الاستثمار في الطائرات من غير طيار
جاك أتالي-«ليكسبريس» الفرنسية تنبّه الحادثة الأخيرة بين إسرائيل ودول الجوار خبراء الشؤون الاستراتيجية، والقادة السياسيين، والنواب الفرنسيين بأن مستقبل الدفاع الفرنسي والأوروبي وأمننا، هش وأنه مشرع على الاضطراب. فثمة سلاح جديد قلما تتناوله النقاشات وقواعد البرمجة العسكرية الجديدة: الدرون. فحين بلغت مقاتلة درون انطلقت من قاعدة إيرانية في سورية أراضيهم، رد الإسرائيليون بتدمير الشــــــاحنة التي انطلـقت منها. وأدى الــــــرد إلى ســلســلة هجمات انتقامية ورد غير مسبوق. وما حصل هو أقرب الى مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران. وهذه الحادثة تحملنا على إدراك مكانة الدرون الراجحة في معارك الغد. والى يومنا هذا، ننظر الى هذه الطائرات من غير طيار على أنها ألعاب أو أدوات رصد فحسب.
ولا نغفــل أن الأمريكيين والفرنسيين يستخدمون طائرات صغيرة من غير طيار في ضربات موجهة. ولكن في القريب العاجل الأمور ستتغير. فالدرون ليست فحسب مستقبل المقاتلات الجوية. وستبصر النور درون بالغة الصغر حجمها حجم كرة طابة مضرب قادرة على تحديد هدف بشري من طريق صورة، وتدميرها حيثما كانت. وفي المستقبل القريب، سيكون في المتناول تحميل مئات لا بل آلاف الدرون في شاحنة أو طائرة وإطلاقها وسط جموع أو جنود في طريقهم الى الحرب أو اجتماع سياسي.
واليوم، تواصل الحكومات إعداد العدة لحروب الأمس (المتحدرة من الماضي) أو الحرب البائتة: وهي كانت شاملة ورادعة. ونواصل السعي الى حماية الجنود من طريق تزويدهم بسترات حامية أو استبدالهم بروبوتات. ونغفل أن اقتصاد الحرب يتغير شأن اقتصاد السلام: فالحرب تصبح أكثر فأكثر ذكية، وعلى مقياس الهدف ومصغرة. والى اليوم، لا أحد يعرف كيف التصدي لدرون واحدة وإيقافها، ناهيك بآلاف منها. ولا نملك تكنولوجيا جبهها أو الإعداد لجبهها. ويبدو الأمريكيون أنفسهم، وهم رائدون في هذا المجال، عزّلَ أمام مثل هذه الأخطار. وهذه حال الصينيين والإسرائيليين والإيرانيين وغيرهم، على رغم بذل الوسائل. وفرنسا متأخرة عن اللحاق بركب هذه القوى، وبدأت أخيراً السعي الى تجاوز عثراتها. ويعود الفضل في ذلك الى جان- إيف لو دريان حين كان وزير الدفاع.
ولكن هل في الإمكان تخيل ما يستطيع أن يفعله الصيادون، المجرمون، المجانين، والإرهابيون، بواسطة مثل هذه الأسلحة؟ ويعصى الخيال التفكير في توافر هذه الطائرات من غير قيود في السوق الأمريكية، فتتوافر في الأسواق شأن الأسلحة. ويعصى الخيال كذلك حجم الدمار التي قد تخلفه هذه الأسلحة. وحاولت تناول هذه المسائل في رواية «جرائم ذكية» (دار فايار، 2018) التي تصدر بعد أسابيع قليلة، واستشرت عدداً من أبرز الخبراء في العالم. ويسعني القول إننا نجافي الصواب ونقع في الخطأ حين لا نكرس شطراً أكبر من الأموال للبحوث في تطوير هذه التكنولوجيات وسبل جبهها من طريق الذكاء الصناعي.
وحريّ بنا ألا نفوت فرص هذا التطور التكنولوجي والاستراتيجي. ونتائجه كبيرة على المستويين العسكري والمدني. وعلى سبيل المثل، تلجأ رواندا الى طائرات درون لإيصال الأدوية الى المناطق البعيدة، وتعد كبرى الشركات العدة للتوسل بالدرون في التجارة من بُعد وتوصيل الطرود. وحبذا لو يكون التعاون في مجال الدرون فاتحة برامج وكالة التعاون الصناعي العسكري الألماني – الفرنسي والأوروبي.