ابراهيم الشنطي
الذكرى الخامسة عشرة على غزو العراق.. لماذا اُحتل العراق؟ واين ذهبت ملياراته؟
April 9, 2018
رميز نظمى
فقد العراق مئات الالوف من أبنائه، وسُحقت بنيته التحتية وقواه العسكرية جراء حرب الكويت المدمرة فى 1991 و العقوبات القاتلة التى أهلكته على مدى 13 سنة؛ إلا أن ذلك لم يثبط إيمانه بقضايا أمته ودعمه للشعب الفلسطينى … احتفاظ العراق بإلتزاماته العروبية، رغم كل ما عاناه من آلام و دمار، أوصل أعداء الأمة إلى الاستنتاج بأنه فقط من خلال احتلاله يمكن إيجاد “الحل النهائى للمشكلة العراقية”.
وفعلا فى 19 مارس 2003 شنت حكومتا الولايات المتحدة و بريطانيا غزوهم غير المشروع بذريعة أن العراق يمتلك برنامجاً “نشطاً و تفصيلياً و متطوراً” لأسلحة الدمار الشامل الذى له “القدرة على إلحاق الضرر الفعلى بالمنطقة و باستقرار العالم”! ” مدنيون يتضورون جوعاً بينما ينتظرون قتلهم” هذا ما قالته المؤلفة و الناشطة السياسية ارونداتى روى، و هو قول يصف بدقة الوضع العراقى حينئذً: حصار قاتل تلاه احتلال مدمر.
حتى “والت ديزنى” ليس بأستطاعته اختلاق مثل هذه القصة الخيالية : رواية عن دولة تكافح من أجل البقاء، دولة خاضعة لحصار مميت على مدار 13 سنة، دولة تنتهك سيادتها بتفتيش اقتحامى و بمناطق حظر للطيران، دولة شعبها يعانى و جيشها يتضرر، و لكنها و بقدرة قادر تشكل خطراً مميتاً على اثنتين من أقوى دول العالم و أكثره غنىً !
من أجل تبرير غزوهما المعد للعراق كانت الإدارتان الأمريكية و البريطانية على استعداد للانحطاط إلى أى مستوى للوصول إلى هدفيهما الشرير، و بذلك قلدوا الوسيلة الدعائية التى استخدمها مجرم الحرب النازى جوزيف جوبلز و هى: ” إذا قلت كذبة كبيرة بما يكفى و ظللت تكررها، فإن الناس فى النهاية سيصدقونها”.. و هكذا أصاب الشاعر حين قال: ” يكذبون بمنتهى الصدق و يغشون بمنتهى الضمير.” فما أرذلهم!
فعلى سبيل المثال، الملف الذى أعلن تونى بلير أنه يبرهن على امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، الذى تم إعداده من قبل لجنة كبرى تظم رؤساء جميع أجهزة الاستخبارات البريطانية و كبار المسؤولين فى الوزارات المعنية، تبين أن جزءاً منه كان مسروقاً، بما فى ذلك من أخطاء إملائية، من أطروحة أحد الطلبة! هل هناك فعل أكثر دناءة من ذلك؟ و انحدر بلير إلى حد سافل آخر من التدليس بإدعائه الصفيق أن العراق له القدرة على مهاجمة لندن خلال 45 دقيقة بأسلحة الدمار الشامل !
وقد لعبت إسرائيل دوراً محورياً في شن الحرب على العراق. فبعد أسبوعين من بدء الغزو، نُشر مقال في صحيفة هارتس الإسرائيلية بتاريخ 3 نيسان |\ بريل 2003، جاء فيه “على مدار العام السابق، ظهر معتقد جديد في المدينة (واشنطن)، مفاده أن الحرب ضد العراق. قد رُوّج لها بحماس من قبل مجموعة صغيرة تألفت من 25 أو 30 من المحافظين الجدد، أغلبهم من (الصهاينة) اليهود”. وقد أيد توماس فريدمان، الصحافي الأمريكي البارز، ذلك قائلاً : “لقد كانت الحرب التي أرادها المحافظون الجدد. لقد كانت الحرب التي سوق لها المحافظون الجدد. لقد كان لدى هؤلاء الأشخاص فكرة يعملون على بيعها منذ وقوع أحداث 11 أيلول \ سبتمبر، والآن قد أتموا الأمر. رباه، لقد باعوا الفكرة. ومن ثَمَ فإنها ليست حرباً أرادتها الجماهير. إنها حرب نخبة… يمكنني أن أقدم لكم أسماء 25 شخصاً… لو تم نفيهم في جزيرة صحراوية منذ عام ونصف، لما وقعت حرب العراق”.
وهذا ما أكده البروفيسور جون ميرشيمر، جامعة شيكاغو، و البروفيسور ستيفن والت، جامعة هارفرد، فى كتابهما “فريق الضغط (اللوبى) الأسرائيلى”، حيث كتبا” من شبه المؤكد أن الحرب لم تكن ستقع بدون اللوبى الإسرائيلى .. الذى كان يدفع الولايات المتحدة للهجوم على العراق حتى قبل وقوع عمليات أيلول \ سبتمبر 2001 الإرهابية .. مسؤولون إسرائيليون كانوا يتوقون لمشاهدة الولايات المتحدة تطيح بأحد أهم أعدائهم فى المنطقة – الرجل الذى رجم إسرائيل بالصواريخ فى 1991 ” و فى هذا الشأن، أبلغ نتنياهو مجلس الشيوخ الأمريكى فى نيسان \ إبريل 2002 بأن ” الحاجة الماسة إلى الإطاحة بصدام أصبحت أمراً أساسياً”. و فى آب \ أغسطس 2002 صرح شارون بأن العراق يشكل “التهديد الأكبر الذى يواجه إسرائيل”.
وبعد الاحتلال، قامت الإدارة الأمريكية بالتخطيط لتسليم السلطة إلى زمرة من الأشخاص ممن ينطبق عليهم قول الإمام على، عليه السلام، “أشباه الرجال و لا رجال”، متعصبون طائفياً و لكن ضالون دينياً، يتعاونون على الإثم و العدوان بدل البر و التقوى، أغلبهم من المغتربين ممن لم يعانوا ما مر به العراق من محن و ظروف عصيبة. كان لهذه المجموعة مؤهلان رئيسيان: التذلل إلى الإدارة الأمريكية، والطمع فى الثراء الفاحش بكل و بأى طريقة ممكنة .. بتسليم السلطة لهذه الزمرة، أمنت واشنطن وحلفاءها لأنفسهم النجاح فى مشروعهم التدميرى للعراق وكذلك ضمان عدم محاسبتهم و إدانتهم على ما جنوا من جرائم بحق العراق و شعبه خلال السنوات الثلاث عشرة السابقة و من ضمنها جريمة الإبادة الجماعية.
حوّل الغزو العراق إلى دولة ساقطة ذات نظام فاشل؛ أصبحت البلاد مرتعاً للإرهاب والطائفية والتعذيب والبطالة والأمية والفوضى الأمنية والقتل العشوائى وانعدام الخدمات الأساسية… المخدرات التى لم يعرفها العراق سابقاً، شاركت الاحتلال فى غزوه و تفشت كالنار فى الهشيم جالبةً معها كل الأمراض المرتبطة و مشاكلها الاجتماعية.
أما الفساد الإدارى فحدث و لا حرج، فقد تحول من نزريسير أثناء الحصار إلى طوفان مريع بعد الاحتلال؛ مليارات من الدولارات سرقت لإرضاء جشع لا يشبع، و على كافة المستويات: الحكومة و البرلمان و القضاء و الشرطة و الجيش الجديد و المصارف إلخ. حسب تقرير منظمة الشفافية الدولية الصادر فى نيسان \ إبريل 2013 : ” ما يقارب 40 مليار دولار تُهرب من البلاد سنوياً”.. نقلت قوات الاحتلال الأمريكية جواً مليارات الدولارات “فى قوالب من فئات 100 دولار”، و التى جاءت من أصول عراقية مجمدة، و من جملة هذه الأموال اختفى مبلغ قدره 6.6 مليار دولار؛ و حسب صحيفة لوس أنجلس تايمر المؤرخة 13 حزيران \ يونيو 2011 ، ذكر المراقب العام الأمريكى لإعاده الإعمار بأن هذا المبلغ المفقود “قد يمثل السرقة المالية الأكبر فى التاريخ”.
وأشار تقرير منظمة الشفافية أيضاً إلى أن سموم الفساد “قد أدت إلى تعيين أعداد ضخمة من الموظفين غير المؤهلين بناء على روابط طائفية أو سياسية أو قبلية أو عائلية، مما أدى إلى تكاثر الأداء عديم الكفاءة منذ 2003 .. و حسب فضيحة تم الكشف عنها قامت وزارة الداخلية بتعيين 9,000 موظف بمؤهلات جامعية مزيفة، بما فى ذلك داحل مكتب رئيس الوزراء”.
أما الشخص “العراقي” الذي تم ترشيحه من قبل الإدارة الأمريكية و خاصة المحافظين الجدد، ليكون قائد “العراق الجديد” فقد كان مُداناً بقضايا احتيال، حيث قام هو وأشقاؤه باختلاس أربع مؤسسات مالية في ثلاث دول مختلفة: الأردن ولبنان وسويسرا. إلا أن نزعته الطائفية و ميوله الإسرائيلية كانت كفيلة بتغاضي واشنطن عن كافة مساوئه. ومن خلال اختيار هذه الشخصية المخزية، أرسلت واشنطن إلى العراقيين إشارة مفادها أنه يمكن تحقيق النجاح فى “العراق الجديد” فقط من خلال الفساد والطائفية، وهما اللعنتان اللتان كانت الإدارة الأمريكية وحلفاؤها يعملون على نشرهما.
وبمجرد أن انتهى نفع هذا المحتال، قامت واشنطن بالتخلص منه كالقذارة. وحسبما ورد في صحيفة ديلى تيليغراف اللندنية في 23 مايس \ مايو 2004، فإن الرئيس جورج بوش الابن قال للملك عبد الله ملك الأردن “يمكنك التبول عليه”. وفى هذا درس، إن كانت هناك حاجة إلى أي درس، لهؤلاء الحمقى في العالم العربي الذين ما يزالون يعتقدون أن الإدارة الأمريكية هى معطاء وأنه من خلال الخضوع إليها يمكن تحقيق الحرية والازدهار لبلدانهم.
وكجزء من سياسة “فرّق تسد” التى اتبعتها الإدارة الأمريكية و حلفاؤها، كان تأجيج الطائفية إحدى أركانها الأساسية، فمن أول القوانين التى تم تمريرها بعد الاحتلال كان قانون الانتقال الإدارى لسنة 2004 الذى جردت فقرته السابعة العراق من انتمائه إلى الأمة العربية، و شُكِّل “مجلس الحكم” على أسس طائفية استمرت إلى الوقت الحاضر .. و قد توافقت هذه السياسة مع ما كان يُرَوَّج فى الغرب وعلى الأخص فى الأوساط الصهيونية من أن نفوس العراق منفصلة إلى 3 فئات رئيسية : الشيعة و السنة و الأكراد، و أن السنة فقط هم من لديهم انتماء عروبى. فقد كتب أحد الصهاينة ” العراق عبارة عن مزيج من القبائل و الأعراق المنقسمة فيما بينها.. حيث أن سكان جنوب العراق يتألفون من الشيعة بنسبة 100% و لديهم ما يربطهم بإيران أكثر مما يربطهم مع “إخوانهم السنة” فى الشمال”. ياله من رياء و دجل!
إن دين أكثر من 95% من الشعب العراقى هو الإسلام بمدرستيه الرئيستين: السنية و الشيعية. و على صعيد الأنتماء القومى فإن حوالى 80% من الشعب هم عرب و لا يوجد أى اختلاف فى الأنتماء العربى بين السنة و الشيعة، بل إن نسبة كبيرة من الشيعة كانوا من السنة لحين تحولهم إلى المذهب الشيعى خلال القرن التاسع غشر عندما استقروا كمزارعين فى جنوب العراق .. و هنالك العديد من القبائل الكبرى التى أفرادها هم مزيج من السنة و الشيعة، و كذلك من الشائع جداً التزاوج بين حملة المذهبين.
إن الادعاء بأنه كان هناك عداء مزمن بين الشيعة والسنة فى العراق، و أن العراقيين الشيعة كانوا يميلون نحو إيران ليس أكثر من مزاعم دنيئة، والأمر الذي ينفى هذا الادعاء أنه خلال الحرب العراقية الإيرانية، لم يشكل الشيعة فقط عماد القوات المسلحة العراقية بل قد شغلوا أيضاً مناصب عسكرية قيادية و دافعوا ببسالة و شرف عن العراق. ومن بينهم سعدي طعمة الجبوري ومحمد رضا الجشعمي وعبد الواحد شنان الرباط. وقد حاول اللواء الرباط في العام 2017 التقدم بادعاء ضد تونى بلير لارتكابه جرائم حرب. و لكن القضاء الإنجليزى رفض الدعوى بحجة أنه لا توجد فى القانون الإنجليزي “جريمة عدوان”. إنه بحق أمر لا يُصدق أن دولة تتعرض للاحتلال والتدمير لأنها زعماً ارتكبت جريمة لا يعترف بها قانون دولة الاحتلال!
حصلت مجابهات ما بين السنة والشيعة بعد الاحتلال، و هذا ما تم التخطيط له من قبل الإدارة الأمريكية وعملت على تأجيجه من خلال سياساتها. وقد أشار كل من البروفيسور طارق اسماعيل جامعة كالجرى كندا وماكس فولر في مقالهما الصادر فى شباط \ فبراير 2009 بعنوان “تفكيك العراق: صناعة وتسييس الطائفية” إلى أنه “على عكس الاعتقاد السائد، فإن العنف الطائفي لم يكن معهودا في أي وقت سابق في التاريخ العراقي، ويمكن القول أن الطائفية المسيسة التي تهيمن في الوقت الراهن على العراق كانت المقصودة نتيجة لسياسة الاحتلال الإنجليزي \ الأمريكي والتي كانت تقوم في أساسها على هدف تقسيم العراق إلى مقاطعات طائفية وتحويله إلى دولة هزيلة”.
وفي واقع الأمر فإنه حتى أواخر الخمسينيات من القرن الماضى، لم تكن هناك أي أحزاب دينية في العراق. حيث كانت كل الأحزاب سياسية و علمانية منها: الديمقراطية و الوطنية و الليبرالية والماركسية والوحدوية العروبية. تم تأسيس الحزبين الدينيين، حزب الدعوة والحزب الإسلامي (الإخوان المسلمين) بشكل رئيسى من قبل رجال الدين بعد الإطاحة بالملكية عام 1958 وذلك في محاولة لفرض التوازن مع الحركات السياسية الرئيسية الثلاثة آنذاك: الشيوعية والبعثية والناصرية. وقد اعتبر رجال الدين، الشيعة بوجه خاص، النمو السريع لهذه الحركات بمثابة تهديد وجودي لوضعهم ونفوذهم.. و من الملاحظ أن بعض المؤسسين القياديين لحزب البعث العربي الاشتراكي في العراق كانوا من الشيعة، مثل فؤاد الركابي وسعدون حمادي.
إضافة إلى نشر الفساد و الطائفية و ليضمنوا أن ينقض بنيان العراق انقضاضاً قد لا تقوم له قائمة بعد، عمل الاحتلال على سحق الكفاءات و القدرات البشرية العراقية. و قد تجسد هذا من خلال حملة الاغتيالات التى بدأت بعد الغزو و التى طالت خيرة العلماء و الاكاديميين العراقيين. و فى هذا السياق كتب ماكس فولر وديرك أدريانسينس، و هما باحثان لهما اهتمام خاص بالعراق، ” إنه من بين العديد من المآسى التى وقعت على المجتمع العراقى نتيجة للغزو الإنجليزى الأمريكى سنة 2003 هى التصفية الجسدية للمئات او الألاف من الأكاديميين العراقيين، و التى هى أحد أكثر الأمور حزناً و دوماً ما يتم التغاضى عنها .. و فيها ما يثبت كونها حملة منظمة و وحشية للاغتيال المستهدف”. و ذُكر أيضاً أن هذه الأغتيالات قد نفذت من قبل عملاء المخابرات الإسرائيلية، موساد، و اتهمت كذلك ميليشيات طائفية .. و منذ 1990 هجر العراق ما يقارب 4.5 مليون من خيرة أبنائه الذين كانوا يمثلون العمود الفقرى للدولة و بذلك فقد العراق أعز ما يملك – إلى حين – إلا و هى قوته البشرية.
تسببت واشنطن و لندن، حسب تقريرات البروفيسور فرانسيس بويل، جامعة الينوى الأمريكية، فى مقتل 3.3 مليون عراقى خلال الفترة 1990 – 2011 . فما الذى دفعهما إلى هذه الإبادة الجماعية لشعب لم يقترف أى جرم بحق الشعبيين الأمريكى و البريطانى؟ لربما أن أفضل شرح لهذا الإجرام هو اقتباس كلمات الباحث اس بى منظور القائلة بأنه “مشروع ولد فى الحقد و تربى فى الإحباط و تغذى بالانتقام”.. على رغم ادعاء بوش الابن و بلير باعتزازهم بمسيحيتهم، إلا أنهما لم يتبعا ما أوصى به الإنجيل المقدس: “يكمن الخداع فى قلوب مخططى الشر، لكن أولئك الذين يروجون السلام فلهم السعادة”. يمكن تفسير تفضيل الاثنين و من لف لفهم اتباع طريق الشر على الاقتداء بنهج السعادة هو اصابتهم بوباء القتلة الصليبيين و الصليب منهم براء.
يبدو أن هذا الداء قد اعترى العديد من القادة الغربيين، فعندما احتل الجنرال البريطانى أدموند اللنبى مدينة القدس فى 11 كانون الأول \ ديسمبر 1917، قال: ” لقد اكتملت الآن الحروب الصليبية”، و عندما غزا الجنرال الفرنسى هنرى جورود مدينة دمشق فى 24 تموز \ يوليو 1920، ذهب لضريح الناصر صلاح الدين الأيوبى و قال: “ها قد عدنا يا صلاح الدين، إن وجودى يثبت انتصار الصليب على الهلال”. إن تصرف هذين القائدين المقيت هو دليل على أن البعض فى الغرب لم يغفر للعرب انتصارهم المجيد على أسلافهم الصليبيين و محقهم من الأراضى العربية المقدسة قبل أكثر من 700 سنة، و هو كذلك يمثل ما وصفه البروفيسور إدوارد سعيد ” التحامل الغربى التاريخى المعادى للعرب و للإسلام” و الذى حالياً يتجلى من خلال اعتبار “إسرائيل دولة ديمقراطية محبة للسلام و تصنيف العرب كشعب شرير و جائر و إرهابى”.
إن هذا الحقد الدفين هو مجرد كراهية عنصرية و توجه سياسى ليس لهما بالدين علاقة، فقد استنكرت الكنائس و على رأسها الفاتيكان جرائم الصليبيين و الحرب على العراق .. ما لم يستأصل هذا الوباء الخبيث فلن يتحقق أى سلام أو ازدهار؛ الأمل الوحيد أن يدرك الغرب مدى غيه و ضلاله و أن يعبّر عن ندمه على ما اقترفه من خطايا بحق الأمة العربية و الإسلامية.
هنالك بوادر إيجابية تبعث على التفاؤل، ففى هذا الشأن تخلص حزب العمال البريطانى من زعيمه السابق تونى بلير، و سياساته الخارجية الحمقاء …معتقدات الزعيم الجديد ، جيرمى كوربين مشجعة للغاية. سئل كوربين مؤخراً عن أسوأ حدث مر به فى مسيرته السياسية فأجاب “الحدث الذى أصابنى بالكآبة هو موافقة البرلمان البريطانى على الاشتراك فى الحرب على العراق، إذ كان فى رأيي قراراً خاطئاً بل كان قراراً كارثياً، إذ شعرت أن الحرب سيكون لها عواقب و خيمة بدأنا الآن فى إدراكها، و هى زيادة الإرهاب و صعود الكراهية و انتشار الحروب الأخرى و حدوث أزمة اللاجئين، تلك اللحظة كانت من أسوأ لحظات حياتى”.
على صناع القرار الغربيين تبنى هذا الطراز من الفكر النير و التوجه الموضوعى.. فعلى الصعيد التاريخى عاش العرب و الأوربيون: مسلمين و مسيحيين و يهودا، فى انسجام لقرون عديدة فى الأندلس، فترة مجيدة جعلت الشاعر البرتغالى الشهير فيرناندو بيسوا (1888- 1935) يقول :”دعونا أن نتدارك الجريمة التى ارتكبناها عندما طردنا من شبه الجزيرة (الآبرية) العرب الذين علمّونا الحضارة” .. أما آن الآوان أن تنتهى سلسلة الجرائم التى ترتكب بحق العرب؟
أما مستقبل العراق فلا خوف عليه، فمهد الحضارات على مدى 8,000 عامٍ و الذى غمر علمه العالم، لابد و أن ينهض ثانية و لو بعد حين.. سيستعيد الشعب عافيته و وحدته و سيزاول واجبه فى خدمة أمته، و ستعاود حرابه توجهها إلى عدوها الحقيقى القابع فى تل أبيب.. و سوف ترفرف عالياً رايات العزة والكرامة، رايات رفعها الكثير من الأبرار الذين قارعوا العدو من أمثال الشهداء هناء الشيبانى و باسل الكبيسى و ياسين فزاع الموسوى. و سوف تُشيد الأنصاب و تقام الصلوات تبجيلاً لأرواح ملايين الأطفال و النساء و الرجال الذين استشهدوا فى ملحمة عز أمام البرابرة الذين شنوا محرقتهم على العراق.. إن غداً لناظره قريب، فكما قال الإمام على ، عليه السلام، “دولة الباطل ساعة و دولة الحق حتى قيام الساعة”