ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: أمراض العظَمَة الإثنين 26 مارس 2018, 8:07 am | |
| أمراض العظَمَة
بروين حبيب لا أدري إن كان هناك كاتب عربي بحجم الكتاب الغربيين المؤثرين في قرائهم لدرجة تغيير أقدارهم، فقد قرأت الكثير و لم أقرأ لمن يقتلعني من واقع و يدفع بي إلى واقع آخر، و لم يلامس قلبي مفعول غير المفعول الذي لا يتخطى عتبة المتعة، و طبعا لم أجد تفسيرا لذلك. فهل أنا و غيري من هذه الفئة الشاسعة من القراء لا نجد فعلا ما يهزنا لنذهب في تغيير أنفسنا إلى النهاية؟ أم أن المشكلة في ذواتنا التي تستصعب التغيير؟ أو أن الحقيقة تكمن في النصوص التي نقرأها، بهشاشتها وتكرارها لصور الواقع دون أن تتخطى أسطحه البائسة؟ في فيلم « Papa» الذي يروي جانبا من حياة الكاتب الأمريكي إرنست همنغواي، لا نكتشف عالم همنغواي فقط، بل عالم الصحافي الشاب الذي كتب رسالة لكاتبه المفضل و الذي دفع به للأدب، والكتابة، وتغيير حياته من صبي لملمه ميتم في طفولته الباكرة و صنع شتات عواطفه شابا دون هدف، إلى مراسل حرب، ومن ثم كاتبا كما تمنى، و « سيناريست» ناجحا… « لقد غيرت حياتي..» كتب الشاب لهمنغواي، ولم يتوقع ردا كالذي جاءه عبر مكالمة هاتفية « رسالة جيدة يا ولد» ثم سؤال مفاجئ و غريب « هل تحب صيد السّمك؟» لتبدأ بعدها علاقة صداقة متينة بين الكاتب الشاب ووالده الروحي الكاتب العظيم..! لا شيء يشبهنا في تفاصيل هذه القصة، لا من قريب و لا من بعيد، و كأن الأمر مختصر لتلك العبارة التي نختصر بها عالمنا و عالمهم « لهم دينهم و لنا ديننا» … هذا التأثير الذي لم نعرفه بهذه الحرارة ، قد يكون موجودا في مراحل غابرة من تاريخنا، و في أزمان موغلة في الماضي، حين كان الأدب جزءا من معارف شيوخ تشبعوا بالعلوم كلها و بالأخلاق الفاضلة و الضمائر الحية، فكان الواحد منهم يطبب ويقرض الشعر و يعطي نظريات في العلاقات الإنسانية والسياسة وأخطاء العباد والحكّام والسلاطين و مظالم الحياة و ما إلى ذلك، و يربي النشء على تلك الخصال من منطلق إيمانه بنفسه كمعلم و مؤثِّر. فقد كان التلميذ يرث عن أستاذه كل علومه ثم ينطلق في بحثه الخاص، فيطور و يضيف، و في الغالب يبقى وفيا لمعلمه مع أنّه قد يناقضه تماما في توجهه الخاص ويمضي في طريق مغايرة لطريقه. في أيامنا هذه لن نجد شيئا مشابها لحكاية جلال الدين الرومي، التي قلبت تفاصيلُها حياة أمة، و ظلت تُسِيل حبر الأقلام إلى يومنا هذا تبحث في فلسفته، وأفكاره، وفي علاقته بمعلمه شمس الدين التبريزي، ولو أن الأمر أتيح لتابعيه وأعدائه سواء لشقوا صدره و بحثوا في مكنونات روحه عمّا خفي و بان من تلك العلاقة ومضامينها و أبعادها… وإذ ظل الرجل لغزا حقيقيا لم يُكتَشَف سره كاملا، فإن الذاهبين خلف فكره يولدون إلى اليوم على مختلف عصورهم و هوياتهم و لغاتهم و أديانهم، إنه رجل عَبَر كل الأسوار البشرية التي تفننت الجماعات في صنعها لتبقى محمية من التفتت و الاقتحام. و تلك نبوءة فريد الدين العطّار الذي أهداه « أسرار نامه» حين كان صبيا وقرأ لحظتها في عينيه مستقبله العابر للأزمنة والأمكنة. في ذلك المفترق الخطير من حياته توجه الطفل صوب الكلمة التي انبثقت من أعماق الكتاب، وهذا ما كان أخطر من أي سلطان ما جعل الرجل يُحَارب حتى حين تلاشت بقاياه في قبره… وحتما إن قلت إن الرومي كان مؤثرا أكثر من شكسبير فإني سأُصطدم بأفواه كثيرة تنكر ذلك، لكن من قرأ شكسبير وتغيرت حياته؟ من توقف عنده وأعاد النظر في رحلة عمره ثم قرر أن يصنع مصيره بنفسه لأن ساحراته وجدن بوابة في رأسه وهمسن له بمستقبل مغاير؟ من أكثر تأثيرا الرومي أم دانتي، أم ميغيل دي سرفانتس ؟ من على سلم الفلسفة والفكر والشعر ومختلف الآداب من بلغ مستوى الرومي؟ غوته مثلا؟ أو جان جاك روسو؟ أو فريدريك نيتشه؟ لعلّ أسلوب طرحي يغلب عليه فرض تصوري الخاص للأمر، لكن لنأخذ الموضوع من أبوابه المختلفة، من منا قرأ كتابا وقال :» هذا ما كنت أبحث عنه» واندفع في تحقيق ذاته بعد قراءته؟ كل هؤلاء الذين ذكرتهم وآخرون فعلوا ذلك، لكن من هو الكاتب العربي الذي أخذ بأيدينا و أخرجنا من الأنفاق المظلمة التي تُهنا فيها و نحن نتلمّس الطريق؟ نزار قباني؟ ربما في ثورته على تخلف النساء و مدى ظلمهن في الأوطان العربية حرّك مشاعر البعض، ولكنه لم يكن أكثر من شاعر « يعجب» قراءه، ويطربهم بإلقائه، نزار نفسه رمى المنشفة في حلبة صراعه مع التخلف العربي وهو منهزم تماما أمام المرأة التي خذلته، واستسلمت للنظام الحياتي الذي فرض عليها منذ مئات السنين، بالرغم من أنها في الظّاهر قد تبدو مثقفة متحررة ومنتجة و فاعلة في المجتمع. مَن مِن كتابنا حرر النّفس المكبلة بالقيود؟ وجعلها تبتهج بحريتها ؟ فتكسر تلك القضبان التي تحجز طاقتها و تنطلق في بناء ذاتها، تاركة كل شعور بالعجز هناك في القفص القديم؟ من يا ترى؟ أبو القاسم الشابي؟ مفدي زكريا؟ محمود درويش؟ أو غيرهم؟ من أين بدأت أدوارهم و أين انتهت؟ و لماذا لا نملك شهادات بحجم فتى همنغواي الذي اعترف بفضله عليه؟ هل هو جحود متوارث هذا الذي يسكن قلوبنا ويوهمنا أننا عظماء دون فضل أحد حين نصبح تحت أضواء الشهرة مثلا؟ أم أن هذه على الأقل صفة سيئة مشتركة في أدبائنا وشعرائنا، ومبدعينا؟ أيٌّ من هذه الأسئلة يناسب الحالة التي نعيشها؟ وأيها يُقَرّب صورة هذا المرض المنتشر في كياناتنا العربية؟ رموزنا بدءا بالرموز الأدبية إلى رموز النضال الإنساني إن وُجِدت؟ إلى رموز النضال السياسي؟ ولنفرض أن طرحي خاطئ، كون ثمار ما كتبه فولتير على سبيل المثال قُطفت بعد قرن من النضال المستمر، فلماذا لم نقطف ثمار ما كتبه طه حسين عندنا؟ لماذا انتصرت قوى الظلام وطمست مجهوداته الفكرية وأسئلته البالغة الأهمية ؟ أم أن ما نعيشه اليوم هو « موسم القطاف» ؟ إن كانت هذه غلال مفكرينا التنويريين لِما زرعوه خلال ذلك الماضي الجميل، فإن الوضع ينبئ بكارثة حقيقية لمستقبلنا، كوننا نصرُّ في أغلب ما نكتب وما نقول على إدهاش القارئ بمزيد من الوهم، وكأن الأدب مجرّد وسيلة لتبييض سمعتنا، و رسم صورة جميلة لأنفسنا قد لن تكسبنا سوى بعض الرضى الوهمي والمؤقت الذي من المحتمل أن يفيدنا بشكل آني لكنه أبدا لن يفيد الأجيال القادمة، ولن يبني إنسانا محترما، لا تفتك به أمراض « العظمة» المتوارثة عندنا .٭ شاعرة وإعلامية من البحرين |
|
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: أمراض العظَمَة الإثنين 26 مارس 2018, 8:08 am | |
| [size=30]المرض الكتابي
أمير تاج السر[/size] دائما ما أصنف الكتابة بأنها واحد من الأمراض المستعصية التي يصعب الفكاك منها، سواء للذين أصيبوا بها فعلا وأضاعوا أعمارهم في اللهاث خلفها ومحاولة التجويد والابتكار والتميز فيها، أو الذين لم يصابوا بها أصلا ولكن أصابتهم مضاعفاتها، كلها أو شيئا منها، خاصة بعد ظهور الجوائز الأدبية في عالمنا العربي، وما تجره من أحلام . من أهم مضاعفات مرض الكتابة، ذلك الوهم الذي يرتديه البعض، وينتفخون به بكل جدية، إنهم أشخاص أسوياء في الواقع، يذهبون إلى أعمالهم بانتظام ويعودون، ويعولون أسرهم، ويذهبون بأبنائهم للمدارس والجامعات، وقد يشاركون في مناسبات اجتماعية كثيرة، مثل منسابات الفرح والحزن، لكنهم في الوقت نفسه يربون الأفكار غير الواقعية داخلهم، ويحرصون على اكتمالها جيدا، وإن صادفوا أشخاصا توسموا فيهم الجهل، وأنهم بعيدون عن موضوع الكتابة، مثل الأطباء، والممرضين،والموظفين الغارقين في مهن متعبة، قد لا تتيح لهم وقتا لمطالعة كتاب، يدعون بأنهم كتاب أو شعراء كبار. لقد صادفت كثيرا من هؤلاء أثناء عملي، وكان ما يعجبني فيهم تلك الثقة المفرطة في الوهم، وأنه طريقهم إلى نشوة ذاتية محدودة، لكنها تساوي نشوات الكون كلها. وبعد ظهور الجوائز الأدبية وتعددها، وتمددها أيضا في الواقع الكئيب لحرفة الكتابة، استولى الوهم عليها وجرها إلى دهاليزه لتصبح من المواد المفضلة، لكتاب وشعراء الوهم، يدرجونها في أحاديثهم باستمرار. منذ عام تقريبا زارني مريض في أواخر الخمسينيات، كان متأنقا ببدلة كاملة ورباط عنق، وقد صبغ شعره بإتقان، وجلس على المقعد أمامي بطريقة توحي بنجومية قد لا أكون أعرفها. سألت عن شكواه فلم يفصح عنها أولا، واختار أن يبدأ بما كان حلما أو وهما، قبل أن يتحدث عن مرضه الذي جاء به، والحقيقة لم يكن مريضا طارئا وإنما مريض مزمن، جاء ليحصل على علاجه العادي لارتفاع ضغط الدم. سأل: ألا تعرفني. قلت: لا والله. وكنت قد تأملته بعمق أثناء ذلك، وتأملت اسمه المكتوب أمامي، وقمت بسياحة سريعة في أناقته، وغطرسته البادية بوضوح ولم أصل إلى شيء، وكان ثمة استياء كبير ارتسم على ملامحه، ولا بد أنه إحساس بأن نجوميته انخدشت، والحقيقة أن الذي انخدش كان وهم النجومية. وحين تحدث، كان ذلك بأسى. قال أنا شاعر عربي كبير، أحد أفضل الشعراء الموجودين الآن، ولا بد أنك مشغول بمهنتك ولا تعرف شيئا عن الشعر والشعراء. أظنني تأثرت فعلا، وأحسست بجهلي وأنا أحد الموجودين بشدة في المشهد الكتابي، وما زلت أقرأ بانتظام، وأصادق الشعراء والكتاب، وأعرف الأخبار الصادقة والكاذبة على حد سواء. اعتذرت للرجل بضيق الوقت، وصعوبة أن تعمل في مهنة كثيرة الأعباء، وتلم بأشياء أخرى، ووعدته بأن أبحث عن نتاجه وأطلع عليه في أقرب إجازة أحصل عليها. أكثر من ذلك، استلمت بطاقته التي دون عليها بكل ثقة: شاعر. وحين ذهبت إلى بيتي كان أول ما فعلته، أن بحثت عنه، ذلك الاسم الذي لم يوح لي بشيء، وكانت النتيجة مخيبة فعلا، فلم يكن ثمة شاعر بتلك المواصفات أبدا، إنه الوهم، أكثر مضاعفات الكتابة جنونا، وإحراجا، لكنه موجود مع الأسف، ويزداد انتشارا باستمرار. بعد أن أصبحت جوائز مثل العويس، والبوكر العربية، وكتارا واقعا مترسخا في الحياة الثقافية، سطا عليها الوهم كما قلت، وقد درجت على استقبال رسائل كثيرة من أشخاص يتحدثون بصراحة بأنهم ليسوا مبدعين على الإطلاق، ولم يقرأوا أي شيء في حياتهم، لكنهم يدركون بأنهم سيكتبون وسيحصلون على جوائز كبيرة، وهناك من يسألني عن وصفة الكتابة من أجل جائزة، ما هي المواضيع المفضلة للجوائز؟ وكم عدد صفحات العمل الذي قد يحصل على جائزة؟ وأشياء أخرى مضحكة فعلا، كأن الرواية قميص أو سروال يمكن تفصيله هكذا ببساطة، وارتداؤه ليعجب الناظرين، وبالطبع لم أكن أرد على مثل تلك الأسئلة التي يحركها الوهم. هناك جوائز تمنح أيضا عطاء جيدا للدراسات النقدية، ومعروف أن الدراسات النقدية إبداع آخر ملازم لإبداع القص أو الشعر. هناك نقاد أوفياء ومجتهدون، يعملون بمؤهلات العمل ويكسبون جوائز في هذا المضمار، وواهمون شبيهون بالذين أصابهم وهم الكتابة الإبداعية، يتشبثون بما ليس حقيقيا ويودون الحصول على جوائز، وعندي تجارب كثيرة في هذا الشأن، منها رسالة من واحدة تقول بأنها ناقدة أكاديمية، تريدني أن أكتب بحثا مطولا من آلاف الكلمات، عن رواياتي، وإرساله لها كي تقدمه لجائزة، وآخر يقول بأنه يحس بأنني سأساعده فعلا حين أكتب له دراسة ضخمة عن رواياتي التاريخية، وهو سيقتسم معي أي جائزة يحصل عليها. قد يكون الأمر مضحكا، لكنه محزن فعلا، ولو كنت أعرف كيف تكتب البحوث أو الدراسات الأكاديمية لحصلت على ثمارها بنفسي. لقد تذكرت صيغة الوهم هذه، حين جاءني منذ أيام قليلة، مريض يشكو من آلام متكررة أسفل الظهر، كان أيضا في نهاية الخمسينيات، لكنه لم يكن متأنقا أكثر من اللازم، وقد نبتت لحيته بيضاء ومبعثرة. لقد تحدث الرجل بشكواه، وأضاف أنه يظنها من كثرة الجلوس على ديسك الكومبيوتر صباح مساء، حيث يعمل في الصباح موظفا وفي المساء كاتبا روائيا. سألني: هل سمعت عن إبداع اسمه الرواية؟ قلت بسرعة: ليس كثيرا. قال: إنها قصة طويلة يكتبها الشخص الموهوب، ويقرأها الناس ويستمتعون بها، أنا أحد فرسانها وحصلت على جوائز كثيرة فيها. هذا أيضا واهم كبير بلا شك لأن اسمه لم يوح بفروسيته في مجال أزعم أنني أعرف حتى الذين ما زالوا يحبون فيه، وأظنه جر إلى الوهم إحدى الجوائز الكبرى، التي تتهادى الآن أمام الذين يعرفونها جيدا والذين سمعوا بها مجرد سماع، وكان لا بد من إبداء أسفي لعدم معرفتي، والسؤال بدافع الفضول عن تلك الجائزة المهمة التي حصل عليها. رد بثقة كبيرة: جائزة البوكر. ٭ كاتب سوداني |
|