منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

  تدوين التاريخ الإسلامي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 تدوين التاريخ الإسلامي Empty
مُساهمةموضوع: تدوين التاريخ الإسلامي    تدوين التاريخ الإسلامي Emptyالأربعاء 14 مارس 2018, 9:41 am

إشكالات في تدوين التاريخ الإسلامي


محمد أكديد



(1)

مقدمة

مازالت هناك الكثير من العراقيل والإشكالات التي تعيق التحقيق في مجمل التراث الإسلامي وعلى رأس ذلك التاريخ. ورغم تصاعد الدعوات من أجل إعادة كتابة التاريخ الإسلامي وفق منهجية علمية وباعتماد أدوات العلوم الإنسانية المعاصرة، فإن هذا المشروع مازالت تطغى عليه الفردانية في غياب توافق مؤسساتي يخرجه من متاهات الإقصاء والطائفية وهيمنة روايات و رؤى السلطات التاريخية التي كانت تتدخل عادة في كتابة التاريخ الرسمي.

هكذا نجد أنفسنا أمام فريقين، فريق يشكك في كل الروايات التي جاء بها التاريخ كرد فعل سلبي على الكثير من المغالطات والأكاذيب الواردة، وفريق يقبل دون أن يناقش كل ما جاء في هاته المرويات، بل قد يتبنى نفس مواقف المؤرخ الذي كان من بين أهدافه تمرير اختياراته المذهبية وإرضاء السلطات القائمة.

ورغم التحقيق الذي يتوقف عادة عند سند الروايات التاريخية ولا يطال متنها الذي يتأثر نصه بعدة عوامل ذاتية وموضوعية سنشير إلى بعضها لاحقا، فإن عائق المسافة الزمنية الفاصلة بين الحدث ولحظة تدوينه يضع مصداقية الأحداث التاريخية موضع شك وارتياب.

المؤرخ والسلطة:

عادة ما كان المؤرخ ضعيفا أمام السلطة إن لم يكن مخيرا بين أمرين؛ إما الركون إلى السلطة والامتثال لكل أوامرها وطلباتها في تدوين ما يناسب رؤيتها وطموحاتها، أو الابتعاد عنها والمغامرة بمكانته وربما بحياته في سبيل إفشاء الحقيقة التاريخية.

وتزداد السلطة تدخلا في التاريخ كلما كانت ضعيفة أو فاقدة للشرعية، حيث يصبح الاستبداد والتحكم هو خيارها الوحيد. فتعمد إلى قمع الحريات ومنها حرية كتابة التاريخ وإلى توظيف مؤرخين رسميين وظيفتهم التأسيس بما يكتبونه لهذه الشرعية المفقودة.

وهنا تكمن صعوبة كتابة التاريخ العربي والإسلامي وخطورته. خاصة عند الوقوف على الكثير من المواقف والروايات المتناقضة حول بعض الأحداث أو الشخصيات التاريخية. فالمعارك التي خاضها الأمويون لتوسيع نفوذ دولتهم تقدم رسميا كفتوحات إسلامية، في حين يسكت التاريخ عن تجاوزاتهم ضد الشعوب والأمم الأخرى. هاته التجاوزات التي حالت دون دخول الكثير من الأمم إلى الإسلام، بل دفع من أسلم منها إلى الارتداد أو التمرد كما حدث في المغرب الأقصى مع ثورة برغواطة التي طرد على إثرها الأمازيغ ولاة الأمويين بعد تجاوزهم كل الحدود في استغلالهم والتنكيل بهم.

إن المناطق التي بلغها الإسلام على أيدي الدعاة كالهند والصين وأندونيسيا وماليزيا وجنوب إفريقيا لهي أكبر بكثير من المناطق التي وصلها الفاتحون بجيوشهم وأطماعهم التي عادة ما صدت الناس عن الإسلام. وتاريخ الحضارة الإسلامية أهم بكثير من تاريخ الانتصارات العسكرية التي يقدمها المؤرخون عادة على أنها انتصار لدولة الإسلام والمسلمين!

يحكي الطبري في أحداث سنة 110: "فيها كان واليا على خراسان الأشرس بن عبد الله السلمي، في عهد هشام بن عبد الملك بن مروان، وقال الوالي يوما: "ابغوني رجلا له ورع وفضل، أوجهه إلى ماوراء النهر. فيدعوهم إلى الإسلام، فأشاروا عليه بأبي الصيداء صالح بن طريف مولى بني ظبة، فقال: "لست بالماهر بالفارسية"، فضموا إليه الربيع بن عمران التميمي، فقال أبو الصيداء: "أخرج على شريطة أن من أسلم لن تؤخذ منه الجزية". فقال الأشرس: "نعم". قال أبو الصيداء لأصحابه: "فإني أخرج، فإن لم يف الولاة أعنتمونا عليهم". قالوا: "نعم". فشخص أبو الصيداء إلى سمرقند، فدعا أهلها ومن حولها إلى الإسلام، على أن توضع عنهم الجزية، فسارع الناس إلى الإسلام، على يدي هذا الرجل، فكتب والي سمرقند إلى الأشرس: "إن الخراج قد انكسر" (يعني الأموال قلت). فكتب الأشرس كتابا جاء فيه: "انظر من اختتن منهم، وأقام الفرائض، وحسن إسلامه، وقرأ سورة من القرآن، فارفع عنه خراجه"، (يعني يريد جماعة، بعضهم قد جاوز الثمانين أن يختتنوا؟؟ ويريد منهم وهم لا يعرفون اللغة العربية، أن يحفظوا سورة من القرآن؟؟). ورغم أن أهل سمرقند قد بنوا المساجد وتعلموا العربية وحفظوا القرآن، فقد رد الأشرس الخراج كما كان عليهم مما دفعهم إلى التمرد، حيث سجن أبو الصيداء وأصحابه بعدما استنكروا الأمر. يقول الطبري: "فكفرت بلخ وبخارى، واستجاب الترك".

من جهة أخرى فقد طغت ذاتية المؤرخ على الأخبار وحضرت ميوله المذهبية في عملية الانتقاء والتوصيف من خلال التعصب لشخصيات معينة، ولقراءات معينة لبعض الأحداث، كما احتوت المادة المنقولة الكثير من التناقضات والمغالطات وأحيانا الأساطير والخرافات، وذلك في غياب التحليل الرصين.

وقد أدى فقدان الكثير من المصادر الأولى والمخطوطات خلال عدد من المآسي التي تعرضت لها الأمة، كان من أشدها وقعا على إشعاع الحضارة الإسلامية حرق المكتبات في محطات مختلفة من بغداد إلى قرطبة، بالإضافة إلى ضعف تحقيق الكثير من المخطوطات التي وصلتنا اليوم. الشيء الذي أدى في النهاية إلى تسطيح حركة التاريخ وتعويم الكثير من أحداثه.

كما زاد التعتيم على ما تبقى من المصادر التي تتحلى بنوع من الموضوعية والحياد في تقديم الحقائق التاريخية، خاصة بعد هيمنة الرواية السلفية التي انتصرت لها السلطة قديما وحديثا نظرا لحاجتها للنصوص التي يبرع أتباع هذا التيار في استخدامها وتوظيفها حسب الطلب.

بل إن الأمر قد تجاوز في بعض الأحيان التعتيم إلى التزوير، حيث عمدت عدد من دور النشر السلفية إلى إعادة طبع الكثير من مصادر التاريخ الإسلامي بدعوى التحقيق، وتنقيتها من كل الروايات والأخبار التي تكشف بعض المزالق والأخطاء التي تورط فيها عدد من الصحابة أو الحكام، أو تلك التي تخدم فرق إسلامية أخرى كالشيعة والمعتزلة. وقد امتدت هذه المعالجات لكتب الحديث والتفسير أيضا.

أما المعارضة التي كانت ترفع شعار الإصلاح أو الثورة، فقد تم تشويه صورتها و رموزها ونعتهم بشتى أنواع التهم من السعي إلى الفتنة إلى المروق عن الدين بسبب مواقفهم من السلطة القائمة، كما سعى المؤرخون جهدهم لتلميع صور الحكام والتعتيم على تاريخ الاستبداد الذي امتد خلال كل أطوار الدولة الإسلامية.

وهكذا يمكن أن تجد من يسوغ لمعاوية مثلا قتل حجر بن عدي الكندي وأصحابه، وليزيد مذبحة الحرة ضد الأنصار، ومن يكتب عن ثورة الإمام الحسين (ع) والتي كانت تستهدف تغييرا بنيويا للسلطة الإسلامية، بأنها حركة تمرد على السلطة الشرعية، إلى أن قال أحدهم (أبو بكر ابن العربي): إن الحسين قتل بسيف جده!

لقد حاول الطبري في "تاريخ الأمم والملوك" قدر استطاعته تمحيص سند الرواية التاريخية وإن اقتصر في نقله على السند جريا على عادة أصحاب الحديث، وهو في نفس الوقت كان يتحاشى غضب السلطة (قبيل وفاته كان يدون كتابا في فضائل العباس ربما بإيحاء من رجال السلطة العباسية)، لكنه سقط مع ذلك في بعض المطبات (كروايته عن سيف بن عمر التميمي المطعون عند أغلب المحققين) التي نقلها عنه المؤرخون ممن جاؤوا بعده كابن كثير وابن الأثير مع انتقائية سلفية للأحداث والمواقف التي تعارض ما اشتهر عند العامة مما دسته الدعاية الأموية في التاريخ.

ورغم ذلك، مازال تاريخ الطبري يحظى بمكانة متميزة بين كل التواريخ التي سبقته أو جاءت بعده. ومنها طبقات ابن سعد و أنساب الأشراف للبلاذري وتاريخ اليعقوبي الذي كان أكثرهم دقة في البحث والإستقصاء في الروايات إلا أن تسليطه الضوء على حياة أئمة الشيعة جعلت القوم يتهمونه بالتشيع ويهمشون تاريخه.

ورغم الرؤية المتقدمة التي عالج بها ابن خلدون رواية التاريخ في "المقدمة" إلى الحد الذي دفع البعض إلى القول بأنه مؤسس علم الاجتماع، فإنه قد كتب تاريخه بطريقة تقليدية لم تبتعد كثيرا عما دونه سابقيه، إلى الحد الذي دفع البعض أيضا إلى التشكيك في كتابته للمقدمة!

من جانب آخر، فقد غطى التاريخ الرسمي الذي هيمنت على أحداثه تفاصيل الصراعات السياسية وأحوال ومواقف الملوك والقادة وبعض الشخصيات المؤثرة على تاريخ الشعوب ومعاناة الأمم. هذا التاريخ المهمش يمكن تتبع أثره فقط في كتب الأدب كالعقد الفريد لابن عبد ربه والأغاني لأبي الفرج الأصفهاني والبخلاء للجاحظ وغيرها، وكذا في الرواية الشفهية الشعبية والمحكيات والأمثال بل حتى النكات

..يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 تدوين التاريخ الإسلامي Empty
مُساهمةموضوع: رد: تدوين التاريخ الإسلامي    تدوين التاريخ الإسلامي Emptyالأربعاء 14 مارس 2018, 9:41 am

....  تابع



إشكالات في تدوين التاريخ الإسلامي


محمد أكديد


تدخل السلطة في كتابة التاريخ -كما أشرنا إلى ذلك في الجزء الأول من هذا المقال- من خلال ارتباط أكثر المؤرخين شهرة ببلاط الحاكم، فإنها كانت تشرف بطريقة غير مباشرة على صناعة العقل العربي والإسلامي، وبناء الكثير من المواقف الجاهزة التي مازالت إلى اليوم تعيق انفتاحنا بشكل أكثر موضوعية وحياد على التاريخ وعلى الآخر المختلف أو المعارض.

من هنا جاء الهجوم الشرس للسلطة على المعارضة. هذا الهجوم الذي تجاوز اضطهاد وقتل رموزها، إلى تزوير التاريخ بتشويه صورة هاته المعارضة وطمس آثارها وإنجازاتها الحضارية في مختلف المجالات.

صورة المعارضة في التاريخ

يصور لنا التاريخ الرسمي معارضة أبي بكر (رض) بأنهم جميعا مرتدين عن الإسلام، وإن كان بعضهم فعلا قد ارتد كمسيلمة وسجاح والأسود العنسي. فالآخرون قد امتنعوا فقط عن دفع أموال الزكاة للخليفة الأول (مانعي أموال الزكاة) طعنا منهم في شرعية خلافته، خاصة بعد أن بلغت بعضهم أصداء ما وقع في السقيفة بين الأنصار والمهاجرين، وكيف غيب أهل بيت الرسول (ص) عن هاته البيعة. حيث خالف أبو بكر النص القرآني في الإجهاز على هؤلاء باعتبارهم مرتدين لمنعهم أموال الزكاة، ومازال الكثير من الفقهاء إلى اليوم يرددون قولته الشهيرة: "والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه للنبي (ص) لقاتلتهم عليه" مع أن القرآن لم يأمر بقتال من امتنع عن أداء الفرائض ولم يؤثر ذلك عن الرسول (ص) أيضا في السنن.

ومن أطرف ما يروى في التاريخ الرسمي، قصة مقتل الأنصاري المعارض وزعيم الخزرج الصحابي الجليل سعد بن عبادة، والذي اختلف مع المهاجرين الذين التحقوا بالسقيفة بعد أن أعلنوا عن نيتهم لاحتكار السلطة في قريش، حيث امتنع عن بيعة أبي بكر ودعا إلى ذلك كل أنصاره، بل هدد بقتالهم إن هم لجئوا إلى القوة في إرغامه على البيعة. فقد أجمع عدد من المؤرخين والرواة بأن سعد بن عبادة قد قتلته الجن لأنها وجدته يبول واقفا!

لكن بعض المؤرخين كالبلاذري في أنساب الأشراف وابن سعد في طبقاته1 قد خالف هذا الإجماع الغريب برواية تفيد بأن عمر بن الخطاب قد أرسل رجلا إلى الشام ليدعو سعد إلى البيعة (وكان قد اعتزل القوم وذهب إلى الشام) فإن أبى البيعة أمره أن يقتله.

وفي عهد عثمان بن عفان لم تشفع صحبة النبي (ص) لعدد من الصحابة الذين عارضوا سياسة الخليفة الثالث بعقابهم والتضييق عليهم، حيث أمر حاجبه مروان بن الحكم شرطته بضرب عبد الله بن مسعود، كما ضرب الخليفة نفسه عمار بن ياسر حتى أغمي عليه، وأمر بنفي أبا ذر الغفاري إلى الربذة بعد أن وقف بالمرصاد لتجاوزات معاوية والأمويين بالشام.

لكن التاريخ الرسمي يقدم كل هاته الحوادث على أنها خلافات عادية بين الصحابة، وسوف يحرم الفقهاء فيما بعد الخوض فيها. كما يقدم المتمردين على حكومة علي الشرعية (وفيهم صحابة سوف يبشرهم الأمويون فيما بعد بالجنة كطلحة والزبير بالإضافة إلى أم المؤمنين عائشة) بعد أن بايعه الكل بعد مقتل عثمان على أنهم مجتهدين مأجورين على اجتهاداتهم!

وخلال الفترة الأموية، سوف يتم اتهام عدد من آباء المعتزلة بالكفر وبالزندقة والخروج على تعاليم الإسلام بالرغم من أنهم كانوا يستقون حججهم من نصوص الكتاب والسنة. وذلك لتشويه صورتهم في التاريخ وتبرير الممارسات التي جرت عليهم، بعد أن طالهم سيف القهر و الإضطهاد الأموي ليعاقبوا بطرق وحشية.

فبالشام، وبعد أن ألقى الأمويون بتبعات اعتزال معاوية الثاني للسلطة على عمر المقصوص قتلوه قتلة بشعة بأن دفنوه حيا، وعمد هشام بن عبد الملك بعد أن تولى الخلافة بعد عمر بن عبد العزيز إلى تعذيب غيلان الدمشقي، فقطع يديه ورجليه ولسانه، وذبح واليه على العراق خالد القسري، الجعد بن درهم بجامع واسط يوم عيد الأضحى، وقد كانت له صلة سياسية بيزيد بن المهلب، واتهم بالقول بخلق القرآن.

ولم يسلم من المتابعة والتنكيل عدد من الشخصيات البارزة في الفلسفة والأدب والعرفان لمواقفهم الصريحة في التنديد بالطغيان أو فضح الأطروحات التقليدية المتهافتة التي كان يتبناها أغلب الفقهاء. فقد تم صلب الحلاج، وحبس المعري، وسفك دم جابر بن حيان، وأحرقت كتب ابن رشد والأصفهاني، وكفر الفارابي والرازي وابن سينا والكندي والغزالي، وذبح السهرودي، وطبخت أوصال ابن المقفع في قدر ثم شويت أمامه ليأكل منها قبل أن يلفظ أنفاسه، وعلقوا رأس أحمد بن نصر وداروا به في الأزقة، وخنقوا لسان الدين بن الخطيب وأحرقوا جثته، وكفروا ابن الفارض وطاردوه في كل مكان.. وفي كل حين كان المؤرخ يبرر هاته الجرائم ويحمل مسؤوليتها للضحايا أنفسهم باسم الدين وحماية المقدسات!

التشيع2 والتاريخ

من جهة أخرى، لم يتعرض مذهب أو تيار في التاريخ إلى ما تعرض إليه شيعة أهل البيت (ع) بعد تبنيهم معارضة السلطات التاريخية التي كانت عادة ما تحاصر أتباع هذا الخط لخوفها من دعوتهم إلى رد الحقوق المغتصبة لأهل بيت الرسول (ص) وعلى رأسها قيادة الأمة. هكذا كان التشيع في الأصل يعبر عن موقف للرفض، ولذلك سمي الشيعة الأوائل بالرافضة لأنهم رفضوا خلافة الصحابة الذين أخذوا بزمام السلطة في وجود علي ثم رفضوا بعد ذلك دولة الأمويين الذين أمعنوا في اضطهادهم إلى حد تورطهم في قتل سبطي النبي (ص) الحسن والحسين (ع). ورغم توظيف العباسيين لشعارات الشيعة إبان دعوتهم إلا أنهم استمروا في سياسة الاضطهاد والتضييق عليهم وعلى أئمتهم، كما قام مؤرخوهم بالعبث بحقائق التاريخ، لتصل صورة هذا الخط بعد ذلك مشوشة إلى أغلب المفكرين والأدباء القدامى والمعاصرين. حيث جاء في بعض كتب التراث3: "قال لي الشعبي وذكرنا الرافضة..يامالك، إني درست الأهواء كلها فلم أر أحمق من الرافضة..ثم قال: أحذرك الأهواء المضلة شرها الرافضة، فإنها يهود هذه الأمة، يبغضون الإسلام، كما يبغض اليهود النصرانية.."، ويقول أحمد أمين في كتابه فجر الإسلام (ص276): "والحق إن التشيع كان مأوى يلجأ إليه كل من أراد هدم الإسلام لعداوة أو حقد ومن يريد إدخال تعاليم آبائه من يهودية ونصرانية وزردشتية وهندية.."!

ونكاية في هذا الخط الذي كان رموزه يمثلون المعارضة الشرسة والواعية للسلطة الأموية المستبدة. سوف يتم نسبة مذهبهم إلى عبد الله بن سبأ اليهودي، هذه الشخصية الوهمية التي اخترعها أحد مؤرخي البلاط الأموي إرضائ لأسياده، وهو سيف بن عمر التميمي الذي روى أخبار الردة ومقتل عثمان ومعركة الجمل. حيث تلقفها عنه الطبري4 دون تحقيق ليتوارثها من بعده عدد من المؤرخين والرواة بما فيهم بعض رواة الشيعة كالكليني في كتابه "الكافي"!

لقد وصف الشيخ مرتضى العسكري هذه الشخصية بالأسطورة، وناقش في كتابه عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى كل الروايات المزعومة عن هذا الشبح التاريخي وزاد بأن عرض مواقف بعض الصحابة من أنصار الإمام علي (ع) والتي نسبها القوم إلى ابن سبأ الأسطورة للتعتيم على الخلافات التي نشبت بين الصحابة في تلك الفترة العصيبة.

ولو كان رجل كهذا اليهودي المحرض على الفتنة، لما خفي على كبار الصحابة. ولعاقبه عثمان كما عاقب أبا ذر وعمار بن ياسر وعبد الله ابن مسعود مع أن أفعالهم لم تصل إلى ما نقل عن ابن سبأ، ولما خفي عن علي بن أبي طالب وعن أنصاره. وهذا أبو ذر قد دخل يوما على عثمان، وكان عنده كعب الأحبار، فقال لعثمان: لا ترضوا من الناس بكف الأذى حتى يبذلوا المعروف، وقد ينبغي للمؤدي الزكاة ألا يقتصر عليها حتى يحسن إلى الجيران والإخوان ويصل القرابات. فقال كعب: من أدى الفريضة فقد قضى ما عليه. فرفع أبو ذر محجته فضربه فشجه. وقال له: يا ابن اليهودية ما أنت وما هاهنا5!

هذا الرجل (أبو ذر الغفاري) بكل هذا الحرص والذكاء، يصورونه كغر ساذج ينقاد لتحريض عبد الله بن سبأ!

من جهة أخرى، سوف يغيب التاريخ الرسمي حكومة علي ومواقفه فضلا عن أحاديثه التي تندر في كتب السنن مقارنة بصغار الصحابة الذين ولدوا في المدينة كعبد الله ابن عباس وعبدالله بن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص وغيرهم ممن أسلموا متأخرين كأبي هريرة، مع أن الرجل يحمل وسام النبي (ص) في العلم، بقوله فيه: "أنا مدينة العلم وعلي بابها".

لكن ضغط السلطة الأموية على شيعة وأنصار أهل البيت (ع) كان رهيبا إلى درجة أن اسم علي لم يكن يذكر، فيضطر الفقيه أن يقول: حدثني فلان عن الرجل أو عن أبي زينب. ومع أن الحسن البصري كان رجلا ذا مهابة ومنزلة عظيمة عند المسلمين، فقد سئل يوما من أحد طرف خاصته: إنا نسمعك تحدث عن رسول الله (ص) بلا واسطة، وأنت لم تدركه؟ فقال البصري: لولا مكانك مني لما أجبتك، يا ابن أخي، كلما سمعتني أقول: قال رسول الله (ص) فهو عن علي، إلا أنا في زمان كما ترى، لا نستطيع أن نذكر عليا!

وقد سئل الزهري يوما عمن كان كاتب الكتاب يوم صلح الحديبية؟ فضحك ساخرا وقال: هو علي بن أبي طالب، ولو سألت هؤلاء-يعني بني أمية- لقالوا: عثمان6!

أما الحسين فيعده القوم متمردا لأنه خرج على الجماعة وشق عصا الطاعة! والأنصار عوقبوا في وقعة الحرة لأنهم خلعوا بيعة يزيد الخليفة الشرعي! رغم جرائمه التي خلدها التاريخ. والمختار بن أبي عبيد الثقفي مجرد أفاق طالب للسلطة لأنه انتقم من قتلة الحسين ووقف ضد طموحات كل من الأمويين والزبيريين وفضح تسترهم بالدين للوصول إلى الحكم.

وهكذا تتوالى الاتهامات حتى حاول البعض إلصاق سقوط الخلافة العباسية بخيانة الوزير ابن العلقمي، حيث يقولُ ابنُ كثيرٍ مثلا: "ثم كاتب التتارَ، وأطمعهم في أخذِ البلاد، وسهل عليهم ذلك، وحكى لهم حقيقةَ الحالِ، وكشف لهم ضعفَ الرجالِ"7، مع أن مشروع احتلال بغداد كان مِن أساسيات الغزو المغولي التتري منذ عهد جدّ هولاكو، أي قبل أكثر مِن أربعين عامًا مِن سقوط الخلافة العباسية. وقد وجد هولاكو في قصر الخليفة كنوزا من الذهب والفضة –دون الحديث عن الجواري الحسان- في نفس الوقت الذي كان جنوده يتضورون جوعا على الحدود في مواجهة جيش التتار!

يذكر المؤرخ رشيد الدين الهمذاني8 في كتابه "جامع التواريخ" بأن من حرض هولاكو على غزو المسلمين هم بعض المسلمين كقاضي القضاة شمس الدين القزويني بدعوى محاربة الملاحدة (الإسماعيليين) بسيف المغول! لكن الصراع الطائفي السياسي بين وزير المستعصم محمد بن أحمد العلقمي والأمير الدوادار الصغير مجاهد الدين قاد إلى إحباط محاولات ابن العلقمي لدفع شر المغول، كما سيشكل فيما بعد طريقا للتشنيع على ابن العلقمي نفسه، والذي يصفه سبط ابن الجوزي بأنه "كان رجلا فاضلا صالحا عفيفا قارئا للقرآن".

أما الدولة الفاطمية والتي لعبت دورا كبيرا في إشعاع الحضارة الإسلامية فإن أغلب تراثها قد تعرض للطمس لأن مذهبها يختلف ومذهب الدول التي أعقبتها. حيث دمر الأيوبيون الكثير من مآثرها وأحرق صلاح الدين مكتبة القصر التي أسسها المعز لدين الله الفاطمي، والتي كانت تضم حسبما يروي المؤرخون أكثر من مليوني كتاب في شتى مجالات العلم والفكر والأدب. كما أغلق جامعة الأزهر التي كانت منارا للعلم والعلماء في شتى المجالات خلال الفترة المزدهرة للدولة الفاطمية، وتكفل من جاء بعده بتزوير التاريخ للتعتيم على إنجازات هذه الدولة التي اشتهر فيها الكثير من العلماء والفلاسفة والشعراء كإخوان الصفا وابن هانئ والأصفهاني وبديع الزمان الهمذاني وابن الهيثم والرازي. لكن المنتصر عادة هو من يكتب التاريخ.

لقد استمر أثر هذا التعتيم والتزوير إلى العصور اللاحقة رغم بعض المحاولات اليائسة لكشف هذا الخلط وإعادة الأمور إلى نصابها، حيث تأتي قصة اغتيال الحافظ النسائي لتقدم نموذجا للتعصب الأعمى الذي كرسه تزوير التاريخ خلال فترة تدوينه من طرف فقهاء بني أمية، وذلك بالرغم من اجتهاد العباسيين في طمس آثار الأمويين وتشويه صورتهم في التاريخ. فقد عايش النسائي الطبري، ومر ببلاد الشام في عام 303ه- بعد 171 من هيمنة الدولة العباسية- فوجد أهلها يتيهون في أوهام زرعها الأمويون في أسلافهم! فأثاره ذلك، فكتب كتابه الشهير "خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب" فلما انتشر خبره اجتمع عليه أهل الشام، وأمروه بأن يكتب في معاوية نظير ما كتبه في علي! فقال لهم: لا أجد له منقبة إلا حديث "لا أشبع الله بطنه"! فرفسوه في بطنه وخصييه حتى أشرف على الهلاك، وحملوه وهو في أسوأ حالة، فركب دابته قاصدا مكة فمات في الطريق.

وبعد التواريخ النمطية التي تم اعتمادها رسميا على مدى قرون. يأتي كتاب الفرق الإسلامية9، ليزيدوا الطين بلة، بتصنيف المسلمين إلى طوائف وفرق وفق معايير تصل عادة إلى حد الإستفزاز. خاصة وأن أغلبهم ينطلق من حديث مشهور -ورب مشهور لا أصل له- حيث ينسب إلى النبي (ص) قوله: "تفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة واثنان وسبعون في النار". هذا الحديث سوف يتلقاه المسلمون بالقبول رغم اضطراب سنده ومضمونه، إلى الحد الذي دفع عدد من العلماء إلى محاولة الجمع بين مختلف صيغه ورفع وجوه التنافي10! رغم كونه يناقض دعوة القرآن إلى الإعتصام ويؤسس لتقسيم الأمة الإسلامية، وتكفير المسلمين وإخراجهم من الملة.

ختاما

تبدو الحاجة لإعادة كتابة التاريخ الإسلامي وفق رؤية موضوعية وبعيدا عن المواقف والأحكام الجاهزة أكثر إلحاحا اليوم من البارحة. وذلك من أجل مراجعة الكثير من المواقف المغلوطة والطائفية التي تسيء إلى الحقيقة التاريخية وتحول دون تحقيق المصالحة بين المسلمين بمختلف طوائفهم ومع التراث الإسلامي خاصة شقه المتنور.

ولتحقيق هذا المبتغى، لا يمكن ترك مهمة إنجاز هذا الأمر للمبادرات الفردية التي تكون عادة معزولة، أو تنطلق من داخل بيئات ثقافية طائفية أحيانا. حيث يتطلب هذا المشروع الكبير تعاون مؤسسات جامعية وأكاديمية لإنجاحه. وذلك بعيدا عن أي نوع من وصاية السلطة، وعن الإسقاطات الأيديولوجية مع الالتزام قدر الإمكان بالمناهج العلمية الحديثة لقراءة ومعالجة النصوص التاريخية.

الهوامش:

1 - طبقات ابن سعد 3/617

2 -لا زال التشيع محاصرا بين فرضيتين متناقضتين في المضمون ومتفقتين في المنهج، هما اللتان تؤطران اليوم الوعي الإسلامي. حيث تفترض الأولى التشيع أمرا إلاهيا خاصا خارج اختيار وتفاعلات المسلمين، مما يجعله شأنا متعاليا على مجريات المجتمع والتاريخ2. في حين تقدمه الثانية كوافد غريب على التاريخ الإسلامي، جاء بفعل تدبير كيدي من أعداء الإسلام، مخرجة بالتالي كامل تشكلاته وتفاعلاته من السياق المجتمعي والتاريخي للإسلام.

3 -العقد الفريد لابن عبد ربه، 2/149 -150.

4- لم يرد ذكر ابن سبأ في بعض التواريخ التي سبقت أو عاصرت الطبري كتاريخ اليعقوبي وأنساب الأشراف للبلاذري وطبقات ابن سعد.

5- الطبري، 4/284

6- نقل هذا الحديث عبد الرزاق الصنعاني في كتابه "المصنف"، أما السائل فهو معمر شيخ عبد الرزاق.

7- البداية والنهاية: 13/202 .

8- هو حفيد الطبيب موفق الدولة الذي أبقاه هولاكو ضمن ثلاثة بعد تدمير قلعة ألموت الإسماعيلية بإيران، أصبح من أشهر المؤرخين في بلاط المغول، وكان له دور كبير في إسلام دولتهم، كما استوزروه عدة مرات حتى قتل بدسيسة. وقد أنشأ مكتبة في ضاحية الربع الرشيدي بتبريز، إلا أنها أحرقت فيما بعد، وكان له فيها عدة كتب كان من أشهرها "جامع التواريخ" لم يبق منه إلا جزؤه الأول الذي وصف فيه شناعة أفعال المغول.

9- من ذلك "كتاب المقالات" للأشعري، و"الفرق بين الفرق" للبغدادي، و"الفصل في الملل والنحل" لابن حزم و"الملل" للشهرستاني، فضلا عما كتبه ابن تيمية في "منهاج السنة النبوية".

10- صححه البعض كالحاكم في مستدركه، والألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" وأنكره البعض الآخر كالإمام الشوكاني وابن حزم في حين تأوله آخرون كالشاطبي.



*باحث في التاريخ واختلاف المذاهب
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 تدوين التاريخ الإسلامي Empty
مُساهمةموضوع: رد: تدوين التاريخ الإسلامي    تدوين التاريخ الإسلامي Emptyالأربعاء 14 مارس 2018, 9:43 am

هذا ديننا

نحو مسار صحيح في تدوين التاريخ وتصويبه



د.بسام شماع:
 التدوين يضعنا أمام مواطن القوة والضعف ومن ثم يمكننا من تنمية أسس القوة

د.مصطفى معوض: الاعتماد على العقل وعلم المقارنة وتحري الحقائق أسلم مسارات التأريخ

د.زكي البحيري: التأريخ بدأ في العصر العباسي وازدهر في القرن الثالث الهجري

د.عفيفي: كلما زاد وعي الإنسان زاد حرصه على تدوين التاريخ وفهمه والاستفادة منه

د.مجاهد الجندي: تاريخنا ظُلم.. والمستشرقون كتبوا عن أشياء تضر تاريخ المسلمين

د.عبد المقصود باشا: يجب الاستفادة من المستشرقين مصلحين ومفسدين ومخاطبتهم بلغتهم

القاهرة - إسلام لطفي، عبدالله شريف:

"اقرؤوا التاريخ، إذ فيه العبر .. ضل قوم ليس يدرون الخبر". دائمًا وأبدًا وكلما واجهت أمتنا نازلة نجد من يهمس في آذاننا أن اقرؤوا التاريخ، فمآسي الماضي هي عِبَر المستقبل، وسنن الله لا تتغير ولا تتبدل. وعدوك قديمًا هو ذاته عدوك الآن وغدًا، مهما تلوَّن وتقنّع، فإذا كانت قراءة التاريخ أمرًا لا غنى عنه، فكيف بتدوين التاريخ ذاته وتأصيله وتصويبه من الدخل والشوائب.. هذا ما ينبه إليه عديد من الخبراء وأساتذة التاريخ التقتهم "الوعي الإسلامي" ليضعونا أمام مسار صحيح في تدوين التاريخ وتصويبه، فإليهم.

بداية، يؤكد د.بسام شماع، مؤرخ وعالم مصريات، أن لتدوين التاريخ أهمية كبيرة في حياة البشرية، فإذا قرأنا التاريخ واستوعبناه لن نكرر أخطاء وكوارث الماضي، فمن التاريخ وتوصيفه وتوثيقه نستطيع أن نقرأ عن عقيدتنا وعن نشأة دولة الإسلام، وأن نسير على ذات الطريق الذي بنيت من خلاله نهضتها وحضارتها التي أنارت الغرب والشرق، فكيف نكون أمة اقرأ ونحن لانقرأ؟!

وأضاف شماع أن تدوين التاريخ يضعنا أمام مواطن القوة والضعف، ومن ثم يمكننا من تنمية أسس القوة وتجنب عوامل الضعف، فعلى سبيل المثال: حضارة الأندلس كانت نبراسًا للحضارات في زمن من الأزمنة، ولنعرف أسباب سقوطها لا بد أن نبحث عن المتشابه من الأحداث في الكتب والمخطوطات التي رسمت حول تلك الفترة، فنجد أن هناك عدوًا داخليًا وخارجيًا وصراعات ومعارك طاحنة بدأت بينهم ساعدت على الانهيار. ومن هنا ندرك أن التدوين تذكرة للجميع كيف كنا وكيف أصبحنا، فبدونه لم نكن نعرف شيئًا عن حضاراتنا، وفي حالة غياب شخصيات قيادية في دولة الإسلام وغياب شخصيات تواجه أعداء الإسلام كان لا بد من وجود تذكرة لقادة الدول الإسلامية عن انتصاراتنا وكيف بنيت الحضارات بالقوة لا الوهن، والبعض يقلق من مقارنة التاريخ بالحاضر ويؤرق نومهم ذلك الوهن الذي أصبحنا عليه الآن.

رموز تاريخية

وأضاف شماع: بنظرة حقيقية في تدوين التاريخ نجد إعلاء قيمة العمل ونتذكر كيف تصدرنا الحضارات وكيف كانت للعمل قيمة هامة في تاريخنا، وفي أغلب الأمثلة التاريخية نجد الشباب تصدروا الموقف وهم من أعلوا مكانة الحضارة الإسلامية وكان ذلك في أوائل أعمارهم، فنجد محمد الفاتح الذي فتح القسطنطينية وهو في العشرينيات ومحمد بن القاسم من فتح بلاد السند وكان عنده 18 عامًا وعمر بن عبد العزيز الذي حكم سنتين و5 شهور وبضعة أيام وحقق بعدها الاكتفاء الذاتي في كل شيء فلم نجد وقتها شابًا غير قادر على الزواج أو أسرة جائعة أو رجلًا محتاجًا، وهذه الأمثلة ينبغي أن تكون نموذجًا للقادة في الوقت الحالي، وألا يقللوا من دور الشباب المتحمس الذي لا يحتاج فقط إلا للفرصة، وليس للتنقيص والتحييد، ولديه استعداد لقيادة الأمة الإسلامية بأسرها.

أيضًا من أبرز الأمثلة التاريخية: الدمشقي الذي اخترع سائلًا أحرق به أبراج الصليبيين وكان البرج يحمل 500 جندي صليبي وكانت الأبراج في وقتها صعبة الاختراق، لكن الاستفادة من عقول الشباب وهممهم وإرادتهم وإعطاءهم الفرصة وإيمان القادة الكبار وقتها في عزيمتهم كانت وراء نجاح تلك الحضارات في وقتها، فبقراءة التاريخ نستطيع أن نستفيد منه في الوصول إلى أهمية الشباب وكيفية الاستفادة من هذه القيمة الكبيرة في بناء الحضارات.

وعن تحري الحقيقة في التدوين، أضاف أنه من أعظم مميزات تاريخنا المخطوطات التاريخية أمثال الرازي وابن سينا والجزري والبيروني، فالحضارة الإسلامية موثقة بالمخطوطات التي تمكننا من تنقيح حضارتنا.

واقترح عالِم المصريات إنشاء مؤسسة تضم علماء من مختلف الدول الإسلامية من غير ذوي الاتجاهات أو الأجندات الخاصة بهم، يكون أساسها الإخلاص للمادة التي يكتبونها وفي النهاية يخرجون مجلدًا تاريخيًا محترمًا وموثقًا بأيدٍ إسلامية وبلغة يسهل فهمها، لفئة عمرية أقل من 15 عامًا، بحيث يتم تنقيح المحتوى ليصل المستوى العلمي المطلوب تلك الفئة العمرية ثم إخراج المجلد لفئة عمرية أقل من 8 أعوام عن طريق ألعاب وصور وألغاز بحيث تحبب للطفل فكرة قراءة التاريخ ومعرفة حضاراته السابقة بشكل يسهل فهمه ويتم تربية النشء على إعلاء قيمة الحضارة التاريخية.

وتابع: "من المؤسف أننا لم نقدر بعد القيمة من وراء حضارتنا الإسلامية في ظل احترام الآخر لها، فنجد على سبيل المثال أن الصهاينة أنشؤوا متحفًا للفن الإسلامي داخل القدس المحتلة من بين ما يحويه مخطوطة الجزري التي توثق اختراعه للساعة المائية الأوتوماتيكية، ونحن هنا ماذا فعلنا لمخطوطة الجزري؟!".

وقال: إذا تطرقنا لفكرة المستشرقين وكتابتهم للتاريخ فنجد مجموعة من الأسماء للمستشرقين الموثوق فيهم، من وجهة نظري المتواضعة، على سبيل المثال: جورج فارسون صاحب مجلد تاريخ العلم والذي تطرق فيه إلى الحضارات الإسلامية بكافة تطوراتها، أيضًا زيد جريد هونكا صاحبة مجلد «الله ليس كمثله شيء» و«شمس الله تشرق على الغرب» وغيرهما من المستشرقين الموثوق فيهم والأقرب إلى الموضوعية والأوقع في نقل التاريخ، فنجد للمستشرق أيضًا أهمية بالغة، فكتابات المستشرقين تفسر رؤية الآخر عنا، فنعرف إلى أي مدى اعترف بحضاراتنا وبأهمية تلك الحضارات. ولكن، تكمن خطورة المستشرق في اتجاهاته أثناء كتابة التاريخ، حيث التزييف، ومن المفترض ألا يؤرخ التاريخ وبشكل عام في خضم الفترة الزمنية التي يكتب عنها حتى نضمن كتابة التاريخ بشكل سليم ويسري في مساره الصحيح بعيدًا عن أي تنويهات شخصية أو اتجاهات. ولذلك علينا الحذر في قراءتنا للمستشرقين.

وأشار إلى كارثة حلت بنا في الزمن الحالي وهي عدم الأمانة في نقل الوقائع، وكثرة التهويل، ودس الأكاذيب، وغياب الذمم، وكان القدماء يعملون على تنقيح المعلومة خوفًا من ضياعها واهتموا كثيرًا بالدقة في المعنى والوصف عن الزمن الحالي.

المسار الصحيح للتدوين

من جانبه، أكد أستاذ التاريخ والفكر الإسلامي المعاصر د.مصطفى معوض ضرورة تنقيح التاريخ من خلال ما يعرف بعلم "المقارنة التاريخية"، فالاطلاع على أكثر من مؤرخ والمقارنة بينهم في المعلومات بل وفي حياتهم وطرق تجميعهم المعلومات، ومن ثم الأخذ بالأقرب إلى العقل.

وتابع: "الاعتماد على العقل وعلم المقارنة وتحري الحقائق الأقرب للعقل هما الطريق الأسلم للمسار الصحيح في تدوين التاريخ وتأريخه وتوصيفه على الشكل الذي كان عليه، وينقح التاريخ أيضًا من خلال باحثين ثقات من ذوي الخبرة والمعتمد عليهم. ولكتابة الفترة التاريخية المؤرخ لها يجب مرور فترة من الممكن أن يقدر لها بمرور جيل كامل.

وعن دور المستشرقين في النقل، أكد أن هناك عددًا لا بأس به من المستشرقين الموثوق فيهم، وعلى سبيل المثال «جولد تسيهر» الذي أرخ لمذاهب التفسير إلى حد كبير من الموضوعية رغمًا عن وجود نقد له في كتابه إلا أنه يعد من المؤرخين الأقرب للحيادية ومن الممكن الرجوع لهذا الكتاب للاعتماد عليه في معرفة هذه الفترة التاريخية.

خريطة المستقبل

بدوره، أكد المؤرخ وأستاذ التاريخ الحديث والمعاصر د.زكي البحيري أن مناقشة موضوع تدوين التاريخ، وخاصة العربي والإسلامي، شائكة جدًا، حيث نتحدث في أنظمة حكم مختلفة وطرق كانت بدائية تطورت شيئًا فشيئًا.

وأضاف أن هناك أخطاء كثيرة في طريقة التدوين وأهداف التدوين تسبب كثير منها في ضياع التاريخ وتشوهه، ولا بد من وقفة حقيقية لمواجهة هذه الجرائم التي أثرت على أجيال طويلة وأخفت حقائق متعددة.

وعن أهمية التدوين، أكد أنه بمثابة خريطة للمستقبل تسير عليها الأجيال، فإذا كانت الخريطة كاذبة عاش من سار خلفها في التيه، وتفرقت أحلامه، وضعفت أساساته.

وأشار إلى أن أحداثًا كثيرة سقطت من التاريخ، بل وصلت في بعض الأمر إلى سنوات طويلة، والتاريخ في الغالب يجمع ويؤرخ ويجمع من مصادر ومراجع وموارد مختلفة، ففي التاريخ المعاصر يعتمد المؤرخ والمدون على المراسلات والمؤتمرات والمستندات والدساتير والمجالس النيابة وضبطيات (المجالس النيابية) والصحافة بشكل عام ومكاتبات الشهر العقاري والوثائق الخاصة بالملكيات والأراضي وبيعها وشرائها ودار الوثائق بالوزارات المختلفة والمحاكم والقرارات الصادرة من المحاكم التي تكتب وتحفظ كالحوادث المختلفة، بالإضافة إلى وثائق سرية عسكرية كأعداد الجيش والأسلحة ووثائق اجتماعات القادة العسكريين وتكتيكاتهم، وتظل سرية لفترة معينة (كما في بريطانيا) وتحدد فترة لإعلانها.

وتابع: "فترات كتابة التاريخ في العصر الإسلامي كانت تعتمد على مدونين كالطبري وابن حوقل وابن خلدون والإدريسي والمقريزي وابن كثير وابن خلدون والذهبي وابن الشماع وابن عساكر وابن منظور وعبد الرحمن الجبرتي وغيرهم، ومن أبرز المشاكل التي واجهها المؤرخ القديم غياب الوثائق، فمنها من كان يأخذ صفة السرية، وغياب وسائل التواصل كان له تأثير كبير على دقة المعلومة، وغطى جزءًا من ذلك المخطوطات، مثل التي جمعت في دار الوثائق القومية، والهيئة العامة للكتاب.

وأشار إلى أن التاريخ الإسلامي والعربي لم يخل من بعض المدونين وكتاب التاريخ الذين روجوا للحاكم، سواء كان خليفة أو أميرًا أو حاكمًا في فترة زمنية معينة، وكانوا يستخدمون التهويل والمبالغة وانتقاء الأحداث التي ترضي الحكام، كي يزيدوا من المبالغ المدفوعة، ويستبعدون بعض الأحداث المهمة.

وأضاف أن التأريخ الفعلي بدأ في العصر العباسي ولكن البداية كانت غير دقيقة أيضًا، فالمؤرخ كان يكتب ما شاهده وما رآه في فترة زمنية معينة وربما غلب عليه النسيان.

وتابع أن من أهم الفترات التي اعتدلت فيها الدفة نوعًا ما هي القرن الثالث مع بداية ترسخ فكرة كتابة تاريخ إسلامي وساعد في ذلك عدد كبير من المؤرخين، منهم محمد بن جرير الطبري وأبو حنيفة الدينوري واليعقوبي.

وأضاف أن ذلك لا يعني أن فترة الصحابة لم يكن فيها تدوين، لكنه لم يكن علمًا بعد، مشيرًا إلى بداية التاريخ الهجري على يد عمر بن الخطاب وبداية كتابة 10 سنوات وقصص الصحابة مع الرسول صل الله عليه وسلم وعملية «العنعنة» وتاريخ الفرس والروم، وهذه الخطوة كانت نقلة هائلة في بداية التاريخ الإسلامي، ومن أبرز روادها عبد الملك بن هشام المؤرخ العربي، ومن أهم أعماله «السيرة النبوية».

وأشار إلى أن مقولة «التاريخ يكتبه المنتصرون» حقيقية جدًا، ومن أبرز حلول لتنقيح التاريخ إعادة كتابته من أجل الأجيال المقبلة التي تأثرت بمبادئ الغرب، ويجب عقد مؤتمرات عنوانها تنقية التاريخ وإيجاد تاريخ عربي مشترك.

وتابع أنه لتنقية التاريخ مما جاء فيه من أخطاء من المدونين أو المستشرقين فلا بد من عقد مؤتمرات وورش كبيرة يكون هدفها خدمة الأمة وليس التحصل على مكاسب شخصية، مشيرًا إلى أن عملية التنقية في منتهى الصعوبة وتحتاج جهدًا ووقتًا وبحثًا هائلًا.

وأشار إلى أن المستشرقين على أحوال مختلفة، فبعضهم عُرف عنه الدقة وآخرون جاؤوا للإضرار بل لتخريب التاريخ وكان بعضهم عبئًا على التدوين.

تاريخ العرب مظلوم

أما د.محمد عفيفي،المؤرخ ورئيس قسم التاريخ بجامعة القاهرة، فأكد أن تدوين التاريخ أساس لحياة الإنسان، حيث يعد حفظًا لذاكرته، وكلما زاد وعي الإنسان زاد حرصه على تدوين التاريخ وفهمه والاستفادة منه، لذلك نجد أن العرب أقل الشعوب قراءة للتاريخ وبالتالي لديهم مشكلات تتكرر أخطاؤها والوقوع فيها، ونجد أن الديمقراطية والوعي الثقافي والتنمية يزيدون من الحرص على قراءة التاريخ.

واستطرد قائلًا: التاريخ مظلوم مع العرب والمسلمين، وإذا رأينا المساحة المعطاة للتاريخ في وسائل الإعلام أو في حجم الكتب التي تصدر سنجدها قليلة، أو حتى في صناعة القرار، فمن يصنع القرار ومن حوله يجب أن يكونوا قارئين جيدين للتاريخ حتى يعرفوا السبل الصحيحة.

وعن المصاعب في رحلة البحث عن المعلومات الصحيحة، أكد أنها مشكلة في العالم العربي، لعدم إتاحة المعلومات والوثائق، وفرص الرأي والرأي الآخر في كتابة التاريخ، وإذا وجدنا ذلك ستكون هناك سهولة في كتابة التاريخ بوجهات نظر مختلفة وسهولة في الاستفادة منه لرسم خطوات المستقبل.

وعن وجود تواريخ منسية تعزز من دور أمتنا الحضاري أكد أنّ هناك أشياء كثيرة جدًا، ويجب استقراء التاريخ للاستفادة من الأخطاء.

إعادة نظر

بينما أكد المؤرخ الإسلامي د.مجاهد الجندي أنّ المؤرخ ينبغي أن يكون أمينًا في نقله للحدث التاريخي، عكس ما يفعله البعض ممن يميلون إلى الحكومات والحكام ولا يكتبون التاريخ الحقيقي للأحداث، لافتًا إلى أنَّ التاريخ ظُلم بسبب بعض المؤرخين الذين يميلون ميلة واحدة مع الحاكم، كما أنه ظُلم من الدول نفسها لأنها لا تفرج عن الوثائق إلا بعد ما يقرب من 100 عام، لأن أصحاب الأحداث يكونون على قيد الحياة، والمؤرخ قد يصيبه الضرر أو الموت نتيجة كتابته عن هؤلاء الأشخاص الذين أفسدوا في الأرض.

وشدد على أنه لا بد من إعادة النظر في كتابة التاريخ مرة أخرى، حيث أصبحت الوثائق والأرشيفات أيسر من ذي قبل، ومن ثم يمكن إعادة كتابة التاريخ بصورة أفضل، لكن لا بد من اختيار المؤرخين الذين سيقومون بذلك بدقة، ولا ينبغي أن يكتب التاريخ غيرهم، لاسيما ضرورة الاستفادة من الأحداث التاريخية وما فيها من جمال وقوة المسلمين وعظمتهم في الفتوحات الإسلامية، مثل الحروب الصليبية وانتصار المسلمين، والفتوحات الإسلامية في الأندلس وبلاد المغرب والمشرق وآسيا الوسطى، فكلها أحداث في غاية الأهمية في التاريخ الإسلامي، ولا بد من التركيز عليها، لأن المستشرقين أعداء الإسلام كتبوا عن التفكك الإسلامي وفي أشياء تضر تاريخ المسلمين، فيجب تنقية التاريخ من هذه الشوائب.

وأضاف: هناك أحداث كثيرة ينبغي التوقف عندها، فهناك معركة عين جالوت وكيف انتصر المسلمون فيها على التتار لأنه لو هُزم المسلمون لضاع الإسلام وتغير التاريخ، وانتصار المسلمين في هذه المعركة جعل الأعداء يدخلون الإسلام، وأصبحوا من الذين يدافعون عنه، وهناك فتن حدثت في التاريخ الإسلامي، مثل الفتنة الكبرى، وأيضًا قتل علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان.

بدوره، يوضح د.عاصم الدسوقي، أستاذ التاريخ الحديث بكلية الآداب جامعة حلوان، أن تسجيل التاريخ مهم لأنه يسجل وقائع وتاريخ الشعوب، حيث يتم التسجيل دون تدخل المدون بالتعليق، منوهًا بأن من يكتب التاريخ يرجع إلى تسجيل من سبقه حتى يربط بين الأحداث بعضها البعض.

وشدد على ضرورة كتابة جميع الوقائع صغيرة كانت أو كبيرة، فعندما تتراكم هذه الأحداث التي تسجل يومًا بعد يوم تصبح مجالًا للبحث في الفترة التي تكتب فيها عن طريق الرجوع إلى الوثائق، وعلى الباحث أن يربط بين الجزئيات بعضها البعض، وأنه إذا لم تسجل أي واقعة تكون ضاعت على الزمن.

وأكد أن تحري الأمانة والدقة شرط أساسي في مهنة المؤرخ والباحثين في التاريخ، إذ إنّ من لا يتحرى الأمانة والدقة يخرج من زمرة الباحثين، فهذه المهنة لا تعتمد على الجانب الأخلاقي وعدمه، حيث يُسجل الحدث كما وقع، إما أن يقول "شاهدت أو رأيت أو سمعت"، لكن لا يمكن ذكر أحداث دون ذلك السند، وهناك فرق بين المؤرخ والباحث في التاريخ الذي يعتمد في إعادة بناء صورة الحدث من خلال ما كتبه المؤرخون الذين سجلوا الوقائع، سواء في خطابات شخصية أو مذكرات أو غيرها.

كيفية التصدي للمستشرقين

أما د.عبد المقصود باشا، أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة الأزهر، فأكد أنَّ التاريخ مهم جدًا في حياة الأمم، مشيرًا إلى أنه لا يمكن تأكيد صحة كل ما كتب عن تاريخ أي دولة، إذ إنَّ المؤرخ لا يستطيع أن يكتب التاريخ مجردًا، حيث ترك بصمته، مما ينبهنا بضرورة البحث عما هو سليم وما هو خطأ، غير ما سجله القرآن الكريم وأحاديث رسولنا الكريم سيدنا محمد صل الله عليه وسلم.

وتطرق إلى كيفية التصدي للمستشرقين غير المنصفين بضرورة تعلم لغات أهل الأرض، حيث سبقنا إلى ذلك رسول الله صل الله عليه وسلم بأمره بعض أتباعه بتعلم لغات الناس في عصره، فتعلم بعضهم اللغة الفارسية والعربية وغيرها من اللغات، علاوة على سيدنا عمرو بن العاص رضي الله عنه الذي كان يجيد لغة الحبش في إفريقيا إضافة إلى إجادته للغة العربية وكذلك اللغة القبطية الخاصة بأهل مصر، واللغة الرومانية التي كان يتحدث بها الرومان في بلاد الشام، هو وغيره من الصحابة.

وأضاف: يجب أن نتعلم لغات الدول الأخرى إذا أردنا أن نقف على فكر هؤلاء المستشرقين، حيث نجدهم تفوقوا علينا في الكتابة عن تاريخنا وعن تفسير آيات القرآن الكريم وسنة النبي صل الله عليه وسلم لإجادتهم اللغة العربية الفصحى وفهموها وتأولوا عليها.

كما أكد على استفادة العرب من المستشرقين رغم وضع بعضهم، حيث وجود المؤلف الإنجليزي سير توماس أرنولد، إذ إجادته اللغة العربية، لاسيما وجود العديد من الكتب له عن الإسلام، منها «الدعوة إلى الإسلام».

واستطرد قائلًا إنّ هناك أيضًا المفسدين الذين استفاد منهم العرب، ولا بد أن نخاطبهم من موقعهم من حيث فكرهم ويكون الرد على الثقافة بثقافة، واللغة بلغة، لكن كثيرًا من هؤلاء لم يفقهوا دقائق اللغة العربية، لأن لها دقائقها البعيدة التي لا يفهمها المستعربون بل لا يفهمها إلا كبار المتخصصين.

وتابع: لا بد من الاستفادة من المفسدين والمصلحين، ومن الضروري معاملة الناس بفكرهم، ورغم أن اللغة الإنجليزية هي المسيطرة والمهيمنة على العالم، إلا أنه من الأفضل أن يتعلم المؤرخ لغة أهل البلد التي سيؤرخ بها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 تدوين التاريخ الإسلامي Empty
مُساهمةموضوع: رد: تدوين التاريخ الإسلامي    تدوين التاريخ الإسلامي Emptyالأربعاء 14 مارس 2018, 9:53 am

إعادة قراءة التاريخ الإسلامي

ماهر عبد الله:

أعزائي المشاهدين 
سلام من الله عليكم وأهلاً ومرحبًا بكم في حلقة جديدة من برنامج (الشريعة والحياة). 

موضوعنا لهذا اليوم هو عن ضمير هذه الأمة، عن صياغة عقلها، صياغة شخصيتها، 

حيث إن كل أمة لا يمكن أن تعيد الاعتبار لنفسها ولا يمكن أن تعي تمامًا حقيقة الذات والهُوية إلا باستيعاب التاريخ، قررنا لهذا اليوم أن نتباحث مع أحد المتخصصين في شؤون التاريخ أو المهتمين بشؤون التاريخ حول إعادة قراءة التاريخ الإسلامي في ضوء ما تطورت إليه مناهج البحث العلمي، وما جدَّ في هذه المناهج - طبعًا -  إضافة إلى الاتكاء على ما درج عليه أسلافنا في هذا المجال، سيكون ضيفنا لهذا اليوم بإذن الله الأستاذ (حسن بن فرحان المالكي) وهو باحث مهتم بشؤون التاريخ الإسلامي والعلوم الشرعية، كما أنه خريج كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام (محمد بن سعود) الإسلامية في المملكة العربية السعودية، ويعمل الآن باحث تربوي في وزارة المعارف السعودية، له مجموعة من المؤلفات: كتاب بعنوان: (نحو إنقاذ التاريخ الإسلامي) صادر عن كتاب الرياض في المملكة العربية السعودية، وله كتاب عن (بيعة على بن ابي طالب في ضوء الروايات الصحيحة) وكان ذلك بالاشتراك مع زوجته، كما أن له بعض المؤلفات تحت الطبع.
أستاذ حسن أهلاً بك في (الشريعة والحياة).
حسن بن فرحان المالكي:
حياكم الله وأشكركم.
ماهر عبد الله:
لو ابتدأنا بالسؤال التلقيدي التالي: عندما نقول: التاريخ ماذا نقصد بالتاريخ؟
حسن بن فرحان المالكي:
التاريخ، لعل التعريف المختصر والسهل للتاريخ هو مجموعة أحداث في الزمن الماضي تتعلق بالإنسان، فموضوعه: أحداث وزمن وإنسان، هذا تقريبًا خلاصة التعريف البسيط الذي توصل إليه الباحثون المعاصرون.
ماهر عبد الله:
لو سألتك: هذا هو التاريخ، لكن ذكرت الإنسان. . من نقصد بالإنسان؟ هل هو تاريخ للزعماء؟ هل هو تاريخ للسلطات السياسية؟ هل هو تاريخ لعادات الشعوب، لأفكار الشعوب؟
حسن بن فرحان المالكي:
كل الإنسان، يعني التاريخ لا يُؤرخ للسلطة فقط ولا للوضع العلمي، وإنما يؤرخ لجميع الأشياء سواء تاريخ الحكومات أو تاريخ الوضع العلمي السائد، وكذلك جميع نشاطات الإنسان عبر التاريخ يدخل في تعريف التاريخ، أضرب لك مثال: لو حدث بركان - مثلاً - في جزيرة ليس فيها.. خالية من الإنسان، هذا يعتبر حدث جيولوجي، أما لو كان لهذا البركان أثر على الإنسان هنا يتعلق له جانب يدخل في الجانب التاريخي، فالإنسان نشاط الإنسان عبر التاريخ من يوم أن وجد على هذه الأرض إلى عملنا هذا الآن، لقاؤنا الآن لا يعتبر تاريخًا، في المستقبل سيعتبر نوعًا من التاريخ، أو سيدخل ضمن تعريف التاريخ.
ماهر عبد الله:
لكن - اسمح لي - تاريخنا الإسلامي في أغلبه - التاريخ الإسلامي وغير الإسلامي - بعض الناس يسمي التاريخ ما هو إلا سير للعظماء: الدولة الرومانية الكل لا يعرف منها إلا (يوليوس قيصر) اليوم، عندما نقول الدولة الرومانية يتبادر إلى ذهنك يوليوس قيصر، لا يتبادر إلى ذهنك أي فنان إيطالي عاصره. وفي تاريخنا عندما نقول: تاريخ إسلامي نتحدث عن معاوية، عن هارون الرشيد، عن عمر بن عبد العزيز، أليس هناك تضخيم؟
حسن بن فرحان المالكي:
 هوالمشكلة أنت تعرف  تعريفك أو سؤالك السابق ينصرف على المعنى الصحيح الموضوعي لتعريف التاريخ، أما تعليقك اللاحق فينصرف للواقع التطبيقي..  الواقع التطبيقي، صحيح أن الواقع التطبيقي - للأسف - اهتم كثيرًا بجانب السلطة، وأغفل - أو لا نقول أغفل - قلَّ اهتمامه بالجوانب الأخرى من الوضع العلمي، النشاط الاقتصادي، النشاط الأدبي، وما أشبه ذلك من النشاطات التي يقوم بها الإنسان.. فالنظرية غير التطبيق، بمعنى أن تعريفنا للتاريخ بأنه تسجيل للأحداث التي شارك فيها الإنسان عبر التاريخ هذا التعريف الذي يجب أن يكون، بمعنى: هذا الذي يجب أن يدون لكن ما كل شيء دُوِّن..  دون  بغزارة كثيرة الجانب السياسي، وبشكل أقل الجانب العلمي والجانب الاقتصادي وغيره من الجوانب،  الجانب العلمي التطبيقي كذلك بغزارة، بل ربما لم يجد حتى التاريخ السياسي بالتفصيل وما وراء الكواليس ليس مسجلاً، وإنما سجل فيه جانب نستطيع نحن بجوانب أخرى من إعمال المنطق من إعمال ظروف سقوط الدول وقيامها دون أن نكتشف أشياء جديدة لم تدون في التاريخ.
ماهر عبد الله:
قطعًا سنعود إلى تفاصيل موضوعة التاريخ، لكن قبل أن ندخل في هذه التفاصيل في المقدمة أنا زعمت أن من هذا التاريخ تاريخ أية أمة هو ضميرها وعقلها هو المساهم بالشكل الأكبر في صياغة شخصيتها. . إلى أي مدى؟ هل التاريخ هو هذا؟ لماذا ندرس التاريخ؟
حسن بن فرحان المالكي:
للأسف أن التاريخ الإسلامي - خاصة - طبعًا التاريخ بشكل عام، لكن التاريخ الإسلامي، الفوائد طبعًا أنت تحدثت عن فائدة التاريخ من حيث العبر والدروس وما شابه ذلك.. هذه مطروقة في كتب كثيرة يتعرضوا لأن من أسباب دراستنا للتاريخ أو من الفوائد معرفة العبر والدروس في ذلك، لكن أنا في ظني إنْ استطعنا في المرحلة المعاصرة خاصة أن نخرج بأثر التاريخ على العقل المسلم وعلى الروح المسلمة نكون قد أنجزنا شيئًا كبيرًا، لأن هذا الذي هو تاريخ الأفكار أو التاريخ المتعلق بفكرنا اليوم بمعنى: ما أثر التاريخ في الماضي - ما أثره - على الأفكار الموجودة اليوم؟ هل الأثر سلبي أو إيجابي؟ إذا كان سلبيًّا كيف..
ماهر عبد الله [مقاطعًا]:
بتقديرك كونك مهتمًا بالتاريخ قرأت، في نقاشنا السابق لهذه الحلقة ذكرت لي بعضًا من أمهات الكتب، هل تركت أثرًا إيجابيًّا أم سلبيًّا؟
حسن بن فرحان المالكي:
من ناحية - طبعًا - مصادر التاريخ، نحن نتحدث عن المصادر.
ماهر عبد الله:
ما وصلنا من مصادر.
حسن بن فرحان المالكي:
المصادر - طبعًا - ما وصلت من مصادر سواء مكتوبة أو مخطوطة، فهذه المصادر هل تريد نظرة تقييمية لها؟
ماهر عبد الله:
لا. أنا الآن.. قد نعرج إذا سمح الوقت ببعض النظرة التقييمية لبعض أمهات كتب التاريخ، لكن في المحصلة النهائية نحن أبناء المداخيل الثقافية والتاريخية التي نُشِّئنا عليها، فأنت باحث تربوي.. المرحلة الدارسية في عمر الطفل إلى سن الثانوية عملية غسل دماغ، أنت - عمليًّا - تسلم طفلاً لا يفقه في الحياة شيئًا، تحشو دماغه بمجموعة من المعلومات، ويفترض أن تزيد عليها قابليته للتحليل، في عملية ما تلقن هذا الطفل.. لماذا تدرسه التاريخ في هذه المرحلة؟
حسن بن فرحان المالكي:
 هوالمفترض - حقيقة -  المفترض شيء - كما قلنا - النظرية شيء والواقع شيء. المفترض في تدريس الطالب ألا يدرس التاريخ على أنه تاريخ ملائكة أو أن التاريخ - مثلما تقول - يعرض لنا الوجه الحسن فقط من التاريخ، بينما التاريخ هو عمل بشر، فيه الخطأ والصواب، فلذلك - طبعًا - نحن ندرس التاريخ عندما ندرسه للطلاب على أساس القدوة أنهم يجدون في التاريخ الإسلامي مواطن التأسي والقدوة، هذا قد يؤدي إلى مبالغة كبيرة في تضخيم هذا الجانب، تضخيم الأشخاص، وعدم ذكر الأخطاء الموجودة، مثلاً: نحن نقرأ الدفاع عن هارون الرشيد بكثرة، ونهمل الجوانب السيئة التي كانت عند هارون الرشيد، نعلم الطالب - مثلاً -  نسميها.. (عمر بن عبد العزيز) في بداية حياته، لكن المتوكل - مثلاً - نبالغ في مدح المتوكل، وأنه نصر السنة، وندرس هذا للطلاب، وأنه خليفة نَصَر السنة، وقمع البدعة، وما أشبه ذلك، ، بينما في الواقع  نصره لأهل الحديث كان نصرًا سياسيًّا، وله أخطاء أخرى لم نعلّمها مع أنها موجودة في التاريخ، نفس التاريخ الذي نقلنا منه المحاسن فيه المساوئ، يعني لعل التاريخ أكثر إنصافًا منا.
ماهر عبد الله:
إذن أنت تعتقد أننا أبناء قراءة غير دقيقة للتاريخ؟
حسن بن فرحان المالكي:
نحن أبناء - فعلاً - قراءة، هناك ما يشبه عملية كتابة ما نحب أن يكون وهناك فرق بين كتابة ما وقع فعلاً، وما نحب أن يقع، نحن نعلم الطلاب ونتعلم ما كان يجب أن يقع، ما نحب أن يقع، وهذه المشكلة أنه يخرج الطالب بعد سنوات من الجامعة فيكتشف المصادر الأصلية أن هناك نظرة أخرى غير النظرة الجميلة أو غير الصورة الزاهية التي رسمتها المناهج.
ماهر عبد الله:
اسمح لي بالمقاطعة هنا، هذا ما كنتم - كمشايخ وناس مهتمين بالعلوم الشرعية - هذه تهمة كنتم تنسبونها وتلقون بها على المستشرقين كلما تعرضنا لجانب فيه فتنة، كلما تعرضنا لجانب سوء في هارون الرشيد، كلما انتقدنا عمر بن عبد العزيز؛ الرد التلقائي من كل المهتمين بالعلوم الشرعية والتاريخ الإسلامي في الوقت نفسه يلقي باللائمة على قراءات استشراقية، ما أفهم من كلامك أنك تتفق مع بعض هذه القراءات الاستشراقية.
حسن بن فرحان المالكي::
 هي ما يكتبه المستشرقون أو غيرهم ليس حقًّا مطلقًا ولا باطلاً مطلقًا، وإن وجدت أصوات متشنجة من داخل التيار الإسلامي أو من داخل المسلمين بالتبرئة المطلقة للتاريخ.. فهذا ليس الحقيقة التي يجب أن يكون عليها المؤرخ.
المؤرخ المسلم هو مَنْ يبحث عن الحقيقة، ويبحث عن الحكمة، سواء وجدها عند مستشرقين أو عند غيرهم، ولست مسؤولاً عن الأصوات التي تصدر في التحرز الكبير من كل الكتابة الاستشراقية، أو  نسمِّيها ردود الأفعال، أحيانًا قد تأتي كتابة استشراقية صحيحة، مثلاً ما يتعلق بابن سبأ (عبد الله بن سبأ) من حيث نفي دوره في الفتنة، وما أشبه ذلك، قريبًا، هي التي كان عليها المحدثون المتقدمون في القرن الأول والثاني والثالث تقريبًا، نتيجة التوجس من الاستشراق هذه نظرة غير إسلامية، وإن تبَنَّاها بعض المسلمين، النظرة الإسلامية الحكمة ضالة المؤمن يأخذها إن وجدها عند مستشرق أو عند غير مستشرق. فأنا لست مسؤولاً عن التشنج الذي يصدر من البعض، وضد كل ما هو استشراقي.
صحيح أن المستشرقين لهم دراسات فيها سوء، ولا تتوقع من مستشرق أن يدرس التاريخ الإسلامي، وهو ينطلق من منطلقات فكرية معينة - لا تتوقع من مستشرق  وهو كافر مثلا  أو نصراني أو يهودي - أن يثبت النبوة، فهو لابد أن يأتي بتعليل لظاهرة الوحي، ليس معنى هذا أن هذا المستشرق الذي ينفي الوحي سيكون مخطئًا في جوانب أخرى - ربما - في نقد بعض الخلفاء أو بعض الملوك الذين ظهروا فيما بعد.
ماهر عبد الله:
لو سمحت لي هنا بالعودة إلى على الأقل موقفك الشخصي - لن أحملك - ربما صيغة السؤال حملتك المسؤولية، لكن مدرسة أهل الحديث عمومًا، وخصوصًا المعاصرين منهم الذين يريدون قراءة التاريخ على مناهج أهل الحديث، جردوا التاريخ من مجموعة من أمهات الكتب بحجة أن أصحابها غير ثقات.. أنت اعتبرت أن جزءًا من العيب في تاريخنا أننا ركزنا على السلطة السياسية في الواقع التطبيقي وكان يجب أن.. ثمة كتب أرخت للحياة الفكرية، وأرخت للحياة الثقافية، هذه الكتب - في العادة - تُتهم جملة بأنها من وضاعين، من أناس غير ثقات، أو من ناس مذهبيين، (العقد الفريد) سمع من الشتائم ما لم يسمع أحد، كتاب (الأغاني) للأصفهاني انتقد وشرّح واعتبر طعنة في تاريخ الإسلام، لأن البعض رأى فيه جوانب كان يجب عدم إبرازها، لكن أليست هي جزءًا من حقيقة هذا التاريخ؟
حسن بن فرحان المالكي:
حتى في المصادر الحديثية البحتة، المشكلة الآن ليس - في ظني - أن المشكلة هي في فهم ماذا كُتب بالضبط، نحن عندنا عملية انتقاء في التأليف المعاصر، عملية انتقاء بحيث لا نظهر للناس إلا الوجه الحسن، الظلم الأموي والعباسي موجود في الكتب الستة له دلائل موجودة، أهل الحديث صحيح وإن كان هناك بعض التهم الموجهة لأهل الحديث بحجة أنهم كانوا ظل للسلطة، لكن أنا في ظني أنه: أهل الحديث أولاً مختلفون، فمنهم المغالي في القوة، ومنهم المحايد، ومنهم المعارض، لم يكن الجميع على مستوى واحد، ونحن لا ننادي عندما ننادي بتطبيق منهج أهل الحديث في جانب من الجوانب، يعني أنا كنت فيما مضى ممن يرى أن منهج أهل الحديث  يشمل،  فيه مثالية، بينما مع القراءة ومع التطور الفكري الذي يحصل لطالب العلم يكتشف أن منهج الحديث هو جزء من مناهج متعددة يجب أن يُقرأ به هذا التاريخ، سواء الجانب العقلي، الجانب الحديثي، الجانب الإسنادي، جانب مقارنة المتون، الوثائق في أكثر من جانب، فالمحدثون - فعلاً - لم يكونوا جميعهم على منهج واحد، لكن - أيضًا - في الوقت نفسه ما نستطيع أن نلغي منهج المحدثين، يجب الاستفادة منه، إذا اكتشفنا بان هذا المحدث ضَعَّفَ فلانًا، مثلاً (الواقدي) تعرض لتضعيف من كثير من المحدِّثين ولكن في الجانب الآخر وثقه حوالي عشرة من المحدثين، هذا التوثيق - أيضًا - نجد طعون من طعن فيه طعونهم مردودة، فنحن ينبغي أن ندرس جميع هذه الأقوال فإن وجدنا مثلاً (الإمام أحمد) يقول في (الواقدي) كنا نحتمل الواقدي حتى روى حديث (أفعمياوان أنتما) يقول: رواه عن معمر عن الزهري ولم يروه - معنى كلامه - عن الزهري إلا يونس بن يزيد الأيلي، فيما بعد لما بحثنا وجدنا أنه قد رواه عن الزهري غير يونس بن يزيد، رواه عقيل بن خالد.
إذن هنا (أحمد بن حنبل) - رحمه الله - لو تأكد بأن الزهري قد حدث به غير يونس ابن يزيد الأيلي لوثق الواقدي، فأقوال أهل الجرح والتعديل ليست مصمتة  هي قابلة للأخذ والرد والاجتهادات مثل ما يحدث اليوم بين المؤرخين أو المحدثين أو السياسيين قد يختلفون، لكن يبقى  ليس لقول أحد قداسة، كل الأقوال يجب أن تخضع للبحث العلمي والمناقشة، ومعظم ما أنكروه على الواقدي مثلاً له متابعات وجد له متابعات، ووجدوا له دلائل عند غيره، هذا كمثال طبعًا.
ماهر عبد الله:
 أنت ذكرت أن أهل الحديث مُتهمون بأنهم مغالين عمومًا، ليس هذا لا هجومًا ولا دفاعًا عن أهل الحديث.. إلى أي مدى على الأقل في أمهات الكتب التاريخية وفيمن اشتهر منها، إلى أي مدى لعبت الظروف التي عاشها هؤلاء في صياغة ما كتبوا لنا؟
حسن بن فرحان المالكي:
 هو لو نستعرض الجانب التدويني، أو لو نبدأ بطبقات المؤرخين لو تسمح لي إنه معظم المؤرخين المتقدمين وجدوا في عصر الدولة الأموية مثل (عروة بن الزبير) و(الزهري) و (الأموي) ومجموعة، هؤلاء هم أساتذة - أيضًا - (ابن اسحاق) في بداية حياته في عصر الدولة الأموية، ثم جاء العصر العباسي فتأثروا، طبيعي أن السلطة السياسية، الحكومات التي حكمت خاصة الدولة الأموية والعباسية كان فيها هذا التدوين، فلابد أن يكون الأثر السياسي واضح سواء على المنظومة بشكل عام، منظومة النظرية، أو على المواقف، لكن في نفس الوقت كان هناك من المؤرخين مَنْ يشتغل بالمعارضة الخفية عبر المرويات، لكن ما يستطيع أن يبين بشكل واضح هذه المعارضة، فما..
ماهر عبد الله:
ثمة من المؤرخين مثل (العقد الفريد) صاحبه يُتهم بالتشيع، الإمام (الطبري) - رغم أن منهجه العام - يطلق عليه لقب شيخ المؤرخين من ناحية، وثمة غمز بتشيعه من ناحية أخرى، فإذا كان شيخ المؤرخين في الإسلام - إذا جاز التعبير، لا أدري إذا كنت تتفق معه أصلاً  أم لا- إذا كان شيخ المؤرخين جاز عليه أن يتلون بلون سياسي وبالتالي يكون مظنة أنه - كما قلت - يعبر عن رأي سياسي ما إما مع السلطة أو ضدها.
ابن كثير في (البداية والنهاية) في الأخير هو من أهل الحديث، تلميذ مباشر لابن تيمية، ابن تيمية دخل في صراعات عقائدية، وفي صراعات سياسية.. إلى أي مدى انعكست  شيعية - لو افترضنا - شيعية الطبري في كتابه؟ إلى أي مدى انعكست سلفية ابن كثير في كتابته للتاريخ؟
حسن بن فرحان المالكي:
بالنسبة للطبري أنا قد أخالفك الرأي إنه ليس متشيعًا.
ماهر عبد الله:
أنا لم أقل إنه متشيع بل متهم به.
حسن بن فرحان المالكي:
اتهامه بالتشيع كان نتيجة خصومته مع الحنابلة فقط، يعني خصومته مع أبي بكر بن أبي داود الذي توفي عام 316هـ  والطبري توفي عام 310، فعلم أن أبا بكر بن أبي داود ضعف حديث الغدير (حديث غدير خم) لا أدري أتعلمه أم لا؟ فألف في تصحيحه ابن جرير الطبري، الحنابلة اتهموه بالرفض والزندقة، يعني الأمر واصل إلى الزندقة، وهذه طبيعة الخصومات المذهبية يعني قد وجد من اتهم ظلمًا، لكن الطبري من خلال تاريخه تلحظ أنه بل لما تحدث عن الخلاف بين أبي ذر ومعاوية  قد وقف مع معاوية في سرد رواية سيف بن عمر التي تبرئ معاوية، وأهمل الروايات الأخرى التي تبرئ أبا ذر - وهي الأقوى - فليس بالضرورة أن يكون هذي التهمة صحيحة.
أما ابن كثير فنعم هو شامي دمشقي متأثر بالبيئة الشامية بحكم - طبعًا - مجيء التتار وبحكم تأثره بابن تيمية، ابن تيمية نفس الشيء تأثر بالبيئة الشامية بالتأكيد - الدمشقية - وهي ظاهرة في كتبه خاصة منهاج السنة، وبعض الإخوة قد يعاتب في هذا الجانب، لأنه  يخلط بين مسألة نقد العالم ومسألة معاداته، المعاداة أمر آخر غير النقد.
النقد عبر التاريخ معظم شيوخ البخاري أو كثير من شيوخ البخاري ومسلم متهمين بالقدر والإرجاء والتشيع وكذا، لكن ليس معنى هذا معاداة هؤلاء الشيوخ، فكذلك عندما يوصف ابن تيمية أو ابن كثير بأنهما أمويي الهوى أو بأنهما أُمَوِيَّا الهوى، أو  مائلين لبني أمية، لا يعني هذا المعاداة، وإنما وضع القارئ أمام صورة صحيحة حتى لا يكون على حذر عندما يقرأ مثل هذه الكتب، على العموم، فيه ناس متهمون بالتشيع، فيه مؤرخ مثل اليعقوبي والمسعودي وهذا هو صحيح، التشيع فيهم ظاهر، فيه مهتمون بالأموية مثل سيف بن عمر التميمي وابن كثير وابن خلدون - إلى حد ما - فطبيعي، بس كل هذا هو داخل منظومة نسميه (المنظومة السنية) إن جاز التعبير. إلا اليعقوبي والمسعودي فيهما الشيعية واضحة أكثر من غيرهما، حتى الواقدي متهم بالتشيع وابن اسحاق، لكن ما كل تهمة تُقبل.. يعني ما كل تهمة خلاص فلان قال: الواقدي متشيع، إذن متشيع، لما ننظر دليله، ما هو الدليل؟ لا نجد. نجد أنه روى أكثر من رواية عن أهل البيت أو نجد مثل ابن اسحاق أنه روى فرار بعض الصحابة أو مثل عثمان بن عفان  روى فراره يوم أحد، هذا لا يُعتبر تشيعًا، هذا نقل حقائق.
ماهر عبد الله:
أنت أدخلتنا في إشكالية قراءة التاريخ من حيث المبدأ، ما هي الإشكاليات الكبرى التي تعترض اليوم قراءتنا للتاريخ؟
حسن بن فرحان المالكي:
المشكلة هو عدم تحقيق الشروط المثلى في كتابة التاريخ، يعني لن نعرف الإشكالات الموجودة إلا بمعرفة شروط كتابة التاريخ الإسلامي، أو التاريخ بشكل عام، لكن خاصة التاريخ الإسلامي.
ماهر عبد الله:
 إذن باعتقادك ما هي هذه الشروط؟
حسن بن فرحان المالكي:
 طبعا هي أربع مراحل يجب أن تكون موجودة: المرحلة الأولى: استيفاء المادة، أنا مثلا أريد أن أؤرخ عن حادثة من الحوادث، لابد أن أستوفي المادة العلمية من سائر المصادر وسواء الحديثية والتاريخية والأدبية والأنساب، جميع المصادر التي أستطيع الحصول عليها سواء قديمة أو دراسات معاصرة، يجب أن أستوفي ما قيل عن المادة، عندنا قصوركبير في هذا الجانب، قصور لا يُصدق، تجد واحد يقول: ولا يصح هذا الأمر، يقول: لا يصح، وهو ما يقرأ أصلاً، يقول: لا. الشرط الثاني..

هي شروط عامة - حقيقة - وتستطيع في الشرط الثاني وهو التصنيف أن ندخل في التمييز في الرؤية الإسلامية عن الرؤية غير الإسلامية، وستأتي الإجابة عن هذا.
ماهر عبد الله:
أنت كنت تحدثت عن شرط الاستيفاء بمعنى جمع المادة العلمية، ما كنا قد طرحناه سابقًا من العلم بمنهج المؤرخ، العلم بالهوى السياسي للمؤرخ، العلم بالبيئة الثقافية التي انتشرت في زمانه، هل هذا جزء من استيفاء المادة؟
حسن بن فرحان المالكي:
هذا أيضا سيأتي في الشرط الثاني للتصنيف: تصنيف المادة العلمية.
ماهر عبد الله:
إذن الاستيفاء، جمع المادة العلمية، بعد ذلك التصنيف.
حسن بن فرحان المالكي:
نعم ذكرنا.. ثم التصنيف، تصنيف المادة العلمية، هذه المنطقة - طبعًا - مع القصور السابق في الاستيفاء عندنا قصور في التصنيف، والتصنيف يعني أن نحدد ما نقبل وما نرد.. معي في هذا يا أخ ماهر.
ماهر عبد الله:
نعم.
حسن بن فرحان المالكي:
بمعنى هذا مرحلة التصنيف على هذا تدخل فيها الأهواء، يعني منهم من يرد، لابد من شروط، ومن أسس علمية، حتى لا تصبح الروايات لعبة، هذا يرد رواية وهذا يقبل رواية، فلذلك نقدي لبعض الدراسات الجامعية من هذا الجانب أنكم أنتم في المقدمة تعلنون الالتزام بمنهج المحدثين، بينما في التطبيق تنتقون ما تشاؤون وتردون ما تشاؤون، ولو كان في أصح الصحيح، هنا لابد من أن تكون يكون التطبيق قريبًا من النظرية على الأقل، ما نشترط مطابقة التطبيق للنظرية، لأن هذا يمكن أمر صعب. فالتصنيف معناه معرفة دراسة الإسناد ودراسة المتن، ثم بناء على هذه الغربلة نأخذ ما نقتنع به بصحته، ونرد ما نرى فيه هوًا سياسيًّا أو مذهبيًّا وما أشبه ذلك من الأهواء التي تتلبس بهذا الشرط على وجه الخصوص.. فالمؤرخون - طبعًا - معرفة الهوى لا تأتي مثلاً اكتشفنا في مؤرخ كاليعقوبي أنه كان متشيع أو المسعودي أو أموي الهوى مثل ابن كثير.. معنى هذا أنك بحاجة إلى مساندين آخرين، بمعنى متابعات طبعًا من بعد القرن الرابع تقريبًا انقطعت الأسانيد أصبح الرأي تقريبًا ونهاية الجملة.. الأسانيد هي المشكلة، من الطبري فما سبق، أما إن عبر المؤرخ عن رأيه الشخصي هذه مسألة عادية، لكن بعد القرن الرابع بدأت مسألة التصحيح والتضعيف، بمعنى تجد ابن كثير يقول: وهذه القصة ضعيفة، وهذه صحيحة. ما الذي عرفنا أو ما الذي يجعلنا نتأكد من أن ابن كثير صحح صحيحًا، وضعف ضعيفًا؟
إذن لابد من أن نرجع  لخلفية، الدراسة عن المؤرخ نفسه.. ابن كثير من هو؟ على فضله وإمامته وجلالته، لكن يبقى بشرًا، يتأثر بالوضع السياسي، بالوضع المجتمعي، بالوضع المذهبي اللي كان موجود في الشام، وكذلك ابن تيمية  شيخ ابن كثير والذهبي،  ابن كثير  أيضا هو زميل ابن تيمية وغيرهما طبعًا من المتقدمين.
التصنيف تحدد.. هل تأخذ منهج المحدثين؟ هل تأخذه كمنهج وحيد أم منهج من ضمن مناهج أخرى.. منهج المؤرخين، منهج مقارنة الروايات، وما أشبه ذلك من المناهج التي تطبق، أنا في ظني أن البعض يكتفي بمنهج أهل الحديث، والبعض مما ذكر يجمع وينتقي مناهج مختلفة، لكن المناهج التي يجب أن تتبع، المهم ألا يزدوج ألا يكون ازدواجية عند المؤرخ، بحيث مرة يطبق المنهج ومرة لا يطبقه، مرة ينتقي من العقد الفريد ومرة لا ينتقي، مرة يقول: روى الطبري في تاريخه، وإذا أنت أتيت له برواية أخرى في الطبري، يقول: هذه الرواية مروية من طريق سيف بن عمر أو الواقدي أو كذا، ويردها.. إذن نحن بحاجة إلى تحديد المنهج لا نزدوج، يعني قل ما شئت، لكن لا تزدوج.
ماهر عبد الله:
هذا التصنيف.
حسن بن فرحان المالكي:
هذا التصنيف، ومرحلة التصنيف لمعرفة ما يجب قبوله، وما يجب رده، وما يجب أن نتوقف فيه في بعض الأمور  مرحلة في منطقة المنتصف ممكن أن نتوقف فيها.. محل اجتهاد، لكن لا يمكن مثلاً أن أشكك في غزوة بدر وأحد والخندق.. هذه جاءت متواترة عن طريق المحدثين والمؤرخين جميع ..
ماهر عبد الله:
كونك ذكرت بدر و أحد استفزيت سؤال حاولت أن أتناساه، ليش الإصرار على الأسانيد؟ فأنا أفهم الإصرار على الأسانيد في القرن الأول وفي القرن الثاني لتماسهما مع الفترة النبوية، ولحساسية ما يصلنا في الفترة النبوية لاحتمال أن يكون فيه جانب تشريعي، وبالتالي أنا أفهم التوثق الشديد والتوثق المبالغ فيه، لكن ما قيمة الأسانيد بالمعنى الحديثي لكلمة أسانيد في عملية التاريخ بعد ذلك، يعني لو اعتبرنا ابن كثير مرحلة فاصلة نهائية لتواريخ النقل ومدرسة النقل في مقابل.. يعني الرواية مقابل الدراية، بعد ابن كثير دخلنا في القرن الثامن الهجري.. ما قيمة الأسانيد؟
حسن بن فرحان المالكي [مقاطعًا]:
 أو الطبري.. بعد الطبري تقريبًا بدأت الروايات.
ماهر عبد الله:
نأخذ ابن كثير لأنه متأخر جدًّا على الطبري.
حسن بن فرحان المالكي:
لا، ابن الأثير قبل ابن كثير متوفي عام 630هـ تقريبًا، وابن خلدون لم يذكر الأسانيد، لكن الآن مسألة الأسانيد أنه عندما يأتي ابن كثير برأي، أنا أقول من أين أخذ هذا الرأي؟ لابد أن يذكر مستنده، وجدته في مصدر كدا ممتاز، وجدته في مصدر مثل الواقدي (كتاب مفقود) لكن الواقدي نقله عن منْ؟
ماهر عبد الله:
لا، اسمح لي أنت  ما هو ما زلت تحصرها في صلة ما بالسابقين، يعني أنا لو عايز أؤرخ الانتقال من المماليك إلى الأيوبيين، إيش قيمة الأسانيد في هكذا مرحلة، وهذا جزء من تاريخي أيضا، مينْ قال: إن بدر وأحد هما فقط المساهمة في صياغة شخصيتي؟ وهذه لي فيها من الأحاديث، ومن القرآن مباشرة ما قد يغنيني، لكن تاريخي اللاحق لذلك.
حسن بن فرحان المالكي:
هذه تدخل المناهج الأخرى، يعني هنا الأسانيد مثل.. حتى التاريخ المعاصر الآن عندما أؤرخ عن أزمة الخليج ما أحتاج إني أقول: حدثني فلان عن فلان عن فلان، فهذا واضح، وإنما الأحداث خاصة المتواترة المشهورة هذا ما فيها نزاع، كون أنه جاء خليفة اسمه مثلاً أو جاء أمير اسمه (صلاح الدين الأيوبي) ما يحتاج أسانيد، لكن أنا محتاج في الأمور المتقدمة خاصة لأنها هي دوِّنت، أما فيما بعد أصبح التدوين،  كل عصر يدون، لكن تاريخنا الأول لم يدوَّن إلا بعد انقضاء العصر فاحتاج  الأسانيد.
ماهر عبد الله:
هذا التصنيف، الشرط الثالث في اعتقادك تحدثنا عن الاستيفاء، تحدثنا عن التصنيف.
حسن بن فرحان المالكي:
نعم،  التصنيف، طبعًا فيه أخطاء، نحن تحدثنا عن المشاكل، وقلنا: هناك مشاكل في الكتابات المعاصرة في التصنيف يعني تجد مثلاً تصحيح الباطل - إن صح التعبير - تصحيح الموضوع إذا كان يتوافق مع هوى النفس، ورد الصحيح إذا كان لا يتفق مع هوى النفس، هذه إشكالية كبرى، على سبيل المثال بعض المؤرخين يعني يأتي مؤرخ مثلاً شيعي، وينسف جميع الجهود التي فعلها أبو بكر وعمر وعثمان، ويحاول أن يقلل من دورهم، وكذلك يأتي كذلك مؤرخ..
ماهر عبد الله [مقاطعا]:
 أنت اسمح لي نخرج من الإطار المذهبي هذا لأنه فيه جانب خطير في هذا الذي تقوله، كونك ذكرت الدراسات المعاصرة، ثمة مَنْ درس التاريخ من وجهة نظر فلسفة ماركسية صرفة وفجأة اكتشفنا من خلال مراجعتهم أن الصحابة  كلهم كانوا اشتراكيين، وليس بالضرورة هوى النفس ولا البُعد المذهبي، بعض الأحيان بُعد أيديولوجي صِرْف.
حسن بن فرحان المالكي:
 طيب هو هذا هوى أيضًا، البعد الأيديولوجي هو أعمق من مسألة الهوى لأن هذا..
ماهر عبد الله [مقاطعًا]:
التنظير للهوى‌.
حسن بن فرحان المالكي:
هو أعمق من هذا، فلذلك تجد من أراد الاشتراكية  نظر على، يظهر جميع الصحابة أنهم اشتراكيين، ليس بالمفهوم، أنا تهمني الفكرة، ما يهمني الاسم، اشتراكي غير اشتراكي، هل ما قاله حق أم باطل؟ لكن أنا أقصد الآن هل الأهواء هنا في جانب التصنيف، أنه يأتي مؤرخ -أيضًا- يناقض الشيء تمامًا، نسميه مؤرخ يعني...
ماهر عبد الله:
سلفي.
حسن بن فرحان المالكي:
سلفي مغالي فيحاول أن يقلل من دور الإمام (علي) و (الحُسين) ويبالغ جدًّا في تبرير ليس في العهد الراشدي، وإنما -أيضًا- العهد الأموي وتبرير المظالم التي حدثت في الفتوحات باسم الدين، بينما أن المفترض أن الفتوحات خاصة في العهد الأموي والعباسي تحُكم بالشريعة، لأن فيها أخطاء لا ينبغي أن تهمل أو لا ينبغي أن تكون فوق النص، النص هو يحكم على أعمال البشر، بعد مرحلة التصنيف - طبعًا - في مثلما قلت لك..


ماهر عبد الله: 
أنت مُصِر على الدخول لما بعد التصنيف، ما هو الشرط اللاحق للتصنيف؟
حسن بن فرحان المالكي:
لا، أقصد التصنيف هذا لم..
ماهر عبد الله [مقاطعًا]:
لم توفه حقه؟
حسن بن فرحان المالكي:
لم أوفه حقه من حيث الدراسات المعاصرة، ونحن كنا تحدثنا عن إشكالات..
ماهر عبد الله [مقاطعا]:
أنا عايز أن نستوفي الشروط ثم نعود إلى..
حسن بن فرحان [مقاطعًا]:
 طيب مرحلة التحليل، أحيانًا قد يأتي مؤرخ بقصة صحيحة فما يعطيها حقها من التحليل، التحليل. . هناك الآن أدوات في ا ستخراج الكنوز الموجودة في هذه الرواية إن صحت.
ماهر عبد الله:
قبل اليوم -اسمح لي- تاريخنا السابق لو استثنينا القرن الـ20، ولو استثنينا طفرة غريبة اسمها (ابن خلدون) تاريخنا ما كانش  طابعه العام تحليليّ، كان سردي، أغلب كتبنا كتب حوليات: العام الخامس و الثمانون بعد المائة، ويسرد ما فيه، الطابع العام.. أنا لا أنكر أن البعض كان يشير إلى أن هذا عنده هوى سياسي، وهذا نوع من التحليل، لكن الطابع العام، على الأقل أمهات الكتب أنها حوليات سردية، كتبت للإمتاع أكثر منها..
حسن بن فرحان المالكي:
نعم، هذه للأسف، لكن باستطاعة المؤرخ - كما قلت سابقًا - أن يستكمل بأدوات أخرى، حتى ابن خلدون نفسه، نظريته في المقدمة قمة، عقل متوقد نقاد، وما شابه ذلك، لكن تعال لتاريخه (العبر) نفس السرد عند الطبري وابن كثير وابن الأثير، بمعنى أن الفرق الواسع بين النظرية والتطبيق عند ابن خلدون خاصة  لم يستفد من نظريته المطلقة التي وضعها في المقدمة، اقرأ تاريخ العبر، نفس، سردي تمامًا.
ماهر عبد الله:
لعله كتب المقدمة بعدما كتب الكتاب.
حسن بن فرحان المالكي:
ربما وهذه من التعليلات التي تذكر.
ماهر عبد الله:
لأن غالبية البحوث - في العادة - يفترض أن آخر ما يكتب المقدمة لأنه هي تحاول أن تلخص..
حسن بن فرحان المالكي:
هذه بحاجة إلى إثبات، لست على إلمام بمتى كتب المقدمة والعبر، لكن على أية حال.
ماهر عبد الله:
طيب، إذن نتحدث في التحليل شويه.
حسن بن فرحان المالكي:
التحليل هو حسن تفسير الحدث، يعني أنا عندي الآن مجموعة روايات -طبعًا- لماذا أنا أركز على الروايات؟ لأن معظم اهتمامي في القرون السابقة، في عصر النبوة وفي الخلافة الراشدة والدولة الأموية والعباسية، فأجدني منصرف ناحية الروايات هذه، أنت عندك الآن روايات اقتنعت بها قناعة شخصية أن هذه الروايات صحيحة، إذن أحسن الجمع بين ما تراه متناقضا منها أو ما يشعر الطرف المتناقض أحسن تفسير الأحداث، اربط هذا الحدث بما سبقه، وبما يلحقه من أحداث..هذا مرحلة.. التحليل طبعًا حسن تفسير الحدث، ألا نغلو، يأتي مثلاً الاعتذار بالاجتهاد، ثبت لي مثلاً أن معاوية بن أبي سفيان خرج على علي بن أبي طالب وحُسن التحليل الموجود أنه هذا اجتهاد، وأن هذا كده، من حيث الواقع قد تكون مقتنع أن الهدف سياسي بحت، وليس من أجل مطالبته بدم عثمان أو ما إلى ذلك، هذا حسن التحليل أن تكتب ما تراه حقًّا وفق معطيات، ووفق منهج أوصلك إلى هذا، لكن عندما أبالغ في التبرير، التبرير الموجود عبر التاريخ الإسلامي.. هذا ضعف في التحليل، سواء في تحليل الأسباب، الأسباب عندنا مبررة أكثر من اللازم، الأسباب قد تكون هوى شخصي، الأسباب قد تكون مطامع وما أشبه ذلك.
على أية حال هذه مرحلة التحليل تأتي بعدها حسن التحليل، وهو حسن تفسير الأحداث كما هي دون غلو، بلا اتهام ولا غلو.. ومع استخراج كنوز النص يأتي المرحلة الأخيرة: مرحلة الدروس والعبر اللي هو الخلاصة والنتائج التي نستطيع أن نقدمها للطلاب في المدارس. هذه المرحلة النهائية، ما أدخل في دراسة أسانيد، ولا في استخراج فوائد.
ماهر عبد الله:
أنا سألتك ما فيه الكفاية، اسمح لي أن أوجه لك بعض الأسئلة من بعض الإخوة المشاهدين، معي الأخ (نضال أبو نواس) من السعودية تفضل أخ نضال.
نضال أبو نواس:
السلام عليكم، تحية طيبة لك يا أستاذ أنت وضيفك الكريم، حبيبي  أنا كما هو معروف أن التاريخ له وجهان: وجه عقيدي ووجه مدني، أعتقد أننا نحتاج إلى تحرير مفهوم تاريخي محدث للعقيدة الإسلامية، إذا اتفقنا على هذا الكلام مبدئيا سأقول التالي.
ماهر عبد الله:
إيش قصدك بس بمفهوم عقيدي محدث؟
نضال أبو نواس:
قراءة جديدة للعقيدة عبر التاريخ، لكي نصحح للأجيال القادمة، جيد.
ماهر عبد الله:
اتفضل.
نضال أبو نواس:
إذا اتفقنا على هذا الكلام مبدئيًّا فسأقول التالي: رغم انتشار الجماعات الإسلامية وزيادة أعداد المسلمين في بعض الدول إلا أننا نعاني من فجوة كبيرة جدًّا بين الإيمان والإسلام أثرت على قراءتنا للتاريخ الإسلامي الحديث - كما أرى أنا- بمعنى أن القراءة التاريخية للعقل الإسلامي إبان فترة سيدي وسيد البشر الرسول -عليه الصلاة والسلام- لا تصلح بكاملها لهذا العصر الحديث، نريد الآن عقل يناسب تاريخنا المعاصر متظللاً بكتاب الله وسنة رسوله، وأنا لا ألقي الكلام جزافًا، فهناك عدة أمور طرأت على السطح العالمي لابد أن نواجهها، بالطبع ليس بالسلاح ولا بالتربية الجسدية فقط، ولا بالانغلاق المُعتم، من ضمن هذه الأمور التي أستشير فيها ضيفي الكريم -أستاذ ماهر- التداخل الكامل بين الغرب والمسلمين في الوقت الحاضر، كيف نفصله قرائيًّا، ودون أن نجرح الإسلام؟
اثنين: التقدم التقني السريع للغرب والتأخر التقني الحزين للعرب.. هل له علاقة بالقراءة المتزنة للتاريخ من ناحية الغرب، والقراءة السلفية الغارقة في الماضي بالنسبة للعرب؟
وثلاثة: التباعد بين الحياة المدنية الإسلامية وبين التنظير الإسلامي الموجود على الساحة الثقافية والإعلامية، بمعنى نرى المسلمين عامة حتى العلماء منهم يشوهون صورة الغرب، ويتركون التحريمات هنا وهناك، وإذا انفرد هو بنفسه نافق وشتم بل تجده يرمي بعلبة فارغة في الشارع ناسيًا أن النظافة من الإيمان.
سأورد دليل بسيط وسأختم بكلام بسيط -إذا سمحت لي- الدليل: الشاب الذي جاء الرسول -وأنتم أعلم- وقال: أتأذن لي في الزنا؟ لاحظ معي كيف كان رد الرسول، لم يقل له حرام، لم يقل له لا يجوز، لم يوبخه، بل قام بتربية نفسه فقال: أترضاه لأمك لأختك.. إلى نهاية الحديث ثم قال: كذلك الناس لا يرضونه لهم.. يعني أليست كل -ودليلي- أليست كل الأمور الماضية في حاجة إلى نموذج  حديث للإسلام ؟
ماهر عبد الله [متدخلاً]:
أخ نضال..
نضال:
سيدي آخر كلمة..[ يواصل] نموذج حديث للإسلام يُعنى بالروح والنفس قبل الجسد؟ ودليلي في ذلك الانجذاب الروحي العميق للغرب، مع الاحتفاظ الظاهر بالفروض الجسدية كالصلاة الصوم، لا سيما وأن الوقت يمضي سريعًا مع أني أرى أنا أن سبب الموات التاريخي -إن صح التعبير- هو غياب الواعز الإيماني الحق وغياب الطامة الكبرى وهي الهم الإسلامي التعاوني الذي يساعدنا على الإنجاز.. سامحني  سامحني على التطويل.
ماهر عبد الله:
مشكور يا أخ نضال، معي الأخ (أحمد هويس) الأخ أحمد أرجو أن يتسع صدرك لي، الأخ المخرج نبهني أن سقفي الأعلى في المكالمة ثلاث دقائق فتفضل أخ أحمد.
د. أحمد هويس:
ليست قسمة ضيزى إذن إذا أطلت.
ماهر عبد الله:
يعني هي قسمة ضيزى بنص القرآن.
د. أحمد هويس:
بسم الله الرحمن الرحيم، السلام عليكما. . التاريخ كتابته الآن غير كتابته في العهود الغابرة، الآن بالنسبة لنا التاريخ علم وفن، وله مقدمات ونتائج ومنهجيات، أما قديمًا فلم تكن هذه، التاريخ بشكل عام ذاكرة الأمة وسجل حيواتها عبر الزمن الغابر، وهو الذاكرة المضاءة وغير المضاءة، فالنشاط البشري للإنسان الأول تصورًا وواقعًا هو مادة علم التاريخ، ولم يسجل التاريخ إلا بعد الميلاد، وبعد اكتشاف الكتابة، وكان الشعر العربي هو ديوان العرب وفكرهم وذاكرتهم ومرآتهم، والأمة العربية - والحمد لله - تعتز بالنسب، ولذا الاهتمام بهذا الجانب جعلها تركز على التاريخ القديم: من هو (أد)؟ ومن هو (أدد)؟ ومن هو (معد)؟ والرسول يقول: إذا شئت أن تعد فعد إلى معد ولا تزد، وكذب بعد ذلك النسابون إلى آخره، الأمة التي تهتم بتاريخ الأنساب والشعوب هي الأمة العربية فشجرات النسب أو المحتد والنجار والملل والنحل كانت هي الأهم والمرتكز في عمليات تدوين التاريخ، أما أهم كتب التاريخ التي جاءت بعد المائة الثانية، المؤرخ الكندي، المسعودي، ابن جرير الطبري، ابن الأثير، ابن كثير، ابن حزم، ابن خلدون، اليعقوبي مشارب شتى كتبوا ما تصوروه وما تخيلوه وما روي لهم بدون توثيق وتدقيق ميداني أو واقعي.
قلت: كتبوا بمناهج شتى، معلومات يختلط فيها المنطق واللامنطق، المعقول واللامعقول، وكان التفاوت في المستويات والمناهج، والخلط والدس المقصود، وكان الدس المقصود بعد القرن الرابع للهجرة، زمن تغلغل الإسرائيليات بشكل منظم ومبرمج، وتهيؤات المتصوفة والمجسمة، كل كتب التاريخ فيها دس بنسب متفاوتة ومختلفة، وحتى كتب الحديث فيها دس كبير، واليهود هم وراء الدس في شجرة النسب للرسول، وفي كتب الحديث واختلاق ما يزيد عن الـ 30 ألف حديث، في زمن (هارون الرشيد) كان العدد حوالي 30 ألفًا، لدس سمومهم وإسرائيلياتهم كي يشوهوا التاريخ وصورة الأمة الإسلامية، ويدسوا في جوهر العقيدة، يريدون احتواء الدين الإسلامي كما احتووا.. لا أريد أن أتوسع في الصورة الأخرى.
ماهر عبدالله:
طيب.
د.أحمد هويس:
أما أمهات الكتب اللي نجد فيها إلى الآن دس (إحياء علوم الدين للغزالي)، لا يعقل هذا العالم الفحل أن يوجد خلط في هذا الكتاب (إحياء علوم الدين) أراه بأكثر من قلم، هذا الرجل نقد الفلاسفة، فهو فكره منظم، كيف يستشهد بأحاديث موضوعة وضعيفة وحكم، ويقول: هي أحاديث نبوية؟!
ماهر عبد الله:
طيب.. ماشي.
د.أحمد هويس:
إذن مو هو اللى كتبها، سيرة رسول الله لابن إسحاق وللسهيلي فيها دس كبير، رسول الله يعيش في قلبنا، ويقول أبو جعفر المنصور: مازلنا نعيش حياة رسول الله، خذ هذه الكتب أو أحرقتك بها لكثرة ما فيها من دس.. كتاب ابن خلدون في المقدمة سوينا [عقدنا] مؤتمر في الجزائر لتنقيح ما جاء في مقدمة ابن خلدون من هجوم عنيف على بني هلال - ما في  داعي لذكره - وأنا شاركت فيه.. حتى كتاب البخاري ومسلم فيهما دس، وهم أصدق وأوثق كتب الحديث.. هذا الكلام ليس نقدًا للإمام البخاري - افهموني جيدًا - البخاري عالم ثبت فحل محقق مدقق، وله منهج في المشافهة - تفهموني شو عم بقول [ماذا أقول] - لا يكتب رواية إلا يشوف ويتطلع إلى فم اللي عم يكتب منه..
ماهر عبد الله:
لا مش حنفهمك غلط، معانا رجل من مغرمي ومحبي البخاري، فأنا متأكد.
د. أحمد هويس:
 معليش هنا في سوريا لما أقول ها الحكي عم يفهمونني غلط..
ماهر عبد الله [مقاطعًا]:
أخ أحمد، مشكورجدًّا على هذه المداخلة،

... يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 تدوين التاريخ الإسلامي Empty
مُساهمةموضوع: رد: تدوين التاريخ الإسلامي    تدوين التاريخ الإسلامي Emptyالأربعاء 14 مارس 2018, 9:55 am

...  تابع



إعادة قراءة التاريخ الإسلامي

ماهر عبد الله:

 أشكرك جدًّا على هذه المداخلة، لأنه الذي ألزمني بالقسمة الضيزى الأخ المخرج، يقول إنه كان لازم... طيب معي الأخ أسامة حداد من ألمانيا أخ أسامة تفضل.
أسامة حداد:
ألو مساء الخير.
ماهر عبد الله:
مساء النور.
أسامة حداد:
السلام عليكم شكرًا جزيلاً على هاي البرنامج  بس عندي تعقيب على أستاذي الكريم (حسن) يا أخ ماهر إذا بتريد..
ماهر عبد الله:
تفضل.
أسامة حداد:
دائمًا ومعظم الضيوف الكرام اللي بيجو بيتهجموا على النصارى وعلى اليهودية، لكن أنا أحاول أن أورد له إحدى آيات القرآن {لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانًا وأنهم لا يستكبرون }.
هذا تعقيب على الأخ (حسن) وشكرًا جزيلاً، بس عندي سؤال: أنتم تداولتم..  تدرسوا التاريخ الإسلامي، نقطة هامة جدًّا أنتم تدرسوها من وقت الرسالة الإسلامية، وما سبق ليش تجاوزتو المرحلة ما قبل الرسالة الإسلامية؟ أنا هذا رجائي، دائمًا أشوفكم تتجاوزوها، فيه كمان  يعني التباسات كثير، مثلاً في  مكة في المدينة، مثلاً: التاريخ الإسلامي بدي حقائق  نعرف نحن  شو هاي  مثلا مكة ؟ كيف نِشأت؟ كيف تأسست؟ الحجر الأسود هل هو حجر كما نتصور كما نسمعه من إخواننا المسلمين أم هو بيت للعبادة كان سابقًا قبل الإسلام؟ وكل ها الأمور هاي بنتمنى إذا ما كان الأستاذ الكريم متخصصً بي ها الأمور ففي برنامج ثاني في الأيام القادمة، تسمحوا لنا أن نتعرف على التاريخ.
ماهر عبد الله:
مشكور جدًّا يا أخ أسامة، إن شاء الله ستسمع إليه إن كان له دراية بهذا الموضوع، هو على كل الأخ أحمد هويس كان قد أشار جزئيًّا للمرحلة (ما قبل الإسلامية) وأنا أعتذر له مرة أخرى عن الانقطاع الذي حصل ، لو عدنا للأخ نضال
حسن بن فرحان المالكي:
حسن بن خلفان: قبلو.. أبو نضال
ماهر عبد الله:
 الأخ نضال هو أول سائل.. عجبني تمييزه بين العقيدي والمدني، وهو يطالب بمفهوم عقيدي محدث  ينفع يصوغ عقيدتنا، يصوغ ثقافتنا، يصوغ فكرنا للأجيال القادمة،  ثمة يعني عكس ذلك في تعبير أجمل (فجوة بين الإيمان والإسلام). قراءة التاريخ هل تخدمنا في ردم هذه الفجوة؟ هل كانت أصلا تاريخية هذه الفجوة
حسن بن فرحان المالكي:
أنا في ظني موضوع الأخ أبي نضال في كلامه عن العقيدة وكأنه يسأل عن الأمور الملزمة العقدية العامة، وهذا - أيضًا- كأنه يلمح إلى أن الصراعات العقدية عبر التاريخ اختلطت بالسياسة، وهذا ذكرناه كأنه قال: وجه عقدي ووجه مدني كان فيه خلط بين الموضوعين العقيدة.. يا أخي التي يجب أن يعرفها كل مسلم هي الأصول العامة من الإيمان بالله واليوم الأخر والإيمان بالنبي - صل الله عليه وسلم - والجنة والنار وما أشبه ذلك، والإيمان بأركان الإسلام الكبرى المعروفة، وحل الحلال وتحريم المحرمات المشهورة دون الدخول في التفاصيل، حتى لفظة العقيدة لي تحفظ على نفس اللفظة، يعني كان اللفظ الشرعي هو الإيمان نفسه، طبعًا الإيمان عندما يطلق في شموله هو يشمل جميع الإسلام، والإسلام إذا أطلق هو يشمل -أيضًا- الإيمانيات، لكن عندما بعضهم يجعل الإسلام للأمور الظاهرة والإيمان للأمور الباطنة من يقين وما أشبه ذلك، يعني المنافق قد يقال عنه أو الأعرابي أنه مسلم من حيث الظاهر لكن ليس  مسلما أو ليس مؤمناهذا الأعرابي.. المنافق يتسمى بالإسلام ويطلق عليه مسلمًا بحكم الظاهر، لكن في الباطن هو غير مؤمن. أخي كأنه نبه إلى مسألة الصراعات العقدية، يعني بمعنى أنه عبر التاريخ لم نستفد من الإنتاج العقلي المعتزلة بحكم الحرب معهم، وكذلك الحركات المعارضة السياسية كالغيلانية والقدرية والجهمية والمرجئة، بولغ في تهميشها، وعدم الاستفادة من بعض الحق الموجود الذي لابد أن كل فرد يقول لا إله إلا الله.. محمد رسول الله وهو مسلم.
ماهر عبد الله [مقاطعا]:
بس هنا اسمح لي، فيه هنا مفارقة غريبة، لو اعتبرنا أن أهل الحديث وأحفادهم من السلفيين اليوم هم على النقيض من فكر المعتزلة، تجد أن أغلب الأدوات المستخدمة اليوم عند المناوئين للمعتزلة هي أدوات معتزلية، يعني غالبية كلام الأشاعرة فيه آلية اعتزال، غالبية كلام تصنيفات أهل السلف فيها إجرائيات الاعتزال، ليس بالضرورة عقائد الاعتزال ولا النـتائج التي توصل إليها المعتزلة، الفقه الشيعي متأثر جدًّا بدرجة كبيرة.. لماذا هذه الحساسية من الاعتزال إذا كان الجميع يتأثر بالآليات التي وضعها الفكر المعتزلي؟
حسن بن فرحان المالكي:
 هو هذا نتيجة أنه ليس كل ما قاله المعتزلة باطل، وأن هناك جوانب حق وجوانب مشرقة قالها المعتزلة، وأبدعوا فيها، فلذلك نحن نستخدم مثلما تفضلت، أحيانًا نستخدم حتى لفظة العقيدة أصلها معتزلي، لفظة العقيدة لم تطرق لا في القرآن، ولا في أقوال الرسول -صل الله عليه وسلم- ولا في الصحابة، ولا في التابعين، هي أطلقها المعتزلة على هذه الأمور الإيمانية، فنحن قلدناها، وضممناهم للعقيدة نفسها، فنفس المصطلح الذي استوردناه منهم أرجعناه.
الخلاصة في ظني أن الأخ (أبو نضال) كان يركز على تاريخ العقائد، أنه بولغ في الخصومة العقدية، ويركز على العقل المسلم، مدى تأثر العقل المسلم اليوم بهذه الخصومات، هذه الخصومات لازالت تعمل عملها، ولا زلنا إلى اليوم نكرر نفس الخصومات السابقة، لعن الجهمية والمعتزلة، ربما ما يعرف الإنسان في محيطه الصغير ما يعرف جهميًّا ولا معتزليًّا مع نسيان أن هذا له حق الإسلام، هذا المخالف لك له حق الإسلام، مع نسيان بأن الشهادة التي أتتنا في ذمهم من خصوم أيضًا، فهذا نحن ننادي بسقف أعلى للإسلام، والسقف الأعلى هو أركان الإسلام وأركان الإيمان المشهورة هذه التي كان يعلمها النبي - صلى الله عليه وسلم - الأعرابي، يعلمها ثم يذهب الأعرابي ويقول: لا أزيد على هذا، ولا أنقص فيقول النبي -صل الله عليه وسلم- أفلح إن صدق، لم يكن يعلمه هذه التفصيلات الموجودة الآن في كتب العقيدة، الأخ من سوريا..
ماهر عبد الله [مقاطعا]:
قبل شيخنا أحمد هويس كان الأخ  سأل نضال عن التداخل مع الغرب، وكيف ننفصل عنه دون أن نجرح أنفسنا، وننزف؟
حسن بن فرحان المالكي:
هو لا أرى هناك، المعرفة مشاعة للجميع، لا أرى هناك أي ضرر في الأخذ من الحق الذي يأتي به إبليس فضلاً عن اليهود والنصارى،  يعني كما في بعض الأحاديث أن أبا هريرة  أخذ الحديث من أو أخذ.. النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول لو صدقك وهو كذوب عندما تذكر الراوية أن أبو هريرة لبسه أحد الشياطين، وما أشبه ذلك مع تحفظي على الرواية نفسها، الخلاصة أن النبي -صل الله عليه وسلم- نفسه يعني ما كان يرفض جميع الأخبار والفوائد التي تأتي من الكفار الأسلحة التي استخدمها المسلمون كانت من عند الكفار، المعارف في اللغة، وفي الأشعار وكده التي استخدمها الصحابة والتابعون طبيعية من الكفار، هنا المعرفة مطلقة لمن وجدها، والحكمة ضالة المؤمن، لا أرى أي مانع من التواصل بل والتعاون مع الدراسات الغربية، ويكون لنا رؤيتا، ولهم رؤيتهم، لكن لا شك أن نتائج الدراسات الاستشراقية فيها أشياء ينبغي أن - حتى في تعقيبي على بعض الأخ الذي كأنه لمح في كلامي شدة على اليهود والنصارى، لكن أنا لم أقصد..
ماهر عبد الله [مقاطعًا]:
الأخ الأخير.. سنعود.
حسن بن فرحان المالكي:
ليس.. هو تواصل مع هذه النقطة، أنا أقصد أنه يجب علينا عندما نقرأ لغير مسلم أن لا ننتظر منه الأمور الإيمانية أن يفسرها بتفسيرنا، لابد أن يفسرها تفسيرا يتفق مع نظرته لهذه الامور وإلا لكان مسلمًا.
ماهر عبد الله:
الأخ أحمد هويس أنت تتفق معي في مقدمته، مداخلة جيدة وإيجابية، لكنه أثار مجموعة قضايا: القضية الأولى أعاد اهتمام العرب بالتاريخ إلى اعتزازهم بالنسب.. هل تتفق أنه هذا كان أحد منابع اهتمامنا بالتاريخ؟
حسن بن فرحان المالكي:
ما أظن..  هذا القول في ظني نتيجة عدم اطلاع على التواريخ الأخرى، الأنساب في فارس وفي الصين وفي الروم موجودة، العوائل والأنساب موجودة، ربما الاهتمام - في ظني- بالتاريخ عندنا له أكثر من سبب، قد يكون الاهتمام بالأنساب جزءًا بسيطًا، لكن الحكومات المتعاقبة والمذاهب المتحاربة، ودول تقوم ودول تجلس، والتنظير محاولة التنظير التاريخي والاستشهاد بالوقائع السابقة أثرى عندنا مسألة التاريخ، لكن ليس الأنساب وحدها.
ماهر عبد الله:
طيب... ذكر عبارة: كل كتب التاريخ فيها دس.
حسن بن فرحان المالكي:
 أكيد.
ماهر عبد الله:
طبعا ذكر جانبين هذا الجانب، والجانب الآخر له علاقة باليهود، نحيل قضية اليهود ونؤجلها قليلاً، أمهات الكتاب التي فيها دس، وذكر الإحياء، وذكر سيرة ابن اسحاق.
حسن بن فرحان المالكي:
بالنسبة لكتب التاريخ، نقده من حيث الجملة أن فيها دسًّ وفيها أخطاء هذا صحيح، كتب الحديث فيها أخطاء هذا صحيح، لكن هذا كلام عام، ما هو الصحيح؟ وما هو الباطل؟ هذه تأتي. . الشيطان في التفاصيل كما يقول المثل الإنجليزي، فالتفاصيل عندما نُفَصِّل نختلف، فالإسرائيليات موجودة، ليست في القرن الرابع فقط من القرن الأول، كعب الأحبار، وهب بن منبه روى كثيرًا من الإسرائيليات..
ماهر عبد الله:
بس الإسرائيليات شيء، إذا فهمت كلام شيخنا أحمد هويس صح؛ أنه ثمة جهد يهودي، الفرق بين اعتماد مسلم على إسرائيليات، وبين أن يكون هناك..
حسن بن فرحان المالكي [مقاطعًا]:
هذا بحاجة إلى بحث، أنا لم ألحظ، الجهد اليهودي أنا أراه من القرن الأول، الجهد طبعًا يقاس هل هو نتيجة مؤامرة أم نتيجة تواصل المجتمع المسلم مع المجتمعات المليئة باليهود والنصارى؟ كعب الأحبار، وهب بن منبه والكثير من نصارى الشام بل حتى بعض الصحابة مثل عبد الله بن عمرو بن العاص ظفر يوم اليرموك بزاملتين من زوامل أهل الكتاب بمعنى وعاءين كبيرين فأخذ يروي منهما، و كثير من حتى الأحاديث التي دخلت أحيانًا في الصحيح مثل حديث التربة دخل في صحيح مسلم وهو نص من التوراة (أن الله خلق التربة يوم السبت و. . ) هذا حديث ضعيف، البخاري لم يخرجه، إنما رواه أبو هريرة عن كعب الأحبار.
ماهر عبد الله:
إذن هذا حيدخلنا في السؤال الأخير، الملاحظة الأخيرة على البخاري ومسلم.
حسن بن فرحان المالكي:
كتب الحديث أن فيها .
ماهر عبد الله:
لا، هو تحديدًا البخاري ومسلم، كتب الحديث الأخرى العقل المسلم يستسهل أن يكون فيها الضعيف، لكن البخاري ومسلم. .
حسن بن فرحان المالكي [مقاطعًا]:
نعم لأن البخاري ومسلم صحيح مع إمامتهما وجلالتهما، لكن أيضًا ليسا معصومين، وقد انتقد الإمام أحمد نفسه أحاديث موجودة الآن في البخاري ومسلم وهو لأنه سابق عليهما، وانتقد شعبة.
ماهر عبد الله:
هل أنت تستخذم لفظ الدس الذي استخدمه الشيخ أحمد هويس؟
حسن بن فرحان المالكي:
هو مو دسًّ، هو اجتهاد، هو الآن مسلم وجد طريقًا عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في رواية حديث التربة، البخاري تأكد أن هذا الطريق لم يروه أبو هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وإنما رواه عن كعب الأحبار في إشكالية سأقولها الآن، وهي أن أحد التابعين روى، قال: احذروا أيها الناس  بمعنى كلامه فإننا كنا نجلس في مجلس أبي هريرة فيحدثنا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ويحدثنا عن كعب الأحبار، فيخرج الناس، وقد خلطوا، وجعلوا ما رواه عن كعب الأحبار عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وما رواه عن النبي -صل الله عليه وسلم- عن كعب الأحبار، مثل هذه طبيعي جدًّا الآن لو تحضر في أي مجلس، قد تختلط المسألة بعد نصف ساعة فقط من المجلس، فتسألني، وأنا أسألك فنختلف، هل قال فلان كذا؟  لم يقل.. الرواية الشفهية مشكلة الرواية الشفهية لم تدون إلا من عام 143 هجرية في عهد أبي جعفر المنصور، قبل  كانت على شكل صحف وأشياء يسيرة مدونة، طبعًا الذاكرة ما تحتفظ بهذا على مر التاريخ أو على مدار قرن تقريبًا كامل، البخاري عن مسلم أيضًا هناك ضعف في أسلوبه أنه يروي بالمعنى كما قال: كنت أسمع الحديث بالشام، ولا أكتبه إلا بخراسان، وكنت أسمع الحديث بالمدينة، ولا أكتبه إلا بالشام، معنى كلامه، الرواية بالمعنى فلذلك نجد البخاري -رحمه الله- قد يروي بإسناد واحد حديث بلفظين، لفظين وإسناد واحد، فلان عن فلان عن فلان بلفظين، الرواية بالمعنى إشكالية كبرى، ينبغي أن يعمل المحدثون على معرفة قطعية ثبوت وقطعية دلالة...
ماهر عبد الله:
إنصافًا له، وإن كان هذا مش حيجرفنا للحديث -إنصافًا له-  لكن هو كان يتميز أيضا بذاكرة خرافية.
حسن بن فرحان المالكي:
 جميل نعم، أنا هو ما قلناه ان هذا الكلام ليس من أجل التشكيك في أحاديث البخاري لكن إثبات أن البخاري بشر، وأنه قد ينسى، وقد يهن، مهما كان عند الإنسان من ذاكرة حادة، والدلالة على ذلك، بل حتى الإمام مالك أخرج (الدار قطني) مجموعة الأحاديث التي خالف فيها مالك العلماء الآخرين المحدثين الذين هم أثبت منه مثل شعبة وابن حجاج، وكذلك (الدار قطني) في كتاب (العلل) يرجح لفظ مسلم على لفظ البخاري وأحيانًا يرجح لفظ البخاري على لفظ مسلم وكتاب (الإلزام المتـتبع) للدار قطني هو نقد للبخاري ومسلم، فالقضية والقصد أن نفس النقد ليس نقدًا من بعض النقد المجازف الذي يتهم البخاري ومسلم، وإنما النقد..
ماهر عبد الله:
 لا، الأخ فهمه كان واضح كان واضح في كلامه، لم يكن اتهاميًّا، كان واضح ...
حسن بن فرحان المالكي:
أنا ماأقصد الأخ... إحياء علوم الدين عندما قال فيه دس من غير الغزالي هذا بحاجة إلى إثبات، أنا ممن أرحب.. عندي دراسة عن إحياء علوم الدين، لكن أنا ترجيحي أن الغزالي مع عقليته الفذة يعني كان الصوفية أثرت فيه فروى الكثير من الأحاديث الضعيفة، قد أكون مخطئًا فالبحث هو الذي.. يعني، يعني كذلك ابن إسحاق ذكر. .
ماهر عبد الله [مقاطعًا]:
 هو إنصافًا -أيضًا-  الإحياء عليه كلام كثير، ليس بالضرورة أنه ينسب له أولا ينسب، لكن كل من يستفيد من هذا الكتاب، وربما كلنا استفاد منه، ولكن الكل له وعليه. .
حسن بن فرحان المالكي [مقاطعًا]:
كل الكتب، هناك قاعدة عامة، كل الكتب، غير كتاب الله - عز وجل- لابد أن فيها ملحوظات، بغض النظر عن توسيعنا لهذه الملحوظات أو تقليلنا أو اختلافنا حولها، ابن إسحاق كذلك ذكرنا فيه دس، أيضًا هذا بحاجة لإثبات، الدس إذا كان يقصد بأنه مؤلف. .
ماهر عبد الله [مقاطعًا]:
ابن إسحاق، ولو أننا مش حنخش في قضية الحديث عن ابن اسحاق لبعض الناس عليه كلام في التدليس، بس خلينا ما ندخلش كثير في هذه التفاصيل، أنا عاوز أرجع لسؤال الأخ أسامة... الأخ أسامة حداد فهم من كلامنا أننا نؤرخ لما بعد الإسلام فقط، كوننا نعيش في منطقة جغرافية كان لها تاريخ سابق على الإسلام، مرحلة ما قبل الإسلام لماذا لم تحظَ بالدراية، وأعتقد هو كلامه مناسب، وفي الصميم عندما ضرب مثال أن مكة المكرمة هذه كانت موجودة ومحمد -صل الله عليه وسلم- شارك في بنائها بعد أن هدمت.. 
حسن بن فرحان المالكي [مقاطعًا]:
الكعبة المشرفة.
ماهر عبد الله:
الكعبة عفوا..  لها هذه المكانة عند العرب من مراحل سابقة، لماذا هذا التركيز -إذا سمح لي الأخ (أسامة) بإعادة صياغة سؤاله- لماذا هذا التركيز على ما بعد الإسلام من تاريخ، وإهمال ما قبل الإسلام من تاريخ؟
حسن بن فرحان المالكي:
هو نابع من اهتمام المؤرخين المسلمين بسيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- لكن لو أخذنا مكة على سبيل المثال موجود (الأزرقي) و (الفاكهي) كتبوا في تاريخ مكة حتى أدخلوا الأساطير حتى من قديم حتى يعني الحجر الأسود، ودخلت أشياء من قديم. .  ليست مهملة مكة ولا المدينة التاريخ موجود (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) للدكتور (جواد علي) استعرض هذا عن تاريخ، وأيضًا المطولات مثل الأزرقي والفاكهي، لكن أنا أقصد أنه المؤرخون المسلمون مهتمين بالسيرة النبوية، بدأ اهتمامهم من البعثة حتى سيرة النبي - صل الله عليه وسلم - قبل البعثة دخلها كثير من الدس أو الأشياء الضعيفة مثل قصته مع (بحيرى الراهب) وما أشبه ذلك، هذه أشياء لم تثبت، وبعض الأشياء أنه يوم ولد سقطت الكواكب..
ماهر عبد الله [مقاطعًا]:
بس ما هو أنت رجعت لنفس (المطب) الذي يحاول الأخ (أسامة) تحاشيه، واللي هو ربطها بالنبي -صل الله عليه وسلم- هو قصده بأنه..
حسن بن فرحان المالكي [مقاطعًا]:
أنا أعلل، أنا لا أقول بأن الوضع صحيح، الوضع عندنا كان ينبغي أن يؤرخ من قديم الزمان، لكن ليست عندنا مصادر، الآن. .
ماهر عبد الله [مقاطعًا]: 
حقيقة فيه.. أنت شوف (البداية والنهاية) لابن كثير، أجزاؤه الأولى مليئة، يعود إلى (آدم)..
حسن بن فرحان المالكي [مقاطعًا]: 
ولكن هذه العودة من أين أخذها؟ هي من الإسرائيليات التي نحن نحاربها نحن في وقتنا المعاصر.
ماهر عبد الله:
نحن لا نتحدث بدقة ما ورد أو صحته وعدمه، لكن إنصافًا للتاريخ هي موجودة في أمهات الكتب.
حسن بن فرحان المالكي:
قصص الأنبياء موجودة، الآن كل تفاسير القرآن الكريم فيها قصص الأنبياء، فالمادة موجودة، لكن السؤال ليس في وجود المادة، هل هذه المادة صحيحة؟ هل هي ضعيفة؟ ما الجزء الصحيح؟ ما الجزء الضعيف؟ هذا  الاختلاف فقط، والاهتمام موجود حتى السيرة النبوية كذلك الاهتمام موجود، وهناك كتب في السيرة كثيرة. .
ماهر عبد الله [مقاطعًا]: 
السيرة لا أحد يختلف عليها.
حسن بن فرحان المالكي:
لكن التاريخ الجاهلي وتاريخ الأنبياء السابقين، تاريخ العرب موجود، لكن هذا الموجود التقطناه مرة من الشعر، ومرة من الأنساب، ومرة من الخرافات، ومرة إسرائيليات فهو بحاجة إلى فرز وبحاجة إلى تحليل.
ماهر عبد الله:
طيب.. نسمع رأي الأخ (إبراهيم الخويطر) من السعودية الأخ إبراهيم تفضل.
إبراهيم الخويطر:
السلام عليكم، حياك الله أستاذ ماهر، أستاذ حسن كيف أخبارك؟ يا أستاذ حسن تحدثتم عن كيفية دراسة التاريخ أو ما يجب أن يكون عليه التاريخ، لكني أحب أن تلقوا الضوء على لماذا ندرس التاريخ؟ ما الفائدة من دراسة التاريخ؟ لأن هذا ما يهمنا بالدرجة الأولى، هذه ناحية، الناحية الثانية هل بإمكان شخص أو حتى أشخاص قلة أن يعيدوا قراءة التاريخ من جديد؟ أنا أتصور أن هذا يحتاج إلى جهد وتضافر جهود كبيرة جدًّا لنستطيع أن نعيد قراءة التاريخ الذي يهمنا في مستقبلنا.. أرجو أن تلقوا الضوء على هذه النقطة وشاكر لكم جهودكم.
ماهر عبد الله:
مشكور أخ إبراهيم، وأرجو أن يكون الأخ عبدو السطو مختصرًا مثل الأخ إبراهيم تفضل أخ عبدو من سوريا.
عبدو السطو:
أخي ماهر، السلام عليكم وتحياتي لكم من مدينة البحتري (منبت) أخي ماهر لقد قيل قراءة التاريخ هي إدراك الماضي كما كان لا كما نتوهم أنه كان، وكذلك ليس هو تصوير الماضي كما يجب أن يكون، وكما نريده أن يكون هذا أولاً.
أما ثانيًا: إن عبارة (الغزو الفكري) عبارة يرفضها الكثيرون، مع أن الغزو حقيقة واقعة يستهدف الجذور منا لا القشور، ويحاول القضاء على الجوهر لا العرض ويشوه الأصول لا الفروع، ويريد أن تسود الأمة المغزوة أخلاق الأمة الغازية وعاداتها وتقاليدها، والغزو الفكري حقيقة - أخي ماهر - تعبير دقيق لمعرفة لا نسمع فيها صليل السيوف، ولا أزيز الرصاص، ولا أنين الجرحى فهو معركة صامتة تريد أن تصرع الأمة فكريًّا وتحريفها عن مساراتها، وليس من المصادفات الحديث أو التركيز على ما يدعي أو يسمى المعجزة اليونانية، فلا حضارة إلا حضارة اليونان، ولا علوم إلا علوم اليونان، مع أن المنصفين من علماء الغرب يعترفون بأنه إذا أشعل العرب سراجهم من ثقافة اليونان فإنهم قد أصبحوا شعلة وهاجة استضاء بنورها أهل الأرض، أخي (ماهر) الحقيقة إن الأمم الحية هي التي تحافظ على تراثها، وتبذل كل ما في وسعها لتحقيق هذا الهدف، وهي في ذات الوقت أمينة في حراستها، تقطع أيدي العابثين فيها في محاولتهم الأولى، لأن العبث في تراث الأمة وتاريخها خطوة مدروسة لهدم ذاتيتها. وأخيرًا أسأل الأخ الضيف من المسئول عن تشويه تاريخنا؟ من الذي طعن؟ ومن الذي جرح؟ ومن الذي شكك في روايات التاريخ الإسلامي؟ وشكرًا لك أخي (ماهر)، وشكرًا لهذا الضيف العزيز.
ماهر عبد الله:
مشكور جدًّا يا أخ عبدو، ما الفائدة من دراسة التاريخ؟ أنت أجبت إجابة مختصرة في البداية، واضح أن الأخ إبراهيم يريد إجابة أوفى.
حسن بن فرحان المالكي:
نشكر الأخ إبراهيم والأخ الآخر على هذه المشاركة، فائدة دراسة التاريخ أنه -في ظني- أنا قلت في البداية، كتب (السخاوي) وغيره في معرفة العبر والدروس من سقوط الدول، وقيام أخرى، ومن ذوبان المجتمعات، وما شابه ذلك، لكن أنا في ظني أن الفائدة التي يجب أن نركز عليها اليوم: ما أثر التاريخ على العقل المسلم؟ العقل المسلم مأسور بسلطة التاريخ سواء سلطته في التبرير أو في وضع نظريات معينة عن طريق العلماء الذين تأثروا بهذا الواقع، التاريخ الآن يفسر لنا -طبعًا- سبب ذوبان الحضارة الإسلامية -إن صح التعبير- وقد يكون هذا اللفظ متشائمًا، لكنه صائب في بعض الحضارة الإسلامية، لماذا الآن في كل شيء تقريبًا نحن عالة على الآخرين؟ هذا لم يأتِ هكذا، وإنما أتى بعد ذوبان نتيجة القهر الموجود في الماضي والظلم الذي لم ينكر، ونتيجة -كذلك- التنازع والتخاصم الذي حصل بين المسلمين.
هذا التنازع والتخاصم الله -عز وجل- قد أخبرنا في كتابه الكريم بأن النتيجة الحتمية الفشل {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}، التاريخ يعيد لنا أسباب الخصومات، والخصومات معظمها سياسية، وأن السياسة لها أثر على هذه الخصومات، واستغلال الجانب المذهبي والطائفي في التفرقة بين المسلمين، إذا تفرق المسلمون تصبح كل طائفة وكل دولة مشغولة بالدولة الأخرى، والطائفة الأخرى، وعلى هذا العقل المسلم ليس عنده -الآن- الفرصة الكافية للإبداع سواء في جانب العلوم التطبيقية أو في غيرها من العلوم، مثلاً (جابر بن حيان) في الكيمياء لم نسمع بعد (جابر بن حيان) بأحد في الكيمياء، لم نسمع بعد (الحسن بن الهيثم) في الفيزياء بأحد، لم نسمع في علم الاجتماع بعد (ابن خلدون) لماذا؟
للأسف.. العقل الموجود في حرب ما يجهل، هذه من الأشياء الأساسية التي تعرض بسببها الكثير من العلماء في الماضي للتنكيل من جانب السلطة، سواء السلطة السياسية أو السلطة الدينية، كل هذا، التاريخ يكشف لنا كيف نعيد صياغة أنفسنا، كيف نعيد ترتيب الأولويات، يكشف لنا أننا ربما نتيجة إفراز تاريخي.. نحن اليوم -ربما نحن- نتيجة إفرازات تاريخية في الماضي، فلذلك فقراءة التاريخ تعيد لنا أشياء كثيرة، لكن تلك القراءة الواعية التي ذكر الأخ إبراهيم أنه ليس بإمكان فرد أن يقوم بها ولا مؤسسة ولا مذهب، لابد للأمة الإسلامية جميعًا أن تكون عند الباحثين المسلمين..
ماهر عبد الله [مقاطعًا]: 
اسمح لي آخذ مكالمة أخيرة قبل الموجز، وسنعود للأجوبة، لكن بعد هذه المكالمة، معي الأخ الدكتور (أسامة أبو قورة) من الأردن.
أسامة أبو قورة:
السلام عليكم، عندي ملاحظتين وسؤال للأخ الفاضل الأستاذ حسن بن فرحان المالكي، الملاحظة الأولى اللي هي أن التاريخ الإسلامي على علاته فإن مصادر هذا التاريخ هي من أوثق مصادر التاريخ الإنساني، وذلك لتأثرها بطريقة تدوين الحديث واعتمادها في الأساس على سلسلة الرواة، الراوي يعني شاهد العيان والتواتر والإسناد، وبالطبع هي ذات أصل شفوي دونت فيما بعد، وأيضًا بالعلوم النقدية مثل علم الرجال وعلم الجرح والتعديل إلى آخره، والتي سبقت المدرسة الألمانية الحديثة للتاريخ بالعديد من القرون.
النقطة الثانية: أنا أعتقد أننا بحاجة إلى إعادة قراءة التاريخ، وإعادة كتابة هذا التاريخ العظيم من قبل المختصين الصدوقين والمؤتمنين.
والسؤال التالي سؤال بسيط وصريح وغير مغرض وهو: لماذا نحن أهل السنة والجماعة لا نجد أحاديث، وطبعًا هي لها علاقة بالتاريخ، علم الحديث وعلم التاريخ.. لماذا لا نجد أحاديث نبوية من آل البيت بنفس الكم الذي نجده عند غيرهم، مثلاً نجد من أبي هريرة -رضي الله عنه- أحاديث كثيرة، وطبعًا الرسول -عليه الصلاة والسلام- دعا له، ولكن لا نجد مثل هذا الكم عند آخرين من آل البيت؟ سؤال صريح وغير مغرض والسلام عليكم وشكرًا.
ماهر عبد الله [ضاحكًا]:
مشكور جدًّا يا أخ (أسامة) ورغم كل اعتذاراتك عن أنه سؤال بريء إلا أنه لن يفهم -على الأقل- لو أننا فهمناه بريئًا فلن يفهم -قطعًا- عند الكل بأنه بريء.. نعود إلى بعض الأسئلة أخونا (أسامة) ذكرنا بالسؤال الثاني للأخ إبراهيم خويطر، إذا كان..
حسن بن فرحان المالكي [مقاطعًا]: 
هل بإمكان شخص واحد أن يقوم بإعادة قراءة التاريخ وكتابته؟
هذا مستحيل، لكن الجهود الفردية أيضًا لا ينبغي إهمالها، وكم من كتاب لفرد غَيَّر مسار التاريخ، وهناك -أظن- كتاب أُلِّف في الكتب التي غيرت العالم بغض النظرعن كون هذه الكتب أصابت أو أخطأت.. فهذه الكتب التي غيرت العالم ألفها أفراد، لكن ليس بالضرورة عندما أعيد كتابة التاريخ أو شخص يدعي إعادة كتابة التاريخ كله لا يستطيع، لكن قد يكتب نظرية، وقد يخرج بأمور تطبيقية تكون بناء لدراسات لاحقة، هذا بالنسبة استكمالاً لما قاله الأخ..
ماهر عبد الله [مقاطعًا]: 
أنا أسألك سؤال ثاني: هل هو الأسلم الآن إعادة كتابة التاريخ - سواء بمجهود شخصي أو جماعي - أم هو تعويد الناس؟ وأنت باحث تربوي، تعويد الطالب على الروح النقدية أن تزوده بالأدوات الكافية ليكون هو سيد نفسه فيما يقرأ؟
حسن بن فرحان المالكي:
كل هذه الجهود مطلوبة، الجهود الغربية لن نستطيع أن نوقفها، وهي ماشية، فيبقى تزويد الباحث بالمنهجية المطلوبة، وتطوير نفسه في هذا.. كذلك الجهود الجماعية، الآن فيه جهود ومجمعات وجامعات وغيرها تصدر بعض الدراسات مثل هذه، لكن للأسف أنها -أيضًا- ينقصها أنه قد تكون الجماعة أكثر اتفاقًا على تسييس التاريخ أكثر من الفرد، الفرد قد يكون أكثر حرية في كتابة ما يرى، فلو توفر جو الحرية لخرجنا بنتائج جميلة سواء من الفرد أو الجماعة، هذا كان تعليقي المختصر على هذا.



ماهر عبد الله:
اسمح لي أستاذ حسن قبل أن نعود إلى الأستاذ عبدو السطو أن أقرأ لك الفاكس التالي: دكتور أحمد القطان من ألمانيا يستغرب مني ومنك على وضع التشيع لآل البيت - عليهم السلام - كتهمة يجب نفيها عن بعض المؤرخين والمحدثين، وهذا بحد ذاته بعيد عن روح الإسلامية والعلمية خصوصًا من باحثين علميين مع معرفتنا الأكيدة خصوصًا في هذا الوقت بأن أكثر الاتهامات عن الشيعة كانت محض افتراء نتيجة لظروف سياسية مضت، فالتشيع لآل البيت لم ولن يكون شيئًا سلبيًّا كي يتهم به أحد من المسلمين، وهذه نقطة يجب الانتباه لها إذا أردنا الخوض في تصحيح كتابة التاريخ الإسلامي.. باعتقادي أنه لم تذكر كتهمة، ذكرت كانتماء سياسي.
حسن بن فرحان المالكي:
تبرئة الطبري من هذا الجانب، وقولنا بأن اليعقوبي والمسعودي اتهما بذلك، لكننا لم نقتصر على هذا فقط، نحن نعرف خطّ عامّ، أولاً بأن جميع الطوائف سواءً الشيعة الإمامية أو الحنابلة السلفية، أو الزيدية فيهم مغالٍ، وفيهم معتدل، جميع هذه الطوائف، أنا ذكرت حتى في نفسل السياق أن ابن تيمية وابن كثير عندهم ميل أموي بحكم الخصومة مع الشيعة، والتركيبة الشامية.. وتأثير المجتمع والسياسة والمذهب على الشخص ما يستطيع أن ينفك منه، نحن ندعو الآن لمحاولة الخروج من هذه التأثيرات إلى كتابة الحقيقة بنفسها مجدرة، وهذا يتطلب جهدًا كبيرًا، ويستعد من أراد الخروج من هذه التأثيرات أن يجد الاتهامات من جميع الطوائف.
هذا تعليقي على فاكس الأخ، أنا لم أتهم أحدًا، لم أعتبرها تهمة، لكن الغلو في حد ذاته تهمة سواءً كان سلفيًّا أو إماميًّا أو زيديًّا.. فالغلو مرفوض حتى في الزهد مرفوض، الغلو في الزهد مرفوض، والتكفير مرفوض في كل شيء.
ماهر عبد الله:
معي الأخ محمد الشامي من بيروت، والذي أرجو أن يكون مختصرًا جدًّا.
محمد الشامي:
السلام عليكم، حبذا لو أشار الشيخ حسن -حفظه الله- إلى أهمية إدراك الصلة بين الإسلام والتاريخ الإسلامي، التاريخ الإسلامي هو تطبيق للإسلام، وفي بعض العصوركان هناك إساءة في التطبيق، لذلك فالتاريخ الإسلامي لا يعبر عن الإسلام فالإسلام ما يتمثل بالكتاب والسنة والاجتهاد الصحيح، والمثال على هذا هو تاريخ دولة الخلافة الإسلامية الذي شوهه فكر متعمد من أجل تنفير المسلمين وغيرهم من الإسلام، فتعرض بعض الصور السيئة، ويقال: انظروا هذا هو الإسلام الذي تدعون إليه، وأسأل الشيخ هنا: كيف نقرأ عن دولة الخلافة الإسلامية عبر تاريخها، وخاصة الخلافة العثمانية.
النقطة الثانية التي أريد توضيحها هي أن الكتب التي يؤخذ منها تاريخ الإسلام لا تنقل صورة الواقع بدقة، فتاريخ العصر العباسي مثلاً إن أخذ من كتاب الأغاني خرجت بصورة لمجتمع ماجن متهتك، وإن أخذته من كتب التصوف التي كتبت في نفس العصر لوجدت مجتمعًا زاهدًا وتقيًّا وورعًا، وأن أكثر ما كتبه المؤرخون كان عن السلاطين الخلفاء مما يوحي أنه كان مجتمع وفرة، ومجتمع بذخ وترف، ولذلك ما كتب عن تاريخنا الإسلامي لا يعبر بدقة عن واقع المجتمع الذي كان قائمًا في ذلك الوقت. فالتاريخ الإسلامي يؤخذ من الرواية الصحيحة أي بمعرفة الأسانيد كما قلت يا أخ ماهر، ومن الآثار المتبقية من ذلك العصر.. وشكرًا لكم.
ماهر عبد الله:
شكرًا لك، معي الأخ عبد الباري محمد من بريطانيا.
عبد الباري محمد:
السلام عليكم، حياك الله يا أخي وضيفك الكريم، والله يا أخي بودي أطرح إشكال، حقيقة لا ينكر الجميع الدسائس الواقعة في كتب التاريخ بالخصوص مرورًا بكتب الحديث، وقد استفحل الأمر بالدرجة الأولى في القرن الرابع الهجري -كما قلت سابقًا- علمًا بأن الدسائس بدأت في عهد النبوة، لكن الإشكال المطروح تشكيك البعض بل الكثير ببعض الأحاديث الصحيحة في صحيح البخاري، وللأسف، المسألة تأتي من بعض الأساتذة من إحدى الجامعات المغربية خلال مناقشة لي له في أحد البحوث الجامعية، صراحة: ألا يمكن أن يكون هذا المنبر مخاطبًا لبعض هؤلاء الناس، ولا أطيل عليكم كثيرًا، الإشكال أكثر بالتشكيك في بعض المفسرين ككعب الأحبار وغيرهم بدعوى أنهم يهود، لكن لا ننسى أن نطرح سؤالاً آخر هو: من هو المسئول عن تشويه تاريخنا، والذي أدخل الدسائس؟ مع العلم بأن الكثير كما قلت من الكتب دستها دسائس حتى نصل إلى الذهبي وتفاسير المفسرين وغيرهم، وجزاكم الله خيرًا.
ماهر عبد الله:
مشكور يا أخ. . معي الدكتور يوسف من الدوحة.
دكتور يوسف:
السلام عليكم، حتى نخرج من هذا الجانب الأكاديمي الخالص فيجب أن نتطرف إلى الجوانب العريضة فيما يتعلق بالتاريخ الإسلامي، وهذه الجوانب لا تتعلق فقط بكيفية التحقيق الأكاديمي، إنما تتجاوز ذلك أولاً: إلى التساؤل هل هناك ما يمكن أن نطلق عليه التاريخ الإسلامي؟ وهل يمكن أن نسمي تاريخ الدولة الإسلامية تاريخ الإسلام؟
ثانيًا: إلى أي مدى يمكن أن نقبل التاريخ الذي وصل إلينا عن الدولة الإسلامية؟ وكيف أثرت السلطة في تلوين هذا التاريخ؟
ثالثًا: كيف أثرت مناهج المؤرخين القدماء في مثقفي العصر الحديث؟ وهل هي مسؤولة عن ظهور مثقف السلطة؟ وهل التاريخ الذي وصل إلينا هو قراءة للتاريخ أم هو توثيق له؟ أم هو لا هذا ولا ذاك؟
رابعًا: هل بإمكاننا عن طريق المنهج أن نكتب تاريخًا موثقًا مع اختلاف القراءات التاريخية؟ ثم ما هو هذا التاريخ الذي نتحدث عنه؟ هل هو التاريخ السياسي من منظور الدولة؟ أم هو التاريخ الاجتماعي أم هو التفسير الفلسفي للتاريخ؟
خامسًا: كيف نستوثق من أن التاريخ المكتوب ليس تاريخًا مزورًا، وهل دعوة اتحاد المؤرخين العرب إعادة كتابة التاريخ العربي والإسلامي دعوة للتوثيق أم هو محاولة للتزوير؟ ‍
سادسًا: لماذا تفتقر كتاباتنا التاريخية إلى نقد المناهج التاريخية ذاتها من منظورات فلسفية واجتماعية وسياسية؟
سابعًا: نأتي إلى قراءة التاريخ، وكما تعلم القراءة فضاء، وإذا أخذنا على سبيل المثال تاريخ حرب الخليج الأخيرة التي يمكن أن نقرأها من زوايا مختلفة.. فأي الزوايا يمكن أن نركز لها؟ مع وجود أطراف متعددة تتخذ مواقف مختلفة من هذه القضية؟
ثامنًا وأخيرًا: ألا يرى الأستاذ أن محاولة السيطرة على التاريخ كتابة وقراءة هي محاولة في الحقيقة لتزوير العقل؟ شكرًا.
ماهر عبد الله:
مشكور جدًّا يا أخ يوسف، معاي الأخ أمير جابر من هولندا.
أمير جابر:
السلام عليكم، تحية لك يا أخي ماهر على هذا الموضوع المهم، وكذلك للشيخ الفاضل وأسلوبه في إعادة كتابة التاريخ، الحقيقة التاريخ هو مدرسة لصقل فكر الأجيال المتلاحقة عند دراسة الأجيال السالفة وحلقة وصل بين الماضي والحاضر، والتاريخ الحقيقي هو ما يتناول بكل دقة وأمانة ما بلغت إليه كل أمة من سعة الملك والعظمة وطريقة الحكم والحكام، وسيرتهم في عباد الله..
ماهر عبد الله:
أخ أمير. . ممكن التليفزيون عندك توطيه [تخفض صوته]؟ تفضل.
أمير جابر:
نعم يا أخي، ودراسة التاريخ ينبغي لها أن تعطي صورة صادقة تنم بكل صغيرة وكبيرة من الأقوال والأفعال لمن حكموا ولمن حكموا لمن ظلموا ولمن ظلموا، وليس مجرد نقل ما كتبه السلاطين ووعاظهم، حيث لم تكن الرقابة ووسائل الإعلام الحالية الموثقة التي لم تخفى فيها خافية، وبالتالي نحتاج إلى محللين يحللون خطب الحكام وآثارهم وكلماتهم وتعبيراتهم بعيدًا عن الطائفية والانحياز، وليس أن نحاول أن نخفي المساوئ والانتهاكات التي لا يقرها شرع ولا عرف بحجة المحافظة على القدسية، وإن تعارضت مع النص كما تفضل الشيخ الفاضل.. إن القدسية الظالمة هي التي أوصلتنا إلى ما نحن عليه الآن يجب أن نسأل: لماذا نحن على ما نحن عليه الآن؟ من المسؤول؟ من الذي أوصلنا إلى أن يتقدم علينا أشرار الخلق؟ هل العيب فينا أم أن تاريخنا ملئ بالظلم والمظالم وشواهد التاريخ كثيبرة من.. أرى رؤوسًا قد أينعت وحان قطافها وغيرها من الخطب الموجودة في كتب التاريخ والشواهد على ذلك. . وجزاك الله خيرًا.
ماهر عبد الله:
أخ أمير مشكور جدًّا، وأعتقد أن لعل هذه تكون المكالمة الأخيرة لأن الأسئلة كثيرة والوقت قليل، وأنا بالتالي سأتمنى عليك أن تكون مختصرًا جدًّا في إجاباتك.
حسن بن فرحان المالكي:
جميل. . جميل.
ماهر عبد الله:
نعود إلى الأخ عبدو السطو، هو يعتقد أن ثمة عملية غزو فكري تمارس علينا بتكبير دور اليونان والتحقير من دورنا، والأمة الحية هي التي تحفظ تراثها.
حسن بن فرحان المالكي:
حتى أختصر، يحتاج إلى بحث هذا، الغزو الفكري والتأثير، طبيعة المؤلف الغربي لابد أن يعبر عن فكره عندما يؤرخ، ويكتب من عقلية غربية، إذا تنبهنا لهذا نستطيع أن نأخذ الفوائد، ونرد الباطل، وهذا التضخيم في فكر. .
ماهر عبد الله [مقاطعا]:
تأييدًا وإنصافًا للأخ عبدو، نجد فرضًا باحث مصريّ أو باحث عراقي يحسب تقدميًّا إذا درس تاريخ الفراعنة أو تاريخ البابليين والآشوريين إذا أردت أن تدرس الفترة الأموية فأنت رجعي، يعني ثمة غرضية واضحة في هذا.
حسن بن فرحان المالكي:
أنا لا أتكلم هنا عن الممارسات، وإنما أتكلم عن النموذج الموجود.
ماهر عبد الله:
من خلال ما هو ممارس في كتابة التاريخ، هل ترى نوعاً من الغزو الفكري؟
حسن بن فرحان المالكي:
من الغزو الفكري؟ هناك الموقف من الغزو الفكري بين مبالغ فيه لدرجة أن كل شيء يرجعه إلى أن هذا غزو فكري، وبأن هذا دراسات استشراقية، ومن يرى في دراسات المستشرقين البلسم الشافي نتيجة ضعف النقد الذي أنتجه أو الذي كتبه عن العرب والمسلمين.
ماهر عبد الله:
سؤاله عن من هو المسؤول الذي يذكرنا بسؤال الأخ؟
حسن بن فرحان المالكي:
المسؤول عن تشويه تاريخنا السلطة السياسية والنزاعات المذهبية وضعف العقل، ونفس الأمراض التي ذكرناها مثل: ضعف الاستيفاء، وضعف التحليل، وضعف التصنيف كل هذا، فالمسؤولون كثيرون، لكن لعل السلطة أو السلطات الحاكمة على مر التاريخ كانت مسؤولة عن هذا العقل الذي خرج، هذا العقل المسلم بمعنى أنه عندما وجد المؤرخون المسلمون بل وعلماء الشريعة وغيرهم حينما وجدوا الأبواب الكبرى والسقف مغلق بدؤوا يفرغون الشحنات الإيمانية في أمور تفصيلية، فتشددوا على العوام، وتراخوا مع الحكام عبر التاريخ الإسلامي كله.
ماهر عبد الله:
أنا أعتقد أنك ستتفق معه في تعليقه الأول أن التاريخ منهج إدراك الماضي كما كان.
حسن بن فرحان المالكي:
أكيد، هذا قلناه في المقدمة.
ماهر عبد الله:
الدكتور أسامة أبو قورة يعذرني على استخدام كلمة زعم أن مصادر التاريخ الإسلامي من أوثق المصادر إذا ما قورنت بغيرها.
حسن بن فرحان المالكي:
ليس على إطلاقها، هناك مصادر تاريخية منسوبة للتاريخ الإسلامي من أكذب ما قرأنا في التاريخ كسيف بن عمر التميمي الذي يزعم مثلاً بأن 30 ألفًا من الجيش الإسلامي تعبر البحر، فخرج لكل فرس جبل من البحر حتى يستقر فوقه، فالكذب والصدق موجودان في التاريخ، السؤال هو كيف نستطيع تنقية هذا المنهج؟ وهذا يعني علم الجرح والتعديل لا شك أنه أضاف، ولكن ليس كافيًا.
ماهر عبد الله:
ولهذا هو طالب بإعادة كتابة التاريخ من قبل المختصين، وأعتقد أننا لن نختلف معه في هذه المطالبة.. سؤاله الذي رجانا ألا يساء فهمه: لماذا نجد في الكثير عند أهل السنة مرويات كثيرة عن أحاديث نبوية لغير آل البيت، في حين أن المرويات عن آل البيت قليلة؟ أولاً هل تتفق معه في هذه الأطروحة؟
حسن بن فرحان المالكي:
جزئيًّا، جزئيًّا صحيح أن الرواية عن آل البيت قليلة، نتيجة أن آل البيت كانوا معارضين سياسيين في الأصل، يعني ثورة الحسين، ثورة سيدنا علي، ثورة النفس الزكية، فجعل عند الطرف الآخر السني الذي يعتبر مجير لصالح السلطة، يعتبر توجسًا من الرواية عن آل البيت، لكن لا شك أن أهل البيت لهم فضل، ولهم علم وهو مدون في الدواوين التي ألفت، ولكن أيضًا دخلها زيف كثير خاصة التدوين الإمامي دخله أيضًا زيف كثير، لكن من حيث الجملة هذه النقطة ملاحظة.
ماهر عبد الله:
الأخ محمد الشامي سأل -ونرجو الاختصار مرة أخرى- ميز بين الإسلام تاريخًا والإسلام دينًا.
حسن بن فرحان المالكي:
أكيد، أكيد، قلنا في المقدمة إن التاريخ الإسلامي ليس تاريخ ملائكة، وإنما تاريخ بشر لابد من التفريق بين عرض إسلام النص على العالم، وليس الإسلام التاريخي أو الإسلام المبصوم ببصمة التاريخ والجغرافيا، والإسلام الذي يجب أن نقدمه هو إسلام النص القطعي الثبوت سواء من القرآن أو السنة الصحيحة والسنة الصحيحة حولها جدال كبير، ما هي السنة الصحيحة؟ فالتاريخ نحن ننقد، ولذلك الفتوحات الإسلامية، أنا قلت في عهد الخلفاء الراشدين أسميها الفتوحات الإسلامية، في عهد الدولة الأموية أستطيع أن أسمي معظمها استعمار أمويّ، وليس فتوحات إسلامية هذا على أساس إنصاف النص.
ماهر عبد الله:
لو ابتدأت لك بآخر نقطة للدكتور يوسف.. خاتمة كلامه باعتقادي كان أروع ما في كلامه محاولة السيطرة على التاريخ قراءة وكتابة هي محاولة السيطرة على العقل؟
حسن بن فرحان المالكي:
هذا صحيح، وأنا أتفق معه، أن التاريخ سلطة التاريخ على العقل المسلم، نحن نتيجة سلطتين.. في الماضي خضع المؤرخون لتاريخ السلطة، في العصور اللاحقة خضع المسلمون والمؤرخون لسلطة التاريخ، هذا تاريخ السلطة، وسلطة التاريخ فهذه حقيقة، لكن هناك بعض الجهود أفلتت من قبضة السلطة، واستطاعت أن تقدم وتستطيع الحقيقة أن تجمعها من هنا وهناك بصعوبة.
ماهر عبد الله:
إذا اتفقت أنت معه في هذا، وكلامك دعم من جوانب أخرى يصبح سؤاله الثالث غير بريء: إلى أي مدى أثرت مناهج المؤرخين القدماء وهذه العقلية التي تشكلت في مناهج المثقفين المعاصرين سواء كانوا إسلاميين أو غير إسلاميين؟
حسن بن فرحان المالكي:
من وعى الصراعات المذهبية لن يتأثر، الذي يعي الصراعات المذهبية والسياسية والطائفية والخصومات من وعاها ودرسها تاريخًا، التاريخ يكشف له هذا، أما الذي يقرأ في كتب المتقدمين بإحسان ظن مبالغ فيه فسيكون - بالتأكيد- ضحية لتشويهات وتحيزات كتبت في التاريخ حتى على المستوىالشرعي، على المستوى الشرعي هناك أشياء تاريخية..
ماهر عبد الله:
المناهج التاريخية، وأنا عندي أقل من دقيقة، المناهج التاريخية التي وردت لاحقًا، يعني هناك الرؤية الإسلامية كالحديث، الماركسية كمداخل لعلم اللغة كما فعل (كمال صليبي)؟
حسن بن فرحان المالكي:
المؤرخ المسلم الحق العاقل يأخذ الحقيقة أنى وجدها، أنا ليس عندي أي مانع من الاستفادة من دراسة ماركسي، ومن دراسة يهودي أو نصراني، لكن بشرط أن آخذ الحق وأدع الباطل مثل ما آخذ من مسلم الحق وأدع الباطل، فهذه مرجع المنهجية السابقة في الاستيفاء، وفي التصنيف، وفي التحليل.. فالكلام هذا سبق تقديم الإجابة عليه.
ماهر عبد الله:
أستاذ حسن مشكور جدًّا على هذه المشاركة،
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
تدوين التاريخ الإسلامي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» اطلس التاريخ الإسلامي
»  الشرطة في التاريخ الإسلامي
» التاريخ الإسلامي - مواقف و عبر
» صفحات من التاريخ الإسلامي
»  النقود في التاريخ الإسلامي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: التاريخ-
انتقل الى: