عاملة في أحد المصانع الأميركية -كيف تخسر حرباً تجارية
ستيفن س. روتش*
فرض إدارة ترامب ما يسمى بتعريفات الحماية على واردات الألواح الشمسية والغسالات يتوجه بشكل رئيسي إلى الصين وكوريا الجنوبية. ولكن، في حين أن كلاً من البلدين ليس مسؤولاً عن العجز التجاري الكبير في أميركا، يبدو أن المزيد من التدابير الحمائية مؤكدة -والتي سوف تترك المستهلكين الأميركيين أسوأ حالاً.
* * *
نيوهافين- يبدو أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي كانت تميل إلى فرض تدابير الحماية منذ البداية، انتقلت الآن من الخطابة إلى الأفعال في حملتها المعلنة للدفاع عن العمال الأميركيين مما يسميه ترامب "مذبحة الصفقات التجارية الرهيبة". ومن المؤسف أن هذا النهج يتسم بالرجعية في أفضل تقدير. وفي أسوأ تقدير، ربما يؤدي هذا النهج إلى إشعال شرارة تدابير انتقامية لن تُفضي إلا إلى تفاقم محنة المستهلكين الأميركيين المحاصرين المنتمين إلى الطبقة المتوسطة. وهذه على وجه التحديد هي الطريقة التي تبدأ بها الحروب التجارية.
من الواضح أن الصين هي الهدف. وكان فرض ما يسمى التعريفات الوقائية على الواردات من الألواح الشمسية والغسالات بموجب القسم 201 من قانون التجارة الأميركية للعام 1974، في الثالث والعشرين من كانون الثاني (يناير)، موجهاً في الأساس إلى الصين وكوريا الجنوبية. والأمر المثير للقلق هو أن هذه الخطوة ربما تكون مجرد الوابل الأول في سلسلة من التدابير اللاحقة.
في آب (أغسطس) الماضي، أطلق الممثل التجاري الأميركي تحقيقات القسم 301 ضد الصين في ثلاث مناطق واسعة: حقوق الملكية الفكرية؛ والإبداع؛ وتطوير التكنولوجيا. ومن المرجح أن يقود هذا التوجه إلى عقوبات لاحقة. وعلاوة على ذلك، تستهدف تحقيقات القسم 232 في التهديد الذي تفرضه واردات الصلب غير العادلة على الأمن الوطني للصين باعتبارها أكبر منتج للصلب في العالَم.
لا تشكل هذه الإجراءات مفاجأة من الرئيس الذي وعد في خطاب تنصيبه قبل عام واحد "بحماية الحدود الأميركية من تخريب الدول الأخرى التي تصنِّع منتجاتنا، وتسرق شركاتنا، وتدمر وظائفنا". لكن هذه هي المشكلة على وجه التحديد. فعلى الرغم من شعار إدارة ترامب، "أميركا أولاً"، ربما تجد أميركا نفسها على الجانب الخاسر من حرب تجارية.
بادئ ذي بدء، تتناقض التعريفات المفروضة على الألواح الشمسية والغسالات تمام التناقض مع التحولات في سلاسل الإمداد العالمية للصناعتين. فكان إنتاج الألواح الشمسية لفترة طويلة ينتقل من الصين إلى أماكن مثل ماليزيا، وكوريا الجنوبية، وفيتنام، والتي تمثل في مجموعها الآن نحو ثلثي الواردات الإجمالية من الألواح الشمسية. وفي الفترة الأخيرة، أعلنت شركة سامسونج، التي تُعَد المورد الأجنبي الرائد للغسالات، افتتاح مصنع جديد للأجهزة في ساوث كارولينا.
وعلاوة على ذلك، يستمر تركيز إدارة ترامب الضيق على اختلالات التوازن التجاري الثنائي الضخم مع الصين في إغفال قوى الاقتصاد الكلي الأعرض التي ولدت عجزا تجاريا متعدد الأطراف من جانب الولايات المتحدة مع 101 دولة. والواقع أن أميركا التي تفتقر إلى المدخرات المحلية وترغب في الاستهلاك والنمو، يتعين عليها أن تستورد مدخرات فائضة من الخارج وأن تدير عجزا ضخما في الحساب الجاري والتجارة لاجتذاب رأس المال الأجنبي.
وبالتالي فإن ملاحقة الصين أو أي دولة أخرى، بدون معالجة السبب الجذري لانخفاض معدل الادخار أشبه بالضغط على أحد أطراف بالون مياه: فالمياه تتحول ببساطة إلى الطرف الآخر. ولأن عجز الميزانية الأميركية من المرجح أن يتسع بما لا يقل عن تريليون دولار على مدار السنوات العشر التالية، نظراً للتخفيضات الضريبية الأخيرة، فسوف تتفاقم الضغوط على المدخرات المحلية. وفي هذا السياق، تشكل سياسات الحماية تهديدا خطيرا لمتطلبات التمويل الخارجي المروعة بالفعل -وهذا يفرض ضغوطاً على أسعار الفائدة الأميركية، أو سعر صرف الدولار، أو كليهما.
بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يستجيب شركاء أميركا التجاريون بالمثل، مما يعرض النمو الاقتصادي الأميركي الذي يعتمد على الصادرات لتهديد بالغ الخطورة. وعلى سبيل المثال، من الممكن أن تشكل التعريفات الانتقامية التي تفرضها الصين -ثالث أكبر سوق للصادرات الأميركية وأسرعها نمواً- معوقاً حقيقياً للصادرات الأميركية الأساسية إلى الصين -فول الصويا، والطائرات، ومجموعة واسعة من الآلات، وقطع غيار السيارات. وبطبيعة الحال، تستطيع الصين دائماً أن تقلص مشترياتها من سندات الخزانة الأميركية، وهو ما ينطوي على عواقب وخيمة تطال أسعار الأصول المالية.
وأخيراً، ينبغي للمرء أن ينظر في تعديلات الأسعار التي من المرجح أن تنشأ من جمود التدفقات التجارية القائمة. فقد تسببت الضغوط التنافسية الناجمة عن الإنتاج الأجنبي منخفض التكلفة في دفع متوسط تكلفة تركيبات الطاقة الشمسية إلى الانخفاض في الولايات المتحدة بنحو 70 % منذ العام 2010. وسوف تعمل التعريفات الجديدة على تعزيز أسعار الألواح الشمسية المصنوعة في الخارج -وهو المعادل الوظيفي لرفع الضريبة على مستهلكي الطاقة ونكسة للجهود الرامية إلى تعزيز الاعتماد على الوقود غير الكربوني. وبوسعنا أن نتوقع استجابة مماثلة من منتجي الغسالات المستوردة؛ فقد أعلنت للتو شركة "إل جي إلكترونيكس"، وهي من كبار الموردين الأجانب، عن زيادة في السعر قدرها 50 دولاراً لكل وحدة في الرد على فرض التعريفات الأميركية. وقد أصبح المستهلكون الأميركيون بالفعل على الجانب الخاسر من أولى مناوشات إدارة ترامب.
خلافاً لحديث ترامب الخشن، لا توجد استراتيجية فوز في أي حرب تجارية. ولا يعني هذا أن صناع السياسات الأميركية ينبغي لهم أن يتجنبوا معالجة الممارسات التجارية الظالمة. وكانت آلية تسوية المنازعات التابعة لمنظمة التجارة العالمية مصممة لتحقيق هذا الهدف على وجه التحديد، وقد عملت بفعالية تامة لصالح أميركا على مر السنوات. ومنذ انطلاق منظمة التجارة العالمية في العام 1995، قدمت الولايات المتحدة 123 من أصل 537 منازعة نظرتها هذه الهيئة -بما في ذلك 21 ضد الصين. وفي حين يستغرق صدور الأحكام عن منظمة التجارة العالمية الوقت والجهد، فكثيراً ما كانت الأحكام تأتي لصالح الولايات المتحدة.
بوصفها دولة قوانين، لا تملك الولايات المتحدة ترف العمل خارج نطاق نظام تجاري عالمي قائم على القواعد. وهذا يؤكد مأساة انسحاب إدارة ترامب من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، والتي كانت لتوفر إطاراً جديداً وقوياً لمعالجة المخاوف المتعلقة بالممارسات التجارية الصينية.
في الوقت نفسه، لدى الولايات المتحدة كل الحق في الإصرار على تمكين شركاتها متعددة الجنسيات من الوصول العادل إلى العمل في الأسواق الخارجية؛ وعلى مر السنين، جرى التوقيع على أكثر من 3000 معاهدة استثمار ثنائية في مختلف أنحاء العالَم لضمان هذه المعاملة العادلة. ويشكل الافتقار إلى مثل هذه المعاهدة بين الولايات المتحدة والصين استثناءً صارخاً، بما ينطوي عليه من تأثير مؤسف يتمثل في الحد من فرص الشركات الأميركية للمشاركة في التوسع السريع لسوق الصين الاستهلاكية المحلية. ومع تصاعد التوترات التجارية الآن، تلقت الآمال في حدوث انفراجة في معاهدة الاستثمار الأميركية الصينية ضربة عنيفة.
إن الحروب التجارية للخاسرين. ولعل هذه الحقيقة هي المفارقة الساخرة المطلقة لرئيس وَعَد أميركا بأنها ستبدأ "الفوز" مرة أخرى. وقد بذل السناتور ريد سموت والنائب ويليس هاولي الوعود الفارغة نفسها في العام 1930، والتي انتهت إلى فرض تعريفات الحماية التي أفضت إلى تفاقم أزمة الكساد العظيم وزعزعت استقرار النظام الدولي. ومن المحزن أن يكون أحد الدروس الأكثر إيلاماً في التاريخ الحديث قد ذهب إلى غياهب النسيان.
*الرئيس السابق لمورغان ستانلي آسيا، وكبير الاقتصاديين في الشركة، وهو زميل كبير في معهد جاكسون للشؤون العالمية بجامعة ييل ومحاضر كبير في كلية الإدارة في جامعة ييل. مؤلف "اللاتوازن: الاعتمادية المشتركة لأميركا والصين".
*خاص بـ"الغد"، بالتعاون مع "بروجيكت سنديكيت".