إلى أين تتوجه أنظار السعودية؟
خطوات محمد بن سلمان من شأنها أن تؤدي إذا نجحت إلى ظهور حكم استبدادي آخر في المنطقة
صحف عبرية
السياسي والمفكر الفرنسي إبن القرن التاسع عشر، اليكسيس دي توكفيل، أشار ذات مرة إلى أن اللحظة الأكثر خطورة في الأنظمة الاستبدادية هي عندما تحاول إجراء الاصلاحات: المعايير والمؤسسات التقليدية لم تعد تعمل، والتي من شأنها أن تحل محلها لم يتم تأسيسها بعد. أقواله هذه استندت في الأساس إلى الاصلاحات التي طلبها الملك لويس السادس عشر وهي إحلال ملكية مطلقة، والتي أدت إلى الخطوات العنيفة للثورة الفرنسية، وفي نهاية المطاف إلى إعدام الملك نفسه. مثال أقرب على ذلك هو محاولة ميخائيل غورباتشوف إجراء إصلاحات بعيدة المدى على النظام السوفييتي، والتي أدت إلى تفكك الاتحاد السوفييتي وتنحية غورباتشوف نفسه عن الحكم. من المحتمل أن تؤدي خطوات ولي العهد السعودي الشاب، الأمير محمد بن سلمان، إلى نتائج غير متوقعة مشابهة.
حتى الآن نجحت السعودية بفضل ثراء النفط الضخم في نثر مبالغ طائلة على شرائح كبيرة من السكان والحفاظ على نظام الحكم المتعصب الذي يرتكز على المذهب الوهابي في الإسلام. مئات من أبناء العائلة المالكة السعودية تحولوا من شيوخ في الصحراء إلى ارباب اموال يعملون في الملعب المالي الدولي. أيضاً كثير من السعوديين العاديين تمتعوا بمستوى حياة وضمان اجتماعي لم يسبق له مثيل. أبناء مؤسس العائلة، عبد العزيز بن سعود، الذي أسس المملكة التي تسمى السعودية على اسم مؤسسها ورثوا الواحد تلو الآخر عرش المملكة من خلال تحويل المملكة إلى لاعب مركزي في الساحة الاقليمية وفي النظام المالي العالمي.
الانخفاض الحاد في أسعار النفط والهزات التي جاءت في أعقاب الربيع العربي، والتي أدت إلى سقوط الزعماء في مصر وتونس وليبيا واليمن، وشكلت تحديا لنظام الأسد في سوريا كانت اشارة إلى أن السعودية ايضاً بحاجة إلى التغييرات، حتى لو من أجل منع الانقلاب.
محمد بن سلمان حظي بتأييد ايجابي بعيد المدى في العالم بعد اعلانه عن نيته تمكين النساء من قيادة السيارات وتقليص صلاحيات الشرطة الدينية السعودية، التي إحدى مهماتها هي متابعة تطبيق ارتداء الملابس الشرعية في المجال العام، لا سيما النساء. هذه كانت بلا شك خطوات ايجابية، وكذلك تصريحاته بأنه ينوي قيادة السعودية إلى تطبيق تفسير أقل تعصبا وأكثر تسامحا للإسلام. وضمن أمور أخرى، العلاقة تجاه المسيحيين واليهود. أيضاً التصريحات التي نسبت اليه في الموضوع الإسرائيلي ـ الفلسطيني والتقارير بشأن استعداد السعودية للتعاون مع إسرائيل مهما كان محدودا وسريا، حظيت وبحق بالتقدير في الغرب وفي إسرائيل، كذلك أيضاً عمليات التخطيط التي هدفت إلى تحرير السعودية من الاعتماد الحصري في مداخيلها على النفط.
ولكن خطوات أخرى لولي العهد كانت اشكالية. اعتقال مئات من رجال النخبة في السعودية، بمن فيهم عشرات الأمراء ورجال أعمال بارزون منهم من لهم مكانة دولية، عرضت كـ «حرب ضد الفساد» وحظيت بردود إيجابية في أوساط المثقفين في السعودية نفسها. ولكن الامر يتعلق بحملة تجري من دون أي صلة بالقانون وحقوق المواطن ضمن أمور أخرى، لأن السعودية لا يوجد فيها أي جهاز قوانين منظم، والاعتقالات لا تخضع لأي جهاز قضائي منظم. الادعاء بأن هذه هي الطريقة لاعادة مليارات الدولارات لخزينة الدولة التي نهبت بشكل مخالف للقانون، هو ادعاء شعبوي، والتفسير العملي لهذه الخطوات هو تركيز قوة اقتصادية كبيرة في أيدي ولي العهد نفسه، وتحويله فعليا إلى الحاكم الوحيد والاستبدادي، الأمر الذي لم يكن موجودا في أي وقت في المملكة. الآن يتولى ولي العهد أيضاً منصب نائب رئيس الحكومة ومنصب رئيس المجلس الاقتصادي ومنصب وزير الدفاع.
تميزت السعودية حتى الآن بنظام حكم لامركزي، وضع في أيدي عدد من الأمراء صلاحيات واسعة جدا. ربما كان الملك هو الاول بين متساوين، لكنه ليس الحاكم الوحيد. ولي العهد الذي سيجلس على عرش المملكة عند موت والده المسن والمريض، يدير منذ الآن شؤون المملكة بدون قيود. السعودية لا توجد فيها مؤسسات منتخبة أو تنفيذية، ومن الواضح أنه لا يفعل أي شيء لتشجيع تطور مؤسسات كهذه. هو بدون شك اصلاحي، لكن الامر يتعلق بإصلاحات سيكون في نهايتها هو الحاكم الوحيد للدولة.
إن الصرامة التي يعمل حسبها ولي العهد في الشؤون الداخلية تميز أيضاً خطواته في الشؤون الخارجية. لقد شدد خطابه وسياسته تجاه إيران، وبهذا فقد شحذ وعمق الشرخ بين السنّة والشيعة في المنطقة. هذه الخطوات حظيت بتأييد دول سنّية مثل مصر والاردن، وأيضاً برد متعاطف من ادارة ترامب وحكومة نتنياهو. ولكن سؤال هل هذه الامور تساعد في استقرار المنطقة بقي سؤالا مفتوحا، لا سيما أن الأمر لا يتعلق بقصة نجاح.
التدخل الكثيف للسعودية في الحرب الاهلية في اليمن هو برهان على الفشل الذريع، وهو فقط أدى إلى آلاف القتلى وكارثة انسانية، أدت بدورها إلى تجويع ملايين الناس في اليمن، المقاطعة والحصار الذي فرضته السعودية على قطر ـ الامارة الصغيرة ولكن الغنية، والتي هي غير مستعدة لقبول املاءات السعودية ـ لم تنجح، بل ارتدت كالسهم المرتد، والمحاولة الوحشية لتنحية رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، بطرق تذكر بـ «تسازارا بورجا»، انتهت بمهزلة مدوية.
تصعب معرفة إلى أين تتوجه أنظار السعودية تحت حكم محمد بن سلمان، ومن المحظور الاكتفاء بالتصفيق على خطوات مثل منح رخصة القيادة للنساء أو موقف مريح أكثر تجاه إسرائيل. إذا نجح في خطواته فهي ستؤدي إلى صعود ديكتاتورية استبدادية أخرى في العالم العربي، التي ربما تكون أقل تطرفا من ناحية دينية، لكنها تشبه اكثر الانظمة في مصر وسوريا والعراق.
سعودية أكثر تحرراً وأكثر ليبرالية لن تنطلق إلى هواء العالم حتى لو كانت للنساء فيها امكانية لقيادة السيارات. في المقابل، ربما أن خطوات ولي العهد ابن سلمان العنيفة ستؤدي إلى معارضة من جانب النخب التي يريد تحطيمها الآن ـ أمراء وذوو نفوذ آخرون ـ ومن جانب الأقلية الشيعية الكبيرة نسبياً في شرق المملكة والتي ستبحث لنفسها عن حل عسكري أو سياسي في إيران. ايضا لا يمكن استبعاد احتمالية أن السعودية ـ الدولة المركبة من شرائح مختلفة في صفاتها، والتي تم توحيدها في كيان سياسي واحد فقط بقوة اندماج عائلة ابن سعود مع الوهابية ـ ستتفكك إلى مكوناتها التاريخية مثلما حدث في العراق وسوريا وليبيا واليمن. إن التماسك السياسي لدول عربية كثيرة هو تماسك هش، وليس دائما يصمد أمام الازمات. وربما أيضاً أن خطوات ولي العهد ستؤدي إلى مواجهة عسكرية مع إيران. ولا شك أنه في مواجهة كهذه فإن إيران ستنتصر على السعودية، التي رغم كل السلاح الأمريكي المتقدم الذي يوجد بحوزتها، إلا أن قوتها العسكرية ضعيفة وتقريبا ليس لها جيش حقيقي. وليس أمامنا سوى الأمل بأنه إذا حدثت مواجهة كهذه أن لا تجر المنطقة إلى حرب أكثر شمولية. ومن المهم أن يكون القادة في إسرائيل واعين لذلك.
شلومو أفينري
هآرتس 5/4/2018