عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: النكبة.. خيوط المؤامرة" الإثنين 14 مايو 2018, 6:25 am
“نكبة” فلسطين.. القصة الكاملة
[rtl]
لم يكن تاريخ الخامس عشر من أيار/ مايو 1948، والذي يعرف باسم يوم “النكبة” لدى الفلسطينيين، سوى ترجمة لسنوات طويلة سبقته، من التخطيط “الصهيوني” والبريطاني، لطرد الفلسطينيين من أرضهم، وإقامة الدولة اليهودية عليها.
فنكبة الفلسطينيين، لم تبدأ في ذلك الحين فقط، ولم يكن ذلك التاريخ إلا اليوم الأكثر دموية وهجرة للفلسطينيين من أرضهم، وتوزعهم على مخيمات اللجوء حول العالم، وبداية “القضية الفلسطينية”.
وقد تعرض الفلسطينيون على مدار سنوات طويلة تسبق يوم “النكبة”، للاضطهاد والتعذيب والتهجير، ونهب أراضيهم، والهجرة اليهودية إلى أرضهم، بتخطيط من الحركة الصهيونية العالمية، وبمساعدة بريطانيا، التي كانت تسعى لإقامة دولة يهودية على أرض فلسطين، وفق محسن صالح، الأستاذ المتخصص في الدراسات الفلسطينية.
ويقول صالح، الذي يشغل منصب رئيس مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت، لوكالة الأناضول، إن تخطيط الدول الاستعمارية وبخاصة بريطانيا، لإنشاء دولة إسرائيل يرجع لعدة أسباب، أهمها تبنيها لفكرة “الدولة الحاجزة”، التي نادى بها “الصهاينة”، والقائمة على “شطر” جناحي العالم الإسلامي في آسيا وإفريقيا، مما يؤدي إلى إضعافه، وإبقائه مفككًا، ومنع ظهور قوة إسلامية كبرى، تحل مكان الدولة العثمانية التي كانت في طور الانهيار.
ومن الأسباب الأخرى، بحسب صالح، “فشل اندماج اليهود في المجتمعات التي يعيشون فيها”.
وأردف: “كما أنه كان عدد من اليهود يرغبون في امتلاكهم أرض يحكمونها، ويعيشون فيها قوميتهم، بالإضافة إلى نشوء المشكلة اليهودية خاصة في أوروبا الشرقية، حيث تعرضوا للاضطهاد على يد الروس، مما دفعهم للمطالبة بتوفير ملاذ آمن لهم، وبدولة خاصة باليهود”.
يقول صالح، الحاصل على درجة الدكتوراة في التاريخ الحديث والمعاصر، إن “مزاعم الحق التاريخي لليهود في فلسطين تتهافت أمام حق العرب المسلمين في أرضهم”.
ويضيف: “أبناء فلسطين عمّروا هذه الأرض قبل نحو 1500 عام من إنشاء إسرائيل دولتهم القديمة والتي عرفت باسم، مملكة داود، واستمروا في تعميرها حتى أثناء حكم إسرائيل”.
وأردف: “كان الحكم الإسلامي فيما بعد هو الأطول لأرض فلسطين حيث استمر ألف ومئتي عام، أي إلى عام 1917، وانقطعت قدرة اليهود على التأثير عمليًا في حركة الأحداث في فلسطين نحو ألف و800 سنة، أي منذ عام 135م وحتى القرن العشرين، ولم يكن لهم أي تواجد سياسي أو حضاري فيها”.
وتابع صالح: “إن أكثر من 80% من اليهود المعاصرين، وفق دراسات أعدها يهود مثل آرثر كوستلر، لا يمتّون تاريخيًا بأي صلة لفلسطين، ولا يمتّون قوميًا لبني إسرائيل، والأغلبية الساحقة ليهود اليوم، تعود ليهود الخزر أو الأشكناز، وهي قبائل تترية تركية قديمة، وكانت تقيم في شمالي القوقاز، وتهوّدت في القرن الثامن الميلادي”.
واستدرك:” فإن كان ثمة حق عودة لهؤلاء اليهود، فهو ليس لفلسطين، وإنما لجنوب روسيا”.
**بداية التخطيط للنكبة:
حلّت أحداث النكبة الفلسطينية على يد المنظمة الصهيونية العالمية وبريطانيا، التي تبنت مشروع المنظمة القائم على إلغاء حقوق الفلسطينيين العرب في فلسطين، وإحلال القومية اليهودية مكانهم، وفق صالح.
وكانت بريطانيا في ذلك الوقت “القوة الكبرى الأولى في العالم”، كما يقول.
وأشار صالح إلى أن “المنظّمة الصهيونية تأسست عام 1897، على يد اليهودي ثيودور هرتزل، وكانت قائمة على ديباجات وخلفيات دينية وتراثية وقومية يهودية، وشرط نجاحها مرتبط في إلغاء حقوق أهل فلسطين في أرضهم”.
وكان تأسيس المنظمة وعقد مؤتمرها الأول، هو فاتحة العمل “الصهيوني” السياسي المنظّم لتأسيس الدولة اليهودية على أرض فلسطين، حسب صالح.
وسبق اهتمام بريطانيا، اليهود أنفسهم، بتوفير الحماية لهم، حيث افتتحت لندن لها قنصلية في القدس عام 1838، وأول رسالة من الخارجية البريطانية لنائب القنصل، طلبت فيها “بتوفير الحماية لليهود وإن كانوا غير بريطانيين”.
وتابع: “أخذت الهجرة اليهودية إلى فلسطين طابعًا أكثر تنظيما وكثافة منذ عام 1882، إثر تصاعد المشكلة اليهودية، في روسيا.
حاولت حينذاك السلطات العثمانية التي كانت تحكم فلسطين، بمنع الاستيطان اليهودي لفلسطين، ففي عام 1887، فصلت القدس عن ولاية سوريا، ووضعته مباشرة تحت إشراف الحكومة المركزية، لإعطاء رعاية أكبر واهتمام لهذه المنطقة، وفق صالح.
وأردف: “في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 1917 تبنت بريطانيًا بشكل جدي المشروع الصهيوني، وأصدرت وعد بلفور، الذي من خلاله أعلنت إنشاء وطن قومي لليهود في أرض فلسطين”.
وفي العام الذي يليه تمكنت بريطانيا من إحكام وإتمام احتلالها لفلسطين -بعد أن كانت أرضًا دولية كما أرادت بريطانيا، ووفقًا لاتفاقية “سايكس بيكو” عام 1916، تمهيدًا لتنفيذ وعدها للإسرائيليين، وتسهيل هجرتهم لفلسطين، وطرد أهلها الأصليين منها.
وأوضح صالح أنه في عام 1920، وفق اتفاقية “سان ريمو”، تمكنت بريطانيا من دمج وعد بلفور في صك انتدابها على أرض فلسطين، والذي أقرته لها عصبة الأمم في تموز/ يوليو 1922.
وبدأ تنفيذ بريطانيا لمخططها بجعل فلسطين وطنًا لليهود منذ عام 1918، وحتى عام 1948، حيث فتحت الباب على مصرعيه أمام اليهود للهجرة إلى فلسطين، فتضاعف عددهم من 55 ألف يهودي عام 1918، إلى 646 ألفًا عام 1948، أي من 8% إلى 31.7% من السكان، حسب صالح.
وأشار إلى أن عدد اليهود الذين تركوا بلداتهم الأصلية، خصوصًا في روسيا وشرقي أوروبا بلغ 2 مليون، و366 ألف و941 شخصًا، خلال الفترة 1881-1914، وهاجرت غالبيتهم الساحقة إلى الولايات المتحدة وأمريكا الجنوبية وأوروبا الغربية، وعندما فشلوا في الاندماج بالمجتمعات، ازدادت الرغبة في الهجرة إلى فلسطين.
وكانت بريطانيا في ذلك الوقت تُملّك اليهود للأراضي، فزادت ملكيتهم من نصف مليون دونم، (الدونم= ألف كيلو متر مربع)، أي 2% من مساحة أرض فلسطين، إلى نصف مليون دونم و700 ألف، أي 6.3% من أرض فلسطين.
وحصل اليهود على هذه الأراضي في الغالب من الحكم البريطاني، أو من اقطاعيين غير فلسطينيين.
وخلال تلك الحقبة، تمكّن اليهود بمساعدة الحكم البريطاني، من بناء مؤسساتهم الاقتصادية والسياسية والتعليمية والاجتماعية والعسكرية.
ورغم تلك المحاولات الاستعمارية والصهيونية في تهجير الفلسطينيين، إلا أن الفلسطينيين صمدوا على مدار ثلاثين عامًا أمامها، واحتفظوا بغالبية السكان، 68.3%، ومعظم الأرض 93.7%، كما أكد صالح.
وأردف: “إن المؤامرة كانت أكبر بكثير من إمكانات الشعب الفلسطيني، إلا أن الفلسطينيين، رفضوا الاستعمار البريطاني والمشروع الصهيوني، وطالبوا بالاستقلال، وقامت الحركات الوطنية والإسلامية التي تنادي بذلك، كما قال صالح.
ونفذت تلك الحركات، “ثورات القدس″ عام 1920، و”ثورة يافا”، عام 1921، و”ثورة البراق” عام 1929.
وشكل الشيخ عز الدين القسام، حركته الجهادية عام 1933، لمواجهة الاستعمار والمشروع الصهيوني، وشكّل عبد القادر الحسيني، منظمة الجهاد المقدس.
وتحت ضغط تلك الثورات، وأبرزهم “الثورة الكبرى”، ما بين عامي 1936-1939، اضطرت بريطانيا في أيار/ مايو 1939، أن تتعهد بإقامة دولة فلسطين خلال عشرة أعوام، وأن تتوقف عن بيع الأراضي لليهود إلا في حدود ضيقة، وأن توقف الهجرة اليهودية بعد خمس سنوات.
لكن بريطانيا تنكرت بالتزاماتها في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1945، وعادت الحياة للمشروع الصهيوني من جديد برعاية أمريكية.
وبعد ذلك بعامين وتحديدًا في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 1947، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة، قرارها رقم 181 بتقسيم فلسطين، إلى دولة عربية بنسبة 45%، وأخرى يهودية بنسبة 54%، و1% منطقة دولية، متمثلة في القدس″.
وقال صالح: “إن قرارات الجمعية العامة ليست مُلزمة ضمن مواثيق الأمم المتحدة، كما انه لم يتم استفتاء أو مشاركة الفلسطينيين قبل أخذ القرار، وأعطى القرار الأقلية اليهودية مساحة أكبر من الأكثرية الفلسطينية”.
**أبرز أحداث النكبة عام 1948:
وعند حلول عام 1948، كان اليهود قد أسسوا على أرض فلسطين 292 مستعمرة، وكوّنوا قوات عسكرية من منظمات الهاغاناه، والأرغون، وشتيرن، يزيد عددها عن 70 ألف مقاتل واستعدوا لإعلان دولتهم.
وفي مساء الـ 14 من مايو/ أيّار عام 1948، أعلنت إسرائيل قيام دولتها على أرض فلسطين، وتمكّنت من هزيمة الجيوش العربية، واستولت على نحو 77% من فلسطين، أي نحو 20 ألف كيلو متر مربع و 770 ألف، من مساحتها الكلية البالغة 27 ألف كيلو متر مربع.
وشرّدت إسرائيل بالقوة 800 ألف فلسطيني، من أصل 925 ألف فلسطيني، كانوا يقطنوا هذه المساحة التي أعلنت عليها قيام دولتها.
وحتى عام 1948 بلغ عدد الفلسطينيين على كامل أرض فلسطين، مليون و400 ألف نسمة.
ودمّر “الصهاينة” حينها 478 قرية فلسطينية، من أصل 585 قرية كانت قائمة في المنطقة المحتلة، وارتكبوا 34 “مجزرة”.
وحول ما تبقى من مساحة فلسطين، يقول صالح: “تم ضم 5876 كيلو مترا، والمتمثلة بالضفة الغربية، إلى الإدارة الأردنية، أما قطاع غزة، البالغ مساحته 363 كيلو مترا مربع، فتم ضمها إلى الإدارة المصرية”.
وأشار إلى أن إسرائيل حتى الآن بدون تحديد لحدودها السياسية ولا تمتلك دستورا مكتوبا، وهي بذلك “تخالف أبرز مواصفات الدولة الحضارية والحديثة”. (الأناضول)[/rtl]
عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الإثنين 14 مايو 2018, 6:31 am عدل 1 مرات
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
موضوع: رد: النكبة.. خيوط المؤامرة" الإثنين 14 مايو 2018, 6:28 am
النكبة في السبعين
عبد الحليم قنديل
May 14, 2018
تملك إسرائيل أن تقيم ما شاءت من احتفالات في الذكرى السبعين لما تسميه يوم استقلالها، ونسميه نحن العرب بالنكبة الفلسطينية، وقبل أسبوع من حلول الموعد في 15 مايو، حاولت إسرائيل أن توحى بنصر جديد، وأقامت سفارتها حفل عشاء في فندق قاهرى مطل على النيل، دعت إليه مئات من الشخصيات المصرية، لكن المقاطعة جاءت شبه جماعية، ولم يحضر الحفل سوى حفنة من سواقط القيد وسقط المتاع. وقد لا تخفي رمزية الحفل المريب، فالفندق الذي اختير للحفل مجاور تماما لمبنى الجامعة العربية، ومطل على ميدان التحرير، الذي شهد وقائع الثورة الشعبية المصرية، وعلى بعد خطوات من تمثال الفريق عبد المنعم رياض سيد شهداء العسكرية المصرية، والفندق نفسه شهد مؤتمرات قمم عربية، زمن القائد جمال عبد الناصر، قبل أن تتحول إدارته أخيرا إلى جهة أجنبية، وقبل أن يتغير اسمه، ويقبل استضافة حفل السفارة الإسرائيلية، في محاولة استفزازية بائسة لتحطيم كل المعاني الرمزية، وتصوير الأمر كما لو كان اختراقا لجدار المقاطعة المصرية الوطنية، وهو ما كان مصيره الفشل المدوي، فالشعوب لها اختياراتها بصرف النظر عن قرارات الحكومات، والشعب المصري أكثر الشعوب العربية عداء بإطلاق لكيان الاغتصاب الإسرائيلي، ومصر صاحبة أكبر نصيب من الشهداء في الحروب مع إسرائيل، وأربعون سنة من سريان ما يسمى معاهدة السلام، لم تطفئ جذوة الوطنية المصرية، وارتباطها العضوي بقضية فلسطين، ولا يزال التطبيع مع إسرائيل في مصر جريمة سالبة للشرف، وعارا يلحق بكل من يقترفه. والحادثة في القاهرة ليست جانبية، إنما هي في صلب الصراع المتصل لسبعين سنة إلى الآن، وكانت الضحية فيه هي فلسطين، التي صارت محتلة بكاملها، من زمن نكبة 1948، ثم هزيمة 1967 التي سموها بالنكسة، وبدت معها إسرائيل كأنها انتصرت إلى الأبد، وحققت حلم الصهيونية بإقامة كيانها على أنقاض فلسطين، ثم حصلت على اعتراف من عرب بشرعية ـ مغتصبة ـ لوجودها في معاهدات سلام رسمية، وزادت قوتها أضعافا باندماج استراتيجي مع المخططات الأمريكية، وامتلاك ترسانة هائلة من القنابل الذرية، والوصول لأرقى مستوى تكنولوجي في صناعة السلاح وحيازته، ثم اختراقاتها الأخيرة في جلب حلفاء شبه رسميين من دول الخليج الغنية، واصطفاف هؤلاء وراء إسرائيل في حملة العقوبات والحروب الأمريكية ضد إيران، وهو ما قد يوحى بانطباع خاطئ، مفاده أن إسرائيل ـ بعد سبعين سنة ـ صارت الرقم الأصعب والعنصر القائد في المنطقة، وأنها تستبدل معنى «الجامعة العبرية» بالمعنى القديم المتآكل للجامعة العربية. وقد لا يمارى أحد في ضعف وهوان وهزال الموقف العربي الرسمي، وفي انهيارات دموية عاصفة لحقت بالمشهد العربي، وفي تحطم دول عربية كبرى في المشرق العربي بالذات، وفي توالي نكبات بالعراق وسوريا، أخطر من نكبة فلسطين ذاتها، وكل ذلك صحيح ومتصل إلى مدى يعلمه الله، لكنه لا يعني ـ بالضرورة ـ دعما تلقائيا لقوة إسرائيل، ولا مضاعفة لعملقتها الموهومة، فقد كف العرب الرسميون عن المشاركة في حروب مع إسرائيل من عقود، وكانت حرب أكتوبر 1973 خاتمة لحروب النظم مع إسرائيل، ورغم خروج النظم من ساحة الصدام، فلم تزد إسرائيل أمنا، ولا زادت مناعة، بل تضاعفت محنة عجزها، رغم قوتها الظاهرة، فلم تنتصر إسرائيل في حرب واحدة بعد 1967، وتوالت هزائمها في حرب الاستنزاف على الجبهة المصرية، ثم في حرب أكتوبر 1973، وكان المآل النهائى لحروبها التالية عجزا مقيما، وقد تكون نجحت في غارات خاطفة شنتها على المفاعل النووي العراقي ثم على المفاعل النووي السوري، لكنها فشلت في تحقيق أي نصر في حروبها مع حركات المقاومة العربية الجديدة، وأرغمت تحت حد السلاح على الجلاء المذل من الجنوب اللبناني، ثم أرغمت على الجلاء عن غزة بفضل سلاح الانتفاضة الفلسطينية الثانية. ثم عجزت عن تحقيق أي نصر في أربع حروب تالية، هي حرب 2006 مع «حزب الله» في لبنان، وحروب 2009 و2012 و2014 مع «حركة حماس» في غزة، وما من مصير آخر ينتظرها في حروب تعد لها الآن على جبهة المشرق العربي، بعد انسحاب واشنطن من صفقة الاتفاق النووي مع إيران، وتصاعد السجال الحربي بين إسرائيل وإيران على جبهة سوريا، وانفتاح السبل لنشوء قوة تشبه حزب الله في سوريا، تعمل في تكامل حربي وثيق مع حزب الله في لبنان، ولديها النفس الكافي لإدارة مواجهات طويلة الأمد مع إسرائيل، لا تحسمها غارة مفاجئة ولا حرب خاطفة، تعودت عليها القوة العسكرية الإسرائيلية في طلب النصر السريع، فقد دار الزمان دورته، ودخلنا زمن الحروب الممتدة لوقت طويل، التي لا تستطيع إسرائيل تحقيق النصر فيها أبدا، ولأسباب تتصل بتوازن جديد تخلق بين القصف الجوي والردع الصاروخي، وقوة احتمال الأطراف المحاربة لإسرائيل، ومقدرتها الإيمانية على تقديم التضحيات بلا نهاية، فيما تعجز إسرائيل عن احتمال التضحية، في وقت صارت فيه تجمعاتها السكانية في قلب مرمى النيران الصاروخية. وفي قلب دائرة الصراع التاريخى المتصل، أي في فلسطين المحتلة ذاتها، لا تبدو الكفة راجحة أبدا لصالح كيان الاغتصاب الإسرائيلي، ولا تبدو إسرائيل قادرة على فرض سلام يريحها، وسوف تسقط بالبداهة تسوية ما تسمى «صفقة القرن»، وبدون قيمة فعلية، تتعدى المظاهر الاحتفالية الصاخبة لقرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، حتى لو تكاثرت أسماء الدول التي تحذو حذو أمريكا، فالحقائق تبقى هي الحقائق، وأم الحقائق أن إسرائيل مشروع استعماري استيطاني إحلالي، وككل كيان استيطاني في التاريخ، فلا بد من توفير وجلب الموارد البشرية اللازمة، وإحلالها محل السكان الأصليين، وقد فعلت إسرائيل وداعموها الغربيون كل ما استطاعوا، وجرى طرد قرابة المليون فلسطيني من أرضهم في نكبة 1948، وإجبار مئات الآلاف من الفلسطينيين الآخرين على النزوح، واعتصار كل تجمعات اليهود في أربع جهات الدنيا، واستخدام كل الإغراءات والوعود لجلبهم إلى فلسطين، لكن النتيجة الكلية بعد سبعين سنة على النكبة، جاءت صادمة ومخيبة تماما لآمال الصهيونية ودعاتها وداعميها الغربيين، فقد نفدت مخازن اليهود المستعدين للذهاب إلى الاستيطان في فلسطين، وزادت أرقام الهجرة العكسية ليهود إسرائيل من فلسطين المحتلة، فقد تفرض القوة واقعا موقوتا بالقهر، لكن جوهر مشروع الاستيطان الإسرائيلي دخل في أزمة مستحكمة، فهم يريدون إلغاء اسم فلسطين كليا، وإحلال كيان «يهودي»خالص محل الفلسطينيين، وقد صار ذلك مستحيلا أكثر فأكثر، فقد ولدت فلسطين شعبا فلسطينيا جديدا، حل محل الشعب المطرود، وكان توسع إسرائيل بعدوان 1967 نقمة عليها لا نعمة لها، فقد تغيرت الصورة السكانية جذريا، وصار عدد الفلسطينيين الآن أكبر من عدد اليهود في فلسطين المحتلة بكاملها، أي أن المشروع الاستيطاني الصهيوني لم ينجح في التخلص من السكان الأصليين، بل عادت الغلبة السكانية للفلسطينيين على الأرض المقدسة، وعلى نحو قابل للاطراد في العقود القليلة المقبلة، وبفروق ظاهرة في معدلات الإنجاب لصالح الفلسطينيين، وبصورة تحول الفلسطينيين إلى أغلبية سكانية ساحقة فوق أرضهم عند منتصف القرن الجاري، حتى لو لم يعد لاجئ فلسطيني واحد من خارج فلسطين، وهو ما يملأ قلب إسرائيل برعب غريزي مكتوم، فكل مشروع استيطاني يفشل حتما لو لم ينجح في التخلص من السكان الأصليين، وعلى نحو ما حدث في تجارب الجزائر وجنوب إفريقيا، إذ تفرض الغالبية السكانية الأصلية كلمتها في النهاية، خاصة مع التطور الظاهر في إبداع سبل المقاومة الفلسطينية، والتحول المطرد إلى صنوف المقاومة الشعبية السلمية الواسعة، والالتحام اليومى المتزايد بين «عرب 1948» والفلسطينيين في غزة والقدس والضفة الغربية، ورفض إسرائيل للجلاء عن القدس وأغلب الضفة الغربية، فالضفة بالذات (يهودا والسامرة بزعمهم) هى قلب الأسطورة الصهيونية المتمسحة بأساطيرالتوراة. ومحصلة ذلك كله، أن إسرائيل تحفر قبرها، ربما بسلاحها، فقد استحكمت العقدة التاريخية، ولم يعد بوسع إسرائيل رفد وجودها العنصري الاستعماري الاستيطاني بزاد بشرى مؤثر، بينما يتدفق الخزان البشري الفلسطيني، ويثبت على أرضه، ويبدع في فنون المقاومة، ويكسب كل يوم معارك جديدة في ضمائر العالم الحية، رغم التدهور الحاد في بنية السلطات الرسمية الفلسطينية، وعلى نحو يقود بطبعه إلى مراحل جديدة، تصبح فيها القضية بيد الشعب الفلسطيني أساسا، وتسقط قيود التحكم في حركته، وتنقشع أوهام «أوسلو» وأخواتها وأزلامها، وتنشأ أجيال جديدة عفية متعلمة واعية، فالشعب الفلسطيني أكثر الشعوب العربية تعليما، وقد تعرض لمحنة فريدة، خلقته خلقا جديدا، وهذا أكثر ما تخشاه إسرائيل، لكنها لا تملك الفرصة لكبحه، فالقوة العسكرية الزائدة لا تفيد في مواجهة حركة الناس، ولا تخيف طلائع شعب مستعد للتضحية إلى ما لانهاية، وليس لديه شيء يخسره سوى قيوده، فقد انتهى موضوعيا زمن نكبة الفلسطينيين، وتعلموا درس الثبات على الأرض مهما ضاقت، وهو ما يبشر بزمن جديد، تحل فيه «نكبة إسرائيل» محل نكبة الفلسطينيين، ويذهب فيه المطبعون مع العدو إلى مزابل التاريخ. كاتب مصري