العمل العسكري وحق العودة بين الواقع والاستخدام
01/04/2018
د. رياض عبدالكريم عواد
نص المقال تبنت الثورة الفلسطينية وفصائلها المختلفة الكفاح المسلح، وكان هذا الشعار هو المبرر الاساسي لانطلاقتها، لكنها كانت تعرف، وقد يكون عن قناعة، ان العمل العسكري لم يكن هو الوسيلة الممكنة لتحقيق اهداف الشعب الفلسطيني السياسية، لذلك استخدمت الفصائل هذا الكفاح من اجل اهداف اخرى، بعيدة عن هدف ايلام العدو وانزال اكبر خسائر بين صفوفه من اجل تغيير موازين القوى والتحرير، او اجبار هذا العدو الاسرائيلي على الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني الوطنية.
لقد مر العمل العسكري بمراحل متعددة في الفكر والممارسة الفلسطينية، من اعتباره الوسيلة الوحيدة للنضال والتحرير، مرورا بأنه احد وسائل التحرير، الى اعتباره "كادوك" ضمنيا، وصولا الى ادعاء البعض، ليس فقط بفشل هذا الخيار، ولكن برؤية نتائجه السلبية والمدمرة على الشعب والقضية الفلسطينية، والدعوات الخجولة الى التوقف عن ممارسته واستبداله، او مزاوجته، مع المقاومة الشعبية، السلمية او غير السلمية.
لقد تبنت فصائل الثورة الفلسطينية العمل العسكري والكفاح المسلح من اجل اهداف مختلفة، في كل مرحلة من مراحل النضال الفلسطيني، يمكن اجمال هذه الاهداف بمايلي:
١. كان هناك وهما لدى الفلسطينيين بأنه يجب احراج الانظمة العربية امام شعوبها وتحريض شعوب وجيوش هذه الانظمة على الانقلاب على حكامها من أجل قيام انظمة ثورية تتكفل بتحرير فلسطين. هذا الوهم مازال عالقا في عقول البعض الذي ينتظر، ليس فقط الامة العربية، بل الامة الاسلامية وجيش الخلافة، ستنتظرون طويلا؟!
٢. التأثير على الشعب الفلسطيني من أجل الالتفاف حول فصائل الثورة، وتحويل هذا الشعب من شعب لاجئ ينتظر المعونات الانسانية والجيوش العربية، الى شعب صاحب قضية سياسية، يناضل ويعمل ويضحي من اجلها. لقد نجحت الثورة الفلسطينية من خلال م ت ف وفصائلها في تحقيق هذا الهدف، واصبحت القضية الفلسطينية قضية سياسية تؤرق العالم.
٣. التأثير على الرأي العام العالمي من اجل الاقرار والاعتراف بالحقوق الفلسطينية السياسية.
٤. الدفاع عن وجود الثورة الفلسطينية في اماكن تواجدها في دول الجوار العربي.
٥. التنافس الحزبي بين مختلف الفصائل لاثبات احقيتها بالريادة والقيادة، لذلك كان هناك نفخا اعلاميا وتنافس وتسابق بين الفصائل على تبنى العمليات العسكرية، وتضخيم كل فصيل لعملياته، بل والقيام بعمليات عسكرية نوعية ذات طابع اعلامي وجماهيري، وصولا للاحتفال بالذكرى السنوية لهذه العمليات. كما شكلت هذه الفصائل جيوش وكتائب وفصائل عسكرية، وصار لها قادة ورتب عسكرية، وامتلكت وصنعت اسلحة ثقيلة، وقامت باستعراضات ومناورات عسكرية.
٦. التنافس على السلطة، وكان هذا واضحا وجليا من العمليات التفجيرية، التي قامت بها الفصائل الفلسطينية وخاصة الاسلامية منها، بعد اتفاق اسلو وقيام السلطة الوطنية. لقد كان هدف هذه العمليات، بعيدا عن نظرية المؤامرة، هو افشال اتفاق اسلو وتقديم هذه الفصائل نفسها لاسرائيل والعالم كبديل قوي عن منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية.
لقد استخدمت القوى الفلسطينية العمل العسكري في الغالب من اجل اهداف بعيدة عن الهدف الاساسي للعمل العسكري. وهنا لا بد من طرح نفس السؤال، هل تعود هذه القوى وتستخدم المقاومة الشعبية، التي مازالت لا تؤمن بها ايمانا حقيقيا، وحق عودة اللاحئين الفلسطينين من اجل اهداف داخلية وتنافسية بعيدة عن هدف تحقيق عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم وارضهم؟!
نطرح هذا السؤال في خضم فرح وبهجة الفلسطينيين وارتفاع معنوياتهم، بعد ما قوموا به من نضال شعبي مميز باسم حق العودة بمناسبة يوم الارض، واعلانهم ان هذا النشاط سيستمر حتى ذكرى النكبة في ١٥ ايار مايو ٢٠١٨.
ان هناك عددا من المؤشرات توحي، بل قد تؤكد، ان الفصائل الفلسطينية، التي تدخلت فجأة، واستحوذت على هذه الفكرة الشعبية، واقصت عنها القوى الشعبية، لم تكن هدفها من هذا العمل عودة اللاجئين الى ارضهم، ان المؤشرات التالية قد تبرهن على هذه الفكرة:
١. الاستعجال بالقيام بمسيرة العودة، رغم ان هذه المسيرة، حتى تحقق هدف العودة، يجب ان تكون تتويجا لنضال طويل ومتواصل، يهدف الى تغيير ثقافة المجتمع، واقناعه بالمقاومة الشعبية السلمية، وواقعية النضال الشعبي وامكانيته الموضوعية على تحقيق عودة اللاجئين الفلسطينيين. فهل الفصائل الفلسطينية وقواعدها والمجتمع الفلسطيني يؤمن عن قناعة بهذه الاهداف، اعتقد ان المشوار مازال بعيدا.
٢. الزج بشعار كسر الحصار عن غزة مع شعار العودة يبين، بل يفضح، الهدف الحقيقي لهذه الفصائل من هذه المسيرة.
٣. الوجود القيادي والخطابات والنفخ الاعلامي، والسرعة بدمغ الشهداء بصبغة هذا الفصيل او ذاك، رغم ايجابية تخليها المؤقت عن راياتها الحزبية، يرجع بنا مرة اخرى لاستخدام حق العودة، كما استخدمنا من قبل العمل العسكري، في التنافس الفصائلي.
٤. تحديد فترة زمنية لهذا النضال الشعبي، وكأننا نريد ان نستخدم هذا النشاط من اجل توجيه رسائل باهدافنا الحقيقة، والتي هي بعيدة عن هدف العودة، الى اطراف محلية واقليمية ودولية، تقول للجميع نحن هنا، نحن من نستطيع ان نحرك الشارع ونقلقكم؟!
ان النضال الشعبي السلمي من اجل عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ارضهم وديارهم هو نضال ممكن وواقعي، ولكنه نضال طويل وشاق ومستمر، وهو بحاجة الى قيام جبهة شعبية واسعة، تدعمها وتكون من خلفها، لا ان تتبناها وتقودها، مختلف القوى الفلسطينية، يكون هدفها الواضح والحقيقي هو عودة اللاجئين، وليس استخدام هذه العودة من اجل اهداف تنافسية بعيدا عن هدف العودة.
ان ما قام به الشعب الفلسطيني في يوم الارض، رغم كل ما طرحناه من نواقص او سلبيات، هو خطوة هامة ايجابية، يجب ان تستمر وتتواصل طويلا، ويجب البناء عليها وصولا لتحقيق هدفنا بعودة اللاجئين قانونيا وسلميا الى ارضهم.
#حتما_سنعود