اليد الطولى لإسرائيل والعجز العربي
سامح المحاريق
Mar 23, 2018
اعترفت إسرائيل رسمياً بقصفها ما يشتبه بأنه مفاعل نووي في سوريا سنة 2007، وكانت سوريا في ذلك الوقت احتفظت بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين. وأعاد الاعتراف الإسرائيلي ذكريات قديمة حول القصف الجوي لمفاعل تموز العراقي صيف 1981 والذي لم يترافق مع أي رد عراقي مناسب تحت ذريعة انشغال العراق بالحرب مع ايران. وبين الحادثتين اعتدت إسرائيل على سيادة وأمن تونس في عملية حمام الشط خريف 1985 ليخلف قصفها عشرات القتلى من التونسيين والفلسطينيين، ومرة أخرى على تونس في عملية اغتيال خليل الوزير «أبو جهاد» القيادي الفلسطيني المعروف ربيع 1988. وفي جميع المناسبات المذكورة لم تكن إسرائيل لتواجه تحدياً نوعياً يوحي بوجود نية للثأر أو الانتقام، فالسيطرة الجوية الإسرائيلية على سماء المنطقة باتت أمراً محسوماً رغم الاستثمارات الهائلة في صفقات القوات الجوية العربية.
في المقابل سجلت إسرائيل اخفاقات كثيرة في المواجهات المباشرة على الأرض، فحتى مع الارتجال العربي المرتبك والاستعداد الإسرائيلي المنضبط في مواجهة 1948 فمن المعروف بأن الجيوش العربية حاولت أن تثبت نفسها في ظل تفوق إسرائيلي مشهود على مستوى التسليح، كما أن الأردن ومعه الفدائيون الفلسطينيون اكتشفا مواطن الضعف في السموع 1966 والكرامة 1968. ولم يكن اجتياح لبنان 1982 نزهة للجيش الإسرائيلي، وكذلك الأمر في حرب 2006، بما يدفع للتأمل في مدى جدارة إسرائيل بسمعتها العسكرية حين يتعلق الأمر بالمواجهة على الأرض وبين الشوارع والمباني والحقول والمستنقعات والصحارى.
لماذا لم يتمكن العرب من اصطياد إسرائيل على الأرض، ولماذا، رغم كل ما جرى صرفه، لم يتمكنوا من اللحاق بها في السماء؟
الحروب ليست جولات من التراشق والاشتباك العسكري، فالحرب الحقيقية تجري في الخطوط الخلفية، حيث تظهر كفاءة الإمداد التي تستمد من وجود مؤسسات حقيقية على الأرض تستند على عمق من الشرعية، فبعد أن يستنفد الجنود حماستهم الأولية في الاشتباك، فإن الأخبار غير المطمئنة التي تتقاطر من الصفوف الخلفية ترزح بالأثر السلبي على معنويات الجنود، ولذلك، فإن النجاحات العربية انحصرت في الحروب والمواجهات قصيرة المدى التي لم يسمح وقتها المحدود بأن ينكشف العمق أو أن يظهر التخبط أو أن تنزلق ورقة التوت عن العورات، وكانت الكرامة 1968 نموذجاً مثالياً للمواجهة من المسافة صفر، وبحيث يبدأ التفاوت في قيمة نقلات عداد الموت لدى الساسة الذين يتخذون القرار من العواصم تلعب دوراً حاسماً في اتخاذ قرار التسوية أو الانسحاب، وفي معركة الكرامة كانت شهية الأردنيين الذين ألحقت بهم هزيمة غير ضرورية وغير مستحقة في 1967 لتقبل تصاعد أرقام الخسائر البشرية أعلى بكثير من إسرائيل.
الوضع يختلف في الجو، فتواصل القصف وتسوية المدن بالأرض، وآلاف الخسائر البشرية لا يعني شيئاً أمام كتيبة تتقدم لتحصل على الأرض، صحيح أنه يمهد للقوات التي تمتلك اليد العليا جواً، ولكنه ليس كافياً في حد ذاته، وهذه حقيقة أدركها تشرشل في الحرب العالمية الثانية، ليتلقى بكثير من رباطة الجأش والإصرار الغارات الألمانية على المدن البريطانية، وليعمل على رسملة حالة الفجيعة الوطنية إلى رغبة شعواء بالانتقام جعلته يغامر بأن تذهب طائراته لقصف برلين دون وجود ضمانات أو تصورات لطريقة عودتها سالمة إلى الجزر البريطانية، ولذلك، فإن الحروب الجوية تمتلك منطقاً مختلفاً كلية عن أي حروب أخرى، فدور المقاتلين يتراجع كثيراً لتصبح اللعبة منحصرة بين أدوات إنتاج وكثافة تشغيل وجودة في الإدارة، وبذلك فإن الكفة تميل لمصلحة إسرائيل بصورة لا تحتمل كثيراً من النقاش.
لم يتمكن العرب من مواجهة إسرائيل جواً لأن فهمهم للمواجهة في السماء لم يبتعد كثيراً عن مجرد وجود الطائرات الحديثة والمكلفة، مع التجاهل الكامل لدور بنية كاملة من الأدوار المساندة يجب أن تتوفر للعمل بدقة وكفاءة. وفي هذه النقطة تحديداً لم تظهر أي آثار لتفوق الدول العربية في أعداد الطائرات وإصرارها على متابعة أحدث الصرعات في الأسلحة المتعلقة بالحرب الجوية، دون وجود دراية كافية بضرورة وجود بنية تحتية على درجة عالية من الانضباط والكفاءة لمساندة المواجهات البعيدة في السماء. ولذلك كانت المفاجأة بأن يقوم العراق بدلاً من استغلال سلاحه الجوي في المواجهة مع الطائرات الأمريكية في 1991 بتوجيه طائراته للجوء إلى إيران مع تقديم تنازلات فادحة لطهران جعلت العراق يتنازل عملياً عن جميع مكتسباته بعد الحرب الطويلة مع إيران.
الحرب في الجو تعتمد على التجهيز الطويل والوصول إلى نسبة الخطأ الدنيا، وبذلك فالعرب يخسرون مقدماً، وسيواصلون الخسارة حتى لو حجبت طائراتهم ضوء الشمس، أما على الأرض حيث يمكنهم أن يلحقوا خسائر أولية فادحة فإن الوقت يتحول إلى عدو يواصل الضغط على مناعتهم الهشة أصلاً والمتمثلة في تسويات متهالكة تسمى مؤسسات ما تلبث أن تتساقط لتنكشف كمجرد (أعجاز نخل خاوية)، ومع كل التجارب والمواجهات والحروب الكبيرة والصغيرة لم يتعلم العرب في المقابل الدرس الذي يحتم بأن تبدأ المعركة من المدارس والجامعات والمختبرات قبل أي مكان آخر، وأن الجندي الذي يمسك بسلاحه عند الحدود، سواء كانت إسرائيلية أو ايرانية أو تركية سيدفع روحه دون تردد في الجولة الأولى ولكن استغاثته لن تصل في توقيتها المناسب لأنها ستبقى تراوح مكانها بين جنبات النظام الخرب الذي لن يستطيع أن يتقدم بالاستجابة المناسبة في المكان والزمان المطلوبين.
الهدر الجنوني في أرقام التسلح العربي لن يحقق أي تقدم في المطلوب لحسم معركة جوية (الجاهزية) ولا أي معركة برية (المناعة) وسيبقى البحر مفتوحاً لحروب العرب برسم الغرق، أما الأسلحة النووية فلا تتخطى وصفها نكتة كاملة يمكن أن القذافي حاول أن يقترفها ذات يوم حين توجه للصين من أجل شراء قنبلة نووية ليكتشف بعدها بأن القنبلة النووية كانت خلاصة عملية طويلة من التحديث والتصنيع في الصين، وبناء جيل يستطيع أن يحافظ على المنشآت النووية وأن يضمن ألا تتحول إلى وصفة جاهزة للهلاك. كما أنه من الضروري وقبل التفكير في امتلاك القنبلة أن تستطيع أولاً تصنيع الرصاصة والمدفع والسيارة المدرعة والدبابة والرادار والقمر الصناعي، وكلها أمور تحتاج للوصول إلى قدرة عالية على البناء قبل امتلاك الطريق المختصر والسريع للخراب