كمون بحضن الدفء اللذيذ المُشرب بكسرة النعاس. وفيك من الربيع نوّار وأزهار، وبعض طيور عجولة بكرت في غزلها. وفيك من الصيف شمس قد تلذع عين العصفور، ومن الخريف أشجار عارية تحممت أكثر من مرة بليفة المطر. 
أنت يا آذار (مارس) في التقويم الروماني. أنت سيد الحرب في موروثهم، وكان يمثلك كوكب المريخ، صاحب اللون الدموي الأحمر؛ ولكني أستغرب كيف ظلم هذا الآذار الرقيق الأنيق، وكيف ألصقت به علاقة الدموي الحربي الفاجع؟!. آذار أوان الحب الذي سيهزم كل حرب.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70029
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

رمزي الغزوي Empty
مُساهمةموضوع: رد: رمزي الغزوي   رمزي الغزوي Emptyالخميس 01 مارس 2018, 8:14 am

التبقيل وانقراض النبات





ربما سنختلف قليلاً على الزعتر، إن كان يلفظ بالصاد (صعتر)، أو بالسين (سعتر) أو بالزين (زعتر)، ولكننا سنتوحد روحاً واحدة على أن رائحة هذا النبات تخلد في البال لسنوات طوال، دون أن يبددها عطر؛ مهما تركّز فيه نسغ الورد. فما زالت في أم رأسي، وبما يشبه حلماً دنا حتى غدا قاب رمشتين. ما زال في نفسي رائحة زعتر تشربتها ذات طفولة بصحبة جدتي. رائحة تدركها حتى لو كنت مزكوماً من مسافة مئة متر، أو أشهى بكثير.
أهلنا كانوا يسمونه (الزعتر الفارسي)، وكان غير مدجن، في ضيق الحواكير، أو الحدائق والمزارع، ولا ربيب أصص وقواوير الزريعة على الشرفات ومداخل البيوت، بل كان برياً منطلقاً مثل صهيل جامح، وكان لاذعاً، يمتلك ورقاً صغيراً إبرياً، لكنه ومع كثير من الأسف انقرض من بلادنا كلياً، ولم يعد له وجود يذكر إلا في أحواض حدائق بعض الناس.
بالطبع لم يتعرض زعترنا لهجوم نووي، ولا إلى حرب كيميائية، ولم يسقط عليه نيزك خنق جذوره وبدد أوراقه، بل نحن مسحناه عن أرض وجودنا بأيدينا وجهلنا وغوغائيتنا، حين مارسنا عليه حصداً جائراً، فقلعناه من جذوره، ومع السنوات غدت أرضنا بلا عطره الفواح. رحم الله جدتي، حين كانت تعلمنا ألا نقرب جذراً للزعتر، وأن نكتفي بأوراقه، لندعه يتجدد.
نحن ينقصنا التعامل الصحيح مع الطبيعة، ونباتاتها البرية، سيما أن كثيراً من الناس، وفي القرى والأرياف خصوصاً، سيهيمون في البراري في هذه الايام للبقل والتبقيل (أي الخروج للبرية لجمع نباتاتها)، ولهذا أتوقع آسفاً أن تنقرض كثير من النباتات البرية، وتنضم إلى قافلة الزعتر: مثل العكوب، واللوف واللسينة والقائمة تطول، ولهذا مطلوب من وزارة الزراعة والجمعيات البيئية، أن تلتفت إلى هذا الأمر الخطير، وتحاول استنبات الزعتر وغيره من النباتات التي انقرضت وإعادتها إلى جبالنا وبريتنا من جديد، ثم تنشر الوعي اللازم عبر الوسائل الإعلامية المرئية خاصة، وتشرح طريقة التعامل معها.
شخصياً أتوقع آسفاً أن ينقرض (العكُّوب) من ديارنا في ظرف سنوات قليلة، والعكوب لمن لا يعرفه نبات بري شوكي له جذورٌ فلينية، تأخذ شكل الكعب، وأخمّن أنه أخذ اسمه من هذه الصفة، فبعض الناس تتعامل مع هذه النبتة الطيبة بطريقة جائرة متوحشة، فتقلعها بالفوؤس جشعاً من عند أنفسهم، أو جهلاً، وهذا النبات إن قلع من جذره كيف يتجدد؟!. 
سلام على أمنا الأرض، إذ تتغمدنا بالخيرات والمسرة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70029
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

رمزي الغزوي Empty
مُساهمةموضوع: رد: رمزي الغزوي   رمزي الغزوي Emptyالخميس 01 مارس 2018, 8:14 am

ثلج اللوز





عندما وقع المعتمد بن عباد أسيراً بقبضة يوسف بن تاشفين، ذاق الأمرين بحبسه بمدينة أغمات المغربية، ولما ضاقت عليه الحال؛ قالت له زوجته المدللة: والله ما رأيت معك سروراً قط؛ فتبسم ونظر إلى عينيها اللوزيتين طويلاً، وقال بحسرة دامعة: ولا حتى يوم اللوز!. 
 المعتمد بن عباد، كان تزوج فتاةً من الشمال، حيث الجبال العالية المعممة بالثلج، ولأنه أحبها حباً جماً، فلم يرد لها طلباً، ولم يعص لها أمراً!، فعندما طلبت منه أن يجلب لها الثلج حول ربوع قصرها، ارتبك كثيراً؛ فبلاده دافئة لا يأتيها الثلج إلا نادراً، فعمد إلى زراعة كل الأراضي الشاسعة، حول القصر بأشجار اللوز، فعندما تنوّر هذه الأشجار، تغدو بياضة واحدة، فيقول لها المعتمد: دونك يا حبيبتي كل هذا الثلج لك!.
 دعونا من الزوجات اللواتي يتناسين فضائل الأزواج وخيراتهم، فيطمرن الحسنات، ويشعن السيئات، مع أول زوبعة في فنجان تحدث بينهم!، ودعكم من العيون اللوزية أيضاً، فالرجال كذلك في أغلب أجناسهم، ينسون أيضاً شكل عيون زوجاتهم وألوانها، بعد أقل من بضع سنوات زواج.
 وعلى ذكر العيون المنسية يعن على بالي شجر اللوز هذه الأيام، إذ يغرد خارج سرب السكون، فيشب بنواره ونوره الأبيض كنجمة صبح، فهو الشجر الجريء الشجاع كجرأة الأزواج الذين يصرحون بجهلهم بلون عيون زوجاتهم!، وقد كانوا يفتنون بها في ما مضى.
 اللوز طموح شموخ إذ يغافل جبهات الشتاء، ويخاتل بعض خيوط الشمس المتساقطة، من بين فروج الغيم؛ فيطرح نواره المتلألئ، فيندغم مندغماً مع خيالاتنا وكأنه ندف ثلج هابطة من قطن السماء! لكنه وللأسف، ما أسرع ما يتساقط هذا النوار، ويذبل وتذروه الرياح في الأرجاء الباردة، فتنساه الناس كما يتناسى الأزواج شكل عيون زوجاتهم المغبونات.
 هذا الشجر الفريد الذي ينوّر قبل كل الشجر، وكأنه يتعجل ثماره فيلهث وراء عطاء قريب كحلم، أو كأنه يعلن شيبته قبل شبابه، أو كأنه يحمل كفنه في بذرة ميلاده، هذا اللوز سيمنحنا ثمراً طيباً بعد النوار، وليس مثل أولئك الذين لا نوار عندهم أصلاً، إلا نوار الملح والكذب الأبيض والملون بكل ألوان الطيف والحيف، ولا وعد ثمار لديهم؛ فننتظرهم على قارعة التمني والصبر، لكنهم مع كثير من الأسف يجرؤون علينا بسخافاتهم وترهاتهم فيطرحون أكاذيبهم البيضاء، بكل سوئها وكأنها الأكفان المتحفزة لكل عطاء قد يلوح في صفحة البال.
 بعيداً عن هؤلاء المتفذلكين الكاذبين، سيبقى اللوز أجرأ الشجر وأجمله، يقتحم أوج الشتاء، ويعلن أهزوجة الربيع الأولى: مرحى للوز وثلجه، وتباً لكل الكاذبين بعطاياهم السوداء!.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70029
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

رمزي الغزوي Empty
مُساهمةموضوع: رد: رمزي الغزوي   رمزي الغزوي Emptyالخميس 01 مارس 2018, 8:17 am

تطريز على طريق الحرير





حينما كتبتُ هنا عن زيارة ثرية إلى بكين قمت بها في أيلول الماضي، لم أكن أتوقع أن تأتي فرصة أخرى لتتبع طريق الحرير الذي عشقت حميميته الإنسانية بكل عنائها وغناها المعرفي والتجاري. ولهذا أفرحتني دعوة كريمة من إذاعة الصين الدولية cri لأكون في الجولة الخامسة لمشاهير طريق الحرير الصيني بمرافقة بضعة كتاب وأعلاميين من العالم.
 قبل الجولة إستضافتنا الإذاعة في مقرها ببكين. في متحفها الخاص، أدهشني مجسم زجاجي كروي يمتلئ بالظروف البريدية. هذه رسائل المستمعين عبر العالم. عمر الإذاعة 76 عاما. في بداياتها كانت تنطلق عبر شعار( هنا بجيين). واليوم تبث أثيرها ب 63 لغة. كأكثر إذاعة عالمية في هذا المجال، ولديها ذراع صحيفة قوية على الشبكة العنكبوتية.  
 سأحاول أن أطرز بعض النقوش التي لفتتني في الجولة. ستكون تطاريز إنسانية وحياتية وثقافية. فنحن في عالم صنعته التجارة والسفر وتلاقح الثقافات وتمازجها. وطريق الحرير كان شريانا رئيسا في هذا المبنى والمعنى. 
 أربع ساعات طيران حتى وصلنا شنجيانغ. هي منطقة ذاتية الحكم في الشمال الغربي للصين تجاور روسيا وكازخستان. المقاطعة محطتنا في تتبع الطريق. فقد كانت بوابة الصين على العالم القديم: أسيا وأروربا وأفريقيا. وهي بوابته الآن. 
 شنجانيع تعني باللغة الصينية (المستعمرة الجديدة). هي مثال خصب للتنوع القومي والعيش المشترك، ففيها ما يقرب من 15 قومية : الإيجور، الطاجك، الأوزبك، الهان، الهوي، القرغيز، والتتار، وغيرها مع التذكير أن في الصين 56 قومية. 
 إورمتشي العاصمة. والاسم مأخوذ من اللغة المنغولية، بمعنى المرعى الجميل. باردة شتاء تنحدر فيها الحرارة إلى 20 تحت الصفر؛ لكن الناس لا يكفون عن ممارسة حياتهم بشكل اعتيادي. المدارس التي زرناها كان الثلج يغطي ساحاتها، ولا تعليق للدراسة، ولا تثبيط للنشاط.
كانت إورمتشي مركزاً على طريق الحرير القديم. تتجمع القوافل فيها قبل أن تلج العمق الصيني. ولهذا ترى في حياة الناس تنوعا حيويا وتلاقحا ثقافيا عز نظيره. بالطبع مع  محافظة كل قومية على روح هويتها.
 تشهد المدينة نهضة متسارعة. وأحد الزملاء الأتراك قال لي: زرت المدينة قبل خمس سنوات. هي اليوم ليست كما كانت. إنها تسابق نفسها، وتتفوق على طموحها.
 ضمن مباردة الحزام والطريق التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ. تحتل المدينة موقعا مميزا لتجمع خطوط السكة الحديدية، التي تصل نهايتها لندن عبر أسيا وأوروبا. فأكثر من 6000 قطار تمر من هنا. وستبهرك مقارنة الأزمنة. فالقطار الذي كان يأخذ عشرين يوماً للوصول إلى وجهته. يقطعها الآن في يومين أو أدنى.


نكهة الموشحات الأندلسية ستتذوقها في أوروتشي حينما تأخذك المقامات الأيغورية إلى مداها. فشنجيانغ أرض الغناء والرقص، كما يحلو لبعض أهلها أن يسميها. والمقامات حالات عالية من المزاج الموسيقي المتسامي. مزاجات تأسرك بخمائلها الرحبة الدانية. مع التذكير أن الموسيقى الإيغورية تتكون من 12 مقاما. 
ينسب الفضل لطريق الحرير في روج هذه الموسيقى وجعلها تتلاقح مع موسيقى الغرب، ولهذا فلا عجب أن تلمح بشكل خافت أجواء قرطبة وغرناطة وإشبيلية عندما تصعد مع سلمها الموسيقي بشيء من التدقيق. 
كان الغناء روح السفر، كان بلسمه الفريد الذي يقطع الصحراء ويطويها ويزجر الضجر عن وعثائه وطوله. فلا سفر بلا غناء. طريق الحرير أسهم بتطوير هذا الفنّ لمّا قارب بين قطبي العالم القديم: الشرق والغرب من خلال اللحن والكلمة والرقصة؛ ليكون شاهداً متجددا على حوار الثقافات وتألفها. 
 زرنا مركز المقام في أورمتشي. أول ما يواجهك في صحن المبنى الجميل تمثال كبير للاعب المقام الإيغوري الشهير (تؤردي أخون) المتوفى في عام 1956. حول التمثال تترتب أسماء المقامات كأرقام الساعة: البيات، الصبا، السيكه، العراقي، عشاق، عذال، رست، مشتاق، ناوا، الكرد، جهاركه، راق. 
 أخذتنا فرقة المقام إلى غيمة سرور تتمازج فيه بواعث الحب والنشوة والفرح والحزن الجميل مع بحة الناي، ونشيج الساترا (آلة موسيقية تشبه البزق)، ونقرة الدف، وشجن الغناء الموشى بمسحة دفء عامرة.
  مقام الصبا يشعرك بنهايات قصص الغرام ولوعتها، في حين سيمنحك مقام الكرد شيئاً من الحماس، ويبذر فيك أملاً ينتهي بالحرية مع انتصار الحب. أما مقام البيات فلا محالة سيقودك إلى عوالم العشق لتجد نفسك واحدا من شخوص الأغنية أو سلما في مقامها.
يتكون كل مقام من المقامات من أجزاء ثلاثة: الألحان وإيقاع الآلات، والقصائد الروائية، والرقصات. ويحتوي من عشرين إلى ثلاثين أغنية وقطعة موسيقية يستغرق أداؤها ساعتين تقريباً. في حين يستغرق عرض المقامات كلها عشرين ساعة متواصلة، وتلقب هذه الوصلة الفارهة: (لؤلؤة الموسيقى الشرقية).
  تعكس الأغاني والمقامات ورقصاتها التاريخ العريق والحياة المعاصرة لمجتمع يحتاج إلى هذه النافذة للتحليق عالياً من وإلى جبال الإيغور التي وصلها الإسلام بالكلمة الطيبة والدعوة الحسنة لا بالسيف والقتل.
 والمقامات الإيغورية تمثل مجموعات تقليدية من الألحان التي تجمع بين (لحن الغناء)، و(لحن الرقص)، و(لحن الجواب) وهو لحن سريع يأتي في الختام. ولهذا تعد المقامات روائع فنية نادرة تحتشد بالرمز الفارق والمعنى الحقيقي لهذه القومية.



تلفتك لوحة فنية كبيرة قرب مدخل البازار الشعبي (السوق) في قلب مدينة إرومتشي القديمة، مرسوم في اللوحة رمانتان. واحدة على حالها، والثانية مفلوقة مكشوفة الأبراج، بانت حباتها المصطفة والمنضدة بشكل جميل نموذجي. تحت الرمانتين كُتب باللغة الصينية: التضامن القومي. 
 حينما تفرط رمانة سترى أن كل حبة منها تنفرد وحدها، وكأنها ياقوتة. لكل حبة لها استقلالها وكيانها وفرادتها؛ لكن المعنى الذي يكمن في الرمانة ومحتواها كبير عميق. كن فريدا متفردا، كن أنت، ولا أحد سواك، ولكن تنضد مصطفاً مع الحبات الأخريات؛ لتكون برجاً يأتلف مع آخر، ثم لتكون في النهاية حبة الرمان صلبة تضم الجميع وتجمعهم. هكذا ينظر إلى التضامن. 
 في هذه السوق العامرة تثيرك القبعات من كل الاشكال والألوان. فقلما تجد هنا رأساً حاسراً. فالقبعات زينة ودفء وفن. وهذا يذكرني بمديح العرب لأغطية رؤوسهم حينما قالوا: العمائم تيجان العرب.
  أكثر من 150 نوعاً من القبعات لدى قومية الإيغور وحدها، حسب صانع من صنّاعها. قبعات من الصوف والبر والقطن والحرير وفراء حيوانات ثدية وقطط وسنانير وثعالب. التأقلم مع البرد صنع لنا هذا الجمال. والأهم أن مقولة دارجة ستختصر المشهد: إن لم يدفأ رأسك لن تدفأ. 
 غير بعيد عن السوق ستقود خطواتك مسحوبة بخيوط الروائح المثيرة نحو شارع شهير. شارع الوجبات الخفيفة. هنا تصطف المطاعم التي تقدم الأطعمة من كل القوميات التي تقيم في المدينة. 
 خط واضح تكاد تشترك به هذه الأطعمة: اللحوم الحمراء مركزية فيها، فلا تخلو وجبة منه حتى الإفطار. وهذا من ضروريات الطقس البارد، ومن فضائل الوفرة في خصب المراعي.
 الخبز (يسمى هنا النان) سيد الطعام. فلربما اختلفت القوميات في ألوان وأشكال مأكلها ومشربها، لكنها تلتقي على الخبز. وقد قال لي شاب من قومية الأزبك: الخبز يوحدنا. 
  يخبز النان في أفران تنور مسجورة بالجمر، ثم تلصق على جدرانه الأرغفة بعد أن تطلى بالحليب وصفار البيض. ولا تجد المائدة إلا عامرة بكثير من أصنافه: المحشو بالبصل والأعشاب والجبن والفاكهة المجففة، والمطعّم بمعجون الورد. وستجدون لو حضرتم مشهد خبزه أنّ لا رائحة في العالم تضاهي الخبز أو تدانيها. الخبز يقربنا من أصلنا الأرضي. حيث القمح والتراب والعناء الإنساني في كل الأزمنة.



في جولة تلمسنا لطريق الحرير وتتبع خطاها، كان لا بدّ أن نصافح الصحراء ونقرأ وجهها، ونرى كيف كانت تطوى وتتصاغر أمام طموح القوافل وأحلامها. (شان شان) مدينة فريدة على هذا الطريق الصعب تقع جنوب إرومتشي ب 250 كم، وصلناها بالقطار السريع ب 60 دقيقة. 
المدينة على تخوم الصحراء، بل على شباكها الجنوبي. ولا يلزم إلا بضع دقائق كي تطأ رملها الذهبي وتفرد أنظارك في المدى. الحرارة 7 درجات مئوية تحت الصفر وقت الظهيرة. ووجه البحيرة الصغيرة المتجمدة في القرب يلمع مرتعشاً تحت ضربات شمس باردة. ويقول دليلنا ونحن ننصر بدفء ثيابنا: الحرارة هنا تلامس الخمسين درجة صيفا. إنها فرن.
 نمشي على رمال كالحرير متحاملين على أنفسنا ونحن نصد الزمهرير. نتأمل المدى البعيد، ونتساءل كيف كان يطوى. يلفتنا جمل ذو السنامين يبرك غير بعيد عن حافلتنا (نحن في ثقافتنا العربية نسميه الدهمج). بعضنا أشفق عليه، وعلى تاريخه المزنر بالعناء والمضمخ بالصبر. فهو كان يمخر عباب هذه الصحاري. ثم ضحكنا لقول زميلة من منغوليا وهي تتلمس سناميه الكبيرين: هذه الجمل ذكي جداً ومطور. أنه يركب محركا إضافيا على ظهره. 
 شنجيانغ مليئة بالصحاري. فغير بعيد عن (شان شان) ثمة صحراء شهيرة في بطون التاريخ ومتونه: هي صحراء (تكلامكان)، بمساحة تصل إلى أكثر من ثلث مليون متر مربع. البعض يرجح أن أسمها جاء من اللغة العربية بشيء من التحريف: (تركنا المكان). فيما يؤكد آخرون أن الكلمة بالتركية القديمة، وتعني الموت أو نقطة اللاعودة. ولربما هذا ينسجم مع تسميتنا الصحاري بالمفازات. أي من يعبرها فقد فاز.
 نتأمل القريمة القديمة؛ الناس لطفاء ثمة طيبة تلمحها في إبتساماتهم الدائمة التي ربما توارثوها عن أجدادهم حينما كانوا يبشون في وجه المسافرين المتجشين عناء الصحراء ويمرون بهم للتزود بالطعام والشراب والراحة.
 تقول سيدة بيت إستضافنا: خبزنا هذا يبقى شهراً على حاله. ونحن ما زلنا نخبز كما خبز أجدادنا من مئات السنوات. إنه لا يتلف أو يتعفن. ويصلح للصحراء.  وثمة احتراف أكثر أهمية يتقنه أهل القرية هو تجفيف الخضار والفاكهة. فقد أكلنا بندورة مجففة من سنتين وتلذذنا بعناب مقرمش وتين سخي.
الأهم أنهم يجففون اللحوم، كي تقوى بهم على الشتاء، أو أنهم ما زالوا يحتفظون بمهنة كانت تدر دخلا كبيراً عندما كانوا يبيعونها لقوافل طريق الحرير. 



في مدينة توربان (جنوب أورمتشي في مقاطعة شنجيانغ غرب الصين) وخلال جولة تلمسنا طريق الحرير أثارت فضولي غرف صغيرة تنتشر بكثرة بين البساتين، غرف من الطوب المخرّم اعتقدنا للوهلة الأولى أنها تخص تربية الدواجن أو الحمام، لكن مسيّر الرحلة طلب منا أن نتريث في الحكم، ونكبح جماح التساؤل. 
 هي مدينة العنب توربان، بأنواعه الموصوفة التي تسير مثل قصائد غزلية باذخة على كل لسان؛ لكن لا أثر لأية دالية عنب في أية مزرعة هنا، غريب عجيب. كيف إذن نالت لقبها وذاع صيتها بالقطوف الدانية التي تزن لأكثر من ثلاثة كيلوغرامات للواحد.
في سوق المدينة الشعبي أدهشني العنب المجفف، كان أخضر طرياً يحافظ على لون العنب الذي كأنه في أوج الصيف. وهو أقل حلاوة من العنب المجفف (الزبيب) الذي نعرفه، وأقل منه بذوراً أيضاً.   
من شباك الحافلة زادت دهشتنا بكثرة المعرشات الخشبية التي يستخدم فيها جذوع شجر الحور الكثيرة في هذه الأرض؛ ما زاد فضولي ولم أعد أحتمل الأمر، فطلبت من السائق أن يقف ونزلت جوار بستان لأدقق النظر عن كثب، فكانت المفاجأة الكبرى؛ فالدوالي مدفونة تحت التراب ولا يكاد يبين منه شيء، والتراب ما زال ناثراً متفتتا؛ ما يعطي فكرة أن الدفن قد تم من فترة قريبة.
الدوالي حكاية تربان. وحكاية قوافل كانت تجنح خصيصا لهذه المدينة للتزود بعنبها المجفف الفاخر ليعينها على قطع الصحاري وطيها.
الدوالي هنا قصة عناء وتعب وصبر؛ فالحرارة تصل صيفاً إلى تخوم الخمسين مئوية، وتتهاوى إلى العشرين تحت الصفر شتاء، ونحن نعلم أن سيدات العنب لا يقاومن مثل هذا البرد الشديد، فهن الرقيقات المهفهفات. 
في تربان يقومون سنويا بعمل مضن نهاية كل الخريف عقب قطاف العنب، ينزلون الدوالي عن معرشاتها لتدفن في التراب طيلة الشتاء القاتل، وقبل الربيع يعيدونها إلى الحياة من جديد. ولولا هذه الحركة التكتيكية لم عاشت دالية ولجففها الزمهرير.
في المتحف المخصص شرحت لنا الدليلة أهمية الغرف المخرمة، وتكتيك أهل هذه المدينة لتجفيف العنب، حيث تتدلى من سقوفها مشاجب خشبية تعلق عليها القطوف الكبيرة. والثقوب في الغرف تسمح بدخول الهواء الساخن، دون الأشعة الحارقة، ولهذا يصبح العنب زبيباً طريا أخضر بعد عشرين يوماً في حضانتها. إنها طريقتهم العجيبة الذكية لدعم حرير الحياة.  ودائما الدالية تستحق العناء.



(كاشغر) جولتنا الأخيرة لتلمس طريق الحرير في غرب الصين. وصلنا المدينة بعد ساعتي طيران من أورمتشي (عاصمة مقاطعة تشنجيانغ). الجبال تراءت من الشبابيك معممة بالثلج. ولاحت بينها الصحاري الباهتة تحت ضربات شمس خجولة.
 أسست المدينة المفصلية في القرن الثاني قبل الميلاد. وهي بوابة رئيسة بين الشرق (الصين) والغرب (أسيا وأوروبا شمال أفريقيا). فتحها القائد العربي قتيبة بن مسلم في عام 96 هجريا (715ميلادي) في عهد الوليد بن عبد الملك. بعد خوارزم وبخارى وسمرقند وفرغانة. 
 لم ينتشر الدين الإسلامي بالسيف شرق هذه المدينة؛ التجارة وما بُني حولها من علاقات ثقافية وإجتماعية ومعرفية كانت هي الفيصل في هذا الأمر.
 أكثر القوميات انتشارا في المدينة هم الإيغور ثم القرغيز والأزبك. قوميات تتمازج ثقافيا بنسق فريد؛ الأسواق تعمر بمنتوجاتهم، والأهم أنها ما زالت تحافظ على المهن التقليدية وتدعمها. 
 القرية القديمة ظلت تحتفظ بطابعها القديم منذ الفي عام، وقد أعيد ترميمها بإتقان بعد زلزال ضربها في عقد التسعينيات من القرن الماضي.
 زرنا بيتا إيغوريا تراثيا كريما وصلنا عبر طرق ضيقة. قبل أن تدخل البيت وتطل على مائدة تغص بخيرات الأرض من جوز ولوز وزبيب وتين وتفاح وسكر بني ورمان، يستقبلك رب البيت عند الباب بإبتسامة عريضة وإبريق تراثي من الفضة بعنق طويل لتغسل يديك ثلاث مرات. لكن عليك ألا تنفض الماء؛ فهذه حركة تنبئ بزوال النعم في عرفهم.  
 لفتتني أنّ لا نهر في المدينة، رغم كثرة البساتين والمزارع والخضار الكثيف، حتى ونحن على عتبات الشتاء.
 إنها الآبار التي تنتشر في كل مكان؛ يصل عمقها إلى 120 متراً أحيانا. منها يمتح الماء ليبث خصبا فريدا. فالمدينة تمتد على سفوح الجبال التي ينصهر ثلجها متوغلا تحت الأرض ولا يظهر على شكل أنهار. ولهذا عمل الناس هنا على استنباط الحياة بالحفر عميقا للوصول إلى الشريان. 
 أشهر الآبار (تسمى كاريز باللغة الأيغورية) بئر (ميم هاجي)، وهي باسم رجل من القرن الثامن عشر تابع حفرها مكملا ما بدأه أجداده، حتى جرّ الماء نهرا تحت الأرض لإمتداد زاد عن  11000متر. 
 اليوم. كاشغر ترنو لتكون بوابة هامة ضمن مبادرة الحزام والطريق، التي تقرب الشعوب من مبدأ: الكسب المشترك. أو : ربح ربح. 
 هذا وسيبقى للحرير روح العالم الدفاقة التي تزهر أرضه، وتبهج أهله.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70029
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

رمزي الغزوي Empty
مُساهمةموضوع: رد: رمزي الغزوي   رمزي الغزوي Emptyالخميس 01 مارس 2018, 8:18 am

مسواك زيتون



موجة غضب عاتية انتابت ابني (الصف السابع) بعد عودته من المدرسة أول أمس إذ بادرنا منفجراً كحبة بوشار: علينا أن ننام مرتاحين لأربع سنوات فقط، وسنفيق وقد انتهى الإحتلال الإسرائيلي وتحررت القدس. فلا مبرر للحروب أو المظاهرات أو الخطب الرنانة. 
تدخلت أمه متسائلة عن تبدل حماسه لمقارعة محتل يكرهه كره العمى، فقال متهكما إن معلماً في مدرسته اعتلى صباح اليوم منبر الإذاعة المدرسية، وقرأ خاطرة عن قرار ترامب بخصوص القدس، وختم كلامه ببشرى أن أحد العلماء قد أعلن بعد تحليل وتفاسير أن الإحتلال زائل في 2022م. فلماذا نحرق دمنا ونقاتل أو نخرج بمسيرات حاشدة. فقط (خلونا) وستحل القضية. 
عقب صلاة الجمعة الماضية فاجأنا هذا الولد بمحاولات استخدام قلم سواك من أغصان الزيتون: أنظر بابا من المستحيل أن تنجح هذه الأغصان كمسواك أبداً. إنها قاسية، ولا يمكن أن تكون كفرشاة، وطعمها قابض للفم.
الولد أراد أن يثبت أن كلام خطيب الجامع في غير مكانه. الخطبة كانت رائعة وحملت دلالات جيدة عن موضوع قرار ترامب؛ ولكن عين هذه المشاكس ما وقعت إلا على شيء واحد فقط.
الخطيب ذكر قصة فتح القدس على يد صلاح الدين الأيوبي، وأن الفتح تأخر حسب بعض الروايات، وحين فتش عن السبب وجد أن المقاتلين لا يستاكون (لا يستخدمون السواك)، ولأنه لا وجود لشجر الأراك في فلسطين، فقد أمرهم أن يتخذوا أغصان الزيتون مساويك لهم، فتم الفتح بعدها.
أرأيت بابا؟ الأمرلا يصدق وغير عملي. يعني كل القوات التي جهزها صلاح الدين لم تكن مؤثرة إلا بعد قصة السواك، التي لا يمكن أن تكون صحيحة عمليا كما ترى. وأضاف متهكما: يعني حسب رأي الشيخ لا ضرورة للخطط العسكرية وقوتها ما دمنا نستاك. بابا أنا أحب سنة نبينا عليه السلام، ولكن القصة لم ولن تدخل رأسي.
لجمني كلام الصبي في الواقعتين. لجمني وأخجلني حتى غص المرُّ في سقف حلقي. ياااااااه نحن نقتل جيلا كاملا بكلام نبذره أمامهم دون تمحص أو فحص أو تدقيق. نحن نجعلهم لا يتخذون الطريق الصحيحة لشق مسارب مستقبلهم، والتحضير لمواجهة عدو لا يعترف إلا بلغة العلم والأرقام. 
ارحموا هذا الجيل أيها الكبار. ارحموهم وارحمونا. إنهم أذكى وأعقل مما نتصور.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70029
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

رمزي الغزوي Empty
مُساهمةموضوع: رد: رمزي الغزوي   رمزي الغزوي Emptyالخميس 01 مارس 2018, 8:18 am

كامل المعلاق



ذات مسغبة وجوع صعد أحد المجانين الظرفاء إلى شرفة مئذنة الجامع العالية؛ كي يرى الناس بحجم صغير، أي بحجمهم الحقيقي الطبيعي، لكنه ما أن وقف عالياً ونظر متأملاً، حتى اعتقد الناس أنه يتحفز للانتحار، بقذف نفسه إلى الأرض.
ولأن الحياة غالية جداً في هذه القرية العامرة، وأغلى من علبة كبريت كاملة، فقد دخلوا معه في مساومات ومناقشات حادة، كان هو الطرف الأقوى فيها، ليثنوه عن رمي نفسه، فوعدوه وعوداً كثيرة ومثيرة، وكانت طلباته تنصبُّ على تحسين رغيف الخبز، حجماً واتساعاً وشكلاً وسعراً، وشدد على أن يضاف للرغيف كل أنواع الفيتامينات والبروتينات والأنزيمات التي بات يفتقر إليها المواطن السقيم، صاحب الدم الفقير.
مجنون آخر في القرية ذاتها يسمى (أبو عقل ونص)، وهو صاحب نظرية أثيرة في أوضاع الناس وأوجاعهم، فالحالة دائماً إلى الوراء، والأمور إلى تدهور وخراب: (فالشهر الذي كنَّا ننوي أن نشتري فيه حذاءً، بعنا له الجوارب؛ كي نأكل)، ولهذا قرر أن يظل حافياً في شوارع القرية الملساء. 
مجنون ثالث أذّن في الناس إلى أن تجمعوا، ثم اعتلى عموداً للهاتف، وسط البلدة، وخطب مزبِّداً وصارخاً ومحتجاً، وعقب خطبته العصماء البكماء، أعلن بالفم الملآن، بأنه واحتجاجاً على ارتفاع أسعار الخبز قرّر أن يبيع إحدى كليتيه، ليأكل بها، قراراً بائناً: ومالها العيشة بكلية واحدة!.
بعض المصابين بالفشل الكلوي، الراغبين بالتخلص من عناء غسل الكلى، تجمعوا في بيته، وكل قدم له سعراً أفضل من الآخر، فاتفق مع أحدهم، وفي اليوم المحدد لعملية نقل الكلية، تفاجأ الناس بمجنونهم العاقل يعتلي  العمود ذاته، ويطلق خطبةً نووية جديدة، أعلن في نهايتها أنه عَدَلَ عن بيع كليته، فهذا لا يكفي أبداً، فالأسعار تركب صاروخاً نووياً، ولكنه قرر أن يبيع الكلية الثانية، والثالثة إذا وجدت، مع القلب بحجراته الأربع، والطحال والبنكرياس، والزائدة الدودية وغير الدودية، أي كل الطحاويش، قراراً بائناً لا رجعة عنه، وخلي الحكومة والتجار يرضوا ويحنوا أياديهم.
هذا وقيل أن جل سكان القرية ما زالوا يسيرون حتى هذا اليوم بلا أحشاء أو قلوب، ووحدها الأسعار لا تزداد إلا سعاراً.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
رمزي الغزوي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: اردننا الغالي :: شخصيات اردنيه-
انتقل الى: